الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ربيع الجزائر .. رياح النور !

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2019 / 4 / 20
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


أينع ربيع الجزائر مبكراً، فلم تترك انتفاضة الشارع الجزائري، مزيدا من الوقت أو خيارات أخرى، غير ما قادت إليه اقتناعاً بالضرورة، أو قسراً: ذهاب رئيس الجمهورية، بما يمثله من نظام حكم، ومرحلة تاريخية، وضعتها مطالب الشارع على مفترق طرق حاسم، لا تقود سوى الى التغيير. ودون التوقف عند حقيقة الدور الذي أداه الجيش في حمل بوتفليقة على الاستقالة، قبل أسابيع من انتهاء ولايته الدستورية، فإن الأهم في ذلك، هو أن صوت الشارع الجزائري، هو من أجبر قادة الدولة، على الانحناء للعاصفة - إن جاز التعبير- لتبدأ أولى الخطوات التي سوف تقود الى تغيير تاريخي في هذا البلد، الذي تقوده حركة التحرير الوطنية منذ بدء حرب التحرير ضد المحتل الفرنسي، مرورا بالاستقلال، الى آخر القادة التاريخيين للجزائر، عبدالعزيز بو تفليقه.
ما حدث في الجزائر، ظلت بذرته كامنة، منذ انطلاقة الربيع العربي، لكن بوتفليقة استطاع حينها، اخماد جمرات الحراك بما عُهد عنه من دهاء سياسي، ترافق مع إنفاق مؤثر لعائدات النفط على مشاريع وطنية، أدت في مجملها الى هدوء الشارع الجزائري، وتجاوزه لتأثيرات الربيع العربي بصورة مباشرة. والواقع، لعبت الأحداث التي شهدتها المنطقة، دوراً مهما في ذلك، خاصة في تجارب الثورتين الليبية والسورية، التي واجهتها أنظمة الاستبداد القذافية والأسدية، بالقمع والعنف المسلح والتدمير الممنهج. ليتشكل تيار مناهض للربيع العربي، في الجزائر، كما في بعض البلدان المغاربية مثل تونس، في تناغم فريد مع نظام بوتفليقة المؤيد لنظام الاسد.
من الدروس المهمة للانتفاضة الجزائرية، أن لا شرعية لأي تسلط أو استبداد، وان التغيير حتمي، وضرورة من أجل المستقبل، وأنه لم يعد ممكناً مواصلة الصمت على الاستمرار بالاتجار بالقضايا الوطنية، الى الدرجة التي تنتفي فيها قيمتها بسبب السياسات الأمنية، ومصادرة القرار الوطني، وتضييق المشاركة الجمعية في إدارة الدولة والمجتمع. لا شرعية إذن لحركة تحرر وطني، في ممارسة الاستبداد أو التفرد بالسلطة. ولا شرعية لثورة تمنع حق الآخر في الانتفاض والسعي الى التغيير.
استقالة بوتفليقة، تضخ الدماء الجديدة في عروق الربيع العربي ، وتكاد المفارقة المدهشة أن تدلنا الى مواطن الالتقاء ما بين التجربتين في البلدين الجارتين تونس وليبيا، وكأن ما حدث يبدو سمة مغاربية، فقد لعب الجيش دورا بارزاً في كلتا الحالتين، استناداً الى الدستور: في عام 1987 انقلب بن علي على بورقيبة بموجب المادة 57 من الدستور، عبر لجنة طبية اقرت عجزه المرضي عن أداء مهامه، وكضابط عسكري، ووزير أول، استند الى قوى الامن الوطني في تأمين حركته، فمؤسسة الجيش كانت خاضعة لسلطة الأمن التونسي التي يقودها. وفي انتفاضة التونسيين 2011 لعب رئيس الأركان أيضا دوراً محورياً، أجبر بن علي على مغادرة تونس بلا رجعة.
وفي الجزائر، منذ الاستقلال تلعب المؤسسة العسكرية دوراً قياديا توجيهيا رئيسا في البلاد، ومع أن عهد بوتفليقة شهد تحجيماً لتدخلها في الشؤون العامة للدولة، إلا أنها هي من أجبرته على الاستقالة.
ومن هنا، يأتي الحذر الواجب ليس في الجزائر فقط، وإنما في الشارع العربي، من دور الجيش، سوف يمنحه ذريعة كبرى باسم الوطنية والحفاظ على مؤسسات الدولة، للتدخل في مسارات التغيير القادمة بلا ريب في الجزائر. فالتجارب العربية بالغة المرارة، بسبب شهوة العسكر لممارسة السياسة بهدف الوصول الى السلطة، مع أن واجبهم الأساسي هو حماية الدولة من أية أخطار خارجية، وليست مواجهة ابناء البلد بالسلاح والنار، اعتقالاً وقتلا.
الانتفاضة الجزائرية، قرأت الربيع العربي، بصورة مكنتها من تجاوز العثرات و الأخطاء القاتلة، تلك التي أدت الى سرقة الثورة السورية على سبيل المثال، أو الذهاب الى المواجهة المسلحة. والاستفادة من دروس الآخرين فضيلة مثلى، وقد أخذ بها الجزائريون دون ان يتحدثوا عنها.
في طريقي الى تجمع السوريين لإحياء ذكرى الثورة في تورنتو، مررت بتظاهرة جزائرية، انضممتُ إليها، وشاركت بفاعلية فيها. لكن شاباً قال: نحن لسنا سوريين! بمرارة تفهمتُ موقفه، وكان مصيباً في مخاوفه، في الانجرار نحو التسلح. كان الوعي حاضراً في جوهر الحراك الجزائري، مستفيداً من تجارب الربيع العربي، ومدركاً أن أي سلطة تنتظر الخروج من أزماتها، عبر أي منفذ قد تفتحه أخطاء ترتكبها الجموع. كانت سنوات التسعينات دامية، وحاضرة، بالقدر الذي لا يريد أحدٌ أن يعود إليها، ولذا كان التمسك بـ " سلمية " الانتفاضة. كان هذا التعبير " سلمية ..سلمية " مفردة الثورة السورية الأثيرة ومفخرتها، إلى أن نبتت الأسلحة في كل مكان كفطر خبيث.
كان بوتفليقة شخصية نضالية متميزة، في العالم، فيما يتصل بحق الشعوب في تقرير المصير، ومع أنه كان راغباً في نقل السلطة – كما نُقل عنه - إلى أجيال جديدة، منذ 2012، إلا أنه لم يدرك أن الجماهير هي الناظم لحركة التاريخ ومستقبل البشرية، وأن تطلعات الجزائريين نحو التغيير، سوف تتحقق لا ريب.
أنا متفائل جداً بالمستقبل القريب، رغم الحذر، ليس من دور العسكر فحسب، وإنما من التدخلات الخارجية، التي تريد الحفاظ على مصالحها من جهة، وتلك التي لا تريد لمطالب الجماهير أن تتحقق، خشية انتقال عدواها الى مجتمعات اخرى.
نريد للتجربة الجزائرية أن تنجح، وأن تتطور. لقد انتكس حراكنا الثوري في سوريا وليبيا، وأجهضت حركة المجتمعات في تونس ومصر، وما يزال النظام الأسدي المجرم، مستمراً بدعم وإرادة دوليين.
استقالة بوتفليقة، تفتح أبواب الأمل في ربيع لن يتأخر، مهما طال، عن طرق أبواب دمشق، كي تعبر زنازينها رياح النور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز


.. يوم الأرض بين الاحتفال بالإنجازات ومخاوف تغير المناخ




.. في يوم الأرض.. ما المخاطر التي يشكلها الذكاء الاصطناعي على ا


.. الجزائر: هل ستنضمّ جبهة البوليساريو للتكتل المغاربي الجديد؟




.. تصريح الرفيقين جمال براجع وعبد الله الحريف حول المهرجان الخط