الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تفنيد أحاديث انتقصت من المرأة - 2 ( ما أفلح قوم ولوا أمرهم المرأة )

ربيحة الرفاعي
كاتبة وباحثة

(Rabiha Al-refaee)

2019 / 3 / 6
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


كنا بدأنا تفنيد أحاديث انتقصت من قدر المرأة، بمناقشة حديث ناقصات عقل ودين، الذي لا يقف تفنيده عند تناقضه السافر مع ما يشهد به الواقع اليوم من وجود عالمات ومبدعات تشهد مساهماتهن في المجالات المختلفة بكمال العقل، وما يشهد به التاريخ الديني الاسلامي من سؤال مشيخة أصحاب النبيّ(ص) لعائشة عن الفرائض، وما كان من أخذ الحديث عن نساء النبي وعلى رأسهم عائشة، وإنما تفنده معطيات جوهرية في ذاته كضعف الذاكرة الضابطة للحديث يشهد بها اختلاف متونه، وأن في سنده من هو متهم بحفظه، وغير ذلك من أدلّة تنفي الادعاء بنسبه الحديث للنبيّ صلى الله عليه وسلم.
ونناقش اليوم حديثا آخر من شواهد ميزوجينية من يسمّونهم بالرواة الموثوقين الذين نسبوا للنبيّ ما لا تصحّ نسبته له عقلا ولا واقعا وهو "ما أَفْلَحَ قَوْمٌ وَلّوا أَمْرَهَمُ امْرَأَةً" ، وقد جاء نص الحديث في صحيح البخاري: "حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّه أَيَّامَ الجَمَلِ، بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ، قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى، قَالَ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً«" 1. وهو بنفس اللفظ في سنن النسائي.
ونبدأ بمعنى الولاية حيث الوَلْيُ في القاموس المحيط هو القرب والدنوّ، والوليُّ هو الإسم منه، والمحب والنّصير، ووَليَ الشئَ و وليَ عليه وِلاية هي الخطّة والإمارة والسّلطان.والوَلاية بكسر الواو وفتحها هي النُّصرَة.
وهو من أحاديث الآحاد، حيث رواه في الطبقة الأولى "أبو بكرة" ورواه عنه الحسن، لتتعدد بعد ذلك الرواة بتباين متونه فيما يبدو للوهلة الأولى أو للنظرة السطحية واهيا وهو عظيم، فقد جاء في مسند أحمد بروايات
وفي مسند أحمد:
1- " مَا أَفْلَحَ قَوْمٌ يَلِي أَمْرَهُمْ امْرَأَةٌ " 2.
2- " " لَا يُفْلِحُ قَوْمٌ أَسْنَدُوا .."3 .
3- " لَا يُفْلِحُ قَوْمٌ تَمْلِكُهُمْ امْرَأَةٌ "4.

ونعود إلى مناسبة القول، وهي وفقا للروايات أن نفراً قدموا من بلاد فارس إلى المدينة المنورة ، فسألهم النبيّ (ص) عمن يلى أمر فارس فقالوا: امرأة. فقال "ما أفلح قوم ولوّا أمرهم امرأة". مع اختلاف المتون من حيث ألفاظها في هذه النبوءة أو الدعاء أو... حيث أختلفت أداة النفي في نفي الفلاح في الحديث لتكون مرة لن" لن يفلح" ، ومرة ما " ما أفلح" ، ومرة لا " لا يفلح" ، واختلفت صيغة وصف الولاية لتكون مرة " وَلَّوْا أَمْرَهُمُ" ومرة "يَلِي أَمْرَهُمْ" ، ومرة " أَسْنَدُوا أَمْرَهُمْ" ومرة " تَمْلِكُهُمْ" ، وأولى برواة حديث تشريعي توخّي حَرفيّة النقل (المطابقة التامّة فيما ينقل)، فإن كان التبس عليه نص ما قال بحَرفيّته، فنقَله بمعناه، فإن لنا أن نفترض أنه –ربما- نقل فهمه للقول، وهو بذلك قوله هو، لا قول النبيّ..
• فما الذي يمنع أن يكون هذا الذي اختلف لفظه في: ولّى، وملّك، وأسند، وفي ما أفلح، ولن يفلح ولا يفلح - قد اختلف في كلّيّته عن حقيقة القول؟
• وما الذي يمنع أن يكون التبس عليهم بين ما أفلح ولا أفلح، فيكون القول دعاء على أهل فارس بعدم الفلاح، وليس بغائب على عارف بالعربية أن الثانية دعاء على معين، وليست خبر أو تقريرا..

