الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مذكرات نائب: بمناسبة ذكرى احداث 2003

قاسم علي فنجان

2019 / 4 / 14
سيرة ذاتية


قال انني انوي ان اسجل وادون بعض الذكريات فهل تستطيع ان تكتب لي، لأنني وكما تعلم لا اعرف كيف اصوغ الجمل والتعابير، وانت كما اعلم لك باع طويل في الكتابة، اليس هذا ما تجيده، ولا تقلق فسأعطيك الكثير من الورق "الدولار". رد عليه كاتبه: لكن يا سيدي، لم يستطع الكاتب ان يكمل جملته، قاطعه النائب، بدون لكن واكتب، اعلم انك خائف من نشر هذه المذكرات، اطمئن ولا تخف فسيرة حياتي هي سيرة حياة كل نائب، لهذا فلن يستطيع احد ان يعلم من انا، لأنني الكل، والكل انا، فأنا العملية السياسية كلها، فأكتب:
لم تكن لي تلك الطموحات الكبرى:
كنت صبيا طائشا، يحلو له كثيرا اللعب مع ابناء المدينة التي اسكن فيها، تلك المدينة المغرقة في شعبيتها، كنا قد نزحنا اليها من الارياف كباقي سكان هذه المدينة، كنت كارها للدراسة والمدرسة، فبصعوبة اكملت المتوسطة، بعد سنوات رسوب كثيرة وتوسلات ورجاء للمعلمين من اهلي وبعض الاصدقاء، كنت احس ان المدرسة مجموعة قيود ولا توصلك الى أي هدف، يكفي ان تكون ثريا فقط فأن المدرسة ستأتي اليك، كنت اود ازالة التعليم والدراسة، لماذا ندرس ونتعب انفسنا؟ كان لدي احساس بأني في يوم ما سأنال كل الشهادات التي اريدها، او التي يتشدقون بها. كنت مغامرا وشرسا ادخل بشجارات كثيرة، كان الناس يطلقون عليّ مفردات مثل "هتلي وسرسري وساقط" لم تكن تزعجني تلك الكلمات، بل كنت اعدها مديحا لي، لقد كنت من ضمن مجموعة شقاوات وبلطجية نأخذ من المارة الاتاوة "خاوه"، كنت وهذه "الشلة" نمارس السرقة والنهب والتحرش الجنسي بالفتيات، فضلا عن ممارستنا للجنس مع بعضنا البعض، لم نكن نشعر بالعار من هذه الممارسات، كنا بحق كما كانوا يطلقون علينا "اولاد شوارع". كانت سنين مراهقة شاقة، في بعض الاوقات كنا نذهب الى المواخير، وفي مرة تشاجرت مع كبير القوادين، وعدما رأى شقاوتي قال لي: لم لا تعمل معي، وسأعطيك مبلغا جيدا من المال، كنت بحاجة ماسة لهذا المال، لقد اغراني كثيرا، ثم ان القوادة ليست بالعمل المتعب، عملت لفترة محدودة، بعدها اصبحت قوادا محترفا وصاحب ماخور معروف، لكن لم يدم الحال، فلقد فرض الامريكان الحصار الاقتصادي، وبدأت مهنة القوادة تفقد بريقها، قلت لماذا لا ابدل عملي، ونظرت الى مجمل الاعمال، فوقعت عيني على احد الزبائن الذين يرتادون ماخوري، فقد كان يرتدي الزيتوني، وقلت في نفسي لم لا اكون "رفيقا بعثيا"، فهي المهنة الوحيدة التي استطيع ان ابرع فيها، وهي تلائمني كثيرا، قلت ما الذي سيطلبونه مني، هل يريدون القبض على الهاربين من الجيش "الفراريه"، اكثر اولاد المنطقة اعرفهم وسأشي بهم، ام يريدون ان اراقب هذا او ذاك، لا بأس في ذلك، او سيطلبون مني ان الفق التهم لأي كان، فأنا حاضر وعلى اتم الاستعداد لأية اعمال قذره اخرى، ولقد تحقق لي ما كنت اصبو اليه، وعشت على هذه الحال فترة طويلة، كنت فيها ذلك "الرفيق" المقدام والملبي لكل رغبات الرفيق الاعلى، لكن وفي يوم مشمس صاح نصحني احد الاصدقاء بالسفر خارج العراق، قال نذهب الى اي بلد، الى سوريا او الاردن ومن ثم نطلب اللجوء الى احدى دول اوروبا، وما يدريك قد نعيش حياة اكثر ترفا من هذه، ومضى يقول: هل يعجبك العيش هنا؟ الم تسمع الاخبار، يقولون بأن الامريكان عازمون على اسقاط صدام، وهل معقول ذلك، قلت له متعجبا، قال ولم لا، فالأمريكان هم الذين ينصبون ويخلعون، وافقت على السفر، ذهبنا الى الاردن واشتغلنا هناك لصوصا "نكريه"، فنحن لا نتقن اي عمل اخر، لكن صورتنا قد انكشفت امام الدرك الاردني، فقررنا الرحيل الى لبنان ثم استقر بنا الحال في سوريا، لم نسرق هناك، لأنه اذا قبض علينا، فسيعيدوننا الى العراق، لهذا قررنا ان نشتغل في الاحتيال "النصب"، فجمعنا الحصى والسبح وبدأنا نبيع الناس هذه الاشياء على انها تجلب الرزق او تخلصك من الشدة او تحميك من الرصاص، وان هذه المسبحة احجارها من اليسر او الكهرب، وان هذا الخاتم "المحبس" فيه حجر يماني او نجفي، كانت تجارة رابحة وبدون خسائر، وفي الليل كنت اعمل لطاما ونواحا، وفي يوم وبينما كنت ابيع هذه الاشياء التقيت بأحد اصدقائي القدامى، وكان بأحسن حال، دعاني الى وجبة عشاء فاخرة في مطعم راق، تذكرت معه الايام الخوالي وكيف كنا نسطو على البيوت ونسلّب المارة، وبعد حديث شيق سألته ما الذي تفعله هنا؟ ومن اين لك كل هذه "الفخفخة"؟ ضحك كثيرا وقال لقد اصبحت معارضا للنظام! سكت برهة والتفت اليّ وقال لما لا تأتي معي وتصير مع شبكة المعارضة، تعجبت كثيرا من طلبه، وبما اني احب المغامرة وافقت بسرعة، كانت هناك بعض التساؤلات في نفسي، قلت له لكن انت تعلم اني لا املك شهادة او حتى معرفة كيفية التحدث ثم اني كما تعرف كنت بعثيا، قال هذه ليست بمعوقات كبيرة، فمن منا يملك شهادة؟ ومن يعرف كيفية التحدث؟ ومن لم يكن منا بعثيا نحن "المعارضة"؟، اهم شيء نريده منك الولاء التام لنا، ولا تنسانا بعد سقوط صدام، قلت له انت تعرفني جيدا انا لا انسى المتفضلين عليّ، لقد كانوا وكأنهم متأكدون من ان الامريكان سيسقطون صدام، وكانوا يعدون العدة لنهب هذا البلد، فقلت "لم لا ينوبني من الحظ جانب" كما يقول الاخوة المصريين.
بدأت الاجتماعات تعقد، مرة في دمشق واخرى في بيروت وبعدها في اربيل، الا ان الاجتماع الحاسم كان في لندن، هناك رسموا لنا الامريكان والبريطانيون الخارطة والحال بعد سقوط صدام، واعطوا لكل منا دوره، لقد كنا دمى، لكن وان يكن، قد اكون الدمية الرئيسية عند الامريكان فأفوز فوزا عظيما. بالفعل اقدم الامريكان وبعض المتحالفين معهم على اسقاط صدام، ودخلنا معهم وعلى ظهور دباباتهم الى القصور الرئاسية في منطقة كرادة مريم، والتي سيسميها الامريكان فيما بعد ب"المنطقة الخضراء"، عزلوا هذه المنطقة واحرقوا البلد كله، كنا نعرف ادوارنا، اصبحت ضمن مجلس الحكم الرئاسي، لم ولن انسى ابدا تلك اللحظة التي قالوا لي فيها انك اصبحت رئيسا للعراق لمدة شهر، فلم تكن لي تلك الطموحات الكبرى، تذكرت اشياء كثيرة مرت على بالي في تلك اللحظة، تذكرت كيف اصبحت رئيسا للعصابة في منطقتنا؟ وتذكرت كيف اصبحت رئيسا للقوادين في منطقة المواخير؟ ثم كيف اصبحت رئيسا لمجموعة بعثيين نطارد الفارين من الخدمة؟ وها انا رئيسً للعراق، قد يكون قدري هو هذا. بعد مجلس الحكم قال لنا الامريكان الواجب عليكم سن دستور يرضيكم ويحفظ مصالحكم، لم اكن اريد ان يضعوني في لجنة كتابة الدستور، اردت الاستمتاع كثيرا بالأموال الطائلة التي جنيتها، الا ان الاوامر كانت واضحة من الامريكان ومن رجال الدين بأن اللجنة قد تسمت، لهذا فقد شرعنا بكتابة الدستور، دستورا كانت كل مواده ملغمة، بل وتنذر بصراعات وصراعات، ثم اعدنا العدة لأجراء الانتخابات التي تضمن لنا البقاء الى ابد الابدين في مناصبنا، مع تغيير بسيط فيها، فقد اكون في هذه الدورة رئيسا وفي الثانية نائبا للرئيس، وفي اخرى رئيسا للوزراء، وتارة اكون رئيسا للبرلمان، او وزيرا، وفي اسوأ الاحوال اكون نائبا في البرلمان، لا يهم، المهم انني مستمر في المناصب وشكلي باق، ولا نخاف او نقلق من اي شيء قد يحصل، فلدينا حماتنا، الامريكان ورجال الدين فضلا عن ايران، اللاعب القوي، الذي طلب منا تأسيس جيوش لنا لحمايتنا، وليدخلوا اللعبة بشكل جيد، ومعيدين التوازن مع الامريكان، كنت كالباقين اميل على هذه الجهة او تلك، فإذا قويت الجبهة الامريكية فأنني معهم، واذا قويت الجبهة الايرانية كنت معهم، فهكذا هي الحال، كانت الانتخابات السلاح الذي لا يمكن التنازل عنه، حتى لو اشترك بها عشرة بالمئة، فسنبرر ذلك بأن العملية السياسية شابتها اخطاء، او يجب اصلاح العملية السياسية، او القضاء على الفساد، الخ هذا الهراء.
لدي الان الكثير من الاموال التي حصلت عليها خلال الستة عشر عاما التي انقضت، غير الفلل والشقق في دبي واسطنبول ولندن، ولدي فضائيات وصحف ووسائل اعلام اخرى تمجدني وتثني على العملية السياسية، ورغم كل هذه الحياة وهناك من يطالبني بالإعمار او الصحة او السكن او تشغيل العاطلين او بناء المصانع او الزراعة او التعليم، بالمناسبة قلت اني اكره الدراسة، الا انني نلت شهادة الدكتوراه من احدى الجامعات التي اسسناها، وكان لمدارس الاوقاف الفضل الكبير في عبوري المراحل الدراسية، انا الان نائب في البرلمان، اؤدي دوري المسند لي، واسخر واضحك ملء فمي من مطالب الناس، ما الذي يريدونه من "ساقط وقواد وبعثي ومحتال ودجال واخيرا اسلامي"، ما الذي لا يفهمونه بعد ستة عشر عاما، لكن هو شيء جيد لنا ان الناس تبقى على هذه الحالة، وتتمسك بمقولة "المجرب لا يجرب" و "يجب اصلاح العملية السياسية"، وهن من افضل استراتيجيات البقاء والثبات في السلطة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رداً على روسيا: بولندا تعلن استعدادها لاستضافة نووي الناتو |


.. طهران تهدد بمحو إسرائيل إذا هاجمت الأراضي الإيرانية، فهل يتج




.. «حزب الله» يشن أعمق هجوم داخل إسرائيل بعد مقتل اثنين من عناص


.. 200 يوم على حرب غزة.. ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية | #




.. إسرائيل تخسر وحماس تفشل.. 200 يوم من الدمار والموت والجوع في