الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عودة النبي ( إيليا) ما بين الوضوح اليهودي والتخبّط المسيحي !

جعفر الحكيم

2019 / 4 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


!عودة النبي ( إيليا) ما بين الوضوح اليهودي والتخبّط المسيحي

حوارات في اللاهوت المسيحي 41

يعتبر سفر ( ملاخي ) اخر اسفار التناخ , الكتاب المقدس لليهود , و به اختتم العهد القديم , وتحديدا
في الإصحاح الرابع من هذا السفر , حيث كانت الخاتمة والتي جائت على شكل توصية مهمة مع نبؤة عن علامة مهمة جدا
ستسبق مجيئ ملك اليهود الموعود (الماشيح

(اذكروا شريعة موسى عبدي التي امرته بها في حوريب على كل اسرائيل الفرائض والاحكام
هانذا ارسل اليكم ايليا النبي قبل مجيء يوم الرب اليوم العظيم و المخوف يرد قلب الاباء على الابناء و قلب الابناء على ابائهم لئلا اتي و اضرب الارض بلعن ) سفر ملاخي 4/ 4


في هذه التوصية الختامية , نلاحظ التركيز على المحافظة على شريعة موسى بفرائضها واحكامها
و الطريف انه وبرغم هذه التوصية الاخيرة , فإننا نجد ان العقيدة المسيحية التي أنشأت بعد رحيل يسوع المسيح , قد ألغت تماما , العمل بشريعة موسى , بل وتم اعتبارها لم تعد نافعة , ولن يتبرر الانسان بالعمل وأحكامها وفرائضها , وانما يتبرر فقط بالإيمان
حسب تعليمات بولس الرسول والتي جائت مناقضة لوصايا التناخ وتعاليمه !

إِذًا نَحْسِبُ أَنَّ الإِنْسَانَ يَتَبَرَّرُ بِالإِيمَانِ بِدُونِ أَعْمَالِ النَّامُوسِ رومية 28/3

وبالعودة الى خاتمة سفر ( ملاخي) فإننا نجد اخر عددين من الإصحاح الاخير . تتحدثان عن رجوع النبي ( ايليا ) قبل مجيئ يوم الرب العظيم , وان هذا النبي سيقوم بعمل انجاز خلال فترة رجوعه يتمثل في إرساء الوئام والتسامح ورح الصفاء بين شعب اسرائيل , وتكون ثمرة عمله واضحة و محورية في تهيئة الشعب للمرحلة القادمة

وقد اتفق اليهود مع المسيحيين على فهم العددين الأخيرين من سفر ملاخي على انها نبؤة عن علامة مهمة ستسبق ظهور المسيح المُخلّص , وان النبي (ايليا) سوف يعود الى الارض قبل ظهور المسيح ليهيئ الامور لكي تصبح ملائمة وناضجة للشروع في العهد المسيحياني !

النبي إيليا هو احد الانبياء العظام لبني اسرائيل , واليه تنسب اسفار التناخ معاجز مهمة , وقد كان يمتاز بالزهد والصلابة في مواجهة الظلم والوثنية , ويعتقد اليهود والمسيحيون ان هذا النبي لم يمت وانما قد رفعه الله الى السماء
وفي العهد الجديد , تشير النصوص الى ان ايليا قد ظهر مع موسى حين تجليا للمسيح على الجبل .

وبالعودة الى النبؤة التي اختتم بها العهد القديم , فأن الفهم اليهودي لهذه النبؤة يتلخص بشكل واضح جدا بالآتي

هذه النبؤة تخبرنا عن علامة مهمة جدا , تسبق ظهور الملك المسيح الموعود , وهي علامة عودة النبي (إيليا) , وظهوره من جديد , بحيث يكون ظهوره وانجازه واضحا ومؤثرا في المجتمع اليهودي
وبما ان النبي إيليا لم يظهر لحد الان , فهذا يعني بكل بساطة ان كل الذين ظهروا وادعوا انهم مسحاء- بما فيهم يسوع الناصري - انما هم بالحقيقة مسحاء مزيفون !

هذه كانت القراءة اليهودية , اما على الجانب المسيحي , فإننا نجد أن علامة عودة النبي ايليا كانت حاضرة في اذهان المعاصرين ليسوع الناصري
بل ان بعض معاصريه توهم ان يكون يسوع نفسه هو ايليا !
حتى تلاميذ يسوع , نجدهم في إصحاح متى يوجهون له سؤالا مباشرا عن تلك العلامة التي من المفروض ان تسبق مجيئ المسيح.
وَسَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِينَ: «فَلِمَاذَا يَقُولُ الْكَتَبَةُ: إِنَّ إِيلِيَّا يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ أَوَّلًا؟)
فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّ إِيلِيَّا يَأْتِي أَوَّلًا وَيَرُدُّ كُلَّ شَيْءٍ.
وَلكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ إِيلِيَّا قَدْ جَاءَ وَلَمْ يَعْرِفُوهُ، بَلْ عَمِلُوا بِهِ كُلَّ مَا أَرَادُوا. كَذلِكَ ابْنُ الإِنْسَانِ أَيْضًا سَوْفَ يَتَأَلَّمُ مِنْهُمْ) متى 17 -10,11,12

وهنا نجد ان كاتب انجيل متى ينسب الى المسيح جوابا مبهما, يحوي على غموض و مطاطية تسمح بتفسيره على اكثر من معنى ! ( ايليا جاء ولم يعرفوه
بينما نجد في نفس الانجيل وفي الإصحاح 11 كلام ليسوع الناصري يتحدث فيه عن يوحنا المعمدان ويصفه بشكل مباشر بأنه هو ايليا المزمع ان يأتي
وَمِنْ أَيَّامِ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ إِلَى الآنَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ يُغْصَبُ، وَالْغَاصِبُونَ يَخْتَطِفُونَهُ
لأَنَّ جَمِيعَ الأَنْبِيَاءِ وَالنَّامُوسَ إِلَى يُوحَنَّا تَنَبَّأُوا
وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَقْبَلُوا، فَهذَا هُوَ إِيلِيَّا الْمُزْمِعُ أَنْ يَأْتِيَ) متى 11/14


من هنا يظهر لنا ان يسوع الناصري كان يشير الى اتباعه ومعاصريه بشكل مباشر, واحيانا غير مباشر, على ان نبؤة العهد القديم حول عودة النبي ايليا قد تحققت بشخص يوحنا المعمدان !
ويبدو ان هذه النظرة قد انتشرت وسرت في اوساط اليهود وقتذاك !
لذلك نجد في نصوص انجيل (يوحنا ) ان اليهود ارسلوا من أورشليم, كهنة ولاويين, ليسألوا يوحنا المعمدان, ويتأكدوا منه حول شخصه
فنفى لهم بأن يكون هو المسيح الموعود
وكذلك نفى ان يكون هو النبي إيليا !! يوحنا 1/21
فَسَأَلُوهُ: «إِذًا مَاذَا؟ إِيلِيَّا أَنْتَ؟» فَقَالَ: «لَسْتُ أَنَا». «أَلنَّبِيُّ أَنْتَ؟» فَأَجَابَ: «لاَ»

وبين نفي يوحنا المعمدان ان يكون هو النبي إيليا , وتأكيد يسوع الناصري على ان المعمدان هو ايليا !! حصل التخبّط و التناقض في الفهم المسيحي لهذه العلامة !

ولان الحاجة هي ام الاختراع! ..كان لابد من اختراع تأويل مناسب يجمع بين التناقضين ويخرج بتفسير يضمن تحقق علامة رجوع ايليا قبل ظهور يسوع الناصري , حتى وان كان ايليا لم يرجع في الواقع !!


هنا نجد كاتب انجيل لوقا يخرج لنا بأختراع لافت لغرض ترقيع الفتق في القصة المسيحانية
فكان ان ادعى هذا الكاتب ان النبي ايليا رجع على شكل روح حلت على يوحنا المعمدان !!! لوقا 1/17

وهذه التخريجة الطريفة , وان كانت تبدو ذكية , لكنها في الحقيقة , ساذجة و تدعو للسخرية والتعجب !

والسبب هو ان النبؤة المذكورة في سفر ملاخي كانت تتحدث بشكل واضح ومباشر عن عودة (إيليا) بنفسه, وليس عن
روحه , بل وسيكون لعودته وعمله اثار ونتائج ملموسة على الارض
وكذلك نجد ان يوحنا المعمدان عندما سألوه ان كان هو ايليا النبي ؟
اجاب بشكل واضح وقاطع ب: لا
ولم يقل لهم انا لست ايليا ...ولكن روح ايليا قد حلت عَليّ !!

وفي جانب اخر نجد بعض اللاهوتيين عندما يقفون على موضوعة علامة عودة النبي ايليا يحاولون الخلط بين هذه النبؤة الخاصة بالنبي ايليا وبين عبارة اخرى ,تتحدث عن صوت صارخ في البرية, ويحاولون من خلال خلط الاوراق , احداث تمويه لغرض إيصال القارئ الى نتيجة بان هذا التوصيف الذي وصف به يوحنا نفسه هو نبؤة في العهد القديم , مما يؤكد ان المعمدان هو ايليا النبي

لكن هذا نوع من التضليل ينكشف بسرعة ويتهافت من خلال الرجوع الى نصوص التناخ , حيث نجد ان هذه العبارة وردت في الاصحاح الاربعين من سفر اشعيا , ولا تتحدث عن النبي (ايليا) اساسا ,وانما تتحدث عن علامة اخرى , هي عبارة عن صوت صارخ في البرية ! ,ولم يشر الاصحاح الى موضوع عودة النبي (ايليا) اصلا !

ومع عدم نجاعة التفسيرات المسيحية المتقدمة
ولخطورة عدم اثبات تحقق العلامة المهمة التي تسبق ظهور المسيح , وتأثير ذلك على مصداقية الادعاء بمسيحانية يسوع الناصري ,نجد بعض اللاهوتيين المسيحيين يلجأون الى السلاح الاخير الذي يهرعون اليه عندما تُغلق المنافذ امام تأويلاتهم !! ...وأعني هنا ..اللجوء الى اسطورة المجيئ الثاني للمسيح !
حيث يتم تفسير عدم تحقق أهم علامة دالة على مصداقية المسيح بأن هذه العلامة سوف تتحقق _ لاحقا - عند المجيئ الثاني للمسيح !!.. وقتها سيسبقه النبي ايليا !!

وهنا يأتي الرد اليهودي بشكل واضح ولا يخلو من الدهاء على هذه الازعومة المسيحية الطريفة !
حيث نجد اليهود يردون على هذه الطرح بانه ليس هناك في نصوص كتابنا المقدس شئ اسمه المجيئ الثاني ولا يوجد اي نبؤة تتعلق بالمسيح تتحدث عن ظهور اول وظهور ثاني !!
ويضيف اليهود :
ان الادعاء المسيحي على ان بعض علامات وانجازات المسيح التي اشارت اليها نصوص التناخ سوف ينجزها ويحققها يسوع الناصري بعد رجوعه الثاني لهو اكبر دليل كافٍ على ان يسوع الناصري هو مسيح مزيّف لم يستطع ان يحقق التنبؤات الخاصة بالمسيح الموعود والمنصوص عليها في الكتاب المقدس !
واما الادعاء المسيحي حول المجيئ الثاني فهو لا يعدو كونه طلب فرصة ثانية لتحقيق ما فشل يسوع في تحقيقه خلال حياته ...وهذه الفرصة لو اعطيت ليسوع الناصري ...فمن باب الانصاف ان تعطى ,ايضا لقرابة الخمسين شخصا , كلهم ادعوا المسيحانية ايضا , وانتهى بهم الامر كما انتهى بيسوع الناصري بمواجهة مصيرا دمويا ومشؤوما بالقتل اما صلبا او بالسيف !!

وبين القراءة اليهودية لهذه النبؤة والعلامة المفصلية حول ظهور المسيح والتي تتسم بالوضوح والاتساق
والقراءة المسيحية لنفس الموضوع والذي تتسم بالانتقائية والتخبّط و خلط المفاهيم تبرز لنا حقيقة واحدة مهمة جدا وخطيرة وهي

ان اهم علامة على ظهور المسيح لم تتحقق لحد الان
ولازال اليهود ينتظرون تحققها قبل مجيئ مسيحهم الموعود, وبنفس الوقت, لازال المسيحيون ينتظرون تحققها قبل المجيئ الثاني لمسيحهم المصلوب !

وبذلك نخلص الى نتيجة خطيرة وهي
ان النبي (ايليا) لم يرجع من السماء ...الى حد الان !!
وان العلامة الاهم ...لم تتحقق بعد !

د. جعفر الحكيم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah


.. #shorts -75- Al-baqarah




.. #shorts -81- Al-baqarah