الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة اولية في طبيعة الشخصية البعثية

احمد عبدول

2019 / 4 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


اود ان ابين للقارىء الكريم الى اني لم اكن راغبا بتناول هكذا ملف في هذا الوقت الا ان هناك اسبابا كثيرة اخذت تشكل قوة دفع باتجاه الكتابة في ملف طبيعة الشخصية البعثية التي لا تزال تؤكد حضورها الملموس داخل المشهد العراقي الراهن اجتماعيا وسياسيا واعلاميا حتى بعد ان قدمت العهود والمواثيق وهي تتبرء من البعث والترويج له والتمجيد برموزه بل نحن نرى الشخصية البعثية اليوم وبعد مرور عقد ونيف من الزمن تعود لتجمع من حولها الانصار والمريدين فتعبئه العقول وتشحن النفوس وهو ما عرف عنها طوال تاريخها في العمل السياسي البراغماتي فهي ضليعة في آطار خلط الاوراق وتشويه الحقائق .

لن اتناول في هذه القراءة الاولية شريحة البعثيين من الجيل الاول اذا صح التعبير ممن نظر للبعث وقدم له من الروىء والطروحات والمباني الفكرية والثقافية فقد كانت تلك الشريحة تحمل مشاريع وطنية الى حد ما ولن اتناول في تلك القراءة شريحة البعثيين من اولئك الذين وقفوا بالضد من تطلعات (صدام حسين ) للحكم فكان ان انتقم منهم عبر ما سمي بمجزرة الرفاق في 22يوليو 1979 بل اني سوف اتعرض لشريحة الرفاق الذين كانوا يرتدون البزة ذات اللون الزيتوني ممن اوكلت اليهم مهام تعبئة الرأي العام سياسيا وحزبيا ومتابعة ورصد كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالجبهة الداخلية للمجتمع العراقي ومطاردة الفارين من جبهات القتال وملاحقة المدنيين من الكسبة وكبار السن لغرض الالتحاق بقواطع الجيش الشعبي فضلا عن احصاء البيانات الدقيقة الخاصة المتعلقة باسماء المواطنيين والقابهم ومناطق سكناهم والتأكد من ولائهم المطلق للنظام وكتابة التقارير السرية عمن يشك بولائه للحزب
هذه هي الشريحة التي اريد ان اسلط عليها شىء من الضوء وهي شريحة لطالما مثلت للنظام البائد تلك الارضية الصلبة التي قام عليها بنيانه وشيدت اركانه فلولا شريحة الرفاق لما كان نظام (صدام) قد تربع على سدة الحكم كل تلك العقودالثلاث ونيف.


تتميز الشخصية البعثية بجملة من الخصائص والمميزات النفسية والثقافية والاجتماعية التي تميزها عن سائر الشخصيات المسيسة وغير المسيسة المنتمية وغير المنتمية وهو ما دعاني الى ضرورة ذكر بعض تلك السمات والخصائص التي ما زالت تلك الشخصية تحتفظ بها والسبب ان تلك السمات والخصائص قد ترسبت داخل العقل الباطن لتلك الشخصية على مرور السنوات .


تؤسرك الشخصية البعثية للوهلة الاولى وهي تثقف باتجاه الطروحات التقدمية والمدنية والوحدوية التي تحارب كل ما هو رجعي وظلامي من افكار وعادات وعقائد وممارسات ويجذبك اليها حديثها وهي تتغنى بحب الوطن ووحدة ترابه من الشمال الى الجنوب فالعراق لا يقبل القسمة على اي اسس سياسية او مناطقية او مذهبية او اثنية على ضوء منطق الحزب الا ان حقيقة الشخصية البعثية انها لا تؤمن في داخلها بما تقول وتدعي فهي شخصية ذات توجهات طائفية ضيقة تراها تروج للابتعاد عن التخندق المذهبي الا انها قد ورثت ذلك التوجه ممن يحكمها فكان مذهب النظام الحاكم مذهبها وتوجهاته العقائدية توجهاتها ولا عجب بعد ذلك ان نجد ان الكثير من الرفاق ابان حقبة الثمانينيات من القرن الفائت يغيرون مذاهبهم ويستبدلون القابهم ويفتخرون بلهجات غير لهجات اباءهم واجدادهم ولا شك ان هكذا سابقة تعد سابقة خطيرة تستحق التوقف وتسترعي الاهتمام حيث لم يسبق البعثيين اليها احد على امتداد تاريخ الولاء السياسي المعاصر لا سيما وان الشخصية العراقية تمتاز باعتداها العشائري والمناطقي والمذهبي المفرط .


ان فرض انموذج سياسي واحد لا شريك له من قبل النظام علي شخصية الرفيق جعلته لا يرغب بالتعددية ولا يدعو الى التنوع ولا يحبذ الاختلاف فذلك في شرعته جرم لا يغادر وذنب لا يغتفر فالولاء لا يكون الا للحزب واي ولاءات اخرى تعتبر ولاءات فائضة عن الحاجة ولعل هذا ما يفسر ان الشخصية البعثية كانت ضعيفة الاواصر حتى بمحيطها الاجتماعي القريب (الاعمام الاخوال) ومحيطها الاجتماعي البعيد (العشيرة والقبيلة ) فقد استبدلت تلك الشخصية الاسرة والاقارب والعشيرة بالحزب ومتبنياته فذابت بايديولوجيته وانصهرت في طروحاته .


