الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المهمة الملحة الآن.. جبهة مناهضة للفاشية!

عصام مخول

2019 / 4 / 21
القضية الفلسطينية




الآن وقد اتضح مع الانتهاء من انتخابات الكنيست انتصار التيار الأكثر فاشية في اليمين الاسرائيلي الحاكم، يتضح بالمقابل بما لا يقبل الشك، أن المطلوب بشكل ملح المباشرة الى بناء جبهة يهودية عربية مناهضة للفاشية في اسرائيل، يجري وضع لبناتها الاساسية فورا، الآن وليس غداً! وسيكون هناك رمزية كبيرة لو توصلنا الى الاعلان عنها بشكل أولي، في اليوم نفسه الذي يجري فيه أداء اليمين الدستوري للحكومة الفاشية الموعودة برئاسة بنيامين نتنياهو.

بهذه القراءة أميز عن وعي وسبق إصرار، بين الدعوة الى بناء الجبهة المناهضة للفاشية على صعوبتها وتعقيدات بنائها وشُحُّ القوى المرشحة لذلك، وبين الدعوة المتعثرة منذ عقد من الزمن وما رافقها من محاولات فعلية لإقامة معسكر ديمقراطي لم يقم. إن معسكرا ديمقراطيا من شأنه ان ينشأ او أن لا ينشأ، عن قيام مثل هذه الجبهة وممارساتها واستراتيجية نضالها، ولكنه لا يستطيع ان يكون بأي حال من الاحوال بديلا عنها، ولا أن يكون في سباق معها ولا أن يحظى بالأولوية عليها.

يعلمنا تاريخ الشعوب، ان الفاشية لم تنتصر في اي مكان بسبب جبروت الفاشيين وحده، وانما انتصرت غير مرة، بفعل تقاعس القوى غير الفاشية وبؤس اصطفافاتها السياسية، وسوء أدائها، وتلكؤها على الحياد الى أن التهمت النار أذيالها. ونحن نتوقع أن المزيد من القطاعات الشعبية في الساحة الاسرائيلية سوف تكتشف أقرب مما تتوقع هي نفسها، ان نار الفاشية إن أتيح لها أن تتمكن من الاقلية القومية العربية ومجمل الشعب الفلسطيني فإنها سوف تتجاوز أذيالها وأصابعها وتطالها هي أيضا.

فالفاشية وإن كان مفتاحها هو العنصرية والتحريض على الاقلية القومية، وتغذية المشاعر الشوفينية والعدوانية لدى شعب الأكثرية، إلا أن القوى الفاشية لا تكتفي من ذلك بالإطباق على الاقلية القومية والشعب المضطهد فقط، والاستيلاء على حقوقه ومقوماته فحسب، وانما تهدف الى الإطباق على شعب الأكثرية نهائيا، مثلما اتضح مؤخراً، حيث أطبق نتنياهو ومعسكره الفاشي في الانتخابات الاخيرة على أكثرية الجمهور الاسرائيلي وعلى الناخبين بشكل خاص.

إن نتنياهو لا يقود معسكر الاحتلال والاستيطان والأبارتهايد والعداء للشعب الفلسطيني والرفض الاسرائيلي فحسب، وانما يمثل مصالح القوى التي تطمح الى وضع المؤسسة السياسية في اسرائيل في قبضة أعتى الشرائح المتحكمة برأس المال الكبير المحلي والعالمي، ليتيح لها التغول في ابتلاع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعاملين وللطبقات الشعبية ومصالحها الوجودية وحرياتها الديمقراطية، وليتيح كل الفرص لتعميق الاستغلال الطبقي والتقاطب الاجتماعي وخصخصة الاقتصاد الوطني والفساد الممأسس وسرقة موارد الدولة والموارد الخاضعة لاحتلالاتها. مما يجعل من أوسع القطاعات العربية واليهودية في المجتمع الاسرائيلي بالضرورة ضحايا مباشرة للفاشية الصاعدة.

تنظيم جبهة مناهضة للفاشية فيها متسع لكل الجاهزين للنضال يتطلب من الجميع ان يتصرف بمسؤولية وأفق واسع، يتجاوز عقلية االمناكفات السياسية الصغيرة. وفيها متسع لأولئك الذين فاضت أريحيتهم وهم يروجون لمقاطعة الانتخابات بحجة ترجيح كفة النضال الشعبي والميداني (وكأن النضال الشعبي والنضال لبرلماني متناقضان وليسا متكاملين )، هؤلاء ايضا مدعوون الى لملمة اوراقهم ومعاركهم القديمة التي تجاوزتها الحالة السياسية، والانضواء في المعركة ضد الفاشية وفي الجبهة المناهضة لها.



بين مقاومة الفاشية او التعايش معها ومسايرتها!

في ظل أزمته.. باتت معالم النظام الديمقراطي المشوه والمبتور في اسرائيل، عائقا يعتقد نتنياهو ان لديه ما يكفي من القوة لإزالته من طريقه.. المحكمة العليا على علاتها وجهاز القضاء والنيابة العامة والقانون الدولي وحكم القانون الاسرائيلي وحرية الصحافة والإعلام ومؤسسات فرض القانون، من المستشار القضائي والشرطة الى مرقب الدولة باتت جميعها عقبات يجب التخلص منها. لذلك يرشح عن الاعلام أن نتنياهو يصر على وضع وزارة القضاء في أيدي أحد أتباعه "المخلصين" لتكون بين فكي الليكود يروضها ويخضعها لحاجات لوائح الاتهام التي يواجهها زعيمهم وحاجات إخضاع الجهاز القضائي والقضاء نهائيا على استقلاليته.
إن هذا يجعل المطلوب الان فرز القوى الفاعلة المعنية بالتصدي للفاشية، ورص الصفوف وحشد طاقاتها في الاتجاه الأساسي، لإعداد أدوات النضال الضرورية للتصدي للخطر الفاشي الداهم، وليس تشتيت الجهود، وتحويل الردح والترويج للإحباط والتسطيح الفكري وتبرير الكسل السياسي الذي رافق المعركة الانتخابية وما زال يرافق تبعات ظهور نتائجها، الى بديل عن بناء آليات المواجهة، ولا لتضييع الوقت في بناء حركات سياسية غير واضحة المعالم. إن الايام القادمة حبلى بالمخاطر تدفع الى تركيز الجهود في مهمة استراتيجية ملحة، في صلبها محاصرة الحكومة الفاشية المنطلقة من جديد، وتعميق تناقضاتها ومفاقمة أزماتها.

إن خطر الفاشية الان ليس نابعا عن كون نتنياهو صهيونيا فحسب، ولا عن كونه يمينيا عنصريا متطرفا فقط، ولا بسبب تهويشه على العرب وحده، وانما خطره نابع عن عمق أزمته الخانقة، فالتجربة مع الفاشيين أكدت في كل مراحل التاريخ ومواقع ظهورها، أن القوى الفاشية واليمينية العنصرية، لها مصلحة دائما، في أن تحافظ على مصالحها ومصالح الطبقات التي تخدمها وان تنفذ سياساتها، بوسائل وآليات قانونية و"ديمقراطية".. فالديمقراطية المبتورة بمفهومها، هي الافضل في فترات البحبوحة. لكنها دائما كانت تلجأ الى الديكتاتورية السافرة والعنف السياسي الدموي نحو الخارج ونحو الداخل، بمدى ما أصبحت أزمتها خانقة ومخارجها مسدودة وآفاقها مغلقة. لذلك فإن كل المحاولات للتقليل من اهمية التحذير من الخطر الفاشي المحدق في ظل نتائج الانتخابات مؤخرا، بادعاء أن "البديل ليس بأفضل من نتنياهو"، وبأن "كلهم صهاينة"، وأن "دولة الكيان اقتلعت شعبنا " وأن"أيديهم ملطخة شعبنا".. يشي بفهم ضحل لطبيعة الفاشية وظروف سيطرتها، لأنه فهم لا يستوعب العلاقة بين الفاشية، وأزمة النظام الخانقة. إن خطر الفاشية مرتبط بأزمة نتنياهو الخانقة وليس بأخلاقه ومواقفه الفاشية فقط. ومن هنا خطر عودته الى الحكم.



ليس المطلوب الآن أن "نقف معاً"، المطلوب أن نتعاون مع الجهد لبناء سد بوجه الفاشية

ليس المهم في هذه اللحظة ان "نقف معا"... المهم الان أن نبلور القناعة المشتركة ًبأن نناضل معا في إطار جبهة مناهضة للفاشية، وأن نحدث الفرز بين الاحزاب والقوى السياسية العربية واليهودية، وبين المنظمات الشعبية ومنظمات المجتمع المدني وأن نخلق قطبا معاديا للفاشية، أن نعمل على بناء كتلة اجتماعية وسياسية متعددة المشارب، جريئة على المواجهة مع الفاشية، وان نشجع الفرز ليس بين الاحزاب والقوى السياسية فحسب، وانما أن نشجع الفرز داخل الاحزاب التي ترفض الانضواء في مثل هذه الجبهة.وعلينا ان نفرز داخل الاحزاب المترددة، من هي المجموعات التي تندرج مع الجهد لمقاومة الفاشية ومن منها يندرج مع دعاة مهادنتها والتعايش معها وهناك علينا ان نعمل معا..



الإحباط ليس حصاناً رابحاً!

هناك في رأيي فهم خاطئ للسياسة في اعقاب الانتخابات (بين العرب وبين اليهود). وهناك ركوب غير موفق على مشاعر الإحباط. وكأن المطلوب الان خلط الاوراق وتمييع الفوارق السياسية، وتحييد القوى السياسية الفاعلة، وفكفكة البنى النضالية، وإعادة خلطها من جديد في انتظار توليفات جديدة، والدعوة الى سياسة بلا منظمات سياسية ومن دون أيديولوجية وخيارات فكرية واضحة، وبلا آليات حزبية في أشبه ما يكون بخلق فوضى فكرية غير خلاقة بالضرورة. ويتركز العديد من صناع الرأي العام بالتعميمات، والمغالطة بشأن قراءة نتائج الانتخابات، وكأن التراجع والفشل هو ضربة من السماء طالت الجميع بالمدى نفسه، لا تميز بين قوى أنجزت وزادت من قوتها، وقوى كادت تتعرض للاندثار بين اليهود وبين العرب سواء بسواء. إن التعامل مع هذا التمايز ليس هدفه المفاخرة والتربيت الذاتي على الكتف، لأننا في الجبهة وفي تحالفها مع العربية للتغيير، سيكون علينا من دون شك دراسة تجربة الانتخابات وتعقيداتها بشكل نقدي وشفاف، لتحسين الاداء وتجاوز الاخطاء، ولكن هذا التمييز يهدف الى الاستفادة من عوامل القوة للتأكيد عليها وعوامل الضعف لتجنبها وتجاوزها لدى الجميع.

وفي الجانب الاخر، فان الجواب على الوضع المحبط في أوساط اليسار الصهيوني وتراجعه الحاد، يتطلب أكثر من مجرد خلط الاوراق من جديد، والاكتفاء بالحديث عن تشبيك نضالات عينية، تضيّع الطابع الحقيقي للازمة الحقيقية، وتضيع الفرصة لطرح بديل سياسي وفكري وتنظيمي لها. وينشأ الانطباع أحيانا أنه يجري استغلال الشعور السائد بالقلق الشعبي المشروع ازاء خطر الفاشية الجاثم على سدة الحكم في اسرائيل اليوم، من أجل اقتناص فرصة لدفع أجندات سياسية وبنيوية كانت تنتظر في الادراج، من دون التأني لدراسة مشتركة للوضع الناشئ وتطوير الاجوبة عليه بشكل جماعي.

