الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الإرهاب: دين وثقافة أم بنية اجتماعية-اقتصادية؟
نادر عازر
(Nader Azar)
2019 / 4 / 25
الارهاب, الحرب والسلام
تزايدت، مؤخراً، وتيرة تفسيرات ظهور التنظيمات المتطرفة والإرهابية في الشرق والغرب، التي تلصق المشكلة، سريعاً، بالدين والثقافة. معظم هذه التفسيرات سطحية ومتسرعة، ويبحث أصحابها عن إجابات مبسطة وشعبوية لمشاكل معقدة، تزيح عنهم عناء البحث عن الأسباب الحقيقية لظهور التطرف والإرهاب.
إحدى النقاط المشتركة التي تجمع الإرهابيين، سواء كانوا من تنظيمات إسلامية مثل داعش والقاعدة، أو مسيحية يمينية بيضاء أو نازية أو يهودية أو هندوسية أو بوذية، هي أنها انتقام من إرهاب "الآخر".
بحسب العديد من المحللين والتقارير، وكما بات معروفاً على نطاق واسع، فإن معظم قادة وأمراء تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) والعناصر المهمة فيه ينحدرون من الاستخبارات والجيش العراقي أيام صدام حسين، حيث فقد معظمهم كل ما كان لديهم بعد الحرب الأمريكية وعملية اجتثاث البعث، وكان العديد منهم غير متزمت دينياً على الإطلاق. إن الحرب الأمريكية على العراق ودمارها للبلد كان السبب المُمهِّد لظهور داعش، وإن الوضع الاجتماعي-الاقتصادي المتدهور في الدول الغنية، والدعاية الضخمة، تسبب في زيادة عدد منتسبيه.
أما تنظيم القاعدة نشأ إثر الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في أفغانستان، وتلقى دعماً وسلاحاً من الولايات المتحدة والسعودية ودول وجهات أخرى، متمكناً من استقطاب عدد كبير من الشباب من أنحاء العالم، وخاصة العربي، بعد سنوات الهزائم والنكسات والديكتاتورية والوضع الاقتصادي المتدهور، التي شكّلت جميعها بيئة خصبة للتطرف.
في نيجيريا ظهرت حركة "بوكو حرام" بسبب الوضع الاجتماعي-الاقتصادي السائد، في بلد عانى من الاستعمار لعقود طويلة، وبعد استقلاله واستمرار الفساد والظلم تركزت الثروة في جنوب البلاد المسيحي، وأصبح 60٪ من سكان الدولة الأكبر اقتصاداً في أفريقيا تحت خط الفقر، يعيشون بأقل من دولار أمريكي واحد في اليوم.
وفي ظروف تاريخية مشابهة ظهرت حركة "الشباب" الإرهابية في الصومال.
في تقرير لمؤسسة Global Financial Integrity فإنه مقابل كل مليارين دولار تدخل إلى الدول الفقيرة، يخرج منها خمسة مليارات دولار، هذا يعني أن ما يحصل هو نهب مباشر للدول الفقيرة، كما أن تقارير المؤسسة تظهر أن الفرق في جودة الحياة بين سكان الدول الغنية والفقيرة لم يكن بهذا المستوى أبداً في التاريخ.
وبحسب مؤسسة أوكسفام فإن الثروة تواصل تراكمها، بشكل متسارع، لدى نخبة صغيرة جداً، فيما يزداد الفقراء فقراً.
إن ما قاد معظم هؤلاء الناس إلى التطرف لم يكن "صحوة دينية" مفاجأة نزلت من السماء، ولا "ثقافة سيئة" ظهرت من تحت الأرض، وإنما عقود طويلة من الإذلال التاريخي والاستعمار والنهب الممنهج لثرواتهم ومواردهم. وبعدها أجبرت دولهم على الالتحاق بالسوق الدولية "الحرة"، حيث تتنافس الدول النامية الفقيرة مع الدول المتطورة الغنية، ما أغرق الدول الفقيرة في دوامة ديون كونها تستورد أكثر بكثير مما تصدر، وفي النهاية يجري لوم الدول والشعوب الضحية على أنها "كسولة" وأنها مسؤولة بشكل مباشر عن فقرها.
ومع ازدياد تواتر الحروب واتساع رقع الدمار والتدخلات الخارجية في هذه البلاد، ومع استمرار الاستبداد والقمع والفساد من قبل الحكام الذي أدى لتصاعد الفوارق الطبقية وتدمير البنية الاجتماعية، ومع صعود نخب مرتبطة بالدول الإقليمية والكبرى المعتدية على دولنا، ومع تهاوي الطبقة الوسطى، وتواصل غرق الفقراء بالفقر وتوسع شريحتهم، ومع التدهور في جميع المجالات، تشكلت بيئة خصبة جاهزة لظهور المجموعات المتطرفة بمختلف ألوانها، ودرجة وحشيّتها، تمكنت بسهولة من استقطاب عشرات الآلاف من الشباب والشابات الفاقدين لأي أمل بحياة أفضل.
إن جذر الإرهاب ليس دينياً ولا ثقافياً وإنما يعود للبنية الاجتماعية-الاقتصادية السائدة على مدى فترات طويلة، قد تتوارث من جيل إلى آخر، تؤدي إلى غضب كامن ينتهي بانفجار اجتماعي. الإرهاب المعاصر تعود جذوره لسلسلة طويلة من النهب والحروب والظلم العالمي الذي مهدت له الدول الرأسمالية الغنية المعتدية علينا منذ زمن طويل، وأشعلته الليبرالية الجديدة بآلياتها الأكثر وحشية.
إن الثقافة والسياسة هما بُنيَتين كالمرآة تعكسان البنية الاجتماعية-الاقتصادية المتشابكة وتتغيران بتغيرها، فهما ليستا ثابتتين على الإطلاق، وبالتالي فإن وجود ثقافة أو دين "وحشي" أو "مسالم"، بشكل دائم، ليس أمراً صحيحاً، ولا ثابتاً عبر التاريخ ولا الجغرافيا، وإنما متغير بتغير الشروط الاجتماعية-الاقتصادية وظروف الحياة، وأمامنا تاريخ البشرية الواسع المؤكد، بمعظمه، لهذه الجدلية.
الثقافة والدين لا يمكن أن يكونا على الإطلاق جذراً مباشراً للإرهاب والحروب، فهما لطالما تم استغلالهما، عبر التاريخ، من أجل تغليف الأسباب الأساسية، لتجييش الناس وتعبئتهم.
يتغاضى العديد من المتسرعين عن الحقائق التاريخية، ويخلطون الأحداث، ويتجاهلون جميع الحروب المدمرة الأخرى التي نفذتها ما تسمى اليوم بالشعوب والدول الحضارية والديمقراطية والإنسانية، التي مرت بظروف مشابهة، وحطمتها الحروب الدينية الدموية بين الكاثوليك والبروتستانت (حرب الثلاثين عاماً) التي دخلت فيها معظم الدول الأوروبية، وحرب المائة عام بين فرنسا وبريطانيا، والحرب العالمية الأولى والثانية، وحتى الحرب الكورية واليابانية وحرب فييتنام والحرب الباردة، وقبلها بكثير كانت فترة استعمار العالم الجديد لأمريكا الشمالية والجنوبية واستراليا ونيوزيلندا وأفريقيا ودولنا العربية، وكل هذه المعارك والحروب تسببت بمقتل مئات الملايين من البشر وخلّفت مآسي هائلة، لا تقارن بما يحدث الآن في بلادنا العربية، فهل حروبهم كانت نتيجة ثقافة أو دين؟ أم أسبابها الأساسية اقتصادية-اجتماعية؟ كان ورائها المنافسة والتوسع والهيمنة والبحث عن أسواق جديدة وأيدي عاملة رخيصة ومواد خام.
أما في الجانب الغني من العالم تظهر الأحزاب والحركات والأفراد اليمينيين المتطرفين رداً على تردي مستوى معيشتهم، الذي هو أصلاً جيد على حساب الدول الفقيرة. إن زيادة الفوارق بين الأغنياء والفقراء في الدول المتقدمة وفي زمننا المعاصر، عززته ما سمي بإصلاحات الليبرالية الجديدة، التي وعدت بحياة أفضل ورفاه لا مثيل له، إلا أنها أفقدت الآلاف وظائفهم ومساكنهم، ليتم في النهاية إلقاء اللوم على الضعفاء في مجتمعاتهم من مهاجرين أجانب وعاطلين عن العمل ومرضى. كما أن ما حفَّر الإرهاب اليميني المتطرف والنازي هو رد فعل على الإرهاب الذي نفذه متطرفو الدول الفقيرة، ما يتسبب بسلسلة لا تنتهي من ردود الأفعال، منشأها الأول والأساسي البنى الاقتصادية-الاجتماعية.
طالما بقينا هانئين قانعين تحت براثن الاستبداد والفقر ولم نعمل من أجل بلاد ديمقراطية تنهض نهضتها وتزيل عنها قرون الذل، ثم تنتقل إلى نظام اجتماعي-اقتصادي أرقى من الحالي، ليس ضرورياً أن نستغرب ظهور الإرهاب، الذي هو أساساً رد فعل على الظلم الداخلي والخارجي.
الإرهاب لا يحارب بالورود والحب ولا بالقصف والإعدامات، لإن ما يجب أن نحاربه هو المرض الاجتماعي-الاقتصادي نفسه وليس أعراضه.
نادر عازر - كاتب سوري.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - الارهاب دين وثقافة والشواهد كثيرة.
سمير آل طوق البحراني
(
2019 / 4 / 26 - 12:24
)
ما دخل تفجير الكنائس المسيحية ومساجد وحسينيات الشيعة وقتل الايزيديين وسبي نسآئهم في البنية الاجتماعية والاقتصادية؟؟. ما دخل البنية الاجتماعية والاقتصادية في المغدورين وهم الفقرآء المتعبدون في دور العبادة؟؟. من هم قادة تلك التنظيمات وما كان مكانهم الاقتصادي؟؟. هل اسامة بن لادان كان يقالتل لاجل اسعاد الفقرآء ام لبناء الدولة الاسلامية وطرد الشيوعيون من افغانستان ؟؟. اخي الكريم اين يعالج ارهابيو سوريا؟؟. هناك فرق كبير بين الحروب الاقتصادية والهيمنة والحروب الدينية. هل مجزرة سيرلنكا مجزرة اقتصادية. ما هو شعار اللواء الذي يقاتل باسمه الارهابيون وما لونه؟؟. الارهاب دين وثقافة. اما البعثيون العراقيون اتخذوا من سداجة الفكر الديني وسيلة ليس لتحقيق مآربهم بالحسنى بل لتعم الفوضى ويزيد الفقرآء فقرا انتقاما لما اصابهم بعد احتلال العراق لان الاحزاب التي استلمت الحكم هي احزاب شيعية وليست وطنية بالمعنى الصحيح للمواطنة. ولا تنسى تدخلات دول الجوار باسم الدين وليس مساندة للفقرآء.الارهاب دين وثقافة والكتب المقدسة شاهد على ذالك.
شكرا لك.
.. آلاف الوجبات تدخل القطاع يوميا.. هل تكفي؟ | الأخبار
.. أكثر 10 إعلانات ما سوت شغلها ???? | TOP 10 مع بدر صالح - الح
.. الرئيس عباس يصادق على تشكيلة الحكومة الفلسطينية الجديدة برئا
.. البيت الأبيض: عودة الهدوء إلى الحدود بين لبنان وإسرائيل -أول
.. صور جوية حصرية لسكاي نيوز عربية لقطاع #غزة #سوشال_سكاي