الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا تبقى من يسار الخليج ؟

رضي السماك

2019 / 4 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


تُعد تنظيمات اليسار في بلدان الخليج العربي حديثة النشأة تاريخياً قياساً بتنظيمات اليسار في الأقطار العربية كافةً الأقدم في تأسسها والتي يعود بعضها إلى أواخر العقد الثاني من القرن المنصرم ، فيما يعود بعضها الآخر إلى العقدين الثالث والرابع .. وهنا نتحدث على وجه الخصوص تباعاً عن الأحزاب الشيوعية في المشرق العربي في فلسطين ومصر ولبنان وسورية والعراق والسودان . ولا غرو في ذلك فقد أرتبطت نشأة الطبقة العاملة في هذه البلدان وإطلاع نخبة من ممثليها بعدئذٍ على الاشتراكي العالمي وتأثرهم به بسمات التطور الإقتصادي والاجتماعي لهذه الأقطار في سياق التطور الرأسمالي التبعي ؛ مما مهّد التُربة لأسبقية تلك الأحزاب في النشأة ؛ ولم يكن هذا متاحاً لظروف تطور مجتمعات أقطار الخليج العربي التي ارتبطت ولادة الطبقة العاملة فيها بظهور الصناعة النفطية والتي كان أقدمها في البحرين ( 1932 ) ، ولم تتمهّد التربة لولادة الأحزاب المتبنية تمثيلها إلا في أواسط خمسينيات القرن العشرين حيث تم تأسيس أول حزبين شيوعيين في كل من البحرين والسعودية 0 أما التنظيمات اليسارية الاخرى فغالبيتها العظمى لم تظهر على الساحة السياسية بهويتها الماركسية إلا على خلفية تحول تنظيمات حركة القوميين العرب إلى الفكر الماركسي في أعقاب هزيمة يونيو / حزيران من عام 1967 ، وجاءت ذروة المد اليساري الخليجي -بشقيه الشيوعي واليساري الجديد - في أوائل السبعينيات ؛ ثم وتحت تأثير جملة من العوامل الموضوعية والذاتية المتشابكة كانت هذه التنظيمات بمجملها الأكثر عرضة بين تنظيمات اليسار العربي على امتداد العالم العربي للانحسار والتراجع ؛ وعلى وجه الخصوص بدءاً من النصف الثاني من السبعينيات ومروراً بالثمانينيات حيث بلغ مد الإسلام السياسي -بشقيه السني والشيعي - أوج صعوده حتى وصلت ذروة هذا الانحسار والتراجع مع مطلع التسعينيات في أعقاب انهيار ما عُرفت بدول المنظومة الاشتراكية والاتحاد السوفييتي 0
ويمكن القول في هذه العجالة ، وبناء على ما تقدم من إشارات سريعة ، أن اليسار الخليجي هو الحلقة الأضعف في تنظيمات اليسار العربي برمتها ؛ لا سيما إذا ما أضفنا إلى تلك الإشارات ما لعبته أيضاً الطفرة النفطية التي انعكست على ارتفاع المداخيل العامة بفضل الريع النفطي والاستثمارات الطفيلية الخاصة المتشابكة المصالح مع الدولة الخليجية الريعية ، وتفشي أنماط ونزعات استهلاكية من دور تخريبي سهّل اختراق مناعة أعداد غير قليلة من قيادات ومناضلي هذه التنظيمات . وهنا تغدو مهمة لملمة صفوف ما تبقى من تلك التنظيمات اليسارية ، أياً تكن اُطرها اليوم ، سواءً الواجهية التي تحظى بشرعية ما رسميةً أو المشتتة في مؤسسات مدنية وثقافية شتى هي المهمة الأكثر إلحاحاً . ولكن دعونا في هذه العجالة بادئ ذي بدء نطرح جملة من التساؤلات والملاحظات التي لا بد منها :
أولا : عن أي يسار نتحدث في هذه المنطقة ؟ هل عن اليسار بكل روافده وتلاوينه الأكثر اتساعاً ، من قومية وقوى وشخصيات ليبرالية وطنية وديمقراطية ؟ أم عن اليسار الماركسي بتياراته المعروفة وما تبقى من فصائله ، سواءً في شكل اُطرها الراهنة في كل بلد خليجي على حدة ، أو عدم وجوده إلا من خلال بضعة نشطاء ورموز وكتُاب وفاعلين متناثرين في مؤسسات مدنية وثقافية واجتماعية وإعلامية ؟
ثانياً : ترتيباً على التساؤل السابق : ألا ينبغي تحديد أورسم خريطة مواقع قوى اليسار الموجود اليوم في الخليج منذ نشأته ، ونقصد هنا بالطبع خريطة توضيحية في سياق النص بالمعنى المجازي الرمزي لا بالمعنى المتعارف عليه في رسم الخرائط الجغرافية .
ثالثاً : حينما يجري الحديث عن الطبقة العاملة في الخليج ألا ينبغي أن نتساءل عما إذا هذا المفهوم ينطبق على الطبقة العاملة في كل بلدان مجلس التعاون على السواء أم يختلف ويتباين من قطر إلى آخر ؟ ولعل هذا السؤال يصح طرحه اليوم فيما يتعلق بشروط هذا المفهوم وضبط دلالاته ، لا على مستوى الطبقة العاملة ببلدان الخليج العربي فحسب ، بل وعلى مستوى عالمنا العربي والعالم الثالث ، بل والعالم برمته ؛ وذلك إذا ما أخذنا في الحسبان المتغيرات الهائلة التي ألحقتها ثورة المعلومات الإتصالية والتكنولوجية خلال بضعة العقود الماضية بوضع هذه الطبقة وخلخلة تركيبتها وخصائصها والتطور المُذهل المتسارع لوسائل الأنتاج والذي مكّن الرأسمالية من تقليل اعتمادها عليها وعلى قوى الأنتاج التقليدية بوجه عام ، وإن كان هذا التقليل لم يُمكّن الرأسمالية بعد من الاستغناء عنها نهائياً ، أو تجاوز وجودها المؤثّر والهام في العملية الإنتاجية في مواقع وقطاعات شتى ، سواء في الدول الرأسمالية الصناعية المتطورة ( المركز ) أم في بلدان الأطراف ذات الإقتصادات التابعة ومنها الخليجية .
ثم أي طبقة عاملة بات اليسار الخليجي معنياً بتمثيلها تحديداً أو يتطلع إلى ذلك ؟ هل هي الطبقة العاملة المعروفة اليوم واقعاً بكامل تعدديتها الإثنية والقومية الوافدة لبلدان الخليج أوالمجنس بعضها -كما في البحرين - أم تلك التي كانت تشكل غالبيتها العظمى من المواطنين عشية استقلال معظم أو بعض هذه البلدان ؟ ثم انقلبت الآية رأساً على عقب في بحر عقود قليلة فقط منذ نيل استقلالها في مطلع سبعينيات القرن الآفل لتصبح الطبقة العاملة الوطنية أقلية للغاية ضمن تركيبة الطبقة العاملة بمجملها في أغلب البلدان الخليجية أو شبه منتفية ولا وجود لها في بعضها الآخر !
وهكذا يتضح لنا أن مسببات انحسار اليسار الخليجي لا تقتصر فقط على العوامل المشتركة المعروفة والمتعارف عليها في أدبيات اليسار العربي و العالمي - من الناحيتين الموضوعية والذاتية والمتمثلة في انهيار المنظومة الاشتراكية مطلع العقد الأخير من القرن الماضي - بل ثمة عوامل ذات سمات خاصة لتطور المجتمعات الخليجية تختلف في حدود معينة وتتفرّد بها عن سائر التنظيمات اليسارية العربية الاخرى . وأنه يستحيل الحديث عن مستقبل اليسار الخليجي وتوحد ما تبقى من أشتاته دون الكلام عن كيف يُنظِِّم هذا اليسار نفسه ويوسّع صفوفه وهو متشظٍ ومشتتٍ في حراب بين بعضه البعض داخل بعض البلدان الخليجية ( البحرين نموذجاً ) ، ولا تفتيء معاركه تهدأ هنيهةً إلا لتعود مجدداًً ، ليس داخل التيار الماركسي الواسع بتلاوينه المعروفة فحسب ، بل وداخل تيار اللون الواحد أو الفصيل الواحد ؟ ثم ، ولنقلها صراحةً إذا ما أردنا قراءة الواقع كما هو لا كما نشتهي ونطمح : إذا كان هذا التناحر مفهوماً تاريخياً في زمن صعود اليسار العربي - وصعود الخليجي منه نسبياً - في أتون أجواء التنافس المحموم الساخن على الاستئثار بالنفوذ الجماهيري بين اليسار الجديد واليسار الشيوعي الأقدم والتهافت على إقصاء الآخر اليساري المنافس عن مشاركته في هذا الاستئثار .. فماذا تبقى أصلاً لليسار الخليجي اليوم من قوة ونفوذ على الساحة السياسية بحيث بات لا يرحم نفسه في جلد الذات ولينشغل بتفتيت المفتت والإيغال في تشتيت المشتت ؟ هل مازالت الأوهام تستبد بمخيلة نُخبتنا اليسارية الخليجية بأننا ما زلنا أحزاباً وقوى جماهيرية مؤثِرة ولم تتحوّل بعد إلى نُخب ، القابض منها على المباديء الثورية وقيّم ومُثل الاشتراكية العليا كالقابض على الجمر ؟ وباعتبار كاتب هذه السطور واحد من أبناء الجيل الذين وُلدوا مع ولادة واحد من أقدم التنظيمات اليسارية في البحرين والخليج ، لنتساءل أليس جُلنا اليوم قد " هرِمنا " ووخط المشيب شعره بين أواخر الخمسينيات إلى أواخر السبعينيات من العمر وقلة قليلة منا هي التي دون الخمسينيات ؟ بل وأقل القليل منها هي التي دون الاربعينيات والثلاثينيات والعشرينيات ؟ وبالتالي فلنتخيّل مستقبل اليسار الخليجي المنظور في ظل افتقاره إلى الطاقات الشبابية الثورية الجبارة المتفجرة المتقدة حماسةً وهي عماد صعود أي حركة ثورية توّاقة -بإرادة حقيقية جادة - للتغيير كما كان جيلنا في حقبة الصعود اليساري مطلع السبعينيات قبل انحسارها المؤلم . ولئن كانت هذه المعضلة ( استقطاب الشبيبة في التنظيمات اليسارية ) تواجهها كل التنظيمات اليسارية العربية فلعلنا نحسب الخليجية منها في المقدمة منها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف مستمر على مناطق عدة في قطاع غزة وسط تلويح إسرائيلي بعملي


.. عقب نشر القسام فيديو لمحتجز إسرائيلي.. غضب ومظاهرات أمام منز




.. الخارجية الأمريكية: اطلعنا على التقارير بشأن اكتشاف مقبرة جم


.. مكافأة قدرها 10 ملايين دولار عرضتها واشنطن على رأس 4 هاكرز إ




.. لمنع وقوع -حوادث مأساوية-.. ولاية أميركية تقرّ تسليح المعلمي