الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زلزال إداري

إبراهيم رمزي

2019 / 3 / 31
الادب والفن


منذ التحق بوظيفته، "علموه" أن عليه تنفيذ أوامر رئيسه المباشر. سواء كانت الأوامر صادرة عنه شخصيا، أو منقولة إليه على أساس أنها أوامر الرئيس "الكبير" ـ كما يسمونه في تلك الإدارة ـ. كان راضيا بذلك رغم أنه في أسفل الترتيب، خاصة بعد فترة عطالة طويلة. وكان يجتهد في إنجاز ما كُلِّف به على أحسن وجه.
كان يجرض بريقه وهو يبتلع غصته عندما يشعر بالحرج في التنفيذ، لإحساسه بتجاوز "الأمر" لقواعد التسيير الإداري المعتاد. ولكنه بعد مدة ـ قصيرة نسبيا ـ اهتدى إلى التخفيف من "حدة" الرسائل التي يكلف بنقلها إلى موظفين آخرين .. بل كان ينقيها من "شوائب الغطرسة والتعالي"، وصار يختار بين: ما يمكن تبليغه شفويا ـ وجها لوجه ـ، وما ينقله عن طريق الهاتف. وما يتصنع فيه الجد والصرامة، وما يلونه بالفكاهة والدعابة.
كان حرصه ويقظته سببا في تعطيل ترقيته، لاعتباره عنصرا "يحسب له ألف حساب"، ويجب التعامل معه بحذر وقلة ثقة. مع شيء من التقدير لجديته، والتزامه الصمت وعدم الكشف عن "الأسرار" الإدارية.
نصبت له شباك الطمع للإيقاع به في "مخالفات" إدارية، ولكنها لم تستهوه، ولم تغره، فزهد فيها قانعا، وتجاوزها غير آسف عليها، مخلِّفا حسرة لدي ناصبيها، وعَظْما في حلوق المشاركين فيها.
كان يمثل نفسه بالشعرة في العجين، ويأبى أن يكون فماً مستعاراً لأكل الثوم. وكان داعيه لذلك: ألا يترك "أثرا ماديا" قد يُدان به إذا وقعت "مراجعة أو محاسبة"، تتغافل عن الفاعل الأصلي، وتتجاوز عنه، لتنصب "لغيره" مشنقة إعدامٍ حين يصير "كبش فداء".
كثرت الهمسات والوشوشات عن "زلزال" إداري. ثقلت ألسن، ووجمت أفواه، وامتقعت وجوه، وكلحت سحنات، وشردت نظرات، وانثنت قامات، وتدلت هامات، واعوجت أطراف، وثقلت خطوات، .. تحسس البعض رأسه، فكثرت البسملة والحوقلة، و"استرجاع" الإيمان الشارد، واحتضان الشعائر "المؤجلة"، و"استدعاء" مظاهر التقوى والعفاف، .. حتى إن بعضهم ممن كانوا يأنفون من رد التحية على من يلقونها عليهم في ممرات الإدارة، صاروا أكثر ابتساما في وجوه من يقابلون .. وأصابتهم لعنة "التواضع الاستعلائي" أي التواضع "المدهون" بالعجرفة حين التودد لـ"كل" الموظفين المنتقين .. فربما أحسن هؤلاء "البغاث" "الإشادة والتنويه" بهم، إذا طلبت شهادتهم في حقهم ..
أما صاحبنا فأبدى لا مبالاته، لأنه صنّف نفسه في قائمة غير المعنيّين ب"الأمر". بل إنه - ومن منطلق إنساني صرف - لم يتوان عن زجر من بالغوا في الشماتة وهم "يشيرون" أو "يؤشرون" على الرؤوس اليانعة.
تصنع أحدهم الجد وسأله: من تراه يعوض "الرئيس الكبير"؟ نظر إليه بعينين واسعتين، وكأنه يستنكر سقوطه في الغباء لهذا الحد، ثم قال: ذاك لا يعوض، وربما لحق التغيير بعض تصرفاته فقط، ثم أضاف: الزلزال لا يضرب إلا بعض المناطق، وقد يشمل مناطق لم تُدْرَج في الحسبان.
حاول أحدهم السخرية منه، بقوله: أنت بدويّ الطبع وتربيتك عسكرية. فبُهِتَ من جوابه عندما رد عليه باسماً: أعتز بشهادتك هاته.
قالها وهو رخي البال، مطمئن النفس، مما أشعل حنقا صامتا في نفس الساخر، وحسدا لهذا "الهدوء والبرود".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا