الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القمة الأمريكية وكوريا الشمالية

مروان عبد الرزاق
كاتب

(Marwan)

2019 / 3 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


القمة الأمريكية وكوريا الشمالية
منذ صعود ترامب للرئاسة الأمريكية عبر عن موقفه العدائي تجاه "جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية"، والمعروفة بكوريا الشمالية النووية، ووصف رئيسها "كيم جونغ أون"، "بأنه مجنون يمتلك السلاح النووي"، وأنه "القصير السمين"، و"رجل الصواريخ الصغير"، وهدده "بالنيران والغضب"، ورد عليه كيم بأن ترامب "العجوز المتخلف عقلياً".
وقد أوصى ترامب الصين بحل المشكلة النووية، نتيجة ارتباطها الوثيق بكوريا. لكنها فشلت في ذلك، مما أدى إلى التدخل الأمريكي شخصياً، لحل الإشكالية النووية الكورية التي تهدد الدول الآسيوية وأوروبا والقواعد الامريكية.
ولم تكن قمة ترامب-كيم، الثانية التي جمعت الرئيس ترامب برئيس دولة نووية كيم جونغ أون، صدفة عابرة وخارجة عن العرف والقانون الدولي، إنما جرى التحضير لها منذ شهور، بعد انتهاء القمة الأولى التي انعقدت في سنغافورة(يونيو-٢٠١٨)، والتي انتجت مجموعة من الاتفاقيات بين واشنطن وبيونغ يانغ، وهي:
أولاً: وقف التجارب الصاروخية من جانب كوريا الشمالية. وهنا الإشكالية الكبرى.
وثانياً: وتخفيض حجم وطبيعة المناورات العسكرية التي تجريها الولايات المتحدة مع كوريا الجنوبية، وقد تم إيقاف المناورات وذلك لتوفير المال بحسب تعبير ترامب.
وثالثاً: والاتفاق على نقل رفات الجنود الأمريكيين للولايات المتحدة، وتم ذلك جزئيا والاحتفال بهم في أمريكا.
ورابعاً: الاتفاق المبدئي لإخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية، وبناء السلام. وهذا لم يحصل. وتم الاتفاق على هدنة بين الكوريتين وليس إنهاء الحرب المستمرة بينهما منذ "١٩٥٣).
ونتيجة النقاشات لم يتوصل ترامب وكيم، إلى توحيد وجهات النظر حول كيفية التخلص من الأسلحة النووية، وكيف يمكن بناء حالة السلام في الجزيرة الكورية، ومع أمريكا والغرب الأوروبي. والحديث كان ينصب حول وقف الحرب بين البلدين الممتدة منذ سبعين عاما، عبر اختراق دبلوماسي، مع أن كوريا ترحب بذلك، لكن لا توجد موافقة أمريكية بذلك. ولم يتم رفع العقوبات الامريكية على كوريا، ولم يتم نزع السلاح النووي.
وتم الاعداد للقمة الثانية عبر عدة أسابيع، وتم اختيار فيتنام، وعاصمتها هانوي، كمقر للقمة، باعتبارها رسالة لكوريا الشمالية، من دولة شيوعية خاضت أقسى الحروب ضد أمريكا وانتصرت عليها بفعل الاستقلال، وتصالحت مع أمريكا، العدو التاريخي، وأعوانها مثل اليابان وكوريا الجنوبية، حيث تم رفع العقوبات الامريكية على فيتنام عام (١٩٩٤)، وحققت بعد ذلك نجاحات اقتصادية واجتماعية، بحيث أصبحت قوة اقتصادية كبرى في آسيا. وهي رسالة لتحقيق التصالح الأمريكي-الكوري الشمالي.
وقد تغيرت الأوصاف عندما بدأت القمة، حيث تم وصف ترامب، كيم بأنه "شخص ذكي ومرح، وأنه شخصية عظيمة"، وقبل سفره للقمة قال ترامب "ان علاقته بكيم طيبة جداً جداً"، وإنهما متحابان. و "القمة ستكون رائعة جداً" وأضاف "إننا نريد إزالة الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية". وحين وصل كيم إلى هانوي بعد أن قطع أربعة آلاف كيلو متر في "قطاره الخاص"، قال قبل اللقاء بأنه "سيتم توقيع اتفاق مشترك" و"أني لست متشائم، وأن النتائج ستكون إيجابية"، "وإني لو لم أكن أرغب بنزع السلاح النووي، لما كنت موجوداً هنا في هذه اللحظات"، وقد أعجب ترامب بهذا الرد واعتبره شيئاً عظيماً.
وبسرعة فائقة وقبل انتهاء مدة القمة المقررة، أعلن ترامب أنه عليه أن يسافر قبل انتهاء موعد نهاية القمة، وأن القمة فشلت وصرح بأن كوريا الشمالية طلبت "رفعاً كاملاً للعقوبات المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي والصاروخي"، وأن المحادثات "يجب أن لاتمضي على عجل"، و "أن بيونغ يانغ لن تستأنف التجارب النووية، وأنه لا عقوبات جديدة على كوريا"، وأن علاقته بالرئيس كيم "جيدة جداً". وقد فسر سبب الرحيل بالمقابلة في حين قال وزير الخارجية الكوري كلاماً مختلفاً، بأن بلاده عرضت على ترامب عرضاً جزئياً وهو "تفكيك مجمع يونغبيون مقابل الرفع الجزئي للعقوبات الاقتصادية المفروضة على بلاده"، لكن ترامب لم يوافق على ذلك. وقد صرح فيما بعد البيت الأبيض بالرفع الكلي للعقوبات.
انتهت القمة بالفشل وسط صدمة للجميع. وبدون بيان مشترك يوضح أسباب الفشل. رغم البيان المشترك الذي تم توقيعه في القمة الأولى حول "نزع الأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكوبية". وقد عبر الجميع عن الغضب لفشل القمة دون أن يتحدث أحد عن أسباب الفشل، سوى الصين باعتبارها المارد الاقتصادي الكبير في العالم، وأنها حليفة لكوريا الشمالية، بأن نزع السلاح النووي "لم يكن ممكناً في ليلة وضحاها". على طريقة ترامب المستعجلة جداً.
ويمكن التوقف عند بعض الأسباب التقديرية لهذا الفشل، ضمن المعلومات العامة، كالتالي:
- يبدو أن كوريا دولة نووية، وقد حاولت مراراً استدراج أمريكا إلى الحوار معها والاعتراف بها كدولة نووية كما هو الحال بالنسبة للهند والصين على سبيل المثال. وقد حصل ذلك، وهذه نقطة لصالحها. لأن الرئيس الكوري لم يخطر في باله إزالة الأسلحة النووية، لأنها مبرر لوجوده على المستوى العالمي، والبرنامج النووي هو من ثوابت الأمن القومي الكوري، وهي موجهة للخارج، وعمرها نصف قرن. "وهي دولة منفصلة عن العالم، والتخلي عن الأسلحة النووية مسألة صعبة" بتعبير أوباما. والفشل الكوري يتجلى في عدم وقف الحرب تجاه أمريكا وحلفائها، وفشلت في ترسيخ حالة دبلوماسية او مكتب علاقات مع أمريكا. لكن لم يتم الاعتراف بكوريا كدولة نووية، إنما يتم العمل على نزع السلاح النووي على الطريقة القذافية.
- الفاشل الأكبر هو أمريكا واليابان وكوريا الجنوبية. حيث تسعى هذه الأخيرة إلى التقارب وزعزعة "جدار برلين" الكوري دون أن تتحقق مساعيها. الفاشل الأكبر هو ترامب ذاته في قيادته للحوار، وكأن الرئيس المقابل له طفلاً صغيراً يتغنى بالأسلحة. ولم تفيده الاوصاف الجيدة للرئيس كيم، لأن هذا الأخير محمي بوظيفة سياسية على المستوى العالمي، وقادر على حماية مصالحه، وهو سلسلة من تربية الجد الأول كيم ايل سونغ.
ترامب "رجل المال" يريد أن يلعب بحقل السياسة، وفق طريقته بجمع المال كي تصبح أمريكا عظيمة. فهو يُصدر أوامره وهي غير قابلة للتنفيذ في أكثريتها، ويكون في حالة صراع مع العالم ومؤسسات الدولة الامريكية، مثل: الانسحاب من الاتفاقية النووية مع إيران، وقرار انسحابه من سوريا واستقالة وزير دفاعه، وكذلك انسحابه من العراق وأفغانستان. وأخيراً إحداث عملية افتعال لمشكلة في فنزويلا لتعيين رئيس جديد غير منتخب، مقابل رئيس منتخب، وذلك بدافع الديمقراطية! كعادة الولايات المتحدة في إحداث الانقلابات العسكرية.
- ثم أين هي إعدادات القمة التي تم العمل عليها؟ يبدو عدم وجود لمثل هذه الاعدادات. وتحقيق التفاوض حول ما يعنيه نزع السلاح النووي، وتجميد البرامج النووية والصاروخية فشلت حين تم رفض التقديم الجزئي لكوريا. إذ لا يكفي القول: انزعوا أسلحتكم النووية، إعتمادا على النزعة الشخصية، وهو سقف عالي جدا، دون أن يتذكر أن الحوارات مع إيران وهي دولة غير نووية كما هو معروف، استغرق سنوات طويلة حتى تم إنجازه، وفيما بعد تم تخريبه والعودة إلى الصفر.
- إن انعدام الثقة الكورية بأمريكا هو السبب الرئيس في عدم استجابة كيم إلى مطالب ترامب بإزالة الأسلحة النووية، وهي التي منعت أي تقدم في المحادثات. وفق رأي البروفسور "لي دونغ هايون"، من المعهد الكوري للدراسات الجيواستراتيجية. دون أن يقدم ترامب أي مقابل، سوى إيقاف العقوبات الاقتصادية، ومفهوم كوريا لنزع السلاح يتضمن خفض المنظومة النووية الامريكية في كوريا الجنوبية، والذي رفضه ترامب.
- ورغم أن بولتون صرح بعدم فشل القمة لأن الرئيس لا يريد التوقيع على اتفاقيات جزئية كلام مضلل. لأن فشل ترامب واضح للغاية، وفشله في تقدم نسخة جديدة لنزع السلاح النووي أمام معارضيه، وقد يستفيد من هذه الجولة في الدعاية الانتخابية القادمة بأنه عمل شيئاً مهما، واوقف البرنامج النووي الكوري. وكما هو الحال في بناء الجدار العازل مع المكسيك.
وكما قال "ديفيد أجناتيوس" في صحيفة الواشنطن بوست بأن "كوريا الشمالية قد باتت مثل نقار الخشب، فيما يشبه ترامب شخصية كرتونية، غير محظوظة وساذجة، تتخبط في الجدران، وتفجر القنابل في نفسها" كما يقول "بيتر ويبر" في نفس الصحيفة.
٦٣٢٠١٩








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة القميص بين المغرب والجزائر


.. شمال غزة إلى واجهة الحرب مجددا مع بدء عمليات إخلاء جديدة




.. غضب في تل أبيب من تسريب واشنطن بأن إسرائيل تقف وراء ضربة أصف


.. نائب الأمين العام للجهاد الإسلامي: بعد 200 يوم إسرائيل فشلت




.. قوات الاحتلال تتعمد منع مرابطين من دخول الأقصى