الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزائر وصناعة التاريخ

شاهر أحمد نصر

2019 / 4 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


مما لا شكّ فيه أن الحراك الشعبي في الجزائر استمرار للمرحلة الهامة من التاريخ التي دشنتها شعوب البلدان العربية في بداية الألفية الثالثة، وهذا الحراك ناجم عن أزمة عصفت، وما تزال تعصف بالبلدان العربية ناجمة عن تناقضات داخلية وخارجية حادة في المجتمعات والبنى السياسية المهيمنة في هذه البلدان؛ مهما كال بعض الباحثين، والمثقفين، والسياسيين المستفيدين من البنى القائمة والمهيمنة، الشتائم على هذا الحراك، والتباري في وصفه بأشنع الصفات، بأسلوب بائس، ألطف ما يمكن أن يقال عنه إنه نوع من التشوش الفكري، وضيق الأفق يعيق البحث في أسباب الأزمة العميقة التي أدت إلى هذا البركان، وإيجاد الحلول لها...

وعند الحديث عن التناقضات والمعيقات الخارجية من الضروري التأكيد على أنّه من غير المنطقي تجاهل مسألة المؤامرة؛ فالتآمر على بلادنا وشعوبنا مسألة تاريخية؛ كانت، وستبقى موجودة، فالصراع مع المشاريع المعادية مستمر.. وسيستمر أصحاب المشاريع المعادية في جهودهم لإجهاض أي فعل يقود لنهضة شعوب المنطقة، وسيستمرون في تكبيلها واعاقة أي خطوة تخطوها لتجاوز السقف الذي رسمته لها؛ ولكن وفي الوقت نفسه من الضروري ألا تجعلنا هذه الحقيقة نخفي رؤوسنا في رمال المؤامرة، وتعمينا عن رؤية الأزمة في البنية السياسية المهيمنة...

تعود أسس التناقضات الداخلية التي قادت إلى هذه الأزمة إلى الفروقات الحادة في توزيع الثروة، واحتكار السلطة، وتحويلها إلى خادمة لطغم المال الطفيلي المحدث، والمتغول، والمهيمن على صانعي القرار، وتهميش غالبية أبناء المجتمع، وحرمان أغلبهم من حقهم في ممارسة السياسة. ويتجلى ذلك اقتصادياً بتعثر عملية النمو الاقتصادي منذ ثمانينات القرن الماضي، وازدياد هذه العملية تباطئاً؛ وما ينتج عن ذلك من تدهور في مستوى المعيشة، ومعاناة أكثر من ثلث سكان تلك البلدان من شظف العيش تحت خط الفقر... وبساهم في ازدياد حدة التناقضات البنية السياسية المهيمنة السائدة، والمأخوذة في جوهرها من دول أوربا الشرقية، والتي تجاوزها الزمن، وتخلى عنها أصحابها لأنّها تعيق التطور الاقتصادي والاجتماعي؛ تلك البنية المغلقة دستورياً، وسياسياً... وازدادت، فضلاً عن ذلك، التناقضات بين البنية السياسية المهيمنة في البلدان العربية، ومتطلبات التطور التاريخي المعاصر، إذ امتازت تلك البنية بالجمود والانغلاق، والكبت، بينما ازدادت أهمية وضرورة الحرية في هذا العصر؛ عصر الثورة المعلوماتية والذي من أهم ميزاته: "التنوع، والحرية، والتغيير السريع والمستمر..."

وإذا حاولنا جمع محصلة التناقضات التي أوصلت المجتمعات في البلدان العربية إلى الانفجار لوجدنا أنّها تتمحور، وتتركز في الخلل الكبير الذي تعاني منه صيغة الحكم، والبنية السياسية للسلطات الحاكمة، لتشكل بؤرة الزلزال ومولدة البراكين، التي لن تُخمد من دون أنسنة هذه البؤرة (الخلل في بنية السلطة الحاكمة) وبنائها على أسس قانونية سليمة.

ومن المفيد التأكيد على أنّ ما يحدث في البلدان العربية، وفي الجزائر، في بداية القرن الواحد والعشرين، من تعبير عن ضرورة ابداع صيغة حكم جديدة، وبناء الدولة على أسس عصرية جديدة، لا يقل شأناَ عن الثورتين الفرنسية، والروسية في القرنين الثامن عشر والعشرين... فما يحدث في البلدان العربية في بداية القرن الواحد والعشرين يعبر ويؤشر إلى حاجة المجتمعات البشرية ككل إلى صيغة حكم جديدة، وضرورة بناء الدولة على أسس عادلة وعقلانية جديدة تنسجم مع متطلبات عصر المعلوماتية؛ على أسس تستوعب وتتجاوز صيغ الحكم وبنية الدولة السابقة بأسلوب عصري إبداعي... فهل يفلح مفكرو الجزائر في تجاوز القصور والفشل الذي أصاب الحراك الشعبي، في البلدان التي دشنته، ويبتكرون صيغة حكم جديدة تعالج الأزمة التي تعصف بالمجتمع لبناء الدولة العلمانية الديمقراطية الحديثة التي تقوم على رضا وقبول أبناء المجتمع، والتداول السلمي لها، والمساواة القانونية والحرية، وتسمح لمؤسسات المجتمع المدني من أحزاب وجمعيات بالتفتح والتطور... واعتماد إجراءات عملية ملموسة لمعالجة التناقضات التناحرية الحادة التي تعصف بالمجتمع والدولة، صيغة حكم تحقق أهمّ ميزات السلطة في الدولة العصرية العادلة بإيجاد درجة من توازن القوى بين جميع طبقات ومكونات المجتمع المتعددة والمختلفة، وتلعب دور الوسيط بينها، وتعالج التناقضات في المجتمع، كيلا تصل إلى الحالة التناحرية، وأن تساعد في بناء مؤسسات المجتمع الأهلي والمدني المستقلة التي تدير نفسها بنفسها، باعتماد دستور يؤكد على أنّ الدولة لجميع المواطنين بغض النظر عن الدين، والمذهب، والطائفة، والعرق، أو الجنس، دولة المواطنة العادلة تعالج مسألة تحرير المرأة ونيلها حقوقها كاملة في العمل والحقوق والواجبات بالتساوي مع الرجل، دولة التنمية الاقتصادية والعدالة، والتي تفتح الآفاق أمام الشباب لتحقيق آمالهم وطموحاتهم...

إن إبداع الجزائريين وشعوب المنطقة ووصولهم إلى صيغة حكم جديدة تعالج التناقضات التي قادت إلى الأزمة، وتنسجم مع متطلبات عصر المعلوماتية، وتستفيد منها مختلف شعوب العالم، يعد مساهمة فعالة في الابداع... فهل يعين شعب الجزائر العرب في لعب دور في صناعة التاريخ؟

تحية إلى شعب الجزائر، شعب المليون شهيد، شعب ابداع اللحظات المشرقة في التاريخ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفكيك حماس واستعادة المحتجزين ومنع التهديد.. 3 أهداف لإسرائي


.. صور أقمار صناعية تظهر مجمعا جديدا من الخيام يتم إنشاؤه بالقر




.. إعلام إسرائيلي: نتنياهو يرغب في تأخير اجتياح رفح لأسباب حزبي


.. بعد إلقاء القبض على 4 جواسيس.. السفارة الصينية في برلين تدخل




.. الاستخبارات البريطانية: روسيا فقدت قدرتها على التجسس في أورو