الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عرض كتاب بول باران: -الاقتصاد السياسي للتنمية -

نايف سلوم
كاتب وباحث وناقد وطبيب سوري

(Nayf Saloom)

2019 / 3 / 15
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


الكتاب ترجمة أحمد فؤاد بلبع، مراجعة الدكتور حامد ربيع ، دار الحقيقة بيروت . الطبعة الثانية أيلول 1971 . وهو ترجمة كتاب :
"The Political Economy of Growth. Paul Baran Monthly Review Press New York 1962 "
وقد ترجمت كلمة Growth بالتنمية والأصل أن تترجم بـ "النمو" . ويبدو أن المترجم العربي أراد أن يوحي بأهمية الكتاب للعالم المتخلف فبدّل الترجمة من النمو إلى التنمية حيث يقابل الكلمة الأخيرة كلمة Development ؛ حيث توحي الكلمة بالتحول مع الانتقال من توجيه اقتصادي معين إلى آخر معاكس كالتحول من النمط الرأسمالي إلى الاشتراكية ؛ أي توجيه التنظيم الاقتصادي للمجتمع بطريقة مضادة (توجيه شعبي على سبيل المثال).
النمو يضمر مبدأ كمياً؛ نمو الرأسمالية في غرب أوربا بعد القطيعة مع الأسلوب الإقطاعي للإنتاج ، بينما التنمية تضمر مبدأ كيفياً بالدرجة الأولى وتحول في التوجه.
النمو: زيادة ، ثمرة تنمية سابقة . بينما التنمية : التي تكشف وتنمي تشير إلى وجود عقبات إضافية ، وإلى دور فاعل للبنية السياسية في التنظيم الاقتصادي أكبر من المعهود. كما تنمّ عن عقبات ذات طابع اجتماعي / سياسي (طبقي)
إن بول باران وهذا أحد مؤلفاته الأساسية قد مات في 26 مارس/آذار 1964 . وبموته غاب اقتصادي ماركسي كبير، وغاب حسب تعبير بول سويزي ، وليوهوبرمان "المناضل الفكري لصراع الطبقات" . أما شارل بتلهايم في تقديمه للطبعة الفرنسية للكتاب ؛ تموز 1966 .
فيقول: "رأيت باران مرة أخرى عام 1959 في ستريزا ، أولاً في مؤتمر عالمي للسيسيولوجيا ، حيث قدم عرضاً مشرقاً حول الماركسية ومسائل عصرنا . ثم قابلته في نفس السنة في فرصوفيا في ندوة عالمية نظمها شغيلة العلم . ولقد كرست هذه الندوة أعمالها لدور العلم في التنمية الاقتصادية . وتكلم فيها باران عن دور العلوم الاجتماعية ، وبرهن بدقة كيف أن التحليل العلمي يظهر أن العقبات الرئيسية أمام تنمية البلدان ضعيفة التصنيع قد تكونت بسبب من بنياتها الاقتصادية الاجتماعية وبسبب ارتباط الطبقات أو الشرائح المنعمة بالامتيازات مع الإمبريالية " ص 6. ويضيف بتلهايم بالقول: "إنني أعتقد أن واحدة من إضافاته الأساسية هي تحليله (للفائض الاقتصادي) ومضمونه وأشكاله المختلفة وتناقضاته المرتبطة بوجوده وتزايده " ص 6
يتكون الكتاب في طبعته الثانية والصادرة عن دار الحقيقة – بيروت من 400 صفحة قياس مدرسي ، يحتوي على مقدمة الطبعة الفرنسية بقلم شارل بتلهايم تموز 1966 ، ومقدمة للطبعة الأولى بقلم المؤلف ؛ ديسمبر 1956 ، ومقدمة لطبعة 1962 آذار، وثمانية فصول :
1- نظرة عامة 2- مفهوم الفائض الاقتصادي 3- السكون والحركة في ظل الرأسمالية الاحتكارية(1 ) 4- السكون والحركة في ظل الرأسمالية الاحتكارية (2) 5- حول جذور التخلف 6- نحو علم لدراسة صور التخلف (1) 7- نحو علم لدراسة صور التخلف (2) 8- الارتقاء الصعب
وسوف نقدم عرضاً مفصلاً إلى حد ما للفصل الثاني ؛ "مفهوم الفائض الاقتصادي" نظراً لعلاقته الوثيقة بالأزمة الرأسمالية 2008 والتي نجمت بشكل مباشر عن المضاربات المالية الواسعة في قطاع العقارات والمواد الغذائية الأساسية وفي قطاع النفط ، وفي الأسواق الناشئة من قبل كأسواق النمور الآسيوية نهاية تسعينات القرن العشرين.
يكتب باران في مقدمة الطبعة الأولى: "لقد انتهيت من إعداد مخطوط هذا الكتاب في خريف 1955 ، ثم جرت في العالم أحداث ترتبط ارتباطاً مباشراً بالموضوعات التي عالجتها هنا . ولكنني قاومت كل ما يغريني بإضافة ما احتوته من أدلة إلى تلك التي يتضمنها الكتاب كل في موضعه وقدرت أن أحاول إيجازها في هذه المقدمة"
وتقدم أحداث الشرق الأوسط التي بلغت ذروتها في العمل العسكري الذي اتخذته إنكلترا وفرنسا وإسرائيل ضد مصر [العدوان الثلاثي] ، شاهداً قوياً يؤيد إحدى النظريات الرئيسية في هذا الكتاب ، ألا وهي أن طبيعة الإمبريالية المعاصرة لم تنصلح ، ولم يتعدل عداؤها الفطري لكل مبادرة أصيلة تتخذها البلاد المتخلفة لتنمية اقتصادها . ويعد الدور الذي لعبته الولايات المتحدة الأميركية في هذا الصراع برهاناً على التنافس الذي لا يفتر بين البلدان الإمبريالية ، وكذلك على عجز الدول الإمبريالية القديمة المتزايد على المحافظة على نفوذها أمام سعي الولايات المتحدة إلى زيادة نفوذها وسلطانها. وإليكم العبارات المريرة التي وردت في جريدة الإيكونوميست اللندنية : " يجب أن ندرك أننا لسنا نداً للأميركيين ، ولا نكون ، وأن لنا الحق في أن نبين الحد الأدنى من مصالحنا القومية ، وأن نتوقع من الأميركيين احترامها ، ولكن علينا بعد ذلك أن نتطلع إلى قيادتهم " (عدد 17 نوفمبر 1956 ) مقدمة.. ص 9 .. ويضيف باران: "والتطورات الأخيرة في البلدان الاشتراكية الأوربية أوثق صلة بما تتضمنه هذه الدراسة ، أو ما اعتمدت عليه من آراء . فتصريحات خروتشوف المتعلقة ببعض جوانب حكم ستالين ، وما تلاها من أحداث في بولندا والمجر ، طرحت على الملأ بقوة جديدة : " كم هو شاق وصعب ارتقاء البلاد المتخلفة إلى مجتمع أفضل وأكثر ثراء . ولكنه يكون من قبيل "عبادة الفرد " أن نعزو كل الجرائم والأخطاء التي ارتكبت في الاتحاد السوفياتي قبل الحرب العالمية الثانية ، وفي كل بلدان شرق وجنوب شرق أوربا بعدها ، إلى الشخصيات الشريرة لستالين وبريا وشركائهما، فالأمور ليست بهذه البساطة، ومن المفهوم أن يتجه الشعور العام إلى إلقاء مسؤولية ما ارتكبته القيادة على النظام بكامله الذي ينبغي أن ننبذه . فليست الاشتراكية هي التي يمكن أن نحملها حقاً وزر الأعمال الضارة التي ارتكبها ستالين والدمى التي كان يحركها، وإنما هو (النظام السياسي الذي نشأ عن اندفاع نحو تنمية بلد متخلف بسرعة خطيرة) ، في حين يتهدده العدوان الخارجي وتواجهه مقاومة داخلية . وظهور مثل ذلك النظام السياسي في تلك الظروف الفريدة التي كانت سائدة في روسيا عقب استيلاء هتلر على السلطة ، وفي بلدان شرقي وجنوب شرقي أوربا في أثناء السنوات المرعبة للحرب الباردة لا يقيم الدليل على أن الاشتراكية هي بطبيعتها نظام للقهر والإرهاب- وما يعنيه ذلك- وهو درس تاريخي بالغ الدلالة – هو أن الاشتراكية في البلاد المتأخرة المتخلفة لها ميل قوي نحو أن تكون اشتراكية متأخرة متخلفة. وما حدث في الاتحاد السوفييتي والبلاد الاشتراكية في شرق أوربا يؤكد الحقيقة الماركسية الأساسية وهي أن درجة نضج موارد المجتمع الإنتاجية هي التي تحدد السمة العامة للحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية . وما حدث هناك لا انعكاس له مطلقاً على كون التحول الاشتراكي في الغرب بصفة جوهرية عقلانياً ومرغوباً فيه وزاخراً بالاحتمالات ، بل في الحقيقة يزيد في الحاجة إلى هذا التحول على وجه السرعة لأن المجتمع الاشتراكي للبلاد المتقدمة لا يكون مضطراً على تنظيم مسيرة شاقة نحو التصنيع ، أو مرغماً على أن يقتطع من الاستهلاك الشعبي أجزاء كبيرة من دخول شديدة الانخفاض، أو مكرهاً على أن يخصص للأغراض العسكرية أجزاء كبيرة من ناتج إجمالي بسيط . ومثل هذا المجتمع الاشتراكي لن يشن فحسب الحرب على التبديد وفوضى الإنتاج والتدهور الثقافي والخلقي ، بل سيلقي بثقله أيضاً في المساعدة على حل كل مشكلات المرض والجوع والعوز في الأجزاء المتخلفة من العالم. ص 10-11
ونظراً لأهمية الفصل الثاني ؛ "مفهوم الفائض الاقتصادي " وراهنيته في إضاءة الأزمة الأخيرة للرأسمالية وتفسيرها من حيث الجوهر ،ً فسوف نجري عرضاً مفصلاً له وقراءة.
الفصل الثاني : مفهوم الفائض الاقتصادي ص 76-99
يعرض باران نوعين من الفائض الاقتصادي في ظل الرأسمالية الاحتكارية :
1- الفائض الاقتصادي الفعلي: وهو الفرق بين الإنتاج الفعلي الجاري للمجتمع ، واستهلاكه الجاري الفعلي ، وهو يتطابق بذلك مع الادخار والتراكم الجاريين ، ويتجسد في الأصول من جميع الأنواع التي تنضاف إلى ثروة المجتمع في الفترة المعنية . التسهيلات، المعدات الإنتاجية ، البضائع المخزنة والأرصدة الأجنبية والذهب المكتنز"
2- الفائض الاقتصادي الاحتمالي : وهو مفهوم يؤشر ويبين لاعقلانية النظام الرأسمالي، "مع ازدياد الأدلة على ارتباطه بالتبديد، وهما أبعد ما يكونا عيوباً عرضية في الرأسمالية .. لم تعد هذه المسائل ثانوية وقليلة الأهمية كما يصورها الاقتصاديون البورجوازيون "
الفائض الاقتصادي الاحتمالي هو الفرق بين الناتج الذي يمكن إنتاجه في ظروف طبيعية وتكنولوجية معينة بالاعتماد على الموارد الإنتاجية التي يمكن استخدامها ، وبين ما يعد استهلاكاً ضرورياً. وتحقيقه يفترض سلفاً توزيع الناتج الاجتماعي وإعادة تنظيم الإنتاج بصورة حادة بدرجة أو أخرى . كما يستلزم تغيرات عميقة في هيكل المجتمع . ويظهر تحت أربعة عناوين:
أ- الاستهلاك المفرط للمجتمع(وهو وضع سائد لدى أصحاب الدخول المرتفعة، وإن كان يسود بين ما يسمى بالطبقات الوسطى في الولايات المتحدة) . [يبدو قسم من هذا الاستهلاك المفرط فائض إنتاج اجتماعي فعلي].
ب- الناتج الذي يفقده المجتمع نتيجة وجود عمال غير منتجين. ولكن ليس كل عمل غير منتج مباشرة عمل غير ضروري (العلماء، الأطباء ، المعلمون )
ج- الناتج الذي يفقده المجتمع بسبب التنظيم غير العقلاني والقائم على التبديد للجهاز الإنتاجي الموجود.
د- الناتج الضائع بسبب البطالة الناشئة أساساً عن فوضى الإنتاج الرأسمالي ، ونقص الطلب الفعال.
إن مقولة الفائض الاقتصادي الاحتمالي نفسها كحضور فعلي تتجاوز النظام الاجتماعي الرأسمالي القائم ، لأنها لا ترتبط فقط بمجرد النشاط الملحوظ للتنظيم الاجتماعي /الاقتصادي المعين، بل أيضاً بالصورة الأقل جلاء (المتخيلة) لنظام اجتماعي أكثر عقلانية.."
يكتب بول باران وبول سويزي في "رأس المال الاحتكاري" : "أوضحنا في الفصل الثالث أنه يوجد في ظل الرأسمالية الاحتكارية - نظراً لطبيعة سياسة السعر والتكلفة التي تتبعها الشركات العملاقة- ميل قوي ومنهجي لزيادة الفائض من حيث حجمه المطلق ومن حيث نسبته إلى الناتج الكلي أيضاً.. ويجري امتصاص الفائض أو استخدامه بوجه عام [استهلاك واستثمار الرأسماليين] على ثلاثة أنماط:
1- استهلاكه 2- استثماره 3- تبديده
الاستهلاك: يزيد استهلاك الرأسماليين بصفة مطلقة ، وهو أمر متوقع بالطبع ، ولكنه سيهبط من حيث نسبته إلى الفائض، وسيهبط أيضاً أكثر من حيث نسبته إلى الدخل الكلي.. يتضح أنه لا يمكن توقع أي حل لمشكلة امتصاص الفائض من هذه الناحية .. وقد رأينا فعلاً أن الفائض يميل في الواقع (الرأسمالي الاحتكاري) للارتفاع من حيث نسبته إلى الدخل الكلي.
الاستثمار: كنا نحلل ما يمكن أن يسمى بالنسبة لـ ستايندل وآخرين بالاستثمار "الداخلي" أي الاستثمار الذي يوجه إلى منافذ تنشأ عن الميكانيكية الداخلية للنظام . وقد رأينا أن هذه الميكانيكية تميل لتوليد مقدار متزايد بانتظام من الفائض الذي يسعى للاستثمار. ولكنها (آليات الرأسمالية الاحتكارية) لا تستطيع بطبيعة الحال توليد زيادة مقابلة في حجم المنافذ الاستثمارية ، لذلك فإنه إذا كانت المنافذ الاستثمارية الداخلية هي وحدها المتوفرة فإن الرأسمالية الاحتكارية ستتردى في حالة من الكساد الدائم . سيترجم ميل الفائض للارتفاع إلى بطالة متزايدة [نقص نسبي في الاستثمارات الجديدة] .
لكن ليست جميع الاستثمارات داخلية ، فهناك أيضاً الاستثمار "الخارجي" ويعرّف بأنه كل استثمار يتم مستقلاً عن عوامل الطلب التي تولدها الميكانيكية العادية للنظام . مثلاً، يخترع أسلوب فني جديد للإنتاج يتيح لسلعة معينة النزول إلى السوق بسعر أرخص كثيراً، وقد يتم استثمار في مصنع يستخدم هذا الأسلوب بالرغم من أنه لم يحدث أي تغير في الطلب على السلعة. ولدينا ثلاثة أنواع للاستثمار الخارجي:
1- استثمار لمواجهة احتياجات السكان المتزايدين
2- استثمار في الطرق الجديدة للإنتاج والمنتجات الجديدة
3- استثمار أجنبي.
نخلص إلى أنه لم يعد محتملاً أن يسهم التقدم التكنولوجي إسهاماً كبيراً في حل مشكلة امتصاص الفائض أكثر مما تسهم به الزيادة السكانية.
أما الاستثمار الأجنبي "فهو أداة شديدة الفعالية لتحويل الفائض المولد في الخارج إلى البلد المستثمِر [الأم] . وفي هذه الظروف ، يكون من الواضح بالطبع أن الاستثمار الأجنبي يزيد مشكلة امتصاص الفائض حدة أكثر مما يساعد على حلها".
إن أحد تناقضات الرأسمالية الاحتكارية الأساسية هي : تحرك جدول الربحية دوماً باتجاه الصعود يقابله اتجاه للنزول في معدل التشغيل المحدث (فرص العمل الجديدة).
.. إن القوى التي تعمل في اتجاه مضاد قائمة (بمعونة الدولة الإمبريالية؛ دولة الرأسمالية الاحتكارية ) ولو أن هذه المعونة لم تكن موجودة لسقط النظام تلقائياً منذ زمن بعيد فعلاً. ومن هذه القوى التي تعمل باتجاه مضاد للسقوط التلقائي:
1- النشاط التسويقي : يتحول النشاط التسويقي إلى علاج قوي لميل الرأسمالية الاحتكارية للتردي في حالة من الركود المزمن
2- الحكومة المدنية [دولة الرفاه أو الرعاية الاجتماعية] ؛ ميزانية الدولة والإنفاق الحكومي الخاص والعام . زاد الإنفاق الحكومي الكلي في الولايات المتحدة الأميركية 1929-1957 من 1/10 الناتج القومي الإجمالي تقريباً إلى 1/4 وأغلبها زيادة دفاعية. يكتب ج. م. ألبرتيني: "إن ارتقاء دولة الرفاهية مرتبط بالعديد من الصراعات الاجتماعية وبتطور أيديولوجي طويل . وفي الواقع نجد وراء وضع الضمان الاجتماعي ، تحولاً عميقاً في المجتمع وفي الاقتصاد ، فالعناية أفضل ولكن بكلفة أكثر . وطرح تنظيم المدن مشكلات الإسكان التي لا يمكن أن تنهض بها سوى السلطات العامة . فالأسرة لم تعد أسرة الماضي الكبيرة .. فقد أصبحت الثقافة عاملاً في النمو لا يتسنى للدولة إهماله . أما بشأن الشيخوخة فإن تطور مستويات المعيشة يفترض تقاعديات خارج متناول تقويم الدخل الفردي .. لقد فهم الضمان الاجتماعي منذ نشأته على أنه وسيلة لتثبيت الطلب ، فهم يكافحون الأزمة بفصل الدخل عن الإنتاج وبإتاحة الفرصة للاستهلاك بالبقاء على الحالة نفسها حينما يهبط الإنتاج . هذا هو مشروع خطة بيفردج p. Beveridge المعتمدة أثناء الحرب من قبل الحكومة البريطانية للوحدة الوطنية والذي سيبدأ تنفيذه من قبل الحكومة العمالية لما بعد الحرب " وصناديق الضمان و التأمين والمعاشات هذه سوف تستثمر في المضاربات المالية اللاحقة وتتسبب في أزمة 2008 للرهن العقاري في دول الرأسمالية الاحتكارية خاصة الولايات المتحدة الأمريكية.
3- لعسكرة والإمبريالية : يلاحظ التوسع السريع في الاحتياجات العسكرية للولايات المتحدة خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. يكتب ج. م. ألبرتيني: "من عام 1954-1969 وبعبارة أخرى من نهاية حرب كوريا إلى حرب الهند الصينية الثانية أنفقت الولايات المتحدة الأميركية 450 مليارا من الدولارات لغايات حربية (كان الناتج القومي غير الصافي في عام 1969 : 160 مليارا فقط).. ثم عرفت الولايات المتحدة ، من جديد اقتصاد حرب حقيقيا ؛ إن حمولة القنابل التي ألقيت على فيتنام معادلة لزنة القنابل التي ألقيت على الألمان بين 1939-1945 . وكان أكثر من 10% من العمال يعملون بلا انقطاع ، مباشرة أو بصورة غير مباشرة ، من أجل "الدفاع الوطني" .. واشترت الدولة الأميركية 93% من إنتاج الطائرات والصواريخ و 60% من إنتاج السفن الحربية و 38 % من إنتاج الراديو والإذاعة و 21% من الإنتاج الكهربائي ".. لقد أخذنا على سبيل المثال الظرف الأميركي ، وأن أهمية النفقات العسكرية قد أثرت في الواقع في جميع البلاد الرأسمالية الصناعية ، عدا اليابان . لكن اليابان استفادت فيما بعد كثيراً جداً من حروب كوريا والفيتنام وغدت النفقات الحربية حافزاً هائلاً للنمو الصناعي . ولما ضمت هذه النفقات إلى دولة الرفاهية أعطت النفقات العامة وزناً في الفعالية الاقتصادية مجهولاً إلى ذلك الحين."
الفائض الذي لا يمتص هو أيضاً فائض فعلي وفائض احتمالي .
واعتباراً من 1979 سنة الإعلان الرسمي عن تبني السياسات الليبرالية الجديدة في بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية ، سوف تظهر المضاربات المالية كوسيلة لتحريك الفائض الاقتصادي من دون زيادة في الإنتاج الحقيقي ، لكنها ستلعب في الوقت نفسه دوراً مدمراً لأسواق بكاملها (أزمة النمور الآسيوية وانهيار أسواقها 1997 ، ومن ثم أزمة الغذاء العالمي والارتفاع الجنوني في أسعار مواد الغذاء الرئيسية خاصة الأرز، والارتفاع الجنوني في أسعار النفط الخام 2004 ) ، وآخرها الأزمة المالية والاقتصادية 2008 التي عصفت ببنوك الاستثمار وبنوك الرهن العقاري في الولايات المتحدة ، وامتدت بسرعة لتشمل الاقتصاد الرأسمالي عامة متسببة بموجة ركود اقتصادي وكساد شاملة.
يكتب د. رمزي زكي:"تعرضت النمور الآسيوية لحركة واسعة من المضاربات وهروب رؤوس الأموال إلى الخارج بكميات هائلة مما عرّض موازين مدفوعاتها لعجز شديد في صيف 1997. وقد تم تمويل هذه المضاربات من خلال التحويلات الخاصة والقروض الخارجية قصيرة الأجل التي شكلت في التحليل النهائي ، أموالاً ساخنة Hot Money تتطاير بسرعة من سوق نقدي لآخر في شكل أسراب جارحة تنقض على الأرباح الموجودة في ما سمي بالأسواق الناشئة بجشع شديد . ثم تلتهمها وتخرج سريعاً للخارج إلى سوق آخر. .. والحقيقة أن التزايد الهائل الذي حدث في حركة رأس المال الدولي المضارب في السنين الخمسة الأخيرة [1994-1999 ] إنما يعود إلى تأثير عولمة [انفلات] أسواق النقد من خلال تحرير المعاملات المالية وسرعة حركة وانتقال رؤوس الأموال في لمح البصر عبر وسائل الربط والاتصالات الإلكترونية بين مختلف أصقاع العالم وصعوبة مراقبة هذه الحركة من قبل البنوك المركزية . كما عضّد نمو هذه الحركة تطور الابتكارات المالية التي وفرت أشكالاً مختلفة ومتعددة من الاستثمار المضارب . كما عكست هذه الحركة النشاط الواسع الذي قامت به الشركات عابرة القوميات في هذا المجال وكذلك نشاط ما سمي بصناديق الاستثمار Investment Funds التي يصل عددها الآن على صعيد العالم إلى حوالي 770 صندوقاً استثمارياً ضخماً. تم حشد الموارد المالية لها من شركات التأمين وصناديق التأمين والمعاشات وكبريات الشركات الصناعية . وهذه الصناديق تتعامل الآن في أصول مالية تتجاوز بكثير حجم الاحتياطيات الدولية التي تملكها البنوك المركزية في مختلف دول العالم. وتشير البيانات المتاحة إلى أن المعاملات المالية في الأسهم والسندات عبر الحدود (للمقيمين وغير المقيمين) في البلدان الصناعية كانت في حدود 10 % من الناتج المحلي الإجمالي في هذه البلدان في عام 1980 ، لكنها الآن ، تزيد على 100 % من هذا الناتج .. وقد ارتبط تزايد المعاملات المالية العالمية في الأسهم والسندات (أو فيما يسمى بالاستثمار في الحافظة المالية Portfolio Ivestment) بذلك النمو غير العادي الذي حدث في تداول النقد الأجنبي يومياً على الصعيد العالمي . فالمتوسط اليومي لحجم المعاملات في أسواق الصرف الأجنبي قد ارتفعت من حوالي 200 مليار دولار في منتصف الثمانينات إلى حوالي 1,2 تريليون دولار يومياً في عام 1996 ، وهو ما يعادل 85 % من حجم الاحتياطيات الدولية لجميع بلاد العالم . وذلك يوضح مدى الصعوبة التي أصبحت تواجهها البنوك المركزية في التأثير في أسعار صرف عملاتها الوطنية أمام جحافل رأس المال المالي الدولي قصير الأجل." ص 70-71
ويضيف د. رمزي زكي: "هذا النشاط المضارب الهائل الذي أصبحت تتسم به الحركة الدولية لرؤوس الأموال وعلى نحو يتجاوز بكثير حركة الاستثمارات الأجنبية المباشرة ، أصبح يشير إلى حقيقة خطرة جداً . وهي أن الشطر الأكبر من الأرباح التي أصبحت تحققها كبريات الشركات الصناعية في العالم لم يعد يتحقق في مجال الإنتاج الحقيقي ، بل في الاستثمار في حافظة الأوراق المالية . وهذا دليل دامغ على الطابع الطفيلي الذي تتسم به الرأسمالية الاحتكارية المعاصرة (الإمبريالية) . كما أن هذا النشاط المضارب يقف وراء كثير من الأزمات النقدية والمالية التي حدثت في بلاد كثيرة (ومن بينها دول النمور الآسيوية) بسبب ما يسببه من ارتفاع جنوني في الأسعار دون مبرر حقيقي . ثم هبوطها مرة واحدة . تماماً مثل بالون ينتفخ أكثر من اللازم ولا بد أن تأتي لحظة انفجاره . وفي ضوء هذا النشاط المحموم والجنوني الذي حدث في ارتفاع أسعار الأصول المالية والمادية بسبب المضاربات نشأت ما تسمى " الاقتصادات المنفوخة ) التي تعاني من أنشطة المضاربات وتتهددها الأزمات " يقول بول باران في الفصل الأخير (الثامن) من كتاب"الاقتصاد السياسي للتنمية" والذي عنوانه الارتقاء الصعب؛ مصير العالم المتخلف وآفاق تحوله:
" في العالم المتخلف تصبح الحقيقة المحورية الصارخة لعصرنا واضحة للعين المجردة ، فالنظام الرأسمالي الذي كان يوماً ما محركاً جباراً للتطور الاقتصادي ، قد تحول إلى عقبة لا تقل جبروتاً أمام تقدم البشرية " ص 338
لم يعد النظام الرأسمالي الاحتكاري عقبة أمام تقدم العالم المتخلف فحسب ، بل بات عقبة أمام تقدم البشرية"
لقد لاحظ توكفيل 1805- 1859 وجود نظم سياسية تشكل عقبة أمام التقدم .. وما لاحظه توكفيل فيما يتعلق بالنظم السياسية يسري على نطاق أوسع مما كان يمكنه هو نفسه أن يتصور" 338.
إن سيماء حكومة ما يمكن الحكم عليها على نحو أفضل داخل مستعمراتها ، فهنالك يجري تكبير لقسماتها فتبدوا أكثر وضوحاً.. فعيوبها هناك تبدوا كما لو كانت من خلال ميكروسكوب . [هربرت فرانكل]
.. والحقيقة أن التباين في البلاد المتقدمة بين ما كان يمكن إنجازه بقوة الإنتاج المتاحة للجميع ، وبين ما تحقق فعلاً على أساسها [بين الفعلي والممكن ] ، إنما هو أكبر بدرجة لا تقارن في البلاد المتخلفة. بيد أنه بينما يحجب هذا التباين في البلاد المتقدمة بواسطة المستوى المطلق العالي للإنتاجية والناتج ، والذي تحقق خلال عصر الرأسمالية ، فإن الهوة في البلاد المتخلفة بين الفعلي والممكن (بالنسبة للفائض) هوة صارخة ، وما تنطوي عليه ينذر بالكارثة.
.. حتى الكتّاب البورجوازيون يسلمون من حين لآخر بأن الانتقال في البلاد المتخلفة إلى تنظيم اقتصادي واجتماعي عقلاني أمر حيوي ملح – في حين يقولون في نفس الوقت بأن البلاد المتقدمة يمكنها بـ "سهولة" أن تظل تحت سيطرة الرأسمالية الاحتكارية والإمبريالية ... بيد أنه لا يمكن أن يوجد ما هو أفدح خطأ ؛ وذلك لأن حكم الرأسمالية الاحتكارية والإمبريالية في البلاد المتقدمة والتأخر الاقتصادي والاجتماعي في البلاد المتخلفة على أوثق ارتباط ، ولا يمثلان سوى جانبين مختلفين لما هو في الواقع مشكلة واحدة. ص 339
يشير تقرير الأمم المتحدة عام 1951 : "إجراءات من أجل التنمية الاقتصادية في البلاد المتخلفة" بالقول: "بالنسبة لعدد من البلاد المتخلفة ، استبعاد إمكانية أي تقدم اقتصادي كبير حتى تحدث ثورة اجتماعية تؤدي إلى تغيير (جذري) في السلطة وتوزيع الدخل" 339
.. إن انتقال الأمم المتخلفة .. إلى نظام اقتصادي/ اجتماعي يكفل لها تنمية تقدمية يتم في وجه مقاومة مريرة من جانب الدول الإمبريالية. وما قاله لينين في عام 1913 عن البلاد الأوربية يمكن أن يقال اليوم أيضاً عن الغرب المتقدم بأسره.(يقول لينين): "في أوربا المتمدينة والمتقدمة ، بما لديها من صناعة للآلات نامية نمواً ممتازاً، ومن حضارة وتكوين يمتازان بالغنى والشمول ، وصلت الأمور إلى لحظة تاريخية تقوم فيها البورجوازية الحاكمة بسبب فزعها من نمو البروليتاريا وقوتها المتزايدة ، بتأبيد كل ما هو متأخر ومحتضر ومنتم للعصور الوسطى . إن البورجوازية الرثّة تتحد مع جميع القوى العتيقة والبالية في محاولة للمحافظة على عبودية الأجر المتداعية " [لينين: أوربا المتأخرة وآسيا المتقدمة]
هذا التأبيد لكل ما هو متأخر ومحتضر ومنتم للعصور الوسطى يمكن ملاحظته في كل مكان ... وهو يهدف إلى الحيلولة دون وقوع توترات اجتماعية حيثما يكون ذلك ممكناً ، وعلى عرقلة استقرار وتقدم المجتمعات الاشتراكية حيثما تكون مثل هذه الثورات قد حدثت بالفعل.
... فأية آثار قليلة لإنسانية أصيلة ، لا تزال متبقية في وعي البورجوازية منذ أيام شبابها المجيد ، تكاد أن تتلاشى تحت تأثير الصراع الطبقي المحتدم" 340
.. إن الرأسمالية الاحتكارية والإمبريالية .. تنتظر من الدين أن يكون عقبة في جنوب آسيا ، وفي الشرق الأوسط ، كما في أي مكان آخر ، أن يكون حصناً منيعاً ضد الشيوعية وضد التقدم ... إن كل شيء متأخر ومحتضر وينتمي إلى العصور الوسطى في البلاد المتخلفة نفسها يكون على اتفاق تام مع أنصاره والمدافعين عنه في الغرب ، والطبقات المتخلفة التي تهتم اهتماماً حيوياً بأن يكون السكان الخاضعون مجتمعاً روحياً من أفراد يحبون الله... ويعملون بكد من قبيل الواجب وإرضاء الذات ، ولا تكون الحياة بالنسبة لهم مجرد متعة ونمو جسماني ، بل تطور ثقافي و روحي. وهذه الطبقات لا تدخر وسعاً ، وتلقى قدراً كبيراً من التأييد الأميركي ، في جهودها لتدعيم تسلط الخرافات الدينية على عقول أتباعها الذين يتضورون جوعاً . الذي يعني هذه الطبقات المتسلطة في البلدان المتخلفة ويعني المتواطئين معها في الغرب ، في أن يكون ثمن المحافظة على الغموض الديني جوعاً متزايداً ووفيات متزايدة." 343 . الذي يعنيها أو يعني الإمبرياليون أن تمثل هذه الخرافات حاجزاً هاماً في طريق التقدم. .. لكن ما أن يتحول الدين إلى أداة في مواجهة الغزاة والمحتلين حتى تهاجمه الولايات المتحدة الأميركية بأكثر القاذفات تطوراً ويدخل في إطار الإرهاب الدولي والأصولي.
على غرار الارستقراطيين في نهاية العصر الإقطاعي ، فإن الملكيين الاقتصاديين في هذه الأيام الأخيرة للرأسمالية الاحتكارية والإمبريالية ليسوا واقعين هم أنفسهم تحت تسلط جهالة من هذا النوع ، بيد أنهم يرونها مفيدة تماماً لمن يكدحون لديهم في الداخل والخارج" ص 344
.. والحقيقة أن عجز الرأسمالية عن أن "تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بأشياء مادية" ، عن أن تعمل كإطار للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ، هو الذي يرغم ساستها ومحبذيها، سعياً وراء استقرارها ، على الاعتماد على الأعمال البهلوانية بدلاً من الخبز، وعلى التهريج الأيديولوجي بدلاً من العقل . وهكذا فإن الحملة من أجل صيانة الرأسمالية يروج لها اليوم بنشاط أكبر من أي وقت مضى باعتبارها حرباً صليبية من أجل الحرية والديمقراطية . وفي أيام الصراع المبكر ضد الإقطاع عندما كانت الرأسمالية مَرْكباً قوياً للتقدم ، وعندما كان التنوير والعقل منقوشين على راية الطبقة الرأسمالية الصاعدة ، كان لهذا الزعم على الأقل صلاحية تاريخية جزئية. ولكن هذه الصلاحية كادت أن تضيع في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، عندما كان حكم البورجوازية يواجه تهديداً متزايداً من جانب الحركة الاشتراكية الصاعدة ، وحتى عندما أصبح حتى أكثر افتضاحاً أن "ما يقصد بالحرية في ظل ظروف الإنتاج البورجوازية الحالية هو حرية التجارة ، وحرية البيع والشراء" [بيان الحزب الشيوعي] . كما أنها تحولت إلى زيف ونفاق في عصر الإمبريالية ، عندما أصبحت الرأسمالية، بعد أن فقدت السيطرة على ثلث الأرض ، تقاتل دفاعاً عن وجودها نفسه. وكما تنبأ انجلز بألمعيّة، "في يوم الأزمة وفي اليوم الذي يلي الأزمة ... فإن الرجعية كلها وبجميع أنواعها .. ستتجمع حول شعار الديمقراطية الخالصة " [انجلز خطاب إلى بيبل 11 ديسمبر 1884 ]. وكون أن "الرجعية كلها وبجميع أنواعها " ، وأن "الديمقراطية الخالصة" التي تزعم أنها تحارب من أجلها ، ليست سوى حرية خالصة في الاستغلال ، فأمر يمكن أن نلمسه على الفور من لائحة العضوية فيما يسمى العالم الحر. فباكستان وإمارات الشرق الأوسط ، والدكتاتوريات العسكرية في أمريكا اللاتينية .. كلها قد ارتفع بها الصليبيون الإمبرياليون إلى وضع "الدول الديمقراطية"!!
والحجج التحبيذية الفجة التي تعرف الحرية بأنها حرية رأس المال، وتساوي بين مصالح الأقلية الطفيلية والاحتياجات الحيوية للشعب ، وتنظر إلى الإمبريالية كمرادف للديمقراطية ، سيكون من المتعذر عليها أن تسترعي الأنظار إن لم يكن ذلك بالنظر إلى اعتبارين يربطانها ربطاً مباشراً بمشكلة مستقبل التنمية . وأول هذين الاعتبارين متعلق بالأثر العميق لهذه الأيديولوجية وبالظروف التاريخية التي تجعلها تستند إلى التطور الاجتماعي والسياسي والثقافي للأمم الإمبريالية نفسها. وهذا الأثر تجمله ملاحظة ماركس وانجلز القاطعة والتي تقول: "لا يمكن أن تكون الأمة حرة إذا كانت تضطهد أمماً أخرى ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما التصريحات الجديدة في إسرائيل على الانفجارات في إيران؟


.. رد إسرائيلي على الهجوم الإيراني.. لحفظ ماء الوجه فقط؟




.. ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت فيه إسرائيل


.. بوتين يتحدى الناتو فوق سقف العالم | #وثائقيات_سكاي




.. بلينكن يؤكد أن الولايات المتحدة لم تشارك في أي عملية هجومية