الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميثاق اللاتمركز المتمركز.

كريم اعا

2019 / 3 / 29
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


بعد انكشاف حقيقة الدولة المعتمدة على مركزية القرار كجهاز في أيدي أقلية مالكة للاستحواذ على السلطة والثروة، وبعد تصاعد الدعوات لتمكين المواطنين في مدنهم وقراهم للتقرير في مصائرهم والاستفادة من الخيرات التي تزخر بها أراضيهم وتنتجها سواعدهم، وممارسة الحقوق الأساسية التي أصبحت رمزا للحداثة والتطور في زمن انتصار وسيادة البرجوازية، كان طبيعيا أن تسعى الطبقات الحاكمة بالبلاد لمجاراة التحولات الدولية والوطنية في محاولة للحفاظ على سلطتها ومواجهة كل ما من شأنه تهديدها أو إضعافها.
إن منظري هذه الطبقات يقدمون مفهوم اللامركزية مرادفا لانتقال من شكل للدولة إلى آخر وتأسيس لتعاقد اجتماعي جديد، وهو ما فرض إدخال تغييرات على النظام الإداري ليصبح قادرا على مواكبة التحولات التي يفرضها النسق السياسي الجديد وليكون معقلنا في وظيفته ويحسن مردوديته، خصوصا في مستوياته المحلية.
وإذا استحضرنا الدور الكبير الذي تمثله السلطة التنفيذية، بما تعنيه كوسيلة للحكم والتحكم، وضبط المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فإن ضعف التنظيمات السياسية بالبلد وانخراطها في "إجماع مقدس" جعلها بنيات لا تؤدي الأدوار المنوطة بها كما هي محددة ومجربة في بلدان أخرى. انطلاقا مما سبق، سأحاول التركيز في هذه الورقة على أدوار الولاة والعمال كممثلين للسلطة الفعلية وعلى الاختصاصات والسلط التي مكنهم منها ميثاق اللاتمركز الإداري الجديد لتبيان كيف تعزز مركزهم أكثر داخل الهرم الإداري، وتتكرست مرة أخرى تبعية السياسي للإداري المعين، مما يجعلنا نسائل حقيقة الديمقراطية التي تتزين بها الخطابات الرسمية وكيف تتهافت أمام واقع الحال العنيد.
هكذا إذن، وبعد عقدين من الزمن من الحديث عن ميثاق للاتمركز، صدر أخيرا بالجريدة الرسمية عدد 6738 بتاريخ 27 دجنبر 2018 مرسوم بمثابة ميثاق وطني للاتمركز، ويتضمن ثمانية أبواب، شمل أولها أحكاما عامة أوردها في ست مواد. بينما تضمن ثانيها مادتين اثنتين تعرضان لأهداف ومبادئ اللاتمركز الإداري وآليات تفعيله.
الباب الثالث يعرض للقواعد العامة للتنظيم الإداري للمصالح اللاممركزة للدولة وهي مفصلة في خمس مواد. أما الباب الرابع فخصص لتوزيع الاختصاصات بين الإدارات المركزية والمصالح اللاممركزة للدولة والقواعد المنظمة للعلاقة بينها، وينقسم لفرعين اثنين، يتضمن أولهما أربع مواد تعرض توزيع الاختصاصات بين الإدارات المركزية والمصالح اللاممركزة، في حين يقدم الفرع الثاني المكون من ثماني مواد القواعد المنظمة لعلاقات الإدارات المركزية بالمصالح اللاممركزة للدولة.
الباب الخامس مكون من عشرة مواد ويحدد القواعد المنظمة لعلاقات الإدارات المركزية بالمصالح اللاممركزة للدولة.
الباب السادس يتضمن مادتين اثنتين تعرضان لعلاقات المصالح اللاممركزة للدولة بالجماعات الترابية وهيئاتها والهيئات والمؤسسات الأخرى ذات الاختصاص الترابي. أما الباب السابع، فيتضمن ما يخص اللجنة الوزارية للاتمركز الإداري والوارد في ست مواد.
وفي الأخير، تضمن الباب الثامن في مواده الخمس أحكاما ختامية.
لقد اعتمد المرسوم في تصديره على مرجعيات تمثلت في فصول خمسة من الدستور (49-90-92-145 و154)، وخمسة قوانين تنظيمية، وظهيرين شريفين، ومرسوم ملكي وثلاثة مراسيم.
واللافت للانتباه، أن المرسوم موقع من طرف رئيس الحكومة، ووزيرين اثنين ووزير منتدب، بينما نجد نظيره الفرنسي مثلا لسنة 2015 يتضمن أسماء جميع أعضاء الحكومة كتعبير عن عمل جماعي تشاركي وملزم، بينما يبدو أن الشرط الأخير هو ما يحضر فقط في الميثاق الجديد.
إن أول ملاحظة تثير الانتباه هي عدد المواد التي تنظم علاقة المصالح اللاممركزة بالولاة والعمال والتي تبلغ عشرة مواد، بينما تبلغ ثمانية فقط في علاقتها بإداراتها المركزية. مع الإشارة إلى أن مادتين اثنتين فقط هما كل ما خصص لعلاقة المصالح اللاممركزة الجماعات الترابية وهيئاتها والهيئات والمؤسسات الأخرى ذات الاختصاص الترابي، مما يجعلنا نجزم أنه ميثاق لضبط علاقة الولاة والعمال بالمصالح الممركزة أكثر منه ميثاقا للاتمركز الإداري.
قراءة أولية في مواد الميثاق جعلتنا نقف عند مصطلحات دالة ومتكررة تحيلنا على خطابات غزت الفضاءات في بقاع المعمور متنقلة من عالم الاقتصاد الرأسمالي إلى عالم التسيير وتدبير الإدارات العمومية.
"النجاعة" ذكرت 12 مرة.
"الفعالية" وردت 9 مرات.
"الالتقائية والجودة" ذكرتا 8 مرات لكل منهما.
أما "الولاة والعمال" فأتى ذكرهم 29 مرة.
إن تصريح الميثاق بتكريس الدور المحوري لوالي الجهة في تنسيق عمل المصالح اللاممركزة للدولة، والسهر على حسن سيرها ومراقبتها، وتوخي الفعالية والنجاعة في أداء مهامها (المادة 8)، يدفعنا للوقوف عند الصلاحيات والاختصاصات والمهام التي أفردها المرسوم للولاة والعمال حتى يتضح أكثر تحكمهم في كل ما يعتمل داخل الجماعات الترابية التي يشرفون عليها، تخطيطا وتقريرا وتنفيذا وتتبعا وتقييما واقتراحا.
ونعرض فيما يلي للصلاحيات والاختصاصات والمهام الموكولة للولاة والعمال حسب مواد المرسوم:
المادة الجهة المعنية الصلاحيات والاختصاصات والمهام
5و8 والي الجهة تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة والسهر على حسن سيرها ومراقبتها، وتوخي الفعالية والنجاعة في أداء مهامها.
11 والي الجهة اقتراح إحداث تمثيليات إدارية جهوية مشتركة بين قطاعين أو أكثر.
11 عامل العمالة أو الإقليم اقتراح إحداث تمثيليات إدارية إقليمية مشتركة.
19 والي الجهة أو عامل العمالة أو الإقليم الإشراف على ممارسة رؤساء المصالح اللاممركزة للدولة ومختلف العاملين تحت إمرتهم.
22 والي الجهة التعاقد مع السلطات الحكومية المعنية ورؤساء التمثيليات الإدارية الجهوية المعنية لتنزيل التصاميم المديرية للاتمركز الإداري على المستوى الجهوي.
23 والي الجهة أو عامل العمالة أو الإقليم الإشراف على تنفيذ المصالح اللاممركزة للدولة للبرامج والمشاريع المندرجة ضمن السياسات العمومية للدولة أو إحدى هيئاتها، وفق أهداف وإجراءات وآجال محددة(تنسيق التنفيذ تحت سلطة الوزراء المعنيين).
24 والي الجهة أو عامل العمالة أو الإقليم التنسيق مع السلطات الحكومية لاتخاذ جميع التدابير اللازمة من أجل توجيه المصالح اللاممركزة التابعة لها في ممارسة أنشطتها ومواكبتها وتتبعها ودعمها.
24 والي الجهة أو عامل العمالة أو الإقليم تسلم نسخة من تقرير التقييم الذي تعده مصالح اٌلإدارة المركزية المكلفة بإجراء تقييم أداء مصالحها اللاممركزة بصفة منتظمة.
24 والي الجهة أو عامل العمالة أو الإقليم المساهمة في تقييم أداء المصالح اللاممركزة المعنية عندما يتعلق الأمر بإنجاز مشاريع وبرامج عمومية مشتركة بين هذه المصالح.
26 والي الجهة أو عامل العمالة أو الإقليم تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة والسهر على حسن سيرها.
26 والي الجهة أو عامل العمالة أو الإقليم الإشراف على تحضير البرامج والمشاريع المقررة من قبل السلطات العمومية أو تلك التي كانت موضوع اتفاقيات أو عقود مع هيئات أخرى، والسهر على ضمان التقائيتها وانسجامها وتناسقها.
26 الولاة والعمال اتخاذ جميع التدابير اللازمة لتنفيذ المصالح اللاممركزة للدولة لمهامها وللالتزامات الملقاة على عاتقها وقيامها بإنجاز البرامج والمشاريع المذكورة.
26 الوالي أو العامل إمكانية إبرام اتفاقيات وعقود بخصوص البرامج والمشاريع المذكورة قبله.
27 الولاة والعمال اتخاذ التدابير المناسبة واللازمة لضمان مواكبة المصالح اللاممركزة للدولة للجماعات الترابية ومجموعاتها وهيئاتها في إنجاز برامجها ومشاريعها التنموية.

28 الولاة والعمال إمكانية اقتراح اتخاذ كل تدبير ذي طابع قانوني أو مالي أو إداري أو تقني أو بيئي من شأنه تحسين أداء المصالح اللاممركزة.
29 الولاة والعمال إحاطة السلطات الحكومية المعنية علما بالإجراءات المتخذة من أجل ضمان إنجاز برامج الاستثمار وأشغال التجهيز، وبوضعية تنفيذ هذه البرامج والأشغال، وبملاحظاتهم ومقترحاتهم لتذليل الصعوبات التي قد تعترض إنجازها داخل الآجال المحددة.
30 والي الجهة رئاسة اللجنة الجهوية للتنسيق
31 والي الجهة إمكانية استدعاء كل شخص ذاتي أو اعتباري يرى فائدة في حضوره لاجتماعات اللجنة الجهوية للتنسيق بصفة استشارية.
32 والي الجهة الدعوة لاجتماع اللجنة الجهوية للتنسيق كلما اقتضت الضرورة ذلك.
32 والي الجهة تحديد جدول أعمال اجتماعات اللجنة الجهوية.
33 والي الجهة إحداث كتابة عامة للشؤون الجهوية تحت سلطته
33 والي الجهة يكلف الكاتب العام للشؤون الجهوية للقيام بمهام، إلى جانب المهام المحددة في المرسوم وتحت سلطته.
34 عامل العمالة أو الإقليم إحالة القضايا إلى اللجنة التقنية المحدثة بموجب أحكام الفصل 5 من الظهير بمثابة قانون رقم 1.75.168 قصد دراستها.
34 عامل العمالة أو الإقليم رفع التوصيات المرتبطة بإحداث تمثيليات إدارية على مستوى العمالة أو الإقليم إلى والي الجهة قصد رفعها إلى السلطات الحكومية المعنية.
35 عامل العمالة أو الإقليم تحت سلطته يعد الكاتب العام اجتماعات اللجنة التقنية ويسهر على تنظيمها وتنسيق أشغالها وإعداد محاضرها ومسك مستنداتها وحفظها.
36 والي الجهة أو عامل العمالة أو الإقليم الإشراف على تقديم المصالح اللاممركزة كل أشكال الدعم والمساعدة للجماعات الترابية وهيئاتها والمؤسسات والمقاولات العمومية ذات الاختصاص الترابي وكل هيئة من الهيئات المكلفة بتدبير مرفق عمومي، إلى جانب إرساء شراكات فاعلة معها والمساهمة في تنمية قدراتها ومواكبتها في ممارسة الاختصاصات الموكولة إليها وفي تعزيز آليات الحوار والتشاور.

لقد خص الميثاق الولاة والعمال بعديد مهام تتراوح بين الإشراف(المواد 19-23-26 و36)، والتنسيق(المواد 5-8-24 و26)، والاقتراح(المادتان 11 و28)، والتعاقد(المادتان 22 و26)، واتخاذ تدابير(المادتان 26 و27)، والمساهمة والتسلم(المادة 24)، والإحاطة علما(المادة 29)، والرئاسة(المادة 30)، والاستدعاء(المادة 31)، والدعوة لاجتماع وتحديد جدول الأعمال(المادة 32)، وإحداث وتكليف(المادة 33)، وإحالة(المادتان 30 و34)، ورفع توصيات(المادة 34)، والسهر(المادة 27)، وبعث(المادة 33)، وتحت سلطة الوالي(المادتان 33 و35).
وإذا سلمنا جدلا بأن اللاتمركز يهدف إلى تمكين المصالح اللاممركزة من اختصاصات فعلية، ويمكنها من صلاحيات تجعلها مبادرة وقادرة على اتخاذ قرارات ومبادرات تضمن فعاليتها وجودة خدماتها فإن الأدوار المنوطة بالولاة العمال تجعلنا نجزم أن التبعية المطلقة التي كانت يوما إزاء "المركز" قد تحولت في اتجاه ممثلي وزارة الداخلية بالولايات والأقاليم. إنها تبعية المصالح اللاممركزة للدولة للسلطة الفعلية التي تستحوذ على كل الإمكانيات والقرارات، وبالتالي الاتجاه نحو استبدال مركزية اتضح قصورها وانفضحت طبيعتها الطبقية وبيروقراطية مسؤوليها نحو نوع جديد/ قديم من المركزية المغلفة بخطابات القرب والتنمية المحلية.
السلطة المخولة للولاة والعمال تكريس لبنية دولة تعتمد التعيين والولاء وبالتالي انتفاء كل شروط الديمقراطية المزعومة. نحن إزاء دولة تغير جلدها فقط بعد أن بان اصطفافها التام إلى جانب من يستحوذون على خيرات البلد ويكرسون تبعيته للدوائر المالية الامبريالية.
إن ميثاق اللاتمركز بالشكل المقدم ليس سوى تعزيز لسلطة الاستبداد وتحصينها ضد كل ما يمكن أن يهددها ويوقظ وعي الشعب ضدها ويذكي الصراع والمواجهة جراء تغولها واستمرارها. فالمضمون الاجتماعي والسياسي لأي تغيير معلن هو ما يحدد طبيعته والمعسكر المستفيد منه. ولا خير في "إصلاح" يكرس استحواذ أقلية على السلطة والثروة ويؤبد استغلال أغلبية عاملة واضطهادها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس تواصلت مع دولتين على الأقل بالمنطقة حول انتقال قادتها ا


.. وسائل إعلام أميركية ترجح قيام إسرائيل بقصف -قاعدة كالسو- الت




.. من يقف خلف انفجار قاعدة كالسو العسكرية في بابل؟


.. إسرائيل والولايات المتحدة تنفيان أي علاقة لهما بانفجار بابل




.. مراسل العربية: غارة إسرائيلية على عيتا الشعب جنوبي لبنان