لم يكن هناك انموذج ثقافي يفرض على الشخصية البعثية كما هو الحال بالنسبة للنموذج السياسي فقد كان الرفيق الحزبي يتلقى التعليمات والتوصيات والاوامر فحسب والتي غالبا ما تصل الى سمعه شفاها من خلال الاجتماعات الاسبوعية والشهرية كانت كتب مثل (المنهاج الثقافي للحزب )و ( الثورة العربية) وهما من الكتب المسطحة التي تتسم باسلوب يعتمد الحشو وتكرار ذات العبارات القومية الجامدة والتي تفتقر لنموذج واقعي ملموس هي الكتب التي تدفع الى الرفيق الحزبي لكن حتى هذه الكتب لم يكن الرفيق ليقلب صفحاتها وذلك لانه لم يتعود القراءة والبحث والمطالعة ذلك ان فعل القراءة قد يوسع من مداركه وبالتالي يجعله يطرح مختلف الاسئلة على نفسه وعلى رفاقه في التنظيم وقد تكون هكذا اسئلة محرجة للمسؤول الذي يحاضر بالرفاق بين آونة واخرى .



لم تكن الشخصية البعثية تلتفت لرغباتها الخاصة كثيرا فهي شخصية محجمة موجهة على العكس من الشخصية اليسارية (الشيوعية ) التي وجدناها منتجة نشطة على امتداد عقود من الزمن في شتىء ميادين السياسة والثقافة والادب وسائر الفنون على الرغم من تلك الحرب الشعواء التي شنها الحزب الحاكم على كوادر الحزب وقيادته وقواعده الجماهيرية .



الحماسة والاندفاع في الدعوة لتحقيق اهداف الحزب وبرامجه احد اهم مميزات الشخصية البعثية الا انها ما ان يجد الجد ويفور التنور نجدها ترفع شعار (حيدي حياد) مازلت اتذكر كيف كان الرفاق البعثيون يجمعون الشباب لغرض الالتحاق بقواطع الجيش الشعبي حتى اذا حان وقت انطلاق الحافلات صوب جبهات القتال تلاشى الرفاق من المشهد بشكل تام ولا شك ان ذات المشهد قد تكرر ابان الحرب الاخيرة التي اطاحت بنظامهم الفاشي فقد امتلأت مداخل العاصمة بغداد ومخارجها بسطرات الرفاق التي غصت بها الشوارع والساحات والازقة لكنهم ما ان سمعوا بدخول قوات الاحتلال للعاصمة حتى تبخروا بقدرة قادر .



التلون وسرعة الانقلاب والتحول من مربع لاخر مغاير مناقض احد اهم وابرز الوجوه التي تمتاز بها الشخصية البعثية التي تحسن اداء مختلف الادوار وتتفنن في ارتداء الاقنعة لذلك عندما سئل الخبير العسكري المصري (حسام ابو سويلم ) قبيل سقوط النظام في بغداد عن مصير (8)ملايين بعثي اين سيذهبون وماذا سيكون مصيرهم رد ابو سويلم قائلا :هؤلاء سوف يغيرون جلودهم
وهو ما حصل واقعا بعد سقوط النظام الفاشي فسرعان ما انصهر هؤلاء ال (8) مليون بعثي في الوضع الجديد فاخترقوا سائر الاحزاب لا سيما الاسلامية منها حتى راينا الرفيق البعثي الذي كان يشرف على حملات اعدام الفارين من جبهات القتال ويجبر المواطنين على وضع صور (صدام )على واجهة مساكنهم ومحالهم بمناسبة اعياد ميلاد القائد الضرورة يرفع السلاح بوجه الاميركان في محافظات وراينا البعض الاخر يتقدم مواكب العزاء التي كان يحاربها بشدة قبل ايام من سقوط النظام الفاشي في محافظات اخرى .
الا ان تلك المرحلة من تاريخ العمل السياسي البعثي الممنهج لم تدم طويلا فلم تكد السنوات تمضي على السقوظ والسماء تتلبد بغيوم الاحتراب والمحاصصة والفساد المالي والاداري الذي كان احد اسبابه وصول قوى البعث الى مراكز القرار واعتلاء اهم المناصب في الدولة (السلطة التفيذية والتشريعية) حتى رأينا الشخصية البعثية تطرح نفسها كبديل افضل من كل البدائل التي طرحت خلال السنوات التي تلت سقوط النظام لا سيما بعد ان استعاد البعثيون من اعضاء الفرق والشعب كافة حقوقهم بل حصلوا على مالم يحلموا به من النظام الجديد من امتيازات واستحقاقات مالية ووظيفية وادارية فكان ان عادت الشخصية البعثية الى انشطتها فتاثر بها وبطروحاتها خلق كبير وجمع غفير من ابناء الشعب من السذج والبسطاء وهم معذورون في ذلك الى حد ما جراء ما لحق بهم من ضيم وحل بهم من خسف خلال سنوات كان يفترض ان يتنفسوا فيها نسمات الحرية ويستنشقون عبير البناء والتقدم والاعمار .












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة القميص بين المغرب والجزائر


.. شمال غزة إلى واجهة الحرب مجددا مع بدء عمليات إخلاء جديدة




.. غضب في تل أبيب من تسريب واشنطن بأن إسرائيل تقف وراء ضربة أصف


.. نائب الأمين العام للجهاد الإسلامي: بعد 200 يوم إسرائيل فشلت




.. قوات الاحتلال تتعمد منع مرابطين من دخول الأقصى