إن تنظيم جبهة مناهضة للفاشية فيها متسع لكل الجاهزين للنضال يتطلب من الجميع ان يتصرف بمسؤولية وأفق واسع، يتجاوز عقلية االمناكفات السياسية الصغيرة. وفيها متسع لأولئك الذين فاضت أريحيتهم وهم يروجون لمقاطعة الانتخابات بحجة ترجيح كفة النضال الشعبي والميداني (وكأن النضال الشعبي والنضال لبرلماني متناقضان وليسا متكاملين )، هؤلاء ايضا مدعوون الى لملمة اوراقهم ومعاركهم القديمة التي تجاوزتها الحالة السياسية، والانضواء في المعركة ضد الفاشية وفي الجبهة المناهضة لها.

المسؤولية تتطلب الا تتحول المسألة الى مسألة سباق على من سيستغل الفرصة ويبني على صخرة القلق الشعبي صومعته أو أجندته الفئوية بين اليهود أوبين العرب. وانا أوجه كلامي للجميع، والى بعض رفاقي قبل غيرهم، فالمسؤولية تقتضي أن تكون الاجندة التي يفترض أن تجمعنا اليوم – هي جبهة موحدة لمناهضة الفاشية او كما وعدنا قبل الانتخابات: سد بوجه الفاشية ، قوامها محاصرة حكومة الازمة، وسد الطرق أمام هروبها من الازمة المطبقة الى مزيد من العنصرية والحرب والضم والعدوان وقوانين الابارتهايد وصفقة القرن.

لقد أطلق الحزب الشيوعي والجبهة قبل الانتخابات وبعد الانتخابات، دعوة صادقة الى المباشرة الى وضع الاسس لبناء جبهة واسعة للتصدي للفاشية ومخاطرها الداهمة. لم تكن هذه الدعوة مجرد تسجيل موقف. وانما دعوة الى العمل.. فقد دقت ساعة العمل.. إن التجربة التاريخية العالمية في مواجهة الفاشية في كل مكان تؤكد بالنسبة لواقعنا طابع الدور المميز للحزب الشيوعي والجبهة، قوة اليسار والديمقراطية والتقدم الأكبر والاكثر رسوخا وثباتا على ساحة الاقلية القومية العربية والقوى التقدمية اليهودية في اسرائيل، وبتركيبتها العربية – اليهودية ومفهومها السياسي وانتمائها الفكري وتجربتها الجبهوية الطويلة، كانت وما زالت القوة المؤهلة لتكون نواة لإطلاق الجبهة المناهضة للفاشية في اسرائيل، وهي جبهة من الضروري أن تتسع لكل القوى المناهضة للفاشية مهما اختلفت مشاربها.

إن المطلوب الآن الدعوة الى اجتماع أولي تشاوري يتم بشكل تمثيلي واسع لمناقشة الموضوع وطرح الافكار حول آليات تنفيذه، ومعهد اميل توما للدراسات الفلسطينية والاسرائيلية يضع نفسه في خدمة لقاء تشاوري كهذا.. فقد آن أوان الشد فاشتدي!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بدأ العد العكسي لعملية رفح؟ | #التاسعة


.. إيران وإسرائيل .. روسيا تدخل على خط التهدئة | #غرفة_الأخبار




.. فيتو أميركي .. وتنديد وخيبة أمل فلسطينية | #غرفة_الأخبار


.. بعد غلقه بسبب الحرب الإسرائيلية.. مخبز العجور إلى العمل في غ




.. تعرف على أصفهان الإيرانية وأهم مواقعها النووية والعسكرية