الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأنانية ...

ماهر رزوق

2019 / 4 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



كانت الأنانية و مازالت تشغل المفكرين و الباحثين ، لأن الإنسان منذ إدراكه للوعي ، و تمكنه من وضع المعايير التي تقاس على أساسها أفعاله و أفكاره ، استطاع أن يتعرف على الجوانب السلبية في تكوينه البيولوجي و النفسي ...
فكانت الأنانية هي الصفة الأسوأ ... لماذا !!؟

لأنها كما يصفها (ريتشارد دوكنز) _ في كتاب الجينة الأنانية _ تنبع عن دافع جيني بحت ...
و بالتالي فهي تنبع عن حاجاته و مخاوفه ، أكثر من كونها تنبع عن رغباته ... فهو يمارسها لينجو و يسابق و ينافس !!
لكنها مع ذلك قد تختفي بشكل لا إرادي أيضا ، عندما يتعلق الأمر بإنقاذ الجينة نفسها ... أي عندما يتعلق الأمر بإنقاذ الأم لأولادها و حمايتهم حتى لو كلفها ذلك حياتها ... فالأهم هو استمرار الجينات فقط !!

يدفعنا هذا إلى التفكير بالأمر على هذه الشاكلة : هل أن ما نواجهه هنا هو الدافع الغريزي البحت !!؟

إذن يمكننا أن نقتبس من (فرويد) الذي يقول في كتابه الغريزة و الثقافة : أن المميز الأكبر للإنسان و الذي ساعده على حكم الكوكب ، هو كونه يستطيع أن يتحكم بغرائزه ، و يتحول إلى كائن صانع للثقافة ، أي كائن فاعل بدلا من كونه مفعولا فيه !!

و هذا الأمر ليس ببعيد عما قاله (يوفال هراري) في كتابه (العاقل) أن الشيء الأهم الذي ميز البشر و جعلهم الأقدر على الاستمرار ، ليست الأنانية كما يعتقد البعض ، بل إنه التعاون على مستويات واسعة !!
حيث يطرح المثال التالي :
" لو أحضرنا مئة قرد (شمبانزي) و وضعناهم في مركز تجاري ، لن نحصل سوى على الفوضى ...بينما لو أحضرنا مئة إنسان عاقل و وضعناهم في مركز تجاري سنحصل على عمل منظم و تجارة رابحة !! "

لا يمكن للعقل أن يكون مستسلما دائما لحاجاته الغريزية ، و إلا هلك الجنس البشري !!

يقول (مصطفى عابدين) في دراسة له عن (تطور اللغة) : أن الإنسان البدائي أدرك حاجته للمجتمع عندما وجد أنه قد يتعرض لأخطار الموت جوعا أو مقتولا من قبل أحد الوحوش ، لو عاش بعيدا عن الجماعة ، و لذلك كان يسعى دائما لإرضاء هذه الجماعة و الانصياع لقراراتها مقابل حصوله على الحماية و الغذاء ... و ربما هذا يفسر ذلك الاهتمام الحالي المبالغ فيه الذي نوليه لرأي الآخرين فينا ، و الذي مازال مستمرا بفعل التطور ، فهو استمرار لذلك الخوف القديم من الموت بعيدا عن الجماعة ...

يطرح (جوناثان هايت) في كتابه (العقل القويم) اقتباسا من كتاب (أصل الأنواع) (لدارون) ، محاولا توضيح هذه النقطة ، حيث يقول :

" عندما تصل قبيلتان من الإنسان البدائي ، تعيشان في البلاد ذاتها ، إلى المنافسة ، (في حال كون الظروف الأخرى متساوية) ، فإن القبيلة التي كانت تتضمن عددا كبيرا من الأعضاء الشجعان و المتعاطفين و الأقوياء ، الذين لديهم دائما استعداد لتحذير إخوتهم من الخطر ، و لمساعدة بعضهم البعض ، و الدفاع عنهم ، ستحقق هذه القبيلة نجاحا أفضل و تستولي على القبيلة الأخرى ، فالأشخاص الأنانيون و المشاكسون لا يتماسكون ، و من دون تماسك لا يمكن إنجاز أي شيء ..."

إذن حتى لو كانت الأنانية نابعة عن دافع غريزي جيني هدفه البقاء ، فإنها مع ذلك قد تخطئ هدفها في حالة الإنسان ، فتتحول إلى نقطة ضعف بدلا من كونها نقطة قوة ...
و حتى لو كان الإهتمام بمصالح الآخرين ليس نابعا سوى عن دافع أناني بحت : أي أنك تقدم خدمة فقط لأنك تتوقع أن الآخر سيقدم لك نفس الخدمة في وقت لاحق ... فإنها تبقى أنانية أنجح و أفضل من تلك الأنانية الغريزية البحتة التي تدفعك دائما إلى تفضيل مصالحك الشخصية على مصالح الآخرين !!

#Maher_Razouk
#ماهررزوق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا