الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجذور التاريخية للفتوى الدينية في ملاحقة اليسار بالعراق المعاصر *** (10-6)

عقيل الناصري

2019 / 3 / 24
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الجذور التاريخية للفتوى الدينية في ملاحقة اليسار بالعراق المعاصر *** (10-6)
وهكذا "... وبدأت جماعة العلماء بإصدار منشوراتها، توجه الناس وتنتقد الشيوعيين وتمدح الزعيم الأوحد، وأذيع بيانهم الأول من الإذاعة الرسمية، ووزعه الشباب المتحمس في المحافظات، وقرأه الخطباء على المنابر !! وفارت زنابير الشيوعية على جماعة العلماء والمرجعية والحوزة عموماً، بالإعلام والصراخ والشتائم، وملاحقة من يوزعون المنشورات فتصدى لهم المتدينون وصمدوا في مواجهتهم حتى انكسرت هيبة الشيوعيين ! وفرح القوميون والبعثيون بأن المرجعية نزلت إلى الميدان، وعملوا على تأجيج الصراع بينها وبين النظام لأن هدفهم إسقاطه، لكن منشورات جماعة العلماء كانت تمدح الزعيم الأوحد، لتميز أتباعها عن غيرهم .وقام السيد الحكيم (رحمه الله) والمراجع بإصدار فتاوى تأييد لمنشورات جماعة علماء النجف، وهذا نص فتوى السيد الحكيم :
بسم الله الرحمن الرحيم
إن جميع ما أصدره فريق من أعلام أهل العلم باسم جماعة العلماء في النجف الأشرف، وما سيصدرونه من النشرات وغيرها ، مما يتضمن الدعوة إلى دين الإسلام ، لهو من أهم الوظائف الشرعية التي يجب القيام بها في سبيل إعلاء كلمة الدين ، وترويج مبادئه الشريفة وتعاليمه المقدسة ، فعلى عامة المسلمين العمل على مؤازرتهم والوقوف إلى صفهم، ومشاركتهم في تحمل هذه الدعوة الدينية المبارك .
محسن الطباطبائي الحكيم
27 ج 2( جماد الثاني) - 1378
ثم أصدر السيد الخوئي، والسيد الشاهرودي، والميرزا مهدي الشيرازي، والشيخ عبد الكريم الجزائري، فتاوى مشابهة... " في تأييد جماعة العلماء وما يصدر منها. لكن لم تستمر جماعة العلماء بحكم الضغوطات التي واجهتها من داخل الحوزة العلمية ذاتها ومن خارجها.
وقد سبق لبعض رجال الدين من مختلف المذاهب "... أتهام الشيوعيين بـ (حرق القرأن الكريم) الكاذبة التي فندها فيما بعد السيد حسن العلوي، الذي طبل لها في حينها وزمر كثيرا مع بقية الجوقة، أو الاعتداء على بعض شيوخ الدين، كما حاول السيد آية الله مرتضى القزويني في دعايته ودعوته المستمرة ضد الشيوعيين في النجف وقبل صدور فتوى السيد الحكيم بثلاثة شهور حسب قوله بالذات... ".
وقد سلط الضوء المكثف على هذه الناحية الكاتب حسن العلوي بعثي الإنتماء، على الأقل في السابق، بشيء من التفصيل بالقول: "... كان الحزب (حزب البعث- الناصري) يواجه عقدة إنتشار حزب سري كبير هو الحزب الشيوعي العراقي، وكان عليه أن يطرح خدماته أمام الوسط الديني من خلال التعريض بالإحاد الماركسي وموقف الشيوعيين من الدين، فجرى التركيز في تلك المرحلة على تبني الطقوس الدينية والظهور أمام الشعب العراقي بمظهر متدين، وقد أكدت تعليمات حزبية مشددة على ضرورة إحتفاظ الجهاز الحزبي بمظهر ديني وإن لم يكن الاتباع البعثيون متدينين لا سيما في أعقاب ثورة 14 تموز1958، فوجد رجال الدين أملاً في الإعتماد على البعثيين أتباعاً ينشرون الفتاوى الشرعية الصادرة ضد الشيوعيين. وقد لجأ الحزب في تلك الفترة إلى طريقة تخلو من المُثل المطلوبة فقد جرى أكثر من مرة تمزيق المصاحف وإتهام الشيوعيين بذلك، وكان يكفي لإدانة المتهم إثنان من الشهود يبعث بهم الحزب إلى المحكمة العرفية العسكرية فيقسم كلاهما في القرآن كذباً ويصدر الحكم على متهم بريء وينشر في الصحافة المحلية وقد حمل كل بعثي، نسخته للتشهير بخصومهم السياسيين ... ".
