الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعرفة قرار إنسانوي

حسن عجمي

2019 / 3 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


المعتقدات التي تؤدي إلى تحقيق الحريات و المساواة و السلام تشكِّل معرفة حقة بينما المعتقدات التي تؤدي إلى سجننا و قمعنا و تحتِّم اللامساواة بين البشر و تؤسِّس للفِتَن و الحروب فليست معرفة حقة. هكذا المعرفة قرار إنسانوي يُتخَذ على ضوء القِيَم الإنسانوية كقِيَم الحرية و المساواة و السلام ما يتضمن أنَّ فقط المعتقدات التي تضمن الحريات و المساواة و السلام هي المعرفة الحقيقية.

هدف أساسي من أهداف المعرفة هو بناء الإنسان بمعتقدات صادقة قادرة على تطويره و تحقيق إنسانيته الكبرى. و لا يُبنَى الإنسان و لا يتطوّر و لا تتحقق إنسانيته الأعلى سوى بمعتقدات تضمن السلام و الحريات و المساواة بين الجميع فمن دون سلام و مساواة و حريات بفضل معتقدات و مبادىء تضمنها يُقمَع و يُسجَن الإنسان فتزول إنسانيته و إمكانية أن يتطوّر . لذلك لا تتشكّل المعرفة سوى من معتقدات ضامنة للحرية و المساواة و السلام. من هنا فقط المعتقدات التي تضمن تحقيق الحريات و المساواة و السلام تشكِّل معرفة حقة.

المعرفة قرار عقلاني إنسانوي في المستقبل ما يجعل المعرفة معتمدة في تكوّنها و وجودها على قرارات عقلانية و قرارات إنسانوية في آن و ما يتضمن تشكّلها في المستقبل فتحرّرنا من سجون معتقداتنا الماضوية. من هنا المعرفة آلية تحرّر من معتقدات الحاضر و الماضي ما يضمن تطوّر الإنسان بانتاجه لمعتقدات جديدة مغايرة للنماذج الفكرية الماضوية لأنَّ المعرفة ظاهرة مستقبلية فلا تتشكّل حقاً سوى في المستقبل لكونها قرارات عقلانية إنسانوية مستقبلية. و اعتماد المعرفة على القرارات العقلانية يربط المعرفة بالعقلانية المتمثلة بعقلانية مبادىء المنطق و التفكير الموضوعي و عقلانية الواقع نفسه ما يؤكِّد على مقبولية تحليل المعرفة على أنها قرارات عقلانية إنسانوية مستقبلية. فلا معرفة بلا اعتماد على عقلانية مبادىء المنطق و التفكير الموضوعي و بلا تعبير عن عقلانية الواقع.

أما اعتماد المعرفة على القرارات الإنسانوية فيضمن أن تكون المعرفة مفيدة للناس جميعاً لأنَّ القرارات الإنسانوية معتمدة على القِيَم الأخلاقية (كقِيَم احترام الحريات و المساواة) الهادفة إلى إفادة الجميع. و بالفعل المعرفة هي المفيدة للجميع كما يجب أن تكون كذلك. من هنا تحليل المعرفة على أنها قرارات إنسانوية بالإضافة إلى كونها قرارات عقلانية هو تحليل صادق لضمانه ارتباط المعرفة بالعقلانية و الإفادة الإنسانوية معاً.

مثل على أنَّ المعرفة قرار إنسانوي عقلاني هو التالي : الاعتقاد بأنَّ كل البشر يشكّلون إنساناً واحداً لا يتجزأ يشكّل معرفة حقة. هذا لسببيْن أساسيين هما أولاً الاعتقاد بوحدة البشرية الذي مضمونه أنَّ كل البشر هُم إنسان واحد يؤسِّس للسلام بين الجميع و بذلك هو اعتقاد إنسانوي بامتياز ما يجعله قراراً إنسانوياً فمعرفة حقة. حين نعتقد بوحدة البشرية يزول حينئذٍ أي تعصب و أية عنصرية ما يحتِّم نشوء السلام.

كما أنَّ الاعتقاد بوحدة جميع أفراد البشرية يدفعنا نحو معاملة الجميع بتساو ٍ (من جراء وحدة الجميع في إنسان واحد لا يتجزأ) فيحقق المساواة بين جميع البشر ما يدلّ على إنسانوية هذا الاعتقاد فتكوينه للمعرفة الحقيقية. و الاعتقاد بوحدة البشر يضمن أيضاً حريات الجميع فلا حرية لفرد من دون حرية لجميع أفراد البشرية لكونهم جميعاً يشكّلون إنساناً واحداً. هكذا هذا الاعتقاد اعتقاد إنسانوي لضمانه الحرية للجميع تماماً كما يضمن المساواة بين الجميع ما يجعله معرفة حقة.

ثانياً , الاعتقاد بوحدة البشر اعتقاد عقلاني أيضاً ما يدلّ على أنه يشكّل معرفة حقيقية. و هو اعتقاد عقلاني لأنَّ كل البشر يتكوّنون من الجينات البيولوجية نفسها ما يحتِّم نتيجة أنهم بالفعل يشكّلون كينونة وجودية واحدة لا تتجزأ. هكذا الاعتقاد بوحدة جميع أفراد البشرية هو قرار إنسانوي و عقلاني معاً ما يشير بحق إلى أنه معرفة حقة و حقيقية في آن.

أما الاعتقاد بوجود ثقافات أو حضارات مختلفة كلياً عن بعضها البعض و متصارعة فيؤسِّس للصراع و الفِتَن و الحروب و بذلك هو ليس قراراً إنسانوياً و لذلك لا يشكّل معرفة حقة. كما أنَّ هذا الاعتقاد ليس قراراً عقلانياً ما يؤكِّد على أنه ليس معرفة حقيقية. فهو ليس قراراً عقلانياً لأنه يصرّ على وجود ثقافات و حضارات مختلفة كلياً و متصارعة فيتضمن أنَّ البشر مختلفون كلياً و إلا ما اختلفت ثقافاتهم و حضاراتهم. لكن هذا يعارض وحدة البشر بوحدة تركيبتهم البيولوجية و مشاركتهم في امتلاك الجينات البيولوجية نفسها ما يجعله اعتقاداً غير عقلاني.

هكذا المعتقدات التي تؤدي إلى الفِتَن و الصراع و الحروب كالمعتقد السابق لا تشكِّل معرفة حقيقية لخلوها من الإنسانوية و العقلانية معاً. لكن الاعتقاد بأنَّ كل الثقافات تكوِّن حضارة واحدة هي الحضارة الإنسانية المشتركة بين جميع البشر يشكِّل معرفة حقة بسبب عقلانيته الكامنة في قبول العِلم القائل بمشاركة كل البشر للجينات البيولوجية ذاتها فوحدة كل البشر و بسبب إنسانوية هذا الاعتقاد أيضاً الذي يحتِّم سيادة السلام و احترام حريات الجميع و المساواة بين الجميع.

المعتقدات التي لا تبني الحضارة و إنسانية الإنسان ليست معتقدات معرفية. فالمعرفة أداة بناء الإنسان و حضارته. معرفة بلا إنسانوية معرفة كاذبة. إنسانٌ بلا إنسانوية إنسانٌ بلا معرفة. و إنسانٌ بلا معرفة شبهُ إنسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل