الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حادث نيوزلاندا وتغييب العقل

فاطمة الحصي

2019 / 3 / 20
التربية والتعليم والبحث العلمي


في عام 1980 بدأ العرض اﻷول لفيلم (انتبهوا أيها الساده ) الذي نبه لصعود فئه من المهمشين والجهلاء بالمجتمع المصري الى درجة تجعلهم يتحكمون في مصائر الدوله وفي سلوكيات أصحاب العقول والفكر والعلم وهو ما لبث أن أصبح واقعا مريرا نجتره كل يوم حتى الآن .ورغم أن رسالة الفيلم كانت قوية ومباشره وصادمه إﻻ أن أحدا لم ينتبه إلى فحواها .
وفي عام 1982 احتل فيلم العار لمخرجه على عبد الخالق مركزا مهما في سباق اﻷفلام وكان هذا الفيلم يدق ناقوس الخطر حول كم التناقضات التي يحياها المواطن المصري في مجتمعه وبستقبل بها يومه من خلال شخص البطل الذي يمارس الشعائر الدينيه بمنتهى الدقه في حين يمارس تجارة المخدرات في آن بل وبأريحيه شديده وبلا أدنى إحساس بالذنب أو المسئوليه تجاه وطنه أو اﻻنسانيه بصفه عامه ...ولم ينتبه لرسالة الفيلم أحد !

وفي عام 1985 نبه الكاتب المبدع محمود أبو زيد والمخرج علي عبد الخالق إلى قضيه مهمه أيضا من القضايا الحيويه بالمجتمع المصري وفككك كلاهما بحرفية عالم الإجتماع المتمكن ظاهره شائكه كانت في طور النمو في تلك الفتره وهى مسألة اﻻعتياد على قبح الصوره ونشاز الصوت في الغناء،وأزمة التذوق بصفه عامه تلك التي أصابت في مقتل المجتمع المصري ، ولكن ههيات أن ينتبه الي صرخاتهم أحد !هذا على سبيل المثال في الفن أما في الفكر فحدث ولا حرج ، فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أنه في عام 1984 كان كتاب المبدع يوسف ادريس (أهمية أن نتثقف ياناس ) وعنوانه يشرح نفسه ، ولكن ﻻ حياة لمن تنادي .

كذلك الحال نجده مع المفكر المصري الكبير زكي نجيب محمود الذي كان ينعي حال مجتمعه كلما فاق من غيبوبته في السنه ا؟ﻷخيره من حياته ورأى الحرب بين العراق والكويت مرددا أنه لم ينجح في تغيير أي شئ في الذهنيه العربيه.
في الحقيقه أنني أتعاطف تعاطفا كاملا مع هؤﻻء المفكرين، فما هكذا يكون أن تعامل القراء مع كتابات وفنون دعت ومازالت تدعو إلى الصحوه العقليه والفكريه والثقافيه .
والحق أن لفت الانتباه إلى الدعوه إلى إعمال العقل قد نالت ما تستحقه من كتابات وتم إلقاء الضوء على هذه المسأله في عدة مؤتمرات وفي الكتابات الصحفيه المختلفه ،ولكن لاحياة لمن تنادي ! فما العمل ؟ وكيف الخروج من مستنقع الجهل والإيمان بالغيبيات والخرافات ؟
أقول هذا وفي ذهني حادث هذا الشهر ، بنيوزﻻندا الذي كانت أحداثه صادمه وجاء الخبر كاﻵتي شهدت نيوزيلندا، اليوم، حادثاً إرهابياً استهدف مسجدين، أحدهما بشارع دينيز فى مدينة كرايست تشيرتش أثناء صلاة الجمعة، واستغرق الشاب فى تنفيذ جريمته 17 دقيقة.و بعد 3 دقائق متواصلة من إطلاق النار على المصلين داخل المسجد خرج المسلح لإعادة تلقيم رشاشه بالذخيرة قبل أن يعود للمسجد ثانية ويواصل إطلاق النار.)
هذا الخبر الصادم ومنذ استمعت إليه لم يفارقني سيناريو واحد هو أن هذا جزء من لعبة (بابجي) التي انتشرت انتشار النار في الهشيم في العالم كله ، والحق أن ما دعلني أفكر في ذلك أنني كنت في حوار عميق مع بعض الأسر المصريه منهم أقارب ومنهم أصدقاء لفتوا نظري إلى خطورة تلك اللعبه بصفه خاصه ، وكانوا يشتكون من
إنعزالية ابنائهم الصارخه وإبتعادهم النفسي والمعنوي عن اﻷسره ومشاكلها عدم واﻻندماج في الحياه العامه بكل
مفرداتها .

المسأله لدينا أخطر وعواقبها أبشع بكثير وذلك لأن في الغرب هؤﻻء الشباب مدربون على إعمال العقل ومؤهلون لكي يفكرون وسوف يتم اصلاح طرق تفكير بعض الذين شذوا عن القاعده وأدت بهم الظروف إلى إرتكاب هذه الجرائم البشعه تحت ضغط نفسي أو إجتماعي أو من خلال التلاعب بهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو من خلال اﻷلعاب اﻻلكترونيه أو بعض الجماعات المتطرفه وغيرها من الضغوط التي تُمارس على الشباب ،ولكن الإشكاليه الحقيقيه هى بالمجتمعات العربيه حيث لا تعليم يؤهل لإعمال العقل بشكل فاعل وحقيقي ،ولذلك فإن قلبي يعتصره الحزن والأم حين أجد أبناءنا ينساقون بكل كيانهم إلى تلك الألعاب ، ويزداد الحزن والأم حين يكون أحد هؤلاء الأبناء من أبناء الطبقه الفقيره أو من سكان العشوائيات حيث لا أب متعلم يرشد ويوجه ، بل أن أبناء الطبقه المتوسطه والذين يملكون آباء يمكن تصنيفهم في خانة المثقفين بل والنخبه المثقفه هؤلاء أيضا غير بعيدين عن السقوط في الهوه والتلاعب بعقولهم سهل ويسير أيضا ، فنحن ﻻ نملك إﻻ أن نقدم هذه اﻷلعاب اﻻلكترونيه -حﻻﻻ زﻻﻻ بأيدينا إلى الأبناء مره بحجة مواكبه تكنولوجيا العصر ومره بحجه العولمه ومسايرة المجتمع ، وهانحن أصبحنا كمن يحفر قبره بيده .


إن الواقع يقول أننا جميعا –بلا استثناء – إستمرأنا وسائل التواصل الإجتماعي واستسهلناها كنظام حياه ، يخفف من وحدتنا وانعزاليتنا وتقوقعنا على ذواتنا ، لكننا في مقابل ذلك نقترب بشده من الهاويه ،هاوية افتقاد المقربين (الأقرب إلينا )وهم مانملكهم حقا وننتمي اليهم وينتمون إلينا ، ففي خضم هذا الاستسهال الاجتماعي نسى الأب ابنه ونسيت الأم اولادها ، وأصبح من الطبيعي أن يكون الأب منشغلا مع جهازه في تواصلاته الاجتماعيه كذلك الحال مع الأم والأبناء ، يحدث ما يشبه الإكتفاء بالحميميه مع الأغراب ،وتبدأ العلاقات في الفتور والحميميه إلى زوال .
ونلاحظ ذلك في مؤشرات بسيطه كلمة الاسره في الأعياد ولوجبة الغذاء ولاحتفالات أعياد الميلاد التي انقرضت شيئا فشيئا ، وتحول المجتمع إلى "التشيؤ " ، لاحوارات مكثفه مثلما كان في السابق وتجاوزت "الايموشنز"كل حدود المشاعر فأصبح التعبير بالحب عباره عن قلب مرسوم !
وأصبح التواصل مع أغراب ام نراهم وقد لا نراهم وجها لوجه إلا مره واحده على أحسن الظروف هو الهدف الذي نسعى إليه جميعا ،فها نحن نبيع الأقربون بالأغراب بأوهام التواصل الاجتماعي الخلابه التي تعتمد على صور متحركه ومجرد صوره خياليه أو صوت عبر الهاتف !
هكذا نتخلى عن أدوارنا كآباء وأمهات ، ونتحجج بإنشغال اﻷبناء بالأجهزه والتكنولوجيا الحديثه مستمتعين بفراغنا واندماجنا نحن -الكبار -في فوضى التواصل اﻻجتماعي .

أين علماء اﻻجتماع ؟ ولماذا هم مبتعدون تماما عن قضايا العصرالمجتمعيه الحديثه ؟
إننا أمام كارثه حقيقية هى أن أوﻻدنا يعيشون في إنعزاليه ،في عالم إفتراضي من صنع الغرب هدفه الأول هو اﻻستمتاع أو الربح وقد يكون له أهداف أخرى خفيه ليس أقلها غسل الأدمغه ، وأبناءنا في نفس الوقت ليسوا مؤهلين على إعمال العقل أو النقد العلمي الممنهج ولا على التفكير النقدي، فما العمل ؟ أتمنى الانتباه من الان حتى لا نبكي على اللبن المسكوب .

ولا أود الخوض في إلقاء نصائح تربويه لن نقوم بها نحن الآباء والآمهات ، ولكن ما يمكن عمله على الأقل في المرحله الراهنه هو العوده مرة أخرى إلى قيم منزليه كانت لها أهميه كبرى في التلاحم فيما بين اﻷبناء واﻵباء ، تقسيم اﻷدوار بالحياه اليوميه وادماج اﻻبناء في همومنا الحياتيه اليوميه وهو أمر مطلوب وصحي ، وعدم ترك اﻷبناء لأوقات الفراغ تتحكم بهم ، وألا نتركهم لكي تتحكم فيهم ألعاب وتكنولوجيا تغسل أدمغتهم بشكل لن نستطيع
السيطرة عليها فماعلينا إلا الاعتراف أن البعض منا قد أسرف في تدليل أطفالنا وشبابنا حتى تحمل اﻷباء الغالبيه العظمى من هموم اﻷبناء في مصر صار على اﻷباء القيام بكل شئ للابناء حتى بعد زواجهم وانفصالهم الجغرافي .
في الحقيقه اﻻشكاليه متكامله في الوطن العربي حيث ﻻ تعليم على إعمال العقل أو العقل النقدي أو البحث العلمي الممنهج والقائم على أسس علميه صحيحه .


*****

*باحثه في علم الاجتماع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل هناك في العقول متسع
عادل أكرم ( 2019 / 3 / 21 - 01:25 )
سيدتي الفاضلة

أرى أنك تنسين أو تتناسين بأن عقول الصغار والشباب محشوة بالكامل بتعاليم منزلة بحيث لم يبق مجال لاستيعاب المزيد.

هل حضرت يوماً صلاة الجمعة وسمعت الخطب الرنانة التي تملأ عقول الحاضرين وتثير هيجانهم؟

على أية حال عنوان المقالة لا ينسجم مع محتواها ويجب أن تكلمي القراء البسطاء بما يمكنهم استيعابه لأن معظمهم لا يفقهون شيئاً عن علم الاجتماع.

اخر الافلام

.. حماس تواصلت مع دولتين على الأقل بالمنطقة حول انتقال قادتها ا


.. وسائل إعلام أميركية ترجح قيام إسرائيل بقصف -قاعدة كالسو- الت




.. من يقف خلف انفجار قاعدة كالسو العسكرية في بابل؟


.. إسرائيل والولايات المتحدة تنفيان أي علاقة لهما بانفجار بابل




.. مراسل العربية: غارة إسرائيلية على عيتا الشعب جنوبي لبنان