وكما سبق وأشرنا، فقد تخوفت كل القوى السياسية وأحزابها من بروز قوة اليسار وبخاصة المرجعية العليا والبرجوازية الكبيرة والملاك الكبار والبازار، لدواعي وبواعث: مصلحية أنوية ؛ ودينية متزمتة ؛ وفكرية عصبوية ؛ وإقليمية وتحديدا إيرانية وخليجية ؛ ودولية ضمن عملية التخادم المشترك بين مختلف القوى الدولية. وكانت جملة من البواعث وراء هذه الظاهرة السياسية بإمتياز، كما شرحناها سابقاً وبإسهاب، لنقول من أهمها:
- تنامي اليسار العراقي وبخاصة الحزب الشيوعي ونزوله إلى العلن، حتى صرح آلن دلس/ مدير المخابرات الأمريكية: بأن العراق أصبح اخطر بقعة بالعالم ؛
- ومن إجراءات سلطة 14 تموز وتوجهاتها الجذرية في الحقول الاجتصادية والسياسية والفكرية ؛
- إنتشار موجة العلمنة في المجتمع العراقي وبخاصة في أوساط الشباب منهم ؛
- وفي وضع المجتمع العراقي على سكة الحداثة ذات الرنين المدني المناقض للسكونية التقليدية ؛
- ضغط القوى الاجتماعية الدنيا من أجل الاسراع في إنتشالها من اوضاعها الاجتصادية المتخلفة ؛
- غياب البعد النظري مع مفردات الإيمان الديني عند الحزب الشيوعي كي يسترشد بها عند التعامل مع الدين والتدين ؛
- اقامة حكومة الثورة علاقات خارجية على اساس المصالح المشتركة مع دول المعسكر الاشتراكي واتباع سياسة الحياد الإيجابي ؛
- مساندة حركة التحرر العالمية وبخاصة العربية منها في الجزائر وفلسطين وعُمان؛
- كما إن بعض التصرفات الصبيانية والأخطاء المرتكبة والاستعجال في رفع الشعارات غير الملائمة والداعون إليها محسوبين على الحزب الشيوعي، من خلال الإساءة لبعض المفاهيم الإسلامية والدينية."... وربما لا يستطيع أحد أن ينكر أن من بين العامة، كان أعضاء في الحزب الشيوعي أيضاً أساءوا بهذا القدر أو ذاك لمشاعر العراقيين من خلال الإساءة لبعض المفاهيم الإسلامية والدينية. ولا تقل إساءتهم لغيرهم عن الإساءة إلى حزبهم الشيوعي نفسه الذي لا يرتضي تلك المفاهيم... " ولا تلك الأهازيج التي عبرت عن تدني الوعي الاجتماعي في تجلياته السياسية والجمالية والدينية. حول فتوى الأمام الحكيم.. في سبيل البحث عن معيار دقيق في العلاقات الانسانية.
أدت هذه الظروف وغيرها إلى تنامي تخوف المرجعية الدينية الشيعة والمؤسسة التقليدية من هذه الاصلاحات وتلك التغييرات التي تهم الأغلبية السكانية من الفقراء ومن ذوي الدخل المحدود وجلهم من الشيعة. في هذا الظروف السياسية والتحولات الاجتصادية والفكرية وضغط الفقراء، أصدر المرجع الديني السيد محسن الحكيم فتواه الشهيرة في 12 شباط/فبراير 1960، بتحريض من قبل جملة من القوى، الداخلية والخارجية، الإقليمية والعربية ولأسباب ودوافع عديدة ومتباينة، وبالعموم إن هذه القوى قد تضررت، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، من ثورة 14 تموز ومن سياقها المنجز، وهم خليط غير متجانس، لا يجمعهم إلا عدائهم لنظام تموز وقاعدته الاجتماعية وبشخص قائده قاسم والقوى التقدمية واليسارية.
وبالتالي فالأستنتاج االرئيسي، هو أن هذه الفتوى في ماهياتها ومضامينها كانت سياسية ذات بعد طبقي وليست ذات بعد ديني، إلا ما ندر ومن الناحية الشكلية فحسب. لقد ساندت جملة من القوى الطبقية، الداخلية والاقليمية والدولية هذه االفتاوى، نوجزها هنا:
- بعض المتنفذين في المؤسسة الدينية والمرجعية العليا ؛
- من بقايا الاقطاع وملاك الأراضي بخاصة الكبار منهم ؛
- بعض التجار الكبار من البازار ؛
- بقايا النخب السياسية للعهد الملكي ومؤازريهم في مؤسسات الدولة ؛
- بعض من الضباط المغامرين سواءً في المؤسسة الأمنية والعسكرية ؛
- احزاب التيار العروبي ( حزب الاستقلال والبعث وحركة القومين العرب) ؛
- من الاحزاب الدينية السنية كالأخوان المسلمين وحزب التحرير ؛
- من الذين وقفوا موقفا سلبيا من خلال تجذر أهداف الثورة من أمثال كامل الجادرجي وصديق شنشل ؛
- من التجار الخليجيين أو/و حكوماتهم ؛
- من المسؤولين في إيران الشاهنشاهية ؛
- وكذلك من بقية دول الجوار العربية كالعربية المتحدة والأردن والسعودية ؛
