الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تفجيرات سيريلانكا ولعبة الأمم

محمد السعدنى

2019 / 4 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


طالعتنا "رويترز" بتقرير عاجل عن سلسلة تفجيرات استهدفت كنائس وفنادق في سريلانكا، توالت بعده المتابعات من وكالات الأنباء العالمية بوقوع ثمانية تفجيرات، استهدفت 3 كنائس في كوتشيكادي في كولومبو ومدينتي نغومبو وباتيكالوا أثناء إقامة المراسم الدينية للاحتفال بعيد الفصح، لقي على أثرها 207 أشخاص مصرعهم وأصيب 450 بحسب الشرطة ومصادر طبية محلية. ثم تلقيت كما كل يوم، صباح الإثنين النشرة الإخبارية الدولية Today s worldviews التى تصدرها "الواشنطون بوست" وفيها ملف كامل عن هذا الحدث الإرهابى الكبير، وتغطية تحليلية ومقالات لكتاب الواشنطون بوست بعنوان:
" Sri Lanka’s bloody Easter puts spotlight on a new terror threat - عيد الفصح الدموي في سريلانكا يسلط الضوء على تهديد إرهابي جديد"، ما يشى بتقدير الواشنطون بوست لأهمية وخطورة ذلك الحدث الوحشى الضخم، ورغم تعدد أحداث الإرهاب فى سيريلانكا وغيرها، إلا أنها لم تشهد أبداً فى أى وقت مضى مثل هذا النوع من الهجوم المتزامن فى أماكن متفرقة بطول البلاد وعرضها، ما يسفر عن مثل هذا العدد من الضحايا والإصابات، ومنذ حربها الأهلية الدموية، ما يشير بطرف خفى على أن الأمر ليس مجرد عملية إرهاب، إنها فى تقديرى جزء تصادف أن ظهر بارزاً ودالاً على لعبة جديدة للأمم تتجلى فيها صراعات الديناصورات المتوحشة من قوى دولية كبرى تستهدف أطماعاً جيوستراتيجية فى آسيا وغيرها، لم يشر إليها ملف الواشنطون بوست من قريب ولا بعيد، ولعل هذا ما أغرانى بالموافقة على اقتراح الصديق عصام كامل رئيس تحرير فيتو، أن أكتب رؤيتى ولا أكتفى بترجمة عاجلة للخطوط العريضة لما جاء فيه، على أهميتها ووجاهتها. إذ هنا يتوجب أن يتصدر المشهد من يستطيع أن يقدم قراءة مغايرة للحدث الجلل، وربما يكشف بعضاً مما اعتراه من غموض التوقيت – الزمان والمكان وربما أيضاً الأهداف واللاعبين.
كان ملفتاً ومنذ تصاعد الأحداث أن أدانت معظم الدول، وكما هو معتاد فى مثل هذه الحالات، إلا أن الأمر جاء مختلفاً مع الولايات المتحدة الأمريكية، إذ تصدر وزير خارجيتها الأنباء العاجلة ليصرح أمام الكاميرات: " أن هذه التفجيرات كانت أسوأ أعمال عنف تضرب كولومبو عاصمة سيريلانكا منذ عام 1996 ، عندما أدى انفجار في البنك المركزي إلى مقتل نحو 100 شخص فى هجوم شنه تنظيم نمور التاميل فى حرب أهلية على البلاد من أجل وطن منفصل للتاميل فى شمال سيريلانكا استمرت لأكثر من ثلاثين عاماً". " وكأنه يستدعى ذكريات الحرب الأهلية وأجوائها وتداعياتها. ثم لاحق ذلك بتصريح آخر عن السفارة الأمريكية فى سيريلانكا وحماية الرعايا الأمريكيين هناك. تلاه تصريح آخر من غلاديمير بوتين عن علاقات بلاده مع جمهورية سيريلانكا "الإشتراكية"، لكأنما كل منهما يحذر الآخر وينذره نحن هنا، إنها لعبة الأمم، ومسرحها هذه المرة شمال المحيط الهندي جنوب شبه القارة الهندية، جنوب آسيا –سيريلانكا.
كان ملفتاً لاهتمامى، ولم يمر مرور الكرام على مخيلتى ذلك التصريح الذى أدلى به بالأمس ألان كينان خبير سريلانكا في المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات، لصحيفة فاينانشال تايمز قائلاً: "لست مقتنعًا حقًا بأن هذا عمل سريلانكي، ففى تقديرى أن ميكانيزماته عالمية وليست مدفوعة بأى خلافات محلية. يبدو لي نوعًا مختلفًا من ألعاب الكرة "، يقصد ألعاب الأمم.

فى ملف الواشنطون بوست أورد المحلل السياسى " إيشان ثارور" فى مقاله ما صرح به "أمارناث أماراسينجام" خبير التطرف والإرهاب، وزميل باحث في معهد الحوار الاستراتيجي فى تورونتو : "أن طبيعة الأهداف تشير إلى أن الهجمات لم تكن ذات طابع محلى فحسب" وأضاف" "كانت هناك دائمًا توترات طائفية، بالطبع ، لكن هذه صدمة كبيرة، إذا ثبت أنه تم تخطيطها محليًا وتنفيذها بدقة، فستفترض أن البوذيين هم الهدف. بينما الهجمات جاءت على المسيحيين ما يشير إلى شيء مختلف، ما يشير ، على الأقل بالنسبة لي، إلى المشاركة الدولية على الأرجح " هذا ما قاله لصحيفةToday’s Worldviews ". ولكنه لم يستبعد ضلوع جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية فيها كمنفذين بسبب استهداف الغوغاء القوميون البوذيون أعمالهم وبيوتهم العام الماضي، وأردف "لكن لم تعلن أي منهما مسؤوليتها". ثم شدد على أن " المسيحيين نادراً ما كانوا أهدافاً للعنف حتى الآن". هذا بينما عقب الهجمات صرح رئيس وزراء سريلانكا "رانيل ويكريميسينجه" إن المشتبه بهم "محليون" وأن بعض الوكالات داخل حكومته كانت لديها معلومات مسبقة عن خطر هذه الهجمات. وفى هذه النقطة تحديداً يقول "إيشان ثارور" فى الواشنطون بوست:"حتي وقت كتابة هذا التقرير، لم يقدم المسؤولون سوى القليل عن الدوافع وراء الاعتداء، أما بالنسبة للجالية المسيحية في سريلانكا وجميع أنحاء العالم ، بدت الانفجارات في أقدس يوم في السنة كارثة تاريخية. وفي خطابه بمناسبة عيد الفصح، الذي ألقاه من شرفة كنيسة القديس بطرس، أدان البابا فرانسيس أعمال العنف الشنيعة والقاسية". ويشير ملف الواشنطون بوست إلى أن سنوات الصراع بين قوات الدولة ونمور التاميل انتهت بهزيمة النمور الحاسمة في عام 2009 ، ولكن العقد الذي تلاها شهد نوبات من العنف الطائفي والتوترات العرقية والدينية ، التي غالباً ما تثيرها عناصر داخل الأغلبية البوذية السنهالية في سريلانكا. وإذا ما صدق تحليلنا الذى ذهبنا إليه من أنها لعبة الدول الكبرى، فليس أسهل إلى تسخين المنطقة من إثارة النزعات الطائفية، وليضرب الجميع فى الجميع بوذيون، كاثوليك، تاميل، مسلمون، وكل من تصادف مروره بموقع الأحداث أو حتى على تماسها.
أقول هذا على خلفية ماعرفناه وعايشناه من حروب مصطنعة وصراعات ملفقة مورست بطول العالم وعرضه، وماثل أمامنا حرب تتلمظ لها أمريكا ضد إيران، والصين، روسيا، وكوريا الشمالية، ومناوشات مع الصين. وقد شهد العام 2018 تحرشات عسكرية أمريكية بالصين، على خلفية خلافات بين الصين واليابان وفيتنام والفلبين حول الحدود البحرية ومناطق المسؤولية في بحر شرق الصين وبحر الصين الجنوبي. وخلال السنتين الأخيرتين شهدت هذه المنطقة سلسلة من الحوادث بمشاركة السفن الحربية الأمريكية التي ترسلها الولايات المتحدة للقيام بالدوريات في مياه بحر الصين الجنوبي وقرب الجزر المتنازع عليها التي تعتبرها الصين جزرا صينية، ورغم معارضة الصين قالت واشنطن إن سفنها ستبحر في كل الأماكن التي يسمح بها القانون الدولي.
يختم ملف الواشنطون بوست " والتسمية من عندياتى، إذ قدمت الجريدة التحليلات والمقالات متتابعة ولم تشر إلى أنه ملف" بالقول على لسان "إيشان ثارور:

لا تزال تفاصيل التفجيرات غامضة ، لكن السلطات السريلانكية تحركت بسرعة لوقف انتشار نظريات المؤامرة والمحتوى الحارق، حيث فرضت الحكومة حظر تجول ليلي وحظرت الوصول إلى منصات التواصل الاجتماعي مثل Facebook و WhatsApp ، والتي كانت تستخدم في الماضي لتوزيع الرسائل التي تحرض على شن هجمات على مجموعات الأقليات في البلاد، وربما تكون هذه الخطوة قد أثارت غضبًا من المدافعين عن حرية التعبير، لكن هذه المنصات، وخاصة في آسيا، يُنظر إليها الآن على أنها وسيلة لنشر المعلومات الخاطئة وعوامل التمكين المتطرفة. وفى ذلك كتب ماكس فيشر في صحيفة "نيويورك تايمز "ويعكس هذا الحذر العالمي والمتنامي تجاه المنصات الاجتماعية والشركات الأمريكية العملاقة التي تديرها".
وحتى لا أطيل أذكركم لعلها لعبة الأمم مرة أخرى بعدما تبدت بوادر حرب باردة لاتزال محاورها فى سوريا والسودان وليبيا والقرم والانتخابات الأوكرانية الأخيرة، وتخارج أمريكا وروسيا من اتفاقيات الصواريخ متوسطة المدى، والعقوبات على روسيا وإيران وصفقة الصواريخ S-400 الروسية لتركيا وثورة أمريكا والناتو بشأنها، ثم التجهيز لصفقة القرن وتركيع النظام العربى وتسييد إسرائيل على المنطقة. ولعل كتاب مايلز كوبلاند "لعبة الأمم" الذي صدر فى 1969، حيث يصور فيه الأمم كقطع شطرنج يجرى تحريكها من قبل وزارة الخارجية الأميركية، وبحسب سيناريوهات تتفق و"لعبة الأمم" كما تخططها المخابرات المركزية الأمريكية ومثيلاتها فى الدول الكبرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الحقيقة لا يمكن إخفاؤها بغربال متهرئ.
أكرم فاضل ( 2019 / 4 / 23 - 19:15 )
الهدف واضح والضحية محددة والمنفَذ معروف وهذه ليست الحالة الوحيدة فقد سبقتها كثيرة غيرها.

لا أفهم عن أية لعبة للأمم يتكلم الكاتب الفاضل أو لماذا يحاول التغطية على جرم مشهود وما علاقة الأمم بقتل المئات أثناء إقامة شعائرهم الدينية ومن طائفة واحدة ليس في سري لانكا وحدها ولكن في الباكستان ونيجيريا وغيرها والمسلسل مستمر إن لم يكن هناك مخطط عنصري مدروس بدقة من دون أن يتم إنتقاد هذه الأفعال الشنيعة من قبل الجهات التي ينتمي اليها المنفذون كما فعل العالم المتحضر حول جريمة نيوزيلنده.

أخشى أن ينفذ صبر الأمم لتقف ضد الظلم والتجاوز على حقوق الغير كما أخشى أن تكون ردة الفعل عنيفة وعندها سوف لن يفيد الندم والمثل يقول - إتق شر الحليم إذا غضب-

اخر الافلام

.. تقارير عن ضربة إسرائيلية ضد إيران وغموض حول التفاصيل | الأخب


.. إيران وإسرائيل .. توتر ثم تصعيد-محسوب- • فرانس 24 / FRANCE 2




.. بعد هجوم أصفهان: هل انتهت جولة -المواجهة المباشرة- الحالية ب


.. لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا




.. نار بين #إيران و #إسرائيل..فهل تزود #واشنطن إسرائيل بالقنبلة