ماذا عن الرواة
الحديث مروي عن أبي بكرة وهو نفيع بن الحارث بن كلدة بن عمرو بن علاج بن أبي سلمة، وقد جلده عمر بن الخطاب حد القذف بالزنى، وأسقط شهادته.
والجلد حد القذف بالزنى يقع على من يتهم به مسلما ولا يأتي بأربعة شهود، ثم إن من لم يفعل هو عند الله كاذب بحكم قوله تعالى ﴿ لَولَا جَاؤا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذَا لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوُلَئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الكَاذِبُونْ﴾ (النور13(.
وقصة ذلك كما جاء في السير (3/28) "وقال أبو عتاب الدلال: حدثنا أبو كعب صاحب الحرير، عن عبد العزيز بن أبي بكرة قال: كنا جلوسًا وأبو بكرة وأخوه نافع وشبل فجاء المغيرة 5 ، فسلم على أبي بكرة، فقال: أيها الامير! ما أخرجك من دار الإمارة ؟ قال: أتحدث إليكم، قال: بل تبعث إلى من تشاء، ثم دخل، فأتى باب أم جميل العشية، فدخل، فقال أبو بكرة: ليس على هذا صبر، وقال لغلام: ارتق غرفتي، فانظر من الكوة، فانطلق. فنظر وجاء، فقال: وجدتهما في لحاف، فقال للقوم: قوموا معي، فقاموا، فنظر أبو بكرة فاسترجع، ثم قال لأخيه: انظر، فنظر، فقال: رأيت الزنى محضًا؟ قال: وكتب إلى عمر بما رأى، فأتاه أمر فظيع، فبعث على البصرة أبا موسى، وأتوا عمر، فشهدوا حتى قدموا زيادًا، فقال: رأيتهما في لحاف واحد، وسمعت نفسًا عاليًا ولا أدري ما وراءه، فكبر عمر، وضرب القوم إلا زيادًا".
وقال أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن" ونص الحادثة ما رواه أبو جعفر قال: كان المغيرة بن شعبة يباغي أبا بكرة وينافره، وكانا بالبصرة متجاورين بينهما طريق، وكانا في مشربتين متقابلتين في داريهما، في كل واحدة منهما كوة تقابل الأخرى، فاجتمع إلى أبي بكرة نفر يتحدثون في مشربته... إلى آخر القصة".
واخرج القصة الطبراني في ترجمة شبل بن معبد، والبيهقي من رواية أبي عثمان النهدي أنه شاهد ذلك عند عمر وإسناده صحيح.

وقد تعددت رواية الحادثة من طرق كثيرة محصلّها أن :
- أبا بكرة تجسس على المغيرة وأمر غلامه بالتجسس " ارتق غرفتي فانظر من الكوّة " وفي هذا مخالفة لصريح الأمر في القرآن الكريم " ... يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ... الآية" الحجرات 12
- أن أبا بكرة رمى المغيرة بالزنا، ولم يأت بأربع شهداء فجلد حدّ القذف بالزنى وأبطلت شهادته " ... ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ " النور4
- أن أبا بكرة راوية الحديث مبطل الشهادة بأمر القرآن وبحكم عمر، وعن هذا المبطل الشهادة أخذت الأمة الحديث وقبلته صحيحا وبات عندها مصدر تشريع ..

وفي الحسن وهو راوية الحديث عن أبي بكرة يقول الألباني في " إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل تحت الرقم 2456:" قلت: والحسن هو البصري، وهو مدلّس".

ورغم كل ذلك فقد صح الحديث عند فقهاء المسلمين بما أرضى من ذكوريتهم، وما أشبع من كراهية للمرأة تسكنهم، فكانت فتاواهم بعدم جواز ولاية المرأة :
قال ابن حزم: "وجميع فرق القبلة ليس فيهم أحدٌ يُجيزُ إمامة امرأة" 6.
وقال القرطبي: " وأجمعوا على أنَّ المرأة لا يجوز أن تكون إماما، وإن اختلفوا في جواز كونها قاضية فيما تجوز شهادتهم فيها" 7.
وقال عبد الملك الجويني: "وأجمعوا على أنَّ المرأة لا يجوزُ أن تكونَ إماماً" 8.
وقال الشنقيطي:"من شروط الإمام الأعظم كونه ذكراً، ولا خلاف في ذلك بين العلماء" 9 .
وقال أبو الوليد الباجي: "ويكفي في ذلك عملُ المسلمينَ من عهد النبيِّ،لا نعلمُ أنه قدَّم امرأةً لذلك في عصرٍ من الأعصار، ولا بلدٍ من البلاد، كمَا لَمْ يُقدِّم للإمامة امرأة" 10.
وقال ابن قدامة: "ولا تصلحُ للإمامة العظمى ولا لتولية البلدان، ولهذا لَمْ يُولِّ النبيُّولا أحدٌ من خلفائه ولا مَن بعدهم امرأة قضاء ولا ولاية بلد فيما بلَغنا ولو جازَ ذلك لَمْ يَخلُ منه الزمانُ غالباً" 11.
وقال البغوي: "اتفقوا على أنَّ المرأةَ لا تصلحُ أنْ تكونَ إماماً ، ولا قاضياً، لأنَّ الإمامَ يحتاجُ إلى الخروج لإقامة أمر الجهاد، والقيام بأمور المسلمين ، والقاضي يحتاجُ إلى البروز لفصل الخصومات، والمرأة عورةٌ لا تصلحُ للبروز ، وتعجزُ لضعفها عن القيام بأكثر الأمور، ولأنَّ المرأةَناقصةٌ ، والإمامة والقضاء من كمال الولايات، فلا يصلحُ لها إلاَّ الكامل من الرجال" 12.

لكن التاريخ والواقع يشهدان بعجز رأيهم وبطلان مصدر تشريعهم وبطلان ما يزعمون، وننطلق من شهادة التاريخ الإسلامي الأقرب لزمان النبيّ والسابق لادعاء الحديث عليه بولاية المرأة أمر الحرب وأمر الاقتصاد


المرأة وولاية الحرب
لقد فات الذين اعتمدوا الحديث مصدرا للتشريع بعدم جواز ولاية المرأة، أن عائشة زوج النبي قادت جيشا وأعلنت حربا أثّرت بمستقبل الأمة حتى اليوم، هي واقعة الجمل، التي أخذت اسمها من مركوب قائدها "عائشة بنت أبي بكر" وأن رواية أبي بكرة له جاءت لتبرير عدم التحاقه بجيش عائشة، بما يكذّب بالفعل قول المدافعين عن السلطان المطلق للرجال بإنكار قيادة عائشة للجيش وادعاء قيادة طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام له، وهما من قادته فعلا، إنما تحت قيادتها.
وقال أبو عيسى الترمذي:حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، قَالَ : حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ، قَالَ : حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: عَصَمَنِي اللَّهُ بِشَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ لَمَّا هَلَكَ كِسْرَى، قَالَ : مَنْ اسْتَخْلَفُوا ؟ قَالُوا: ابْنَتَهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ: لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَتْ عَائِشَةُ يَعْنِي البَصْرَةَ ذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ فَعَصَمَنِي اللَّهُ بِهِ.
وجاء في شرح حديث الحديث لدى البخاري في طبعة الدكتور مصطفى البغا قول الدكتور البغا:" ش4163 (4/1610) -(أيام الجمل) أي كان إنتفاعي بتلك الكلمة أيام وقعة الجمل التي وقعت بين علي ومن معه وعائشة رضي الله عنها ومن معها وسميت بذلك لأن عائشة رضي الله عنها كانت تركب في هودج على جمل كان مرجع الناس ورمز ارتباطهم وحوله كانوا يلتفون وعن التي تركبه يدافعون وإليه الخصم في ضرباتهم يسددون. وكان إنتفاع أبي بكرة بتلك الكلمة أن كفته عن الخروج والمشاركة في الفتنة".
إنه المنطق يحاججهم، فلو لم تكن عائشة هي من يلي أمر الجيش ويقوده، لما كان ليصحّ قول أبي بكرة أن الله عصمه بما زعم سماعه -من عدم فلاح قوم ولوا أمرهم امرأة- من الالتحاق بجيشيها ، ثم إن في قوله ذلك بما يعنيه من أنها وليت أمر الجيش وسكوت الناس عنه بل وتناقلهم إياه شاهد على على ولايتها.

المرأة وولاية الاقتصاد
وقد تولت نساء من السلف أمر السوق والأمر فيه بالمعروف والنهي عن المنكر، وجاء عن أبي بلج يحيى بن أبي سُليم قوله: "رأيت سمراء بنت نهيك - وكانت قد أدركت النبي-عليها درع غليظ وخمار غليظ بيدها سوط تؤدب الناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر" 13.
وقد ولّى عمر بن الخطاب مسؤولية الحسبة في أسواق المدينة للشفاء بنت عبد الله القرشية العدوية ، وولّى سمراء بنت نهيك الأسدية على سوق مكة.
قال الإمام ابن حزم في المحلى (9/429 #1804): " وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه ولى الشفاء (أظنها بنت عبد الله العدوية، من المهاجرات الأوائل) –امرأة من قومه– السوق".
وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال " وهي من المهاجرات الأول، اللاتي بايعن رسول الله، وكانت من عقلاء النساء وفضلائهن وكان رسول الله يأتيها فيقيل عندها، واتخذت له فراشا وإزارا ينام فيه، فلم يزل عند ولدها حتى أخذه منهم مروان بن الحكم... وكان عمر بن الخطاب يُقدّمها في الرأي ويرضاها ويُفضّلها، وربما ولاها شيئا من أمر السوق. ذكر ذلك أبوعمر ابن عبد البر" 14 .
ولنقف هنا عند حجة ربما ساقها أحدهم اعتراضا على قبولنا هذا المروي عن ابن حزم وعن يحيى بينما نرفض غيره من الروايات، وما له في ذلك حق، فما يدعى سماعه عن معيّن وإن يكن هذا المعيّن هو النبيّ يظل أمره محصورا بمن يدّعون سماعه، لا يملك من لم يسمعه تكذيبه إلا بحجة، بينما يختلف هذا فيما هو فعلٌ منظور ومعلوم للعامة كولاية امرأة أمر السوق فهو تأريخ، ولو كذب فيها المدّعي لهبّ الجميع لتكذيبه.


المرأة والولاية العامة
وقد حفظ لنا التاريخ أسماء نساء حكمن دولا، وبرعن في القيادة وإدارة الحكم، وابتكار سبل التنمية وتحرير العقول وسن القوانين لشعوبهن، فارتقت بحنكتهن وذكاء قيادتهن دولهن، وصنعن بها حضاراتما زال ذكرها خالدا على مرّ الزمان. فأفلحت أقوامهن بولايتهن أمرها، ومنهن من كانت في أزمان وبلدان تمنع النساء فيها من الحكم، منهن مثلا :
الملكةالآشورية سميراميس، التي لم تكتف بالسلطة السياسية وإدارة شؤون البلاد بل تعدتها إلى التأثير في الحياة الدينية والفكرية والاجتماعية، أضفت الأثر البابلي على طريقة الحكم وعلى الكهنوت الآشوري وعلى عموم الحياة في نينوى، وقامت بمشاريع عمرانية واسعة وأهمها بناء مدينة آشور بمعابدها وقصورها الضخمة واحاطتها بالاسوار العالية، وقامت بالفتوحات واستطاعت ان تسيطر على مصروبلاد الشام وبلاد ميديا.

وفرعونه مصر حتشبسوت، التي تعد أذكى النساء اللواتي حكمن مصر قديماً، كان حكمها نقطة بارزة ليس في تاريخ الأسرة الثامنة عشرة فحسب، بل وفي تاريخ مصر القديم كله.واجهت حتشبسوت بإصرار وعناد سلطة دينية ذكورية تمثلت في تقاليد البلاط ودسائس الكهنة، التي لم تتقبل فرعونا امرأة، ولكنها فرضت حضورها كفرعون حاكم وكابنة الإله، وقد تميز عهدها بالازدهار والسلام والرخاء وقوة الجيش ونشاط البناء وأنشأت السفن الكبيرة والأسطول التجاري.

وكليوباترا السابعة، التي عملت على استرداد أمجاد أسرتها الحاكمة، وقادت الجيوش في سن الواحد والعشرين، وتمكنت من بسط الاستقرار والسلام والازدهار ومكافحة الفساد في البلاد أثناء فترة حكمها، وفتحت مخازن الحبوب لشعبها أثناء فترة المجاعات ورفعت الضرائب عنهم.

وملكة تدمر زنوبيا، التي حكمت البلاد بعد اغتيال زوجها أذينة، فغيّرت من واقعها واستطاعت أن تقود قومها إلى نهضة شاملة وقوة عسكرية طامحة، وأُطلق عليها لقب "الملكة المحاربة" لأنها عُرفت بشجاعتها، وخاضت حروباً عديدة، وقادت جيشها وغزت عدة مقاطعات في الجهة الشرقية من روما وغزت مصر وأراضي سوريا، ولبنان، وفلسطين، وسيطرت على منطقة آسيا الصغرى، وشكّلت إمبراطورية مستقلة عن روما، وقامت بصك النقود حيث خصصت قطعاً نقدية لمملكتها، واعتبرت صانعة نهضة بلاد الشام صانعة نهضة بلاد الشام .

وإمبراطورة الصين وو زيتان، التي شقّت طريقها للحكم في العقد الثاني من عمرها، بعد وفاة زوجها الإمبراطور جاوزونج، فشهد عهدها توسيع الإمبراطورية والاستقرار والنمو الاقتصادي، رغم وصفها بقسوة القلب.

وملكة إسبانيا ايزبيلا الأولى، التي تميزت بقوتها وجبروتها، فدعمت زوجها الملك في حملتة العسكرية لإسقاط غرناطة آخر معاقل المسلمين في اسبانيا ، وحوّلت اسبانيا لقوة عالمية كبيرة في وقتها، وكانت وراء إنشاء محاكم التفتيش ودعت لتوحيد عدة ممالك، وهي التي دعمت ومولت رحلة كريستوفر كولومبوس لاكتشاف أمريكا.

والإمبراطورة الرومانية ماريا تيريزا، خارقة الذكاء الموصوفة بأنها من أحكم وأقدر وأنجح الحكام في تاريخ النمسا، وكان لها نفوذ قوي في الشؤون الأوروبية، واهتمت بالاصلاحات الاقتصادية فأنعشت الإقتصاد وزادت رفاهية الامبراطورية، وقضت على الفوضى، وواجهت الجيوش الأوروبية الطامعة بأراضيها بعد استلامها الحكم.

وملكة روسيا كاترين الثانية، وهي من أبرز وأهم حكام روسيا عبر التاريخ وأعظمهم تأثيرا، وقد حكمت روسيا لأكثر من ثلاثين عام، بعد الانقلاب الذي اطاح بحكم زوجها، فحاربت ووسّعت أراضي الإمبراطوريَّة على حساب جيرانها، وازدادت قوَتها العسكرية حتى اضطرت الدول الأوروبية الغربية للاعتراف بها كقوة عظمى.

والملكة فيكتوريا ملكة بريطانيا العظمى، التي تسلمت العرش في الثامنة عشر من عمرها، وسُميت الفترة التاريخية التي بلغت فيها بريطانيا أوجها بالعصر الفكتوري نسبة إليها، حيث تمكنت من توسيع الإمبراطورية لتشمل القارات الخمس، وشهدت بريطانيا في عهدهاانتصارات عسكرية و ثورة صناعية، سياسية، علمية، ثقافية.

ورئيسة وزراء الهند أنديرا غاندي، وهي امرأة ذات شأن على المستوى الدولي وليس الهند فقط، قامت بإنجازات عظيمة لبلدها منها تأميم البنوك، واحتلال بنغلاديش، و برنامجها لانتشال الفقراء من بؤسهم ، وأصبحت الهند بقيادتها بلداً قوياً، أحرز تطوُّراً في مختلف المجالات.

ورئيسة وزراء بريطانيا مارغريت تاتشر التي لقبت بالمرأة الحديدية لسياساتها الحازمة، وإحدى أعظم السياسيين وأكثرهم تأثيراَ في التاريخ البريطاني المعاصر، عرفت بقوتها وحزمها واتباعها سياسة نقدية متشددة أثناء توليها رئاسة الوزراء، كما قادت بلادها في حرب اجتازت المحيط نحو الأرجنتين لاستعادة المستعمرة البريطانية جزرالفوكلاند/الملاوين ردا على اجتياح الارجنتين العسكري لجزر الفوكلاند في جنوب المحيط الأطلسي لاسترجاعها..
ولا أظننا بحاجة لتعداد القيادات النسائية في العالم ممن يلين اليوم أمر دولهن باقتدار يشهد به الواقع المشهود لأعيننا، ولو أردنا تعداد النساء اللواتي ولين واللواتي يلين اليوم أمور بلادهن فقُدنها ويقُدنها للازدهار والقوة لأعيتنا المساحة هنا، إنما هو اختيار عشوائي لبعض أسماء خلّدت حضورها وأثبتت عمليا قدرتها على الولاية العامة وأهليتها لها، وأفلحت بولايتها أقوامها، بما يفند الزعم بعدم أهلية المرأة للولاية والولاية العامة.

وبرغم كل ذلك فقد فرضت ميزوجينية السلف وخلفهم ورؤيتهم الذكورية سلطانها؛ فكان التنكّر لولاية عائشة أمر الجيش، والتنكر لولاية الشفاء وسمراء أمر الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنكار ذلك بكل ما أتيح للمحققين والمفسرين والعلماء من سبيل التفاف على المشهد وتأويل في معانيه، وتكريس الرأي بالقول بمنع المرأة من الولاية، مستندين أو متقوّين على الحقّ بحديث مدّعى على النبيّ يفنّده كما رأينا ما هو معلوم عن رواته، واختلاف رواياته بما يشهد بعدم دقّة النقل وينفي صحته، وتفنده الممارسة الفعلية في زمن غير بعيد عن حياة الرسول بما كان من عمر ثم من عائشة، ويفنده التاريخ بملكات عظيمات ارتقت بهن أممهن، والواقع المعاصر بزعيمات في كثير من دول العالم تغبظ لولايتهن شعوبهن .

1- صحيح البخاري - ج6 – ص 8 – باب كتاب النبي (ص) إلى كسرى وقيصر – حديث رقم 4425
2- مسند أحمد – حديث 20508
3- مسند أحمد . حديث رقم 20477
4- مسند أحمد . حديث رقم 20438
5- المغيرة بن شعبة كان أمير البصرة لعمر ، واتهمه أبو بكرة، وكان أبو بكرة ونافع بن الحارث بن كلدة الثقفي، وشِبل ابن معبد بن عتيبة بن الحارث البجلي، وزياد بن عبيد
6- ابن حزم الأندلسي - الفصل في الملل والأهواء والنحل - ج4 – 179.
7- القرطبي – الجامع لأحكام القرآن . ج1 . 270.
8- الجويني- الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد.
9- الشنقيطي- أضواء البيان – 1 / 55.
10- ابن باجي – شرح الموطأ – ج5 – ص182.
11- المغني لابن قدامة 13/14.
12- شرح السنة 10 / 77.
13- أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير" (24 / 311 / 785) بإسناد جيد جوّده الألباني، وقال الهيثمي (9 / 264):(ورجاله ثقات).
14- المزي، جمال الدين أبي الحجاج – تهذيب الكمال في أسماء الرجال – ج35 - ص 207








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل يعقل؟
أكرم فاضل ( 2019 / 3 / 6 - 05:31 )
والجلد حد القذف بالزنى يقع على من يتهم به مسلما ولا يأتي بأربعة شهود، ثم إن من لم يفعل هو عند الله كاذب بحكم قوله تعالى ﴿-;- لَولَا جَاؤا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذَا لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوُلَئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الكَاذِبُونْ﴾-;- (النور13(.

1- المتكلم في الآية أعلاه شخص ثالث غير معروف فهل يعقل أن ينسب القول الى الله الذي يحشر اسمه حشراً ولماذا لا يقول - فأؤلئك عندي هم الكاذبون-إن كان هو المتكلم؟

2- الزنا يقع في السر فهل يعقل وجود أربعة شهود عيان ؟

3- إذا كانت الأحاديث عن كون المرأة -ناقصة عقل ودين - فلماذا لا تحذف من الكتب؟


2 - تصحيح
أكرم فاضل ( 2019 / 3 / 6 - 16:06 )
سقطت سهواً من الفقرة (3) من ردي أعلاه عبارة - غير صحيحة أو مشكوك بأمرها- بعد -ناقصات عقل ودين- وأعتذر عن هذا السهو.


3 - تصحيح الأديان ليس خطأ
روان المصري ( 2019 / 3 / 6 - 23:23 )
يبدو أن قراء هذا الموقع لا يرحبون إلا بالفكر الإلحادي
ويقرأون المواضيع من هذه الناحية فقط
وهذا تحيز ضد الآخر
تعليق الأخ أكرم فاضل خرج عن الموضوع ليطعن بالقرآن
مع أن تصحيح الأديان ينقذ أتباعها من الجهل المحشو فيها


4 - تصحيح الأديان.
أكرم فاضل ( 2019 / 3 / 7 - 01:51 )
يبدو أن الأخ روان المصري قد فهم قصدي بعكس ما أعنيه.

- أنا لست ضد الفكر الالحادي لأن لكل انسان قناعاته الخاصة يجب احترامها.

-أنا لا أطعن بالقرآن لا بل أحترم أتباعه الذين يزيد تعدادهم عن مليار شخص لكني طرحت أسئلة محددة على نقاط محددة وردت في المقالة تبدو غامضة.

انقاد أتباع الأديان من الجهل المحشو فيها لا يتم الا عن طريق فهم النصوص بشكل واضح وليس بالقبول بها عن طريق التلقين لغرض حفظها.

اخر الافلام

.. اعترضتها شرطة الأخلاق.. امرأة تفقد وعيها وتنهار خارج محطة مت


.. مها أبو رسلان شقيقة شاب توفي تحت التعذيب




.. معرض --We Can صوت الأطفال النازحين من قطاع غزة


.. معلمات السويداء تشاركن في الصفوف الأولى للاحتجاجات




.. المحتجة إلهام ريدان