- ومن تحبيذ المراكز الرأسمالية، وبخاصة بريطانيا والولايات المتحدة، ومشاركتها المباشرة في إصدارها واستخدامها في صراعها السياسي/الفكري مع المعسكر الاشتراكي اثناء الحرب الباردة .
الهوامش
96 - علي الكَوْراني العاملي، إلى طالب العلم، ص.134،.2010 ، مكتبة أهل البيت، http://ablibrary.net
97 - د. كاظم حبيب، ما هي الأهداف، مستل من ، محمد سعيد الطريحي، الشيعة والشيوعية، ص.145، مصدر سابق.
98 - حسن العلوي، العراق، دولة المنظمة السرية، ص. 13، مصدر سابق.
99- للمزيد حول هذه المعلومة راجع كتابنا، عبد الكريم قاسم في يومه الأخير، ط.2، مصدر سابق.
100 -"... ومن المنطقي أن يفترض المرء أن غياب رؤية شيوعية تفصيلية يسترشد بها الشيوعيون في التعاطي مع مفردات الإيمان الديني وأثرها في تشكيل حركة المجتمع العراقي، أدى إلى تفعيل حالة من الضبابية الفكرية لدى شيوعيين كثيرين عند التعامل مع هذه المفردات الأمر الذي سهل انزلاق بعض الشيوعيين وعلى نحو فردي في ممارسات وإعلانات غاضبة ومتشنجة فسرها العقل الاجتماعي الشعبي العراقي جمهور المؤمنين على أنها تستهدف الدين أو تفضي إلى الإلحاد في آخر الأمر، مثل تصوير رجال الدين على أنهم طبقة منتفعة اقتصاياً إعتاشت على جهل الناس والاستخفاف بفكرة أعطاء المهر إلى المرأة عند الزواج وغيرها...". عقيل عباس، عقدة الدين، مستل من محمد سعيد الطريحي، الشيعة مصدر سابق، ص. 199.
101 - جاسم المطير، حول فتوى الأمام الحكيم، مستل من محمد سعيد الطريحي، الشيعة والشيوعية، ص. 172.مصدر سابق. لكن في الوقت نفسه"... انه لا يمكن تبرئة الشيوعيين من المسؤولية عن إدخال وسائل العنف لحل الخلافات السياسية..." حسب قول كل من عامر عبدالله وبهاء الدين نوري، عندما قيما تجربة الحزب من 1958-1964، د. ماهر الشريف، مستل من كتاب المجتمع العراقي، ص.84، مصدر سابق.
ومن جهة أخرى فقد فسر الكاتب يوسف عطا منصور مفهوم الشيوعية السائد بالعراق بالقول: "... وهذه حقيقة لابُدّ أن يعلمها الجميع، لم تكن إلا مفهوما إقتصادياً، يدعو إلى رفع المستوى المعاشي للطبقات الفقيرة وإلى تحرير الفلاحين من ربقة الاقطاع وسيطرته، كما تدعو إلى التحرر الاقتصادي والسياسي للدولة ونبذ مبدأ التبعية للاستعمار البريطاني. هذه هي المفاهيم التي كان يتعامل بها الشيوعيون مع الأوساط الشعبية والناس، لذلك نرى كثيراً من الأفراد ومن بيوتات عريقة لها وزنها الاجتماعي وإلتزامها الديني، قد ساروا في هذا الركب..." مفهوم الشيوعية وفتاوى علماء الشيعة، ذات المصدر السابق، ص. 178.
102- يميل عادل رؤوف، في كتابه محمد باقر الصدر بين دكتاتوريتين، المركز العراقي للاعلام والدراسات، ص 264، دمشق 2001. ويركز على كون الفتوى كانت بتأثيرات خارجية حيث يقول: "... إذن ومن خلال انقطاع الفتوى عن أية جذور أو مقدمات نظرية في إطار المواجهة مع الشيوعيين ربطت بعض لأراء اصدار الفتوى بالخارج وبالتحديد بمعطيات سياسية إقليمية جديدة أريد لها أن تنعكس داخل الساحة العراقية وفي مواجهة حكم عبد الكريم قاسم، الذي أتفق الجميع آنذاك على محاربته، عبد الناصر من جهة وشاه إيران من جهة ثانية وبريطانيا من جهة ثالثة.. وقوى دولية وإقليمية أخرى اصطفت معهم من جهة رابعة. ولأن علاقة الحكيم مع شاه إيران كانت جيدة، وجد هذا الربط مبرره في تفسير فجائية الفتوى وانقطاعها عن أية جذور أو مقدمات...".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بشكل طريف فهد يفشل في معرفة مثل مصري ????


.. إسرائيل وإيران.. الضربات كشفت حقيقة قدرات الجيشين




.. سيناريو يوم القيامة النووي.. بين إيران وإسرائيل | #ملف_اليوم


.. المدفعية الإسرائيلية تطلق قذائف من الجليل الأعلى على محيط بل




.. كتائب القسام تستهدف جرافة عسكرية بقذيفة -الياسين 105- وسط قط