الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النسوية والنسوية المنكسرة!

فراس عوض
كاتب وباحث سياسي واجتماعي، ماجستير في دراسات الجندر، نقابي وناشط حقوقي

(Feras Awd)

2019 / 4 / 18
حقوق الانسان


تمسك السيجارة مسكة خجوله، من الواضح للعيان انها لا تدخن، ولكن بوجودها ب"الكافيه" وحولها مجموعة من الرجال، ارتأت ان تمسك السيجارة، تسحب وتنفث دون ان ينزل الدخان لرأتها، او ما يقال له" التعفيط" ، وصاحبتنا تضع على حسابها الفيسبوكي صورة الفتاة التي تمسك شفرة حلاقة وتضعها على خدها، في صورة رمزية، كأنها تحلق ذقنها، و رفيقتنا التي تجلس اعلى حافة السطح، تدلي قدميها، وتمسك سيجارتها وتنقث دخانها بالهواء الطلق، والاخرى التي تنشر منشورات تبغض الرجال، هؤلاء يذكرنني بالطفل الصغير، الذي يقلد اباه او اقرانه او نماذج مذكرة من حوله، فالدخان كأنه الرجولة بالنسبة له، وحلق الذقن ايضا في ذات السياق، اضافة للتلوي بحمل السيجارة ونفث الدخان عاليا، في حركة توحي باكتمال رجولته، كما يهيئ له، نماذج سطحية من فتيات يعتقدن انهن نسويات، لكنها نسوية مقلوبة، منكسرة ومنقوصة، يصح ان نسميها نسوية غائبة عن الوعي، مشوهة ، سطحية و شكلية، تقليد المذكر بذكوريته ليست نسوية، بل هي اعتراف بافضليته، فالمقلد يقلد الشخص الأعلى منه مكانة غالبا، لم تقم النسوية على اجترار الذكورة، النسوية الحركة التي تطالب بحقوق متساوية للنساء والرجال ورفع الظلم والتمييز عن المرأة و معالجة مواطن الضعف بالمرأة التي خلقها المجتمع وتنشئته بدءا من العائلة والمدرسة والاعلام والمنابر، النسوية هي الثقافة التي جائت بها حداثة الانوار ابان الثورات ضد الظلم، ثقافة الحرية والمساواة والحقوق والديموقراطية،التي هي ثقافة للبشر اجمعين، ثقافة للانسان قبل ان تكون للمرأة، ان تمتلك المرأة جسدها وذاتها وقرارها و ان تتحكم بنفسها وبمصيرها دون ان تكون تحت وصاية او سيطرة الرجل او امرأة اخرى، او تابعا لكائن اخر، بل ان تكون ككيان قابل للانفصال عن الشروط التي حكمت وجوده سياسيا وثقافيا ، ان تكون سيدة نفسها، نحن لا نطالب بتعري اجساد النساء ولا بتمثيل التدخين والتعفيط امام الرجال ان لم تكن مدخنات منذ الاساس ، ولا بتمثيل الحلاقة وتقليد ومحاربة الرجال ولا بسلوكات التصنع المقيتة و الاجساد العارية المنحوتة ،! بل ننبذ ثقافة ونظام ذكوري ، الرجل ضحيتة ايضا، سواء اختلفنا او اتفقنا على ذلك، النسوية ترفض سيطرة المذكر على المؤنث كما ترفض سيطرة المؤنث على المذكر، لا يصح ان تمارسي امر انت تعتبيره ثقافة ذكورية، فكيف تسعين لاجترار المذكر بسعيك لان تنبذي وتحطي من شأن الرجل واختلاق عداء وخصومة معه، وفي الان ذاته تزدري تلك الثقافة بوصفها ذكورية، ثقافة السيطرة والتكبر والقمع ، نتحدث عن النسوية التي تسعى لزيادة مشاركة المرأة في المجال العام ، السياسة والاقتصاد والرياضة..الخ، بملئ ارادتها وحريتها، ان تختار من تريد و تتحرك و تسافر و تتنقل دون تدخل او وصاية من احد، ان تعمل و تتعلم ما تريد واينما تريد دون الضغط عليها، تماما كالرجل، بل ان تتصرف بطبيعتها الانسانية، كانسان يمتلك عقله وجسده و روحه، دون ان ينظر لها انها شيء اخر، فقط لاختلاف مظهرها التشريحي، النسوية تدعوا للتحرر والحرية المرتبطة بالعقلانية، فهي لا ترى حرية وتحرر بدون عقلانية ولا فائدة من العقلانية ان لم تخدم التحرر، الاثنان متلازمان ، التحرر ليس التعري ولا ما يسمى الانحلال، بل ان يقرر الانسان ما يريد بحياته ونفسه وجسده وفكره وتفكيره ومعتقده وتنقله واختيار شريكه دون املاء عليه، ان الحداثة و ما جائت به بتلك المفاهيم الانسانية، ليست الاجساد الصلبة المنحوتة ولا اجساد البضاعة واجساد رأس المال والاستهلاك واجساد الشبقية و الايروسية، بل هي اجساد التحرر ، ان تمتلك حريتك بالتصرف بجسدك ومصيرك وحياتك، نعم انه جسد الحداثة ومنظومة حقوق الانسان والحرية والديموقراطية، وفي خضم الصراع على جسد المراة، نقول: لا فرق بين ثقافة تقليدية تريد ان تحجب و تواري وتقصي وتهمش المرأة وتعتبرحسدها فتنة وعورة، وبين ثقافة رأس المال التي تشيء وتسلع المرأة وتعتبر جسدها بضاعة واغراء ، كلاهما اختزل المرأة بالجسد، جسد العورة والفتنة والحرمة وجسد الشركة والاغراء والاستهلاك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل


.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون




.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة


.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟




.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط