الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخرطوم عاصمة للثقافة العربية والإرهاب

عفيف إسماعيل

2006 / 4 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


*مسامرة سودانوية
ثمة إسترابة مستبطنة دائماً في فكر دعاة الهوس الديني في السودان تجاه الفنون بصفة عامة وتجاه فن الغناء بصفة خاصة، وإعتباره دعوة مستمرة للرذيلة، والفجور، أو ان محصلته النهائية تصب في مصلحة برامج اليسار ، لذا لم يكن من المستغرب أن تختتم الفعاليات الفوقية للخرطوم عاصمة للثقافة العربية بفعل يتسق تماماً ونظرتها السلفية بواد لكل ما يُجمل الحياة السودانية ويجعلها محتملة، حين إعتقلت عناصر أمنية متطرفة تسمي أمن المجتمع مجموعة "عقد الجلاد الغنائية"، وصادرت جهاز الصوت وآلة الأُورغن وسط إجراءات امنية متعسفة اصدرتها إدارات غارقة في الفوضي، وفاقدة البوصلة والأهلية لكيفية حماية المجتمع، الذي صار جسده منهكاً من كثرة البثور الدمامل التي تحتاج إلي أزمان طويلة للمعالجة والتعافي كي تعود كما كانت قبل مجئ سلطة الجبهة القومية الإسلاموية إلي الحكم في 30يونيو 1989م .

الإخلال الحادث في المجتمع السوداني لا يحتاج لفطنة معملية لرؤيته فهو يشم ويلمس ويُري بغير حواس. فسنوات القمع والإرهاب الإذلال والتحقير الإسلاموي الممنهج تركت بصمة أشبه بوشم غريب صنعته أصابع عمياء تنتمي إلي عصور بربرية غارقة في التلذذ في ممارسة النفي الأقصاء وكافة انواع التعنيف تجاه الآخر.

بعد ان صادرت سلطة الجبهة القومية الإسلاموية منذ بيانها الأول كل الحقوق الأساسية للمواطنة، أيدي آثمة كانت في يدها ملف الثقافة، ففعلت بمؤسساتها الديمقراطية تخريباً لا يتخاطر حتي علي بال حَرقة كتب ابن رشد، ولم تكتفي بذلك إنما طالت قوائم الفصل من الخدمة والتشريد كل المثقفين العاملين في حقل الفنون الإبداع بشكل خاص بكافة اشكالة وغير المواليين للقطيع الاسلاموي، واكثر من ذلك مع كل هجمة إعتقال كانت تصادر أوادات إنتاجهم الإبداعية، وتفتح لهم الزنازين وبيوت الأشباح، وكان نصيب "مجموعة عقد الجلاد" وافراً في السنة الأولي من عمر الإنقاذ.

"عقد الجلاد" ذاك العقد البهي الذي يزين جيد الأغنية السودانية سليل سنوات طويلة من تجارب الغناء الجماعي، وتتويج لخبرات أجيال متواصلة ضاربة الجذور في العمق السوداني، آخر ها توقف بفرقة البساتين التي أشرف عليها الموسيقار الفذ الراحل إسماعيل عبد المعين. نهلت "عقد الجلاد" من الأرث النغمي الثر المتفرق بين ربوع السودان بتنوعه الفريد، وعالجتها بخبرات موسيقية علمية مستفيدة من المعارف التي استقاها أعضاؤها من خلال دراستهم بمعهد الموسيقي والمسرح سابقاً، وصارت اغنياتها عنوان للوطن داخله وفي المحافل الدولية، لما بها من مضامين تثمن وتعلي من كل القيم التي تدعو لخير البشرية والإنسان في التعايش السلمي والدعوة المستمرة للحياة وضد كافة أشكال الموات.

كان جديراً بمجموعة عقد الجلاد الغنائية تكريماً يليق بها، ماحدث يفضح ديكورية إحتفالية فعاليات الخرطوم عاصمة للثقافة العربية،ويسئ لكل التاريخ الثقافي السوداني، لكن هذا ديدن الذهنية الإسلاموية كلما سمعت كلمة إبداع تحسست ترسانات قوانينها القمعية وتطلقها كل كلابها الضارية في اعقاب صناع الحياة والجمال في السودان. وما حدث يزيد الشعب السوداني حباً وإحتراماً "لعقد الجلاد"، ويباعد الهوة بين خفافيش الظلام وعبدة المسنتقع، وبين الذي يصنعنون بحناجرهم وأوتارهم أجمل الأحلام، ويرسمون ملامح المستقبل.
** مسامرة سودانوية .. عنوان المقال الشهري الذي يكتبه عفيف إسماعيل في صحيفة"المهاجر" التي تصدر عن منظمة "المهاجر الثقافية" باستراليا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن في الصين يحمل تحذيرات لبكين؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. زيارة سابعة مرتقبة لوزير الخارجية الأميركي إلى الشرق الأوسط




.. حرب حزب الله وإسرائيل.. اغتيالات وتوسيع جبهات | #ملف_اليوم


.. الاستخبارات الأوكرانية تعلن استهداف حقلي نفط روسيين بطائرات




.. تزايد المؤشرات السياسية والعسكرية على اقتراب عملية عسكرية إس