الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل النساطرة هم أحفاد الآشوريين؟ (2)

مهدي كاكه يي

2019 / 3 / 11
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (81) – الآشوريون

هل النساطرة هم أحفاد الآشوريين؟ (2)

كيف إكتسب النساطرة الإسم (آثوريين) أو (آشوريين) (1)

لا علاقة للآشوريين الجدد الحاليين (النساطرة) بالآشوريين القدماء. الى القرن التاسع عشر الميلادي، تمّ ذكرهم في الوثائق والكتب بإسم (النساطرة) أو بِأسماء قبائلهم وأشهرها (تِياري) و(تخوما) أو بإسم القبائل الجبلية (تورايا). الإسم (آشور) ظهر في القرن التاسع عشر وإقترن لأول مرة في التاريخ بصورة رسمية بأحد فروع الكنيسة بِتاريخ 17/10/1976 ميلادية، أمَّا الفرع الآخر فإسمه (كنيسة المشرق القديمة)، وجميع الكتب التي تمّ تأليفها حديثاً من قِبل النساطرة، تمّ فيها تبديل إسم (النساطرة) و (السريان الشرقيين) و(أتباع كنيسة المشرق) و (التِياريين) و (الجبليين)، الى (آشوريين).

كما ذكرنا أعلاه، فأنّ تاريخ إطلاق إسم (آشوريين) على (النساطرة) هو تاريخ حديث، حيث بدأ مع الرحّالة والمُبشّرين الانگليز الأنگليكان الذين أرسلهم رئيس أساقفة كارنتربري (وليم هولي William Howley) (1828–1848م)، الى المناطق التي كان النساطرة يعيشون فيها في كوردستان. أول مَن تمّ إرساله الى النساطرة، كان الطبيب الإنگليزي (وليم آنسورث William Ainsworth) (1807–1896م)، الذي قام بزيارتهم في سنة 1840ميلادية على رأس بعثة إسمها (بعثة إستكشاف كوردستان Expedition for The Exploration of Kurdistan) وعلى نفقة (الجمعية الجغرافية الملكية Royal Geographical Society) و(جمعية تعزيز المعرفة المسيحية (Knowledge Society for Promoting Christian). خلال زيارته، إلتقى (آنسورث) مع بطريرك النساطرة (شمعون أبراهوم) (1820–1861م) و(ملك تياري إسماعيل) وتبادل الآراء معهم بشأن تعزيز العلاقات بين الكنيستَين النسطورية والأنگليكانية، ووعدهم (آنسورث) بِنشر التعليم المسيحي وإنشاء المدارس في مناطقهم وجلب مطابع لترجمة الكتب الدينية[a]. بعد عودته الى بريطانيا، قدَّم الطبيب (آنسورث) تقريراً لِرئيس أساقفة كارنتربري والجمعيات الدينية هناك حول أوضاع وأعداد النساطرة. نشر هذا الطبيب نتائج زيارته لمنطقة النساطرة في هكاري على شكل عدة مقالات علمية، منها (زيارة الكلدان القاطنين في كوردستان الوسطى وراوندوز في صيف سنة 1840م)[b]، و(الرحلات والبحوث في آسيا الصغرى وميزوپوتاميا والكلدان وأرمينيا)[c] و (الأصل الآشوري للإيزيديين أو اليزيديين – الذين يُسمّون "عبدة الشيطان"[d].

بعد ذلك قام رئيس أسقف كارنتربري (وليم هولي) وأسقف لندن (چارلس جيمس بلومفيلد James Blomfield Charle) (1824–1857م) بإرسال بعثة إلى النساطرة برئاسة القس (جورج پيرسي بادگرGeorge Percy Badger) (1815–1888م) الذي كان خبيراً في المطابع واللغات الشرقية، لمتابعة العمل وكانت البعثة على نفقة (جمعية المعرفة المسيحية The Christian Knowledge Society) و(جمعية نشر الإنجيل The Society for the propagation of the Gospel)، فوصل (بادگر) في أواخر سنة 1842ميلادية الى كوردستان وإلتقى بالبطريرك النسطوري (أبراهوم أوائل) في سنة 1843ميلادية في قرية (أشيتا) "تورايا"، وشرح (بادگر) للبطريرك المذكورالفرق بين الأنگليكان والپروتستانت الذين كانت لديهم أيضاً بعثات تبشيرية هناك، وحاول كسب البطريرك، شارحاً له أنّ (أنگليكان) أفضل من الپروتستانت وحذّره من الإنسياق وراء المُبشّرين الپروتستانتيين لأنهم يشرحون الكتاب المقدس كما يحلو لهم، وحثَّ (بادگر) البطريرك بالإعتماد على الكنيسة الأنگليكانية في الحصول على المساعدات لتستعيد الكنيسة الشرقية مكانتها السابقة، فإرتاح البطريرك لكلام (بادگر) وطلب منه إعطائه بعض الوقت لدراسة تعاليم الأنگليكان والپروتستانت[1]. إلتقى (بادگر) مع البطريرك النسطوري خمس مرات لغاية سنة 1850ميلادية، حيث أنه حصل خلالها على معلومات ومخطوطات آرامية كثيرة حول النساطرة، ونشر أبحاثه في كتاب طُبع في لندن سنة 1852ميلادية بعنوان (النساطرة وطقوسهم)، ذكر فيه إنه يجب على كنيسة إنگلترا القيام بِمساعدة النساطرة روحياً[e].

بعد ذلك جاء دور السياسي والآثاري الانگليزي (أوستن هنري لاياردAusten Henry Layard) (1817 – 1894م) المولود في پاريس، فرنسا، الذي قام إعتباراً من سنة 1845ميلادية بعدة زيارات لإكتشاف آثار العراق، وساعده في تنقيباته عالِم الآثار (هنري كريسويك راولنسون Henry Creswicke Rawlinson) (1810–1895م) المختص بالخط المسماري. قام (لايارد) و(راولنسون) بإنشاء قسم للحضارة الآشورية في المتحف البريطاني الذي كان قد أُنشئ في سنة 1753ميلادية. كانت المعلومات التي يمتلكها (لايارد) عن الآشوريين في بداية تنقيباته، تنحصر على ما جاء عنهم في الكتاب المقدس والتاريخ بشكل عام، و في كتاباته إستعمل الإسم (نساطرة) ولم يستعمل الإسم (آشوريين). عن بداية رحلته من حلب إلى الموصل، يقول (لايارد): يعيش بين السكان الكورد عائلات من مختلف الطوائف المسيحية كالأرمن والكلدان والنساطرة، وقبل عدة سنين قامت مذابح بِحق النساطرة. كما أنّ (لايارد) لم يكن يُفرِّق بين بابل وآشور وبين النساطرة والكلدان، إذ يقول في بداية رحلته من بغداد إلى مناطق النساطرة: (أجبرتني أحوالي الصحية للبحث عن مكان بارد ومُنعِش لأستريح فيه هرباً من حرارة الصيف، فقررتُ التوجه إلى الجبال التِيارية المسكونة من قِبل المسيحيين الكلدان)[f]. كما لم يكن يعرف (لايارد) شيئاً عن اللغة الآشورية المسمارية القديمة وسَمَّاها في رسالةٍ لوالدته في سنة 1846ميلادية، بِلغةٍ غير معروفة أو الكلدانية، ثم كتبَ مذكراته في سنة 1853ميلادية عن زياراته للشرق بعنوان "المغامرات المبكِّرة في بلاد فارس وبابل"[g].

عندما وصل (لايارد) إلى منطقة النساطرة الجبليين، لاحظ أنّ إحتفالاتهم ومراسيمهم الدينية تتميّز بالبساطة، بِعكس الكاثوليك والطوائف المسيحية الأخرى فسمّاَها خرافات و سخافات، لذلك إعتقد أنّ النساطرة يستحقون أن يلقَّبوا "پروتستانت الشرق"[h].

بعد سماع (لايارد) أنّ النساطرة قد تعرضوا للمظالم في المنطقة، قرر أن يستعمل كلمة (الآشوريين) بدلاً من كلمة (النساطرة)، جاعلاً منهم أحفاد الآشوريين القدماء. خلال جولاته في مناطق النساطرة، تحدث لهم عن المأساة التي حلّت بسقوط المملكة الآشورية. في سنة 1849 ميلادية قام (لايارد) بإصدار كتابه المعنون (نينوى و بقاياها) وحاز الكتاب على شعبية واسعة في بريطانيا، وإحتفى به النساطرة، حيث أنّ (لايارد) في كتابه، جعل النساطرة أحفاد الآشوريين القدماء وطالب بمساعدتهم من خلال الضغط على الحكومة العثمانية. بعد ذلك، قامت مجلة (Magazine The New Monthly) البريطانية، بنشر مقالٍ، جاء فيه: "إنه يجب إنقاذ المسيحيين النساطرة ذو الماضي المجيد الذين هم أحفاد الآشوريين العظام)[j]. منذ ذلك الحين بدأت بريطانيا إهتمامها بالنساطرة[2].

المصادر

1. المطران يوسف غنيمة. بطاركة الكلدان في الجيل التاسع عشر. مجلة النجم عدد 4، 3/1930م، صفحة 163.

2. إيشو مالك خليل جوارو. الآشوريون في التاريخ. بيروت، 1962، صفحة 153.

a. Ainsworth, William Francis. Notes taken on a Journey from Costantinople to Mósul in 1938-40. JRGS, Vol. 10, 1841, pp.489-529.

b. Ainsworth, William Francis. An account of a Visit to the Chaldeans, inhabiting Central Kurdistan- and of an Ascent of the Peak of Rowandiz (Túr Sheikhíwá) in the summer of 1840. JRGS, Vol. 11, 1841, pp. 21-76 .

c. Ainsworth, William Francis.Travels and Researches in Asia Minor, Mesopotamia, Chaldea, and Armenia. 2 vols, London, 1842.

d. Ainsworth, William Francis. The Assyrian Origin of the Izedis´-or-Yezidis – the so-called “Devil Worshippers”. Transactions of the Ethnological Society Vil. 1, 1861, pp. 11-44.

e. George Percy Badger. The Nestorians and their rituals. Publisher: Joseph Masters, Editor: John Mason Neale, 1852.

f. Layard, A.H. 18 .49THE MONUMENTS OF NINIVEH. 1849, p. 15.

g. Layard, A.H. 1887. Early Adventures in Persia, Susiana, and Babylonia. London: John Murray.

h. The same reference, part 2, pp. 108-175.

i. Austen Henry Layard. Nineveh and Its Remains – A Narrative of an Expedition to Assyria. London, John Murray, Albemarle street, 1867.

j. The New Monthly Magazine, 1849, pp. 87-344.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. زراعة الحبوب القديمة للتكيف مع الجفاف والتغير المناخي


.. احتجاجات متزايدة مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية




.. المسافرون يتنقسون الصعداء.. عدول المراقبين الجويين في فرنسا


.. اجتياح رفح يقترب.. والعمليات العسكرية تعود إلى شمالي قطاع غز




.. الأردن يتعهد بالتصدي لأي محاولات تسعى إلى النيل من أمنه واست