الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هيكل السلطة الهرمي

كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)

2019 / 3 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


التصور الشائع لدور الدولة، ومسؤوليتها عن تحقيق مصالح الشعب، يأتي وفق تصور علاقة هرمية، يوجه فيها رأس ‏الهرم الذي تحتله ما نسميه الدولة، كل ما تحته من مستويات وصولاً لقاعدة الهرم‎.‎‏ وبالتالي يكون الحاكم مسؤولاً مسؤولية ‏شاملة كاملة عما نرزح فيه من بؤس وتخلف.‏
يشوب هذا التصور مبدئياً بعض التشوهات. أولها تصور أن التأثير الفاعل هو دوماً من أعلى إلى أسفل، مع تجاهل أنه ‏في جميع الحالات، سواء كنا أمام حالة ديموقراطية أم شمولية، هناك أيضاً تأثير من أسفل إلى أعلى. ناهيك بالطبع عن ‏حقيقة أن مستوى القاعدة الشعبية، هو الحقل الذي ينتج سائر ما فوقه من مستويات. وبتعبير الماركسية "البنية التحتية ‏تحدد البنية الفوقية".‏
لكننا هنا سنذهب أبعد من ذلك، لنقارب تأثيرات أخرى لعوامل أخرى‎.‎
يؤدي التفاوت في حجم الهرم السلطوي المترتب على اتساع مساحة القاعدة، أي حجم الشعب، إلى بروز عوامل أخرى ‏مؤثرة، تشارك تأثير التوجيهات الرأسية من قمة الهرم باتجاه القاعدة‎.‎
فكلما ازداد اتساع القاعدة، ازداد ارتفاع الهرم، مع ازدياد عدد المستويات‎.‎‏ فعدد المستويات لهرم قرية على رأسها عمدة، ‏أقل من مستويات هرم مدينة. وهذه أقل من هرم محافظة. وعدد مستويات هرم الصين بملياراتها، أكبر كثيراً من تلك التي ‏لهرم لوكسمبورج وأيسلندا وقبرص‎.‎
كذلك تتعدد المستويات ويتعقد تركيبها بتقدم الحضارة وتعقد علاقاتها‎.‎
الحقيقة أن هرم السلطة ليس هرماً واحداً بسيطاً، يتحكم رأسه في كل ما تحته في سائر مجالات الحياة. فكما تتعدد ‏مستوياته أو "مصاطبه"، الذي يمثل كل مستوى فيه دائرة سيطرة على أفراد المستوى التالي له، فإن كل مستوى يحتوي ‏على عدد من الأهرامات النوعية الصغيرة المتجاورة. تتعدد بتعدد مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية وخلافه. وهي ‏أهرامات متجاورة قد تكون متداخلة مع بعضها، نتيجة للارتباط والتداخل بين مجالاتها. كالارتباط بين الصحة والتعليم ‏وغيرها. كذا تتعدى بعض الأهرامات مستواها إلى ما فوقها، لامتداد مسؤولياتها، عابرة لمستويات الهرم، كالشرطة الفيدرالية ‏في الولايات المتحدة، والعابرة لمستوى الولايات وشرطتها.‏
كما أن المستويات العرضية ليست دوماً تامة الانفصال، وإنما تتداخل مع ما فوقها وما تحتها‎.‎
تعدد مستويات الهرم بأهراماتها الصغرى وتداخلاتها، يعقد من انسيابية القرارات الفوقية داخل الهرم، كما يقلل من القيمة ‏النسبية لتأثيرات رأس الهرم الذي يحتله الملك ورئيس الوزراء ومجموعة نوابه مثلاً، مع تزايد تأثيرات المستويات المتكاثرة ‏للسلطة، نزولاً بتوجيهاتها إلى أسفل. إضافة لتأثيراتها الذاهبة إلى أعلى‎.‎‏ لتكون الصورة مخالفة لتصور أن ما يمليه رأس ‏الهرم ممثلاً في الملك أو رئيس الجمهورية، هو المتحكم الوحيد البسيط في كل ما يحدث في القاعدة، حتى في الدول ‏البوليسية الشمولية.‏
لكن أهم ما يشوه رؤية المركزين على مسؤولية دور الدولة المركزية، أي التأثيرات الرأسية من أعلى لأسفل، هو تجاهلهم ‏للعلاقات والتأثيرات العرضية بين أفراد سائر المستويات. تلك التأثيرات التي تتعاظم نسبياً مع كبر حجم القاعدة والهرم.‏
وتتعاظم نوعياً وبصورة مطلقة مع اندثار النظم الشمولية، وشيوع الحرية والديموقراطية. حيث تتعاظم مساحة فردانية ‏الفرد. وتتعاظم بالتالي التأثيرات العرضية في ذات المستوى. علاوة بالطبع على تعاظم التأثيرات المتجهة من أسفل إلى ‏أعلى‎.
تقدير مسؤولية رأس الهرم في عصرنا هذا، ينبغي أن يأخذ في اعتباره القدر العملي الممكن تحميله له. وإلا كنا نذهب ‏لتوهمات شمولية، منقطعة الصلة بمدى تعقد حضارتنا الراهنة، وبتضخم حجم الوحدات الهرمية، أي الشعوب وتنظيماتها ‏السياسية‎.‎








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت