الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيء من بأس اللغة.

كريم اعا

2019 / 3 / 30
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لأن يتم إحداث مؤسسة تعنى بالأعمال الاجتماعية لفائدة الموظفين المنتسبين لوزارة ما، يعد أمرا محمودا وإيجابيا وبحاجة لتشجيع وتطوير خصوصا في ظل ما تعرفه ظروف عمل هؤلاء من تراجع وترد ناتج عن تجميد الأجور وضرب المكتسبات مقابل الارتفاع المستمر للأسعار ومحاولات تفكيك الوظيفة العمومية بشكل عام.
ودون أن نتوقف هنا عند التباين الصارخ بين ما يتحقق لبعض القطاعات وتحرم منه أخرى، ولا عند عدم استفادة العديد من الأجراء والمستخدمين من أي "عمل اجتماعي" بل من حقوق أساسية حتى، ولا عند الميز الذي يمارس داخل القطاع الواحد بين ما يسمى الأطر وغيرهم من الموظفين، سأقف باقتضاب عند الصياغة القانونية في قانوني إحداث مؤسسة الأعمال الاجتماعية بكل من وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي ووزارة التربية والتكوين، وذلك في محاولة لتبيان كيف تلعب اللغة دورا كبيرا في التعبير عن مضمر ذي حمولة وطابع سياسيين وإيديولوجيين لا تخطئهما العين، وكيف تعكس الصياغة نهجا يتم اختياره سلفا لتعويم قضية ما أو للتهرب من الالتزامات الصريحة والمسؤوليات الدقيقة. كما سيظهر أيضا اختلاف الحقل المعرفي واللغوي الذي ينهل منه مدبجو هذه القوانين، فتغلب لغة الدبلوماسية لدى أصحابها ويتغول خطاب الأمر والإلزام الصريح لدى الفئة الأخرى.
ففي مادة المهام المسندة للمؤسسة نقرأ في قانون وزارة التعليم ما يلي: "وضع تصور لنظام تقاعد تكميلي... ويتحمل المستفيدون تمويل الجزء الآخر عن طريق مساهمة إجبارية".
بينما نقرأ في قانون وزارة الخارجية: "إبرام اتفاقيات مع الهيئات المعنية قصد تمكين المنخرطين من الاستفادة بصفة اختيارية من نظام تقاعد تكميلي".
مقابل الحديث عن وضع تصور هنا، نجد إبرام اتفاقيات هناك مع الهيئات المعنية دون الحديث عن أية مساهمة إجبارية.
كما نقرأ أيضا: "وضع تصور لنظام تغطية صحية تكميلية... ويتحمل المستفيدون تمويل الجزء الآخر عن طريق مساهمة إجبارية"(مؤسسة وزارة التربية الوطنية).
في حين نقرأ في مؤسسة وزارة الخارجية: "إبرام اتفاقيات مع الهيئات المتخصصة في المجال الصحي لتمكين المنخرطين من الاستفادة بصفة اختيارية من نظام تغطية صحية تكميلية".
"الدبلوماسية" لا تصرح بالإجبار وإن مارسته أو ستمارسه، كما أنها لا تقول بوضع تصور بل تتحدث لغة إبرام اتفاقيات ملموسة.
يرد أيضا في مؤسسة الأعمال الاجتماعية لأصحاب الوزرة البيضاء: "التحفيز على إنشاء التعاونيات والشركات المذكورة والمساعدة على تأسيسها وتمويلها وتسييرها...".
بينما نقرأ في مؤسسة وزارة "العداوة ثابتة والصواب إكون": "توفير مرافق اجتماعية وترفيهية ورياضية لفائدة المنخرطين... والإشراف على تنظيمها وتسييرها".
مؤسسة التربية والتكوين تتحدث عن التحفيز والمساعدة وترهاته، في الوقت الذي تصرح مؤسسة الشؤون الخارجية بتوفير وتنظيم.
كما يثير الانتباه غياب الحديث عن "ضمان تغطية بعض أو مجموع المصاريف اللازمة لمتابعة أبنائهم للدراسات العليا" في مهام مؤسسة الشؤون الخارجية وانفراد مؤسسة التربية والتكوين بهذه النقطة ضمن أخرى. إنه مؤشر على هشاشة وتردي أوضاع أصحاب الوزرة البيضاء وانقلاب الآية في مسألة تدريس أبنائهم. فماداموا هم من يرعون الاستفادة من حق التمدرس فكيف يعقل أن يضطروا للاستدانة من أجل تغطية مصاريف تدريس بناتهم وأبنائهم.
ونقرأ أيضا في مهام الأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين: "اقتراح أنظمة خاصة لفائدة المنخرطين، وخصوصا تلك المتعلقة بنقلهم وإيوائهم وحجهم". يقابلها في الجهة الأخرى: "تدبير نقل المنخرطين العاملين من وإلى مقرات عملهم... تقديم منح مالية للراغبين في القيام بمناسك الحج". فالمؤسسة الأولى تقترح بينما الثانية تدبر وتقدم.
وختاما يمكن القول أن النصوص القانونية وطريقة صياغتها، وما تتضمنه من إجراءات تعكس بوضوح الموقع الذي يحتله المعنيون بها في اهتمامات من يحكمون والأدوار التي يقومون بها في إطار تكريس ما هو قائم وتأبيده. فلا يمكن أن تنتظر نصوصا متقدمة من نظام متأخر وأقلام وخدمة مغرقة في الرجعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقيف مساعد نائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصال


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تهز عددا متزايدا من الجامعات




.. مسلحون يستهدفون قواعد أميركية من داخل العراق وبغداد تصفهم با


.. الجيش الإسرائيلي يعلن حشد لواءين احتياطيين -للقيام بمهام دفا




.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال