الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تدبير الجبل بالمغرب.. أية رؤية وأية تنمية

عبد السلام انويكًة
باحث

2019 / 4 / 1
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


باهتمام وجدل بيئي وسؤال كان الجبل دائما ولا يزال، لموقعه كمورفولوجيا ضمن المجال المغربي وكوسط سسيو ثقافي/ ولعله سياق ندوة وطنية انعقدت قبل حوالي ربع قرن بكلية الآداب والعلوم الانسانية سايس فاس، وكانت قد تمحورت حول "الجبل في تاريخ المغرب"، ما تم تناوله في علاقته بأودية وتجارب حكم وتوسع وغزو أجنبي عبر فترات تاريخ البلاد. اضافة الى نماذج جبلية من خلال تجليات روحية ووقائع عسكرية وسياسية، فضلا عما حضر هذه الندوة من سؤال حول الجبل والمقدس زمن ما قبل الاسلام كذا درجة مركزيته وهامشيته ضمن المجال المغربي.
وبقدر ما أثير حول الجبل من اهتمام وأنجز حوله من تقارير خلال فترة الحماية الفرنسية بالمغرب، وما تحقق من أبحاث ذات صلة من قِبل باحثين مغاربة بعد استقلال البلاد، بقدر ما يُسجل من ندرة في السؤال العلمي الراهن حول الجبل كمكون ومعطى مجالي طبيعي معبر في علاقته بالانسان والثروة والتنمية والتدبير والتباينات والاقتصاد والجهوية والنماء المحلي... ولعل الجبل بالمغرب مجال ترابي واسع ومعقد في آن واحد، واسع إذا ارتأينا ما هو امتداد ونفوذ من حيث جملة ثروات حيوية تجمع بين المياه والغابات والمعادن وتُحَفِ المشاهد... وهو مجال معقد من حيث واقع حاله الاقتصادي والاجتماعي والانمائي والولوجي.. كذا حجم ما هو مطروح به من إكراه مُركبٍ الى حين.
وإذا كان قد تم استحضار الوسط القروي بما فيه الجبل منذ الاستقلال من خلال سياسات ترابية واختيارات، فنتائج ما تم تسطيره على الورق لا تزال معالمه بغير المنشود واقعياً. ومن هنا أهمية ليس فقط الوقوف على مساحة اختلال وتباين، بل طرح المنصف الجديد الانمائي لفائدة الجبال الذي يقوم على خصوصية ومؤهلات وما ينسجم مع متطلبات البلاد والعباد وواقع المعيش. وبقدر ما الجبل هذا الامتداد الواسع من المجال المغربي هو واقع حال على درجة من السؤال والإكراه والتعقيد، بقدر ما هو نِتاج كيفية تمت بها منهجَتُه وتنظيمه وتأطيره وتدبير ترابه، الأمر الذي يحتاج الى اعادة مساءلة ضمن سياق النماء المجالي المحلي الجهوي والوطني. وعندما نقول ما تم اعتماده من سبل تدبير الجبال في الماضي نعني بذلك ما هو استراتيجي، كقراءات واختيارات وحدودِ وقعٍ رسَمَها للتنمية المحلية بهذا المجال.
وباعتباره وسطاً قروياً ما أحوج الجبل للرأي والمقترح العلمي الوظيفي الانمائي، كآلية عمل تشاركي وتقاسم أدوار لانجاح التجارب والخيارات عامة كانت أم خاصة. وكثيرة هي الأسئلة التي لا تزال عالقة حول النماء بالمغرب بعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال، بل والمرتبطة منها بالوسط القروي هي الأكثر الحاحاً لعوامل موضوعية. وقد يكون لانخراط الفعل الجمعوي في بلورة مشاريع انمائية ضمن اقتصاد اجتماعي، أمراً رافعاً وحيوياً إن هو تأسس على ما ينبغي من التأطير للنهوض ليس فقط بالجبل في المجال المغربي، بل بالبادية ككل كمجال لا يزال بِنْيَةً بتركيب معقد.
ويتبين أن سياسة تدبير التراب منذ الاستقلال غابت عنها مكانة الجبل في المجال المغربي، وغاب عنها استشراف حاجيات هذا المجال البشرية الحقيقية وما يحتويه من عمق استراتيجي وموارد هامة في حاجة لتأهيل وإعداد. وعندما نتحدث عن الجبل واقتصاد الجبل تحضرنا البادية المغربية بمشاهدها غير المتوازنة وغير المسايرة للتحولات العامة التي تعرفها البلاد. كواقع هو نِتاج سياسات اعتُمِدت عبر تجارب ما بعد الاستقلال كاختيارات وطنية، بقدر ما كانت بأهداف طموحة بقدر ما كانت بانجازات محدودة على أرض الواقع مع استثناءات محدودة ونطاقية. ولعلها تراكمات يؤدي ثمنها الأن الجبل ومن خلاله بوادي البلاد ككل، حيث الهشاشة وصعوبة الولوجية وتحديات الانخراط في النماء المحلي.
ولا شك أن بنية الاقتصاد والمجتمع بالمغرب كمجال جغرافي، تقتضي اعطاء الجبل ما يستحق كمجال استراتيجي في حاجة لسبل تنمية أكثر انسجاماً وتجاوباً واستثماراً للموارد المحلية، علماً أن الجبال المغربية هي بمؤهلات بشرية وطبيعية هي بحاجة لاعادة القراءة والتدبير. ولجعل هذا الأخير بأثر في التنمية لا بد من أخذ الوظيفي الانتاجي بعين الاعتبار، واعادة التوجيه لفائدة العقلنة في اطار ضبط علاقة الانسان ببيئته المحلية. واذا كان اتخاذ قرار تدبيري ترابي مجالي انمائي ما رهين بما هو ثقافي اجتماعي وبيئي لتحقيق رضى وقناعة الفاعلين، فإن نماء الجبل ومن خلاله الوسط القروي ككل يقتضي فهم علاقة الانسان بوسطه المحلي أولا، كذا العلاقة بين الإمكان الحقيقي والأمر المراد إنماءه لبلوغ انجازات بقيمة مضافة على ارض الواقع. وحتى يكون الجبل بموقع مناسب في التنمية المحلية لابد له من شروط، منها قدرة تجاوبه مع الحاجة المحلية كاقتصاد اجتماعي أكثر تجاوباً مع المتوفر من المقدرات، ناهيك عن بنية ولوجية وقدرة تسويق الخصوصية ضمن المنتج للثروة وفق سسيولوجيا محلية رافعة لتنمية مستديمة.
وحتى يكون الجبل المغربي باقتصاد اجتماعي وغير اجتماعي من المفيد توفر عنصر بشري مؤهل لمسايرة التحول، بحيث الوقع الاجتماعي الهش في هذا الاطار لا يساعد على توجيه الجبال الى ما هو أفضل، وجودة التدخل تحتاج ليس فقط لكفاءات بل أيضاً لطاقات بشرية محلية على قدر من التكوين والتأهيل بعيداً عن العزلة والهشاشة. ويتبن أن تنمية الجبل ومن خلاله الوسط القروي عبر اقتصاد اجتماعي بشكل ناجح، يحتاج الى استيعاب ما يطبع هذا المجال من تنوع، للتمكن منه وتوجيهه بما يفيد في الغنى والثروة والنمو والتحول. بل تدبير المجال الجبلي يقتضي أيضاً منهجاً واختياراً يجمع بين الابداع العملي الفكري الوظيفي وبين الواقع وحاجيات السوق وما هو متوفر من موارد، دون تجاهل لطبيعة الفاعل في المجال كخصوصية سسيو ثقافية ومعه درجة الارتباط بالبيئة المحلة والقدرة على التنافس.
ولعل الجبال المغربية بكائِنِها الحالي كمجتمع واقتصاد وثقافة..هي بحاجة لاختيارات ونظم ترتيب ومخططات وبرامج أكثر انسجاماً مع الرهان المحلي والجهوي. فما عرفته البلاد من سبل تدخل وتجارب في التنمية القروية وضمنها الجبل، كانت بإنصاف محدود في حصيلتها من حيث استثمار واستغلال ما هو متوفر بها من موارد، فالسدود التي تم احداثها كمنشآت وموارد مائية ضخمة توجهت لخدمة مناطق أخرى وبعيدة غير ما هو محلي وجهوي، ومن هنا نوع من افقار الجبال واغناء السهول وبالتالي نماء مجالي غير متوازن. وقد بات الوسط القروي يعج بشباب جامعي باحث عن الشغل، من إشكالاته صعوبة ادماجه في نماء الجبال من خلال اقتصاد اجتماعي، في غياب آليات تجمع بين تكوين مهاري وأساليب دعم مادي. وفي علاقة بتنمية الجبال المغربية ومن خلالها البادية ومن أجل بلوغ المنشود من النتائج في هذا الباب، فإن الجهوية والجهة مدعوة لأدوار طلائعية في أفق نماء متناسق ومتوازي عبر الممكن من السبل المتاحة، ومنها ما هو كائن ضمن توزيع عادل للثروات وللأنشطة الاقتصادية والاجتماعية.
عبد السلام انويكًة .. باحث








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مساعدات بملياري دولار للسودان خلال مؤتمر باريس.. ودعوات لوقف


.. العثور على حقيبة أحد التلاميذ الذين حاصرتهم السيول الجارفة ب




.. كيربي: إيران هُزمت ولم تحقق أهدافها وإسرائيل والتحالف دمروا


.. الاحتلال يستهدف 3 بينهم طفلان بمُسيرة بالنصيرات في غزة




.. تفاصيل محاولة اغتيال سلمان رشدي