الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وهم العقل الإسلامي

راغب الركابي

2019 / 3 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



وهم العقل الإسلامي



سأسلط الضوء هذه المرة على جزئية من تصورات - العقل الإسلامي - ، وأوهامه وأحكامه التي تعتمد التضليل والمُكابرة والتقليد ومجارات الغير ، يظهر هذا في أدب المتكلمين وأهل المنطق ومقولات الفلاسفة ، وفي التاريخ وإسقاطاته الشيء الكثير من النماذج وهاكم على سبيل المثال - أكذوبة المعراج - وتهافت قضية - الإسراء - في المفهوم والمصداق ، ودعونا نُركب الحكاية كما هي ، وكما وردت في القرآن الكريم حيث النص القائل : - ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى .. ) – الإسراء 1 ، يقول أهل اللغة : إن معنى - أسرى - هو المشي ليلاً أو السير ليلاً ، لكن النص لم يكتف بالمعنى اللغوي فجاء بالمفعول - ليلاً - زيادة في التوكيد ، مع إن هذه الزيادة لا مبرر لها كما يقول أهل اللغة ، فلا هي تفيد البيان ولا تزيد في صحة السير الليلي توكيداً ، ومع ذلك نحن نُسلم بما هو ولا نضفي على النص مزيداً من الشكوك ، وكلمة - سبحان - تفيد الإستغراق في الوصف تارةً وفي الثناء أخرى ، والمفيد إنها وردت شارحةً لما بعدها ، والجملة خبرية ومضمونها يدل على الماضي البعيد ..

من هنا أقول : إن هذه الحكاية تثير لدينا الكثير من القلق والإبهام والكثير من الغموض ، والكثير من الوهم والخيال ، وهذا كله ناشئ بفعل عدم الدقة الوثائقية التي يمكن الرجوع إليها ، أو الإهتداء إليها في إثبات أصل الحكاية أو عدمها ، سيما وإن الحكاية وردت هكذا من غير تحديد وتميز في الكتاب المجيد ، وهذا ما زاد في مساحة الوهم والخيال والقيل والقال لدى الكثيرين ، والأخبار والروايات التي تحدثت عنها ينقصها الكثير من التحقيق والصحة ، وقد شارك في نسجها أناس لايعتدُ برأيهم ولا يُقاس عليهم من أمثال معاوية وعائشة التي لم تكن حاضرة الوقعة ، وحسب الميثولوجيا الدينية كانت صغيرة وقتها ولم تكن في عصمة النبي بعد ولم تدر ماحدث في حينه .
وللتوكيد هنا نقول : إننا لاننكر أصل الحكاية كما وردت في الكتاب المجيد وفي شكلها العام ( الإسراء ) ، ولكننا ننكر جملة الروايات والأخبار التي تحدثت عنها ، لأن مجمل تلك الروايات قد زادت في غموضهاً غموضاً وتعقيداً ، ومايسميه اليوم المسلمين ذكرى - الإسراء والمعراج - ، فهو قول لا دليل عليه وهو ليس سوى إجماع فقهاء ووعاظ سلاطين من الفئة الرديئة ، ولا علاقة للحكاية بمفهوم الإجماع المنصوص عليه في كتب الأصول ، ومن هنا فلايمكننا الإعتماد عليه أو التصديق به من غير دليل .

وحين نقول : - إننا لا ننكر أصل الحكاية فهذا القول منا نابعا من إيماننا بصحة نصوص وقصص الكتاب المجيد - ، ولكننا ننكر أن يكون ( يوم أو ليلة 27 من شهر رجب هي تلك الليلة التي يزعمون إنها بها وفيها حدث الإسراء وحدث المعراج ) !!!!! ، والحق إن الإسراء شيء .

والمعراج شيئاً أخرا مختلفا في الشكل وفي المضمون ، وإذا كنا لاننكر الإسراء كقصة ورد ذكرها في الكتاب المجيد ، لكننا بكل تأكيد ننكر - المعراج - في الجملة وفي التفصيل ، فإنتقال النبي وركوبه دابة يسمونها ( البراق ) كما يزعمون هو مجرد هذيان وكلام فاسد لايمكننا الركون إليه والإيمان بصحته ، ولأن هذا القول : - يخالف أصول الإعتقاد فالله وأنبياءه وملائكته وسماواته ، ليست محلاً مادياً يمكن للنبي التجوال والتنقل ، وفي الحكاية التاريخية توحي للقارئ ويكأن كل واحد من الأنبياء قد أحتل ركنا وأعتكف به في أحدى السموات السبع .

كما لا يصح الإعتقاد على صحة نبوة محمد بهذا الإستدلال الخرافي الوهمي ، كما لا يصح الركون إلى هذا الخلط بين أصل الإيمان وهذه الميثيولوجيا الزائفة ، ومن يقرأ قصة - المعراج - يُخيل إليه ويكأنه يقرأ فيلماً كارتونياً مُعداً للأطفال ، فالنبي ونبوته قد تخلصت مع القرآن من ثقل الماضي بكل تجاربه ومعجزاته ودخلت عالم المعرفة والتجريد والعلم ، وتخلصت من الوهم والخرافة وسطوة التجربة ووسائل الإيضاح البدائية في الثبوت والإثبات .
ولهذا نرفض حكاية المعراج إنطلاقاً من إيماننا بان القرآن إنما يخاطب العقل الإنساني ، بعيداً عن التسويف وعن الخرافة وعن حكايات الإعجاز التي يميل إليها في الغالب قليلي الحيلة ، ومن ذوي المدارك والعقول البسيطة .

أضف إلى هذا وذاك فإن الربط بين قضية الإسراء وقضية المعراج ، تم بفعل العامل السياسي والجبر التاريخي والعقيدي ، إذ إن قضية الإسراء : ( هي حكاية نبوية وقصة تاريخية خالصة ) جاء بها النبي محمد كدليل على صحة نبوته لأنها تتحدث عن الماضي عن ذلك العبد ، وهي لا تتحدث عن النبي محمد لا في لسان الحال ولا في لسان المقال ، وليس لفظ - عبده - الوارد في سورة الإسراء يعنيه أو يدل عليه ، لأن النص إنما يتحدث بشكل مطلق عن العبد الذي جرت حوله هذه الحكاية ، كحكاية العبد الصالح في قصة موسى ، وكقصة أهل الكهف ، وكقصة أصحاب الأخدود وغيرها ، هي قصة نبوية لا غير ، والذي يؤكد ذلك الرأي ما قاله الزمخشري : فيما رواه عن أنس وعن الحسن في : - [ إن الإسراء قد وقع قبل البعثة النبوية ] - ، أي قبل إن يكون النبي محمد نبياً - ، إذن هي حكاية قديمة ، تحدث عنها النبي محمد عندما صار نبياً ، كما تحدث عن غيرها من القصص الموجودة في الكتاب المجيد .
كما إن المسجد الحرام عندنا : لايعني خصوص الكعبة المشرفة بل هو عنوان عام لكل ما يكون محلاً ومكاناً للسجود والعبادة ، والكعبة المشرفة هي واحدة من هذه المصاديق الدالة على معنى المسجد الحرام ، بدليل إن أهل التراث أنفسهم قد أختلفوا في معنى المسجد الحرام ،

فمنهم من قال : - إن المسجد الحرام هو كل مسجد يُعبد فيه الله - ، والحرمة المضافة فيه تعود على العبادة وذكر الله ، فهو محرم أو حرام من هذه الجهة .

ومنهم من قال : - إن المسجد هنا يعني بيت النبي - .

ومنهم من قال : - إنه يعني شعب إبي طالب - .

وإلى ماهنالك من الأقوال وهي كثيرة ، ثم إن الرواة قد أختلفوا ا في زمن حدوث الإسراء ، كما أختلفوا في زمن حدوث المعراج ، فمنهم من قال : - إن الإسراء تم قبل الهجرة بسنة - .

ومنهم من قال : - إن الإسراء تم قبل الهجرة بسنة ونصف - ،.

ومنهم من قال : - إنه حدث في رجب - .

ومنهم من قال : - إنه حدث في ربيع الأول - .

ومنهم من قال : - إنه حدث في ربيع الأخر - .

والأقوال فيه كذلك متعددة وكثيرة ومضطربة ، ومن أجل هذا الإضطراب وهذا التفاوت ، أختلفوا وقالوا : بان ليلة الإسراء هي غير ليلة المعراج .
ويجب التنويه بان المسجد الأقصى الذي ورد ذكره في الكتاب المجيد لا يعني - بيت المقدس - ، ذلك لأن لفظ ( الأقصى ) في اللسان العربي إنما يدل على المكان الأبعد من جهة القياس من المكان الذي أنت فيه ، فيكون معنى المسجد الأقصى هو المسجد الأبعد وليس بيت المقدس ، وهذا القياس بلحاظ مفهوم المسجد الحرام ومن جهته ، وليس كما يدعي أو يقول أهل الإعلام والسياسة المحدثين ، وكلامنا هذا ينطلق من كون هذا اللفظ قد ورد في سياق بيان كثرة البيوت التي كان يعبد الله فيها ، وليس في سياق المفاضلة أو التحديد لمسجد بعينه كما يذهب إليه أهل السياسة اليوم ، والتحديد كما نعلم مذهب يعتمد التشويه والخلط والتعميه .

وهذا كما ترون تشويه لمقاصد الكتاب المجيد ومايدعوا له وما يريد بيانه ، ومن هنا نقول : - إن الإسراء حدث نبوي وقصة تحدث عنها كتاب الله المجيد وهي لا تدل على أن المُراد بها خصوص النبي محمد ولا تعنيه ، بل هو حكاية من الحكايا وقصة من القصص التي يجب ان نؤمن بها ، كما آمنا بكل القصص التي ذكرها الكتاب المجيد .

لكن - المعراج - وهم و خرافة وخيال ، والإيمان به خلاف العقيدة الصحيحة ومذهب النبي محمد ودين الإسلام ، أقول قولي هذا وأنا أرى زيف المدجلين من وعاظ ومرشدين ومحرفين للكلم ومعناه ، بما لا ينسجم ولا يستقيم مع العقل السليم ، أقول هذا مشيراً ومبيناً إن العقل الإسلامي في كثير من مفاهيمه وتصوراته ، يعيش الوهم والخرافة والتقليد مما جعله في كثير من الأشياء متخلفا عن أقرانه ..

راغب الركابي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ليت الاسراء والمعراج فقط
بولس اسحق ( 2019 / 3 / 29 - 22:34 )
لو كانت المسألة متعلقة فقط بالأسراء والمعراج فالأمر يهون.. ولكن كيف لك ان تصدق القصص الواردة في سورة الكهف يا سيدي العزيز.. فما الذي تبقى لتدرك ان القران الكريم على حسب قولك اساطير وخرافة.. فهل اهل الكهف قصة الهية ام اسطورة سريانية ومؤلفها معروف وسنة التأليف والأسباب معروفة أيضا.. ام الطير الابابيل والفيل...تحياتي


2 - لماذا تم الاسراء ليلاً؟
أكرم فاضل ( 2019 / 3 / 30 - 01:49 )
1- المسجد الأقصى يعتبره معظم المسلمين هو بيت المقدس الذي لم يكن له وجود في زمن النبي حيث بناه عمر بن الخطاب.

2- على أي أساس تم توزيع سكن الأنبياء في السماوات السبعة ؟

3- ماذا عن دور موسى في تخفيض عدد الصلوات المفروضة على المسلم من 100 الى 5 وهل الله يساوم؟

4- السؤال الأهم: لماذا تم الاسراء ليلاً لم يشاهده أحد بدل أن يكون في وضح النهار؟


3 - انها المعجزة
muslim aziz ( 2019 / 4 / 17 - 02:05 )

الاسراء والمعراج
إن معجزتي الاسراء والمعراج ذُكرتا في القران الكريم، فأما معجزة الاسراء ليلا في قوله تعالى(سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى....الاية) والمسجد الحرام ليس الكعبة فقط انما معظم مدينة مكة فهي حرم، والمسجد الاقصى في فلسطين، وكل مكان مخصص للسجود فهو مسجد،أما لماذا حدثت ليلا فإنها كانت تسلية للرسول بعد فقدان زوجته وعمه ابوطالب(الاسراء كان معجزة في ذلك الزمن واليوم يستطيع المرء السفر من والى فلسطين بنفس الليلة ثم يعود)
أما المعراج فقد ذكر في سورة ألنجم ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين او ادنى.
كلمة (البُراق) في حد ذاتها معجزة،لأنها مأخوذة من سرعة البرق او الضوء.
كلمة (المعراج) ايضا معجزة لأن السفر في السموات يكون بشكل متعرج.فالاسراء والمعراج من الادلة الدالة على صدق رسالة محمد.


4 - الاخ مسلم عزيز
ايدن حسين ( 2019 / 4 / 17 - 05:30 )
ان الذين كفروا سواء عليهم ا انذرتهم ام لم تنذرهم لا يؤمنون
طيب
الم يؤمن عمر بن الخطاب .. و كان كافرا مشركا
الم يؤمن خالد بن الوليد و قد كان كافرا مشركا
و هكذا جميع المشركين و الكفار الذين امنوا
الا يعني هذا ان قران محمد ليست الا اقوال لا تعني شيئا
و احترامي
..


5 - الاخ ايدن حسين
muslim aziz ( 2019 / 4 / 17 - 15:36 )

الاخ ايدن حسين اولا تحية لك وعساك بخير
أما عن الاية الكريمة فهي من سورة البقرة(إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون)
وسورة البقرة من أواخر ما نزل من القران الكريم في المدينة المنورة، ومن تتبع اسباب النزول يعلم ان هذه الاية نزلت في كفار اهل الكتاب من اليهود خاصة وليس الكفار عامة. علما سيد ايدن ان خالد ابن الوليد وعمر ابن الخطاب كانا مشركَين وقد اسلما قبل نزول هذه الاية، فكلامك مردود عليه، وشبهتك هذه جئتَ بها من قبل في صفحة سامي لبيب منذ زمن.
لنفهم معنى بعض الايات لا بد من معرفة اسباب النزول.


6 - اسباب النزول
ايدن حسين ( 2019 / 4 / 17 - 18:45 )
الاخ مسلم عزيز .. و لك مني اجمل تحية
اسباب النزول هنا غير واردة .. لانه ليس قبل الاية و لا بعدها ما يشير الى ان القصد منها اليهود
و ليس من المعقول عدم امكانية فهم القران الا بالذهاب الى اسباب النزول .. فهذا عيب و ليست ميزة
اسباب النزول يمكن ان تكون صحيحة في ايات مثل ..فلما قضى زيد منها وطرا .. فالاية توضح ذلك داخل الاية نفسها و ليس بالذهاب الى كتب التراث التي لا تعلم ايها صحيحة و ايها موضوعة الخ
حتى اذا رجعت للتفاسير و اسباب النزول .. فهناك اختلاف بين المسلمين في ذلك
احترامي
..

اخر الافلام

.. عضو الكنيست السابق والحاخام المتطرف يهودا غليك يشارك في اقتح


.. فلسطين.. اقتحامات للمسجد لأقصى في عيد الفصح اليهودي




.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال صبيحة عي


.. هنية: نرحب بأي قوة عربية أو إسلامية في غزة لتقديم المساعدة ل




.. تمثل من قتلوا أو أسروا يوم السابع من أكتوبر.. مقاعد فارغة عل