الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السيد المسيح شخصية حقيقية تاريخية

لطيف شاكر

2019 / 4 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


يقول "ألفريد لوازي" Alfred Loisy: " ولطالما حلم البشر بأن يعاينوا يومًا شخصًا ينوب عن الله على الأرض ويدخلهم ملكوته السماوي، فكان المسيح، محط تلك الآمال، ولكن يسوع الناصري لم يلبّ في الواقع رغبات البشر وآمالهم ولم يحقّق أمانيهم.. ولم يكن الموت عنصرًا أساسيًا من رسالة المسيح، لكنه جابهه مجازفة. لم يُعرَف عن موته سوى أنه حُكِم عليه بالموت صلبًا على أيام بيلاطس البنطي الحاكم الروماني وقتئذ على فلسطين، وما تبقى فديانته تسربت إليها الأساطير ولعبت بها الميثولوجيا اليونانية، ولا سيما أساطير الديانات السرية"

1ــ شخصية يسوع المسيح شخصية تاريخية حقيقية كما تخبرنا الأناجيل والأسفار المقدَّسة، وثقتنا في الكتاب المقدَّس هيَ ثقة بلا حدود، وهل يُعقَل أن نأخذ بآراء النُقَّاد أو المؤرخين في قضية خطيرة مثل قضية إيماننا، فحياتنا الحاضرة والأبدية، وسلوكنا وتصرفاتنا.. كل هذا مبني على إيماننا بيسوع المسيح ابن الله الحي كما شهد له بطرس الرسول، وكقول يوحنا الحبيب: " وَأَمَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ" (يو20 : 31)

2ـــ بينما تخلو الأساطير من تحديد الزمان، فالأسطورة ليست لها تاريخ ميلاد، ولا أحد يعرف متى حدثت أحداثها، وتخلو أيضًا الأسطورة من ذكر الأماكن الحقيقية، ولا يوجد بها أسماء أشخاص حقيقيين، فإننا نجد في قصة ميلاد يسوع المسيح تحديد للمكان والزمان والأشخاص، كقول متى الإنجيلي: " وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ" (مت 2 : 1).. " وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ صَدَرَ أَمْرٌ مِنْ أُوغُسْطُسَ قَيْصَرَ بِأَنْ يُكْتَتَبَ كُلُّ الْمَسْكُونَةِ. وَهذَا الاكْتِتَابُ الأَوَّلُ جَرَى إِذْ كَانَ كِيرِينِيُوسُ وَالِيَ سُورِيَّةَ" (لو 2 : 1)، وفي سلسلة أنساب السيد المسيح ربط متى ولوقا بين يسوع المسيح وبين شخصيات تاريخية حقيقية، فلم يرد في الأسماء العديدة اسم واحد مقتبس من أسطورة ما، وبعد عودة السيد المسيح من مصر ذكر متى الإنجيلي اسم ملك اليهودية: " وَلكِنْ لَمَّا سَمِعَ أَنَّ أَرْخِيلاَوُسَ يَمْلِكُ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ عِوَضًا عَنْ هِيرُودُسَ أَبِيهِ" (مت 2 : 22)، وعندما اعتمد يسوع من يوحنا المعمدان قال لوقا الإنجيلي: " وَفِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ عَشْرَةَ مِنْ سَلْطَنَةِ طِيبَارِيُوسَ قَيْصَرَ إِذْ كَانَ بِيلاَطُسُ الْبُنْطِيُّ وَالِيًا عَلَى الْيَهُودِيَّةِ. وَهِيرُودُسُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى الْجَلِيلِ وَفِيلُبُّسُ أَخُوهُ رَئِيسَ رُبْعٍ.. وَلِيسَانِيُوسُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى الأَبِلِيَّةِ. فِي أَيَّامِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ حَنَّانَ وَقَيَافَا" (لو 3 : 1، 2) ولم يكن السيد المسيح شخصية عادية، إنما كرز وبشر بملكوت السموات، ليس في قرية نائية بل في أورشليم المدينة العظيمة، وجال في ربوع فلسطين، فهو شخصية فريدة في تعاليمه وأعماله ومعجزاته، فقد منح الشفاء للآلاف وأشبع من القليل جدًا من السمك والخبر الآلاف، واختار السيد المسيح تلاميذه الاثنى عشر والسبعين رسولًا، فردوا الأمم من الأساطير الوثنية إلى معرفة الله الحقيقي، ودارت أحداث سفر الأعمال في جو تاريخي بعيد تمامًا عن أية أساطير، وكم من أسماء مدن وقرى جاء ذكرها في الأناجيل وسفر الأعمال، وجميعها تتفق تمامًا مع أرض الواقع في ذلك الزمان، وكل هذا ينأى بشخصية السيد المسيح عن أن تكون شخصية أسطورية كقول بعض النُقَّاد الذين شطحوا بخيالهم الجامح بعيدًا.

ويقول "الأب بولس إلياس اليسوعي": " فتاريخ المسيحية وأصلها لا تُفسّرها الأساطير لكن هناك شخصًا وُلِد وعاش وقام برسالة روحية في فترة محدودة من الزمن وفي حقبة من التاريخ وموضع جغرافي يعرفهما الجميع، يُدعى يسوع المسيح وكان كاملًا من أي ناحية أتيته، اجتمع فيه في آن واحد، بتناسق وتناغم عجيبين: تواضع في عظمة، وداعة في جراءة، عفاف وطهارة في مرونة وروح مجتمعية سمحاء، تقدمية في محافظة على التقليد، جودة ورفق ومحبة لا حد لها في عدالة منقطعة النظير. لن نستطيع أن نعلل شخصيته ولا أن نتقصى دخلته ونقف على سره إلاَّ بالاعتقاد به إلهًا متأنسًا - كما صرح هو نفسه بذلك (يو 3 : 16، 14 : 6) - جاء يغزو تاريخ البشر ويعايشهم فترة من الزمن ليعلمهم كيف يسلكون كأبناء الله وكأخوة فيما بينهم"

كما يقول "الأب بولس إلياس اليسوعي" عن السيد المسيح: " إن جردناه من الألوهية ونسبنا أعماله إلى الخرافات والأساطير أفحمتنا أعماله الباهرة وهزأ بنا التاريخ والكنيسة العظيمة والمدنيَّة الجبارة اللتان تمتان إليه"

3ـــ شخصية السيد المسيح شخصية حقيقية مؤثرة للغاية، حتى أنه شطر التاريخ وصار هو العلامة المميزة فيه، فانقسم التاريخ إلى ما قبل ميلاده، وما بعد ميلاده، وانشغل الجميع بهذه الشخصية الفريدة، وانقسموا إلى محبين مريدين مؤمنين، وإلى رافضين منكرين، وكم من علامات استفهام وعلامات تعجب أُثيرت إزاء معجزاته، ويقول "هـ. هـ. رولي": " يظن البعض أن ما جاء في الكتاب المقدَّس كتاريخ ليس مهمًا، بل المهم هو مغزاه الديني.. يقولون أن المثل ليس من الضروري أن يكون واقعيًا ويكفي أن يوضح حقيقة روحية، لكن الأمر ليس كذلك، إذ من المهم جدًا أن تكون الحوادث التي أُعلن الله نفسه للبشر من خلالها حوادث ووقائع حقيقية. ليس إيمان الكتاب المقدَّس من تأليف البشر.. فإن من المهم جدًا لإيماننا أن يسوع كان حقًا شخصًا تاريخيًا، وأنه صُلب ومات وقام حقًا بعد موته. إن هذه أحداث حقيقية جرت في العهد القديم وفي العهد الجديد وفيها جــرى الإعلان والفداء الإلهيان"

ويؤكد "هانس كونغ" أن يسوع المسيح ليس أسطورة، فيقـول "الأب أيوب شهوان": " يضيف هانس كونغ: "كل تلاعب بالمسيح، وكل تحويل له إلى عقيدة، أو إلى أسطورة، يصطدم بالتاريخ. ليس مسيح المسيحية فكرة خارج الزمن، مبدأ صالحًا أبدًا، خرافة ذات معنى عميق. مسيح المسيحية هو في الواقع شخص حقيقي، بشري وتاريخي، مسيح المسيحيين ليس سوى يسوع الناصري. بهذا المعنى، ترتكز المسيحية أساسًا على التاريخ، والإيمان المسيحي هو أساسًا إيمان تاريخي. فقط لكون المسيحية إيمانًا تاريخيًا، استطاعت أن تفرض ذاتها منذ البدء على كل الأساطير، على كل الفلسفات، وعلى كل العبادات السريَّة"

وبالرغم من أن "رودلف بولتمان" كان يعتقد أن هناك فرقًا بين يسوع التاريخ ومسيح الإيمان، إلاَّ أنه كان يؤمن أن يسوع الناصري شخصية حقيقية تاريخية فقال: " أن الشك في أن يسوع قد وُجِد فعلًا هو من دون أساس ولا يستحق أن يُدحض. من المؤكد أنه هو أساس الحركة التاريخية، التي نتلمس وجودها من خلال الجماعة المسيحية الأولى في فلسطين"

4ــ دائمًا وأبدًا تعظم الأسطورة وتضخم من شخصية البطل، وتُسخّر كل الظروف لصالحه، بينما لا نجد هذا في قصة السيد المسيح الذي وُلِد في مذود حقير، وهرب من وجه هيرودس إلى أرض مصر، وفي كرازته تعرَّض لسخرية القيادات اليهودية فقالوا عنه أنه سامري، ومُختل العقل، وببعلزبول يُخرج الشياطين.. عاش هو وتلاميذه على ما يُقدّم لهم من مساهمات، ولم يكن له بيت ولا وظيفة، ولم يكن له أين يسند رأسه، جاز في رحلة آلام رهيبة من استهزاء وسخرية، وضربات ولكمات وبُصاق، وجلدات قاتلة، وإكليل شوك، وصلب وموت.. أحد تلاميذه خانه وآخر أنكره، وبقيتهم شك فيه.. إلخ.. فأين كل هذا من الأسطورة؟!

5ــ كثير من المؤرخين ذكروا اسم يسوع الناصري كشخصية حقيقية تاريخية ، ونكتفي هنا بذكر اليسير من رسائل بيلاطس البنطي، فكتب إلى الإمبراطور الروماني يقول: " قد ظهر في هذا الزمان رجل لم يزل عائشًا إلى الآن، رجل فيه تقوى عظيمة يدعوه الناس نبيًا عظيمًا ويسميه التلاميذ ابن الله، واسمه يسوع المسيح، فهو يحيي الموتى ويُبرئ المرضى من كل أنواع الأمراض. رجل معتدل القامة وعلى سحنته لوائح الحنو وشدة العزم، بحيث أن مَن يراه يحبه ويخافه ويرهبه. شعره بلون الخمر عند الأطراف ذو لون ذهبي في نمو أصوله، مستقيم بلا لمعان غير أنه مجعَّد على مساواة الأذنين، لامع مستقيم في المنتصف، كعادة النصارى أهل الناصرة، وجبهته مستوية ملساء، وجهه بلا عيب مُحمر قليلًا، سحنته فيها أمارات الحنو، لا عيب في أنفه، ولا في فمه، وله لحية تامة لونها بلون شعره متشعبة شعبتين، عيناه زرقاوتان لامعتان، مهوب إذا وبخ أحد وانتهره، غير أنه الإرشاد والتعليم لطيف اللسان لم يره أحد ينفعل، غير أن كثيرين رأوه يبكي، يداه جميلتان مستقيمتان، بطئ التكلم من غير إكثار فيه، وهو أجمل من أكثرية الناس"

كما كتب "بيلاطس البنطي" أيضًا رسالة لفيلسوف روما "سينيكا" ليست بالقصيرة بعد حكمه على يسوع بالصلب، جاء في نهايتها: ".. وعندما سألته عما إذا كان يعتبر نفسه ملك اليهود قال لي "أنت تقول"، وهذه اتهامات خطيرة وأخطر من الاتهام الذي اتخذه أنتيباس ذريعة لإعدام يوحنا المعمدان، لأن كونه المسيا يعني زوال سلطاننا - نحن الرومان - وزوال سلطان الكهنة أيضًا..

وكانت إيجابيات يسوع المقتضبة تفيد أنه يعلم أنهم راغبون في إلصاق التهمة به، وكان يتكلم في جرأة بالغة ودون أدنى خوف أو اضطراب.. ورغم أنه كان يرى نفسه محاطًا بأعداء قد أعدوا العدة لقتله، رغم هذا كان يقف صامدًا جامدًا كالصخر لا يلين..

في النهاية حكمت عليه بالموت، ولم يكن في استطاعتي أن أفعل غير هذا، فكل الطرق التي كانت أمامي كانت تؤدي إلى هذه النهاية. برغم أن الكساندر كان قد أخبرني أن يسوع منع الشعب من تنصيبه ملكًا عليهم مستخدمًا في هذا كل قوته، كما أخبرني بأنهم اتهموه كذبًا لأنه لم ينادي بأنه هو المسيا أو المخلص الذي ينتظرونه"

يتبع









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الانترنيت
ايدن حسين ( 2019 / 4 / 13 - 07:03 )
انظر الى الانترنيت و هو يدخل الى كل بيت
هل الاله اعجز من صانع الانترنيت لكي يدخل الى كل بيت و الى عقل كل انسان
بدلا من الكتب التي اكل عليها الدهر و شرب
هل حقا ان انسان اليوم مجبر على تصديق ما في الكتب التي انزلت قبل 1400 او 2000 سنة
حتى لو كانت هذه الكتب سماوية مائة بالمائة .. مع اننا لا و لن نستطيع اثبات ذلك
لكن لنفترض ان هذه الكتب هي حقا سماوية مائة بالمائة
فهل نحن مجبرون على التصديق بما فيها .. مع اننا لا نستطيع التثبت من صحة ما جاء فيها
هل هي حجة علينا
من حقك ان تؤمن بما تشاء
ومن حق غيرك ان يؤمن او لا يؤمن بما يشاء
هذا هو الصح
و احترامي
..

اخر الافلام

.. واشنطن تفرض عقوبات جديدة على طهران بعد الهجوم الإيراني الأخي


.. مصادر : إسرائيل نفذت ضربة محدودة في إيران |#عاجل




.. مسؤول أمريكي للجزيرة : نحن على علم بأنباء عن توجيه إسرائيل ض


.. شركة المطارات والملاحة الجوية الإيرانية: تعليق الرحلات الجوي




.. التلفزيون الإيراني: الدفاع الجوي يستهدف عدة مسيرات مجهولة في