الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صحيح البخاري بين الأسْطَرَة و الواقع.. قراءة في كتاب صحيح البخاري.. نهاية اسطورة..

محمد عبعوب

2019 / 3 / 29
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


في كتابه "صحيح البخاري.. نهاية اسطورة" الصادر عن دار الوطن المغربية، ذهب الباحث المغربي رشيد أيلال في نقده لهذا المرجع الى القطع بأن هذا المؤلف اسطورة، ضخمها التداول بين المهتمين عبر العصور بواحدة من الأركان المهمة للاسلام، سنة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من أقوال و أفعال، ، بل ذهب الى حد القول بأن لا وجود لهذا الكتاب من الاصل وأن الإمام البخاري لم يكتبه أصلا، بل وُضِع بعده ونسب له .
ويستعرض الباحث في كتابه هذا، إضافة الى مراحل نشأة هذا الامام وتطور شخصيته التي تأسْطَرَت عبر التاريخ، عددا من المخطوطات المحفوظة في العديد من المكتبات العالمية، التي نقلت لنا شذرات من هذا الكتاب الخيالي حسب الباحث أيلال، والتي يقول كتابها أنهم نقلوها عن مهتمين بهذا الشأن في عصور مختلفة أقربهم عاش بعد رحيل البخاري بأزيد من قرنين.
كما يستعرض الباحث ما أرخه المهتمون بهذا الأثر عن رحلات هذا الشيخ الذي ولد بعد وفاة نبيّنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم بأكثر من قرن ونصف ، كما تتناول هذه المخطوطات بتفاصيل وروايات متضاربة احيانا مآثر هذا الشيخ منذ طفولته وحتى وفاته وما بذله من جهود ومعاناة لجمع وتحقيق صحيحه، ليصل إلينا وبحجج وأدلة ضعيفة تجافي المنطق في بعض التفاصيل، تؤكد أسْطَرَته هو وصحيحه، حسب المؤلف الذي بين ايدينا.
ويشير الباحث الى جملة من الروايات والحكايا التي تتناول بيئة البخاري ومن التقاهم من علماء ومهتمين بهذا المجال الذي كان في ذلك العصر مجالا جاذبا لكل باحث متحمس للاسلام كدين سماوي جاء كثورة شدت اليها كل ذي بصيرة وعقل، لتصحيح رسالات سماية سبقته لحقها التحريف..
جزء كبير مما سرده الباحث رشيد إيلال حول صحيح البخاري و وضعه تحت مجهر التحليل العقلاني، يؤكد وجود ظاهرة الأسْطَرة بين سطوره، غطت بتهافتها واختلاقها لروايات تجافي العقل والمنطق، على ما حواه من أحاديث صحيحة، وساهمت في تنويم عقول البسطاء الذين حولتهم هذه الأساطير الى مجرد أوعية للتلقي لا وجود فيها لملكة التفكير والتدبر، و أبعدتهم عن الاصل الصحيح والحقيقي للاسلام المتمثل في القرآن الكريم.. ويذهب المؤلف بذلك في نقده لصحيح البخاري جراء تضخيمه وأسْطَرته عبر الأجيال ، الى حد وصفه بالناسخ للقرآن..
وبهذا اعتقد أن الباحث في تتبعه للثغرات التي يضمها صحيح البخاري ذهب به حماسه الناقد، الى حدود تتجاوز العقلانية في النقد، وذلك بنفيه القاطع لوجود أي أصل لهذا الكتاب كتبه الإمام بيده!، وهو اعتقاد يبدو لي فيه شطط ومغالاة لا تقل في بعدها عن العقلانية عما يطرحه ناقلي هذا الصحيح والمضخمين له عبر العصور. فما يمنع البخاري مثلا –وهو قطعا كشخص ومُتقصٍ لأحاديث الرسول قد وجد على ظهر الأرض في تلك الحقبة- ما يمنعه من أن يتتبع و يجمع ويحقق عددا من مآثر الرسول أقوالا وأفعالا، ويضعها في كتاب، يحظى بشهرة واسعة ، ليتحول بعده على يد المؤرخين الباحثين عن الأساطير الى أثر أسطوري مشوه، متجاوز للعقل كما نراه اليوم بين أيدينا؟
وفي تحليله وتتبعه لتاريخ شخصية البخاري كإنسان، منذ طفولته وحتى وفاته والتي تمت أسطرتها، يسرد الباحث "أيلال" نقلا عن كتب التراث الكثير من الروايات عن مَلَكَة الحفظ المذهلة لدى البخاري، ويحلل حسابيا بالأرقام الأحاديث التي تداولها المؤرخون نقلا عن صحيح البخاري وكيفية سماعها والبلدان التي جابها لتتبع مصادر هذه الأحاديث وما يروى عن وضوئه وصلاته ركعتي استخارة قبل تحقيق وتدوين كل حديث في صحيحه، ليصل بنا الباحث بعد عمليات حسابية دقيقة، الى أن ما ورد بهذا الشأن يحتاج من الوقت لأكثر من قرنين من الزمن لانجازه، وهو ما لم يعشه البخاري الذي مات عن عمر يقل عن الثمانين سنة !!.
لكنني فيما يتعلق بالجزئية الخاصة بملكة الحفظ لدى هذا الشيخ والتي يصنفها الباحث ضمن الأسطورة، أعتقد أن الصواب قد جانبه في هذا التصنيف، ذلك أن العلم أثبت لنا اليوم وجود ظاهرة الحفظ الخيالية لدى بعض الأشخاص عبر التاريخ، وأن هناك أشخاص موهوبون بملكة حفظ خيالية، تصل حد نسخ ما تقع عليه عيونهم والقدرة على استدعائها بدقة وقت الحاجة من ذاكرتهم، أي حفظ كامل لكل ما تقع عليه عيونهم من مخطوطات او يرد على مسامعهم من أقوال واستعادتها في اي وقت.. ومن خلال متابعتي لبرنامج صادفته على إحدى القنوات المصرية يتناول هذه الظاهرة و يستضيف نماذج منها ، أذهلني طفل تونسي في بداية العقد الثاني من عمره تقريبا، يحفظ مقاطع محددة من مخطوط كان يلقيها بطلاقة على الحضور بأكثر من 6 لغات مختلفة !! و أكد على صحتها ودقة القائها متخصصون في اللغات كانوا ضمن الحضور.. وهكذا أعتقد أن ملكة الحفظ لدى البخاري في حد ذاتها والتي أذهلت معاصريه، وتوظيفها في تتبع أثر الرسول صلى الله عليه وسلم ، يمكن أن تكون حقيقة و واقع، وأنها أبعد ما تكون عن الأسطورة.. لكن من حول هذا الأثر التراثي الى أسطورة هم من ضخموه وحولوه بحشوه بروايات مختلقة وخيالية وحتى أكاذيب الى أسطورة تلحق تشوها بالإسلام كدين حفظه الله في كتاب اسمه القرآن ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة