الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرحيات توفيق الحكيم....والمسخ

صباح هرمز الشاني

2019 / 4 / 28
الادب والفن


مسرحيات توفيق الحكيم....والمسخ

صباح هرمز الشاني

1-ياطالع الشجرة :
للفترة الواقعة بين أعوام 1926و 2005 ،نشر توفيق الحكيم أربعين نصا مسرحيا ، وكان أول نص منشور له بعنوان (رصاصة في القلب) و أخر نص بعنوان (رصاصة في قلبين). أما المسرحية التي نحن بصددها فقد نشرت عام 1962 ، أي بعد ستة وثلاثين عاما من نشر نصه الأول ، وتأتي بين مسرحيتيه (السلطان الحائر) المنشورة عام 1960 و (الطعام لكل فم ) المنشورة عام 1963.وتتكون من فصلين وست شخصيات هي :المحقق، الخادمة ، المساعد ،الدرويش ، الزوج وهو المفتش في نفس الوقت، بالأضافة الى الزوجة .
تدور حوادثها حول زوجة وزوج ، تجاوزا الستين من عمرهما ، ويسكنان في منزل ،تستقر أمامه شجرة واحدة فقط ،هي شجرة البرتقال ويعيشان في عزلة تامة عن العالم الخارجي ، ماعدا الخادمة التي تزورهما بين فينة واخرى وتساعدهما في تدبير أمور المنزل ،الذي ورثته الزوجة عن زوجها الاول السمسار المتوفي ، وتعيش تحت شجرة البرتقال (سحلاة) ويسميها الزوج (الشيخة خضرة).
وفي أحد الأيام تختفي الزوجة التي كانت قد ذهبت لشراء بكرة جديدة من خيط الغزل، تنسج به ثوبا صغيرا لابنتها التي لم تولد ولن تولد لأنها أسقطتها في الشهر الرابع ،عملا بكلام زوجها الأول ,بسبب الفقر ، ولم يلاحظ الزوج اختفاء زوجته الا بعد مرور ثلاثة ايام ، وذلك من خلال اختفاء (الشيخة خضرة)، ولعدم الاهتداء الى مكان اختفائها تحوم الشكوك حول زوجها بقتلها ، وعلى هذا الاساس تجري التحقيقات معه ويودع في السجن ،ولكن سرعان ما تظهر الزوجة لتبدأ نقطة الخلاف بين الزوجين، حول عدم اعلان الزوجة عن مكان اختفائها ، واصرار الزوج على معرفته ،وازاء تعنت الطرفين كلا برأيه يجهز الزوج بقبضته على عنق الزوجة ويخنقها ،وعندما أراد ان يدفنها تحت الشجرة يفاجيء بأختفاء الجثة ،الا ان المفاجئة الثانية الاكثر وقعا تأتيه من خلال موت السحلية ورؤيتها ملقاة في الحفرة ، لتنتهي المسرحية بأغنية لحفلة السبوع برجلاتك ..برجلاتك ، وهي الاغنية التي يرددها الاطفال المستمدة كلماتها من المنبع الشعبي المجردة من أي معنى ، وخاصة في مقطعها الذي ينص على الكلمات التالية : ياطالع الشجرة ...هات لي معك بقرة... تحلب وتسقيني بالملعقة الميني ... ويعقبها صوت القطار وصفير نشيد الرحلة المدرسية .
يثور الحكيم في هذه المسرحية على الاساليب التقليدية التي أتبعها في مسرحياته السابقة وينتهج أسلوبا حديثا ، وقوعا تحت تأثيرات العروض المسرحية التي شاهدها في اوروبا ،تحديدا فرنسا ،وذلك بعد أن توصل الى قناعة، أن الفن في بلاده مثل الدول الاوروبية ، يحمل بين طياته بذور الفن الحديث ،سيما في منبعه الشعبي المنتشر بكثافة في قرى وأرياف مصر،وأنه من الممكن ,وبفعل تزاوج القديم الذي يحتوي مثل هذه البذور ، كما في الانشودة الموظفة في هذه المسرحية : (يا طالع الشجرة ..هات لي بقرة ....)الخ ... والجديد المعاصر في فكره الفلسفي الذي يبرر بقتل الزوجة ودفنها تحت الشجرة لكي تتغذى بها الشجرة ، وتطرح أربعة أنواع من الثمار، وهي البرتقال في الشتاء ، والمشمش في الربيع ، والتين في الصيف ، والرمان في الخريف ،تأطيرعصارة الأثنين في قالب فني حديث ، عبر استخدام مختلف الوسائل الفنية المعروفة في مسرح (اللامعقول )او (العبث )من شخصيات خرافية ، وأحداث غير واقعية ، والغاء الفواصل بين الأزمنة والأمكنة ، ورفدها بمفردات مبتكرة تعمل على تماسك حبكة المسرحية ، وتقود احداثها وشخصياتها الى تكوين علاقات تشكيلية وتركيبية تفضي الى الغموض والغرائبية وألمسخ بالتعويل على ثلاث مفردات لتحقيق هذا الهدف ، وهي التقابل والتكرار والنسبية ، مستخدما مفردة التقابل في صيغتين ، الصيغة الاولى للحلم ,بهدف ابراز مدى حب الزوج للشجرة ، والزوجة لبنتها (بهية) ، والصيغة الثانية للمقاربة ، بربط الزوج بين زوجته والسحلاة ، بهدف مسخ الزوجة.

ومن أول جملتين ، يأتيان على لسان الخادمة والمحقق ، يتضح منحاهما الهادف الى اشاعة مثل هذه الاجواء ، فاذا كانت جملة المحقق الاستفهامية :متى أختفت سيدتك بالضبط ؟ توحي الى المكان ، والمكان هو حبكة المسرحية لان الزوج يقتل زوجته بسبب عدم مصارحتها له بمكان اختفائها لثلاثة أيام خلت، فأن اجابة الخادمة :(ساعة عودة السحلية الى جحرها )، لا توميء الى ربط الزوجة بالسحلية حسب ، وبالتالي مسخها، وانما أيضا انها مثل السحلية تسكن تحت الشجرة ، أو ان الزوج يتمنى ذلك ، لا بل و يعمل من أجل ذلك .
أما الجملتان اللتان يأتيان بعدهما ، فهما اشارة واضحة الى الغاء الزمن :
-المحقق:تقصدين المغرب؟
-الخادمة:لم أبصر الشمس تغرب.
والجمل التي تلي هذه الجمل الاربع ، وتحتل صفحة واحدة ، اعتبارا من جملة:(ومتى يظهر سيدك من تحت الشجرة )؟ الى جملة (نعم..قبل ان تناديه .. تركته في الجنينة ) .. بلا معنى .
واعتبارا من قول الخادمة :(انها لن تتأخر اكثر من نصف ساعة ..مسافة الطريق .. لتشتري بكرة جديدة من خيط الغزل ..تنسج به ثوبا صغيرا لبنتها....)، تتضح ثيمة المسرحية القائمة على زواج المصلحة بين الطرفين ، مصلحة الزوج بمنزل الزوجة والشجرة التي تنتصب في حديقة المنزل ، ومصلحة الزوجة بأنجاب بنت ، تعويضا لاسقاط البنت الاولى من زوجها السمسار المتوفي، وعلى أساس هذه المصلحة يبني الزوجان حلمهما ، وبأنجذاب كل منهما الى تصوره دون الاهتمام بحلم الآخر ،والتبادل في مخاطبته بين الماضي والحاضر .فأذا كان الزوج في بداية الحلم يخاطب الحاضر ، والزوجة تخاطبه في الماضي ، ففي نهايته ينقلب هذا الامر معكوسا.
ويتأرجح التعبير عن هذا الحلم بين الرمزية والمباشرة من جهة ، والمقاربة بين الحلمين من جهة اخرى ،أو بين محتوياتهما ، والصفات المشتركة بينهما .
واذا كانت بدايات الحلم تشرع بالرمزية كما في الجملة الرامزة الى حدوث مشكلة ما عن طريق الرياح الساكنة وسقوط بعض ثمار البرتقال بالأيحاء الى اختفاء الزوجة بدون سبب، وعدم وجود ما يبرركدر حياة الزوجين ، فان وسطه ونهايته تجنح نحو المباشرة من خلال التأكيد على سقوط بنت الزوجة من رحمها في شهرها الرابع وتجري هذه المقاربة من خلال التقابل بين حلم الزوج والزوجة في سقوط أربع ثمرات من البرتقال ، حيال سقوط البنت في شهرها الرابع ، أو تحرك الجنين في بطن الأم ، أزاء تحرك أغصان الشجرة .
مثلما أتخذ المؤلف من الحلم نهجا لطريقة التقابل ، بهدف ابراز حب الزوج للشجرة ، وحب الزوجة لبنتها ، كذلك فقد اتخذ نفس الطريقة في رؤية الزوج للسحلية كل يوم وعدم رؤية الخادمة لها ما يدل ان السحلية موجودة في ذهنه المريض فقط ، وان هذه السحلية هي زوجته ، او هكذا يراها بالاضافة الى ربط الزوج سر اختفاء الزوجة بسر اختفاء السحلية ، وربط مدة زواجهما بنفس مدة تواجد السحلية في الحديقة ، ووصف الزوج للسحلية ومغازلتها ، كما لو كان يغازل زوجته ،وظهور السحلية بظهور زوجته ،وموت السحلية بأختفاء جثة الزوجة.
واستخدم المفردة الثانية المتمثلة ب (التكرار) عبر التركيز على كلمتين وترديدهما من قبل الشخصيات على امتداد المسرحية ، وهما (القتل)و(العبث) بالاضافة الى الانشودة الشعبية التي يرددها الاطفال (يا طالع الشجرة) الخالية من أي معنى ، فقد جاءت كلمة القتل في المسرحية (95)مرة موزعة بين (63)مرة في الفصل الأول و (32)مرة في الفصل الثاني ،إن كلمة (العبث) جاءت في الفصل الثاني فقط (13)مرة ،أما الانشودة الشعبية فقد تكررت (5)مرات وأذا أمعنا بدقة في كلمتي (القتل والعبث) لوجدنا أنهما وظفا أجمل توظيف، باتجاه التعبير عن فلسفة الفكر المعاصر (اللامعقول) المتمثل بقتل الزوج زوجته لأتفه الاسباب، مقابل الانشودة الشعبية، التي تحمل بين ثناياها جزءاً من بذور هذا العصر المجنون.
وان كانت عملية القتل تأتي هنا بشكل مجازي، ذلك ان الزوج يعمل بزوجته أكثر من القتل، عندما يمسخها، ويحولها الى سحلية ، فقد استطاع المؤلف، عبر إيجاد ثلاثة مسوغات لقتل الزوجة وهي الخيانة والطمع وعدم اتفاق الطباع وهي واردة الأحتمال وقابلة للنقاش تمرير هذه العملية بمسوغ غير منطقي ولامعقول وهنا يكمن الجانب الفني وأهمية النص لتتم عملية القتل بشكل غير مقصود وعبثي من خلال إصرار الزوج على مكان اختفاء الزوجة حيث توجد فلسفة العصر في الزوج وفلسفة الشجرة في الزوجة ذلك انها تنتج ولاتسال... تنتج زهراً لا تشمه وزهراً لا تاكله، أما هو فلأنه ليس شجرة، فسيقتل زوجته ...
الزوج: لكن سيدنا الشيخ انني قتلت بسبب الفلسفة.
الدرويش: فلسفة العصر.
الزوج: (للمحقق) أسمعت هاهو يكررها .
الدرويش: فلسفة العصر موجودة فيك ..و فلسفة شجرة موجودة فيها (اي في زوجته).
ووظفت الاغنية الشعبية في مراتها الخمس المتكررة لحلم الزوج بالشجرة في المرة الاولى لوثوقه بنموها العظيم ، وفي المرة الثانية في تعداده للاشجار التي كانت تهرب من القطار والثالثة في تأمله لها من نافذة القطار ، والرابعة طالبا من حياته هذه الانشودة ، والخامسة بعد اختفاء جثة الزوجة ، وموت السحلية ،والحالتان الاخيرتان تدخلان أيضا ضمن سياق الحلم ، اذ رغم عدم الاشارة اليه بشكل مباشر و غير مباشر ،فأنهما في محتواهما يعبران عن هذا المعنى ،و غالبا ما تقترن هذه الاغنية بصفير القطار وجرس محطاتها و جلبة الركاب، او تجري مراسم احتفالاتها المعروفة ب حفلة (سبوع) داخل القطار ،وان دل هذا الربط على شيء فأنما يدل على ان الحياة رغم عبثيتها فهي في تواصل وعطاء دائمين .
1-الزوج:لكي تنمو الثمار نموا عظيما لا بد من تسميد الشجرة...
(جرس المحطات، وجلبة الركاب,..وضجيج القطار..)
2-المساعد:كنت تعد الشجر الذي يهرب من القطار...
(صوت الصبيان من بعد :يا طالع الشجرة هات لي معاك بقرة ....
3-المفتش:يجلس على الكرسي ,وينظر من نافذة القطار و ينشد
... ياطالع الشجرة ...هات لي بقرة...
4-المفتش/ هل تعرف ماذا اطلب من حياتي؟
(ينشد..ياطالع الشجرة)
5-الدرويش:مالها الشيخة خضرة؟
الزوج:ميتة..وملقاة في الحفرة
(برجلاتك ..برجلاتك ويعقبها صوت القطار وصفيرة ونشيد الرحلة المدرسية ..ياطالع الشجرة . إن تاثيرات برانديللو في تقنيته المسرحية المعروفة (تمثيل داخل تمثيل) ، واشاعة الفكر النسبي ،جلية في هذا النص، موظفا الاول مرة واحدة والثاني مرتين .واستخدام المؤلف هذه التقنية تصعيد للحلم المبثوث في الفصل الاول من المسرحية باللجوءالى الفلاش باك لابراز الزوج بدور المفتش،عندما يظهر ورائه المصلحي ، حيث يبدوظهره فقط ، اما صوته فهو نفس الصوت ينبعث من المكانين المختلفين والنسبية لغرض تبيان عدم علو صوت على صوت اخر، وقابلية طرحه على مائدة الحوار لاحتواءه على قدر من الصواب ،مقابل قدر من الخطأ ، وعدم صحته بشكل مطلق مجسدا اياه في الحوارات الدائرة بين الدرويش والمفتش من جهة وبين الزوجة والمحقق من جهة ثانية ، وذلك من خلال التبدل الحاصل في ذهنية المفتش ازاء شخصية درويش من شخص متهم الى شخص مبارك:الدرويش : وماذا سيصنع بي ناظرها
المفتش : يسلمك للبوليس(1)
والتبدل الحاصل في ذهنية المحقق إزاء الزوجة باعترافات الزوج
الدرويش: الاتيان بتذاكر قطار ك هذا هو من ابسط الامور
المفتش:انت رجل مبارك (2)
من قتله ودفنه لزوجته الى انه لم يعترف بذلك
الزوجة :أعترف بماذا؟
المحقق: بانه قتلكِ ودفنكِ تحت هذه الشجرة (1)
الزوجة لم تفهم اذن جيدا مايقول
المحقق :يجوز
الزوجة :اذن هو لم يقل شيءا عن القتل والدفن ؟
المحقق:يجوز
مامن شيء يركن الى العقل في هذه المسرحية، كل شي فيها غير عقلاني وعابث بما فيها شخصياتها الست وحوادثها، والشيء العقلاني الوحيد فيها هو القطار الرامز الى الحياة الذي يسير بدون كلل اوملل ، والركاب الذين يصعدون وينزلون منه ، هم الذين فقط سأموا في توقفه وانطلاقه في المحطات اي من الحياة التي يعيشونها ، فالزوج الذي يرمز الى الرجل الشرقي عمل لاربعين سنة في محطة القطار .وسط جلبة الركاب، وضجيج صفيرالقطاريتوق الان وبعد تقاعده من العمل العيش في مكان هادئ، وتحقق له ذلك عقب زواجه، ولكن طموحه اكثر من هذا .خاصة بعد لقاءه بالدرويش الذي اخبره ان الشجرة الموجودة في حديقة منزله تمنح في كل موسم من مواسم السنة نوعا من الثمار.
وبالرغم من ان الزوج (مفتش القطار سابقا) هوا الوحيد بين الركاب الذي لايعرف القلق والاضطراب لتاخر القطار او وصوله .لان لاهدف له في الحياة ،اذا بالرغم من ذلك ينزعج من جرس المحطة وصفير القطار . والجمع بين هاتين الصفتين الانزعاج ، وعدم القلق الرامزان الى العزلة واللا مبالاة ، هما اللتان تقودانه الى العبثية ، من خلال الزواج بارملة توفر له الراحة والهدوء بمنزلها الذي يوجد في حديقته شجرة واحدة فقط ولكن هذه بدلا من ان تسعده وتوفر له الراحة خلقت له مشكله كبيرة وهي تسميد الشجرة بجثة اكبر من جثة السحلية كجثة الانسان مثلا لكي تنمو ثمارها نموا عظيما.
الزوج تريد ان تقول ان حياة امرأتي كانت بلا معنى
الدرويش: معنى كل كائن داخل كيان ذاته ،لاداخل راسك انت .
الزوج: ولكنها عندي بلامعنى الا عندما اقدمها الان غذاء للشجرة وتنموبها الشجرة نموها العظيم وتنتج ثمرها العجيب..
لذلك فقد حولها او مسخها الى سحلية .لكي تستطيع ان تحفر تحت الشجرة وتغذيها ، ولكن لان السحلية صغيرة الحجم والشجرة كبيرة وهو يريد ان تنمو ثمارها نموا عظيما ، والسحلية عاجزة عن القيام بهذه الوظيف ، فقد اعاد زوجته الى اصلها ثانية ليقتلها ويدفنها بحجم اكبر تحت الشجرة طبعا .ان النص يخلو من التحليل الذي ذهبت اليه في الاسطر الاربعة الاخيرة ولكن مجريات الاحداث تدعوني الى مثل هذا التأويل ، وها هي الزوجة للمحقق تقول .اني واثقة... بل اني مستعدة لان ارى كل ما تراه ..كل ماكنت تراه انت وزوجي ..كان القطار هناك....
الم يكن القطار يمرمن هذه الناحية..؟
(تشير الى مكان القطار) .......
وهذا الحوار يشير بوضوح الى ان السحلية (الزوجة) عندما اختفت لثلاثة أيام كانت قد اختفت تحت الشجرة
واذا كان الزوج قد آثر الزواج على العزوبة هربا من حياة الفوضى في محطة القطار وطلبا للراحة والهدوء في مسكن فيه حديقة .فان الزوجة قد آثرته على الترمل هربا من العزلة واملا بانجاب بنت مع علمها باستحالة حدوثه وبين هذين الحلمين غير القابلين للتحقيق تكمن عبثية الزوجة ، وهذه العبثية افضت بالزوجين ان يعيش كل واحد منهما حياته الخاصة دون ان يأبه بتوجهات شريكه ويتفرغ الى احلامه، الزوج بشجرته، والزوجة ببنتها.
والدرويش النازل من الهواء ولاينتمي الى كوكب الارض ،هوالاخر عبثي .لانه هو الذي اهدى الرجل الى طبيعة الشجرة الخرافية .ودفعه الى قتل زوجته ليقدمها غذاء شهيا للشجرة.
الدرويش : انها ليست عبثا مادمت ستقدمها غذاء شهيا لشجرتك.
كما ان الشجرة هي الاخرى كذلك .تعيش حياة عبثية كالزوج والزوجة والدرويش.
الدرويش : انها تاتي بزهر لاتشمه وبألوان هي لاتشاهدها وبثمر هي لاتاكله .. ومع ذلك تكرر هذا العمل العابث كل عام.
ان عنوان المسرحية (ياطالع الشجرة)يكسبها معنيان ،الاول بمعنى( فوق الشجرة) والثاني بمعنى ( حظها) ، مقرونا العنوان الاول بالانشودة الشعبية: ياطالع الشجرة هات لي بقرة، التي لامعنى والثاني ارتباطا بعبث حياة الشجرة التي تعطي اربعة انواع من الثمار ، اذ بقدر مالاتستطيع شجرة الانشودة الشعبية التي يرددها الاطفال ان تنتج بقرة، بنفس القدر لاتستطيع شجرة البرتقال المعاصرة ان تنتج اربعة انواع من الثمار .
تتكرر مفردة ( المكان ) عشرين مرة في المسرحية ، لان المكان أهم مافي المسرحية ، وعدم الاعلان عنه في حادث اختفاء الزوجة,لجعله مفتوحا على كافة الخيارات ..
واحداث المسرحية تجري في ثلاثة أماكن ، وهي المنزل والقطار والشجرة الوحيدة الموجودة في الحديقة( فوقها وتحتها) وتسير على نفس النهج في نسج حبكتها المبنية على اساس التقابل في بلورة معالم وابعاد المكان,بوضع المنزل حيال القطار,حيث يسود الاول الاستقرار، والثاني الحركة، والشجرة الاسفل مقابل الاعلى اذ البقرة في الاعلى ، والسحلية في الاسفل، وكذلك في المنزل عدم الانجاب والعزلة ،وفي القطاربعض من الامل المستمد من الدرويش اذ في الاعلى ماهو غير معقول ، لان البقرة تدر الحليب، وفي الاسفل نفس الشيء ماهو غير معقول تتغذى الشجرة على سماد السحلية....

2-شهرزاد:
كتب توفيق الحكيم هذه المسرحية عام 1934 وهي رابع مسرحية له بعد مسرحية (رصاصة في القلب ) عام 1926 و (ألخروج من الجنة ) عام 1928 و (أهل ألكهف ) 1933، وقبل مسرحية (براكسا) أو (مشكلة الحكم )ألمكتوبة عام 1939.
وتتكون من سبعة مناظر وثماني شخصيات هي: الساحر، الجارية، الوزير (ألقمر) العبد، الجلاد، أبو ميسور (صاحب الخان )، شهريارو شهرزاد .
وهي إن بدت من خلال شخصيتيها الرئيسيتين (شهرياروشهرزاد) مستمدة من (ألف ليلة وليلة) ألا أن أحداثها لا علاقة لها بهذه القصص، إلا بقدر خيانة الزوجة الاولى لشهريار مع العبد، حيث يستفيد ألمؤلف من هذا ألحدث ،موظفا اياه بأتجاه التغير في حياة شهريار من إغتصاب العذارى وسفك أرواحهن الى السعي للبحث عن معرفة الحقيقة والاطلاع على خفايا هذا العالم الغامضة .
يدور المنظر الاول في منزل منفرد يقع على طريق مقفر، والمنظر الثاني في قصر الملكة، والثالث والخامس في بهو الملك، والرابع في بيداء ساعة ألغروب، والسادس في خان أبي ميسور، والسابع في خدر شهرزاد.
ولو تأملنا المنظر الاول و الثاني والثالث والخامس والسابع من وجهة نظر واحدة ، بأعتبار أن أحداث المناظر الخمسة تدور في نفس المكان،أو مكانين متشابهين،أما في قصر الملكة أو قصر الملك والمنظر الرابع والسادس من وجهة نظر أخرى لنفس الاعتبار، وعلى اساس ان احداث هذين المنظرين مثل المناظر الخمسة، تدور في مكانين متشابهين أيضا، لوجدنا أن الجو ألعام لهذه المناظر يشبه الى حد كبير أجواء مسرحيات شكسبير، تحديدا مسرحيتيه الملك ليروهاملت، الاول من حيث خيانة بنات ألملك لوالدهم مقابل خيانة شهرزاد لشهريار، بالأضافة الى هجرة شهريار من المدينة مع وزيره الى مكان ناء و موبوء ،مقابل هجرة الملك لير مع صعلوكه (بهلول) الى الصحراء ، حيث يعيشان لحظات مرعبة وسط العاصفة ،مثلما يمر شهريار ووزيره في هذه اللحظات، وهما يستمعان في خان أبي ميسور الى السر الذي يبوح به الجلاد عن خيانة شهرزاد ،وبالتالي ورود مفردة (المجنون ) في هذا المنظر وهو المنظر السادس أكثر من أربع مرات ،تشبها بجنون ألملك لير.
أما بالنسبة للثاني من حيث أرتيابه و قلقه وتردده الشبيه بنزعات هاملت هذه، وعدم أقدامه على فعل شيء،ماعدا التأمل للخروج من هذه المحنة.
يستقي الحكيم الليلة الثانية بعد الألف عن (ألف ليلة وليلة) عندما تكون شهرزاد قد جاءت تماما على نهاية سرد قصتها ،مستهلا احداثها من قمة الأزمة، بالتعويل على نهج أبسن في عدم تطور الحدث بالتدريج ، مثلها مثل نصوص مسرح الاغريق التي كانت تهتم بالأزمة الناتجة عن كسر القوانين ،حيث التحول الناجم في شخصية شهريار من شهواني وقاتل الى الجمع بين المادة والروح، أو العلم والخيال ،قائما بنائها على ثلاثة عناصر هي: التقابل، والغموض، والتكرار، بأ رتكاز الأول على الاستعارة والرمز والثاني على التلميح, والثالث على التراكيب اللغوية المقترنة بالحبكة،وجاء أستخدام هذه العناصر بغية تحقيق هدفين أثنين لثيمة المسرحية الكامنة في معالم وأبعاد شخصيتيها شهرزاد و شهريار،وهما عزوف شهريار عن سفك ارواح العذارى ،وخيانة شهرزاد لزوجها شهريار مع العبد.
والمنظر الاول هو تمهيد للولوج في احداث المناظر الستة الباقية للمسرحية ،وامتداد لما يجري بشكل أوسع و أشمل فيها، وتطبيق لرسم بنائها الفني ، عبر توزيع هذه العناصر بشكل هندسي منتظم على أحداثها .
ويتضح العنصر الاول بشقيه الرمزي والاستعاري من بداية المنظر الاول، والساحر يقود الجارية الى المنزل ، وهو يسألها عن سبب ارتعاد فرائصها،وتجيبه :لست أدري وفي المرة الثانية محذرا اياها الأقتراب من العبد كونه هرما ،فترد عليه : ليس هرما ،والثالثة بنعته بالقبيح ،وقولها:ليس قبيحا.
ويأخذ هذا العنصر مساحة واسعة من هذا المنظر،ويمتد الى الحوارات الجارية بين العبد والجلاد ،والعبد يسأل عن سيف الجلاد الذي يخبره بأنه قد شرب ثمنه احلاما ،أو كقوله لم يعد بعد جلاد الملك.
ان المؤلف لا يطلق حواراته بشكل مجاني ورخيص ،ولا يمنحها للمتلقي بيسر،ليجعله أن يستنبط مغزى المستور والمخفي من ورائها ،كما جاء في الحوارات الخمسة ،فبدلا من أن يأتي بجملة على لسان الجارية، مؤداها انها تحب العبد فقد جعل فرائصها ترتعد ،ليعم هذا الحب كل الفتيات والنسوة بما فيهن شهرزاد ،ان لم تكن هي القصد تحديدا ولا يكتفي بهذا الرد وانما يعزز حضها في جملتين أخريين وهما ليس هرما وليس قبيحا،لتعطيا نفس المعنى .
وهذا ما ينطبق ايضا على الجملتين الرابعة والخامسة .فأذا كانت الجملة الاولى توميء الى ان الجلاد قد عاد الى انسانيته وترك مهنة الجلاد ، عبر أرتياده الحانات ،فان الجملة الثانية توحي الى أن تغيرا ما قد طرأ على شهريار .
أما العنصر الثاني المتمثل بالغموض ،يبدأ من جملة (كلا ليس حب شهرزاد ) هو الذي يصرف الملك الآن عن ذبح العذارى ،مرورآ ب حديث الوحي مع الجلاد بشيء أحمر ،والملك يجرؤ على كل شيء الا مس وزيره بسوء وانتهاء بجملة قصور عقل الوزير بما تفعل شهرزاد بترك الملك الذهاب الى منزل الساحر لإزهاق روح.
وقبل نهاية المنظر الثاني بثلاث صفحات يكشف المؤلف عن سر انصراف الملك عن ذبح العذارى ,وهو انجذابه للمعرفة.
1) شهريار:اني براء من الآدمية براء من القلب .لا أريد أن اشعر أريد أن أعرف .
2) شهريار: نعم أحس بالتعب .لن يهدأ عقلي حتى أعلم .
ولكن انصراف الملك عن ذبح العذارى لا يخلو من الغموض لأن الملك لم ينصرف عن ذبحهن بدليل أنه في زيارته لمنزل الساحر يزهق روح زاهدة المجنونة ،بالاضافة الى آدمي بوضعه في دن مملوء بدهن السمسم أربعين يومآ .
ولعل قلق الوزير من ترك شهرزاد الملك بالذهاب الى منزل الساحر في الوقت الذي تحتفل فيه العذارى بعيدهن،حيث يحتفي هذا العيد تقديسآ لسر شهرزاد الذي حقن دمائهن ،يأتي هذا القلق نتيجة التجاء شهريار الى السحرة والكهان ،لذلك فأن التحول البادي في شخصية شهريار من رجل همجي الى عالم ،شأنه شأن انصرافه عن ذبح العذارى، يتسم بقدر من الغموض أما حديث الوحي مع الجلاد بشيء أحمر فيقابله شيء أسود ،وكلا اللونين يرمزان الى القتل ،وهو تلميح يأتي في بداية المسرحية وينفذ في نهايتها ،وبدلا من أن يقضي شهريار على زوجته والعبد .ينتحر وزيره .
1-الجلاد: ان وحيا يحدثني بشيء أحمر.
العبد:(مازحا) بل هو أسود...
2-شهرزاد: لماذا تنظر الى الستار ؟
شهريار: الأسود؟
شهرزاد نعم الأسود !
3-العبد سيف الجلاد أطاح برأسه عن جسده بسيف الجلاد ،أذ أبصرني خارجآ عن الحجرة .
شهريار:قمر مات ..؟!
ويأتي عدم جرأة شهريار مس وزيره بسوء ،لمعرفته تمام المعرفة بأنجذاب شهرزاد والوزير الى بعضهما البعض ،وانجذابه في الوقت نفسه الى كليهما،وانجذابهما اليه ايضا ،وها هو الوزير يقر بسرقة الفاظه وكثير من افكاره .
والانجذابات الثلاثة تغلفها الغموض أيضآ ،ذلك ان شهرزاد تحتال في انجذابها الى شهريار بالدرجة الاولى لتحيا ،والوزير لطيبته ،والعبد وان جاء تصويره بعيدا عن الفحولة ،الا ان شهرزاد تحتال عليه، لتختبر مدى قدرتها على أعادة شهريار الى الأرض .
تتكرر كلمتا (الاهة والطفل )ثلاث عشرة مرة ،اذ تتكرر الاولى خمس مرات والثانية ثماني . وبقدر ما تمتد صلة وشيجة بين هذين الكلمتين بنفس القدر يتنافران عن بعضهما الآخر ،واذا كان الهدف من تكرار الكلمة الاولى ،أبراز الحقد الدفين في دواخل شهريار أزاء العذارى لسفك ارواحهن ،فأن تكرار الكلمة الثانية تأتي بعكس معنى الكلمة الاولى ،وهو تحريره من هذا الحقد ،بلوغآ درجة عدم أباليته حتى بخيانة زوجته .
ولا تتوقف العلاقة بين هاتين الكلمتين في حدود المغزى الهادف لهما وانما يتجاوزه الى رسم اطار المسرحية وبناء معماريتها الفنية من خلال استخدام نفس المفردات أو شبيهة لمعناها في المشاهد المكرسة لكلا الكلمتين ،كلون الستارة ،ووجه الرداء،اللون الأسود ،واللون الأحمر ،ونحيب البوم ،وضيق المكان، ولون الظلام ،وذلك بهدف توظيف هذه المفردات الى ماتؤول اليه شخصية الوزير في النهاية الى الانتحار، جراء عدم اقدام شهريار على الانتقام من العبد وشهرزاد ،واظهار الحب الذي يكنه الوزير لها،وخيانته له أيضا،وليس لزوجها فحسب.
تنبعث الأهة للمرة الاولى والثانية من نافذة الدار،ولا يذكر المؤلف ممن أنبعثت ،الا ان الآهة الاولى توحي قد أنبعثت من العذراء،لمجيء الوحي بشيء أحمر الى الجلاد الدال الى عملية القتل ،وللعبد بشيء أسود الدال الى الموت،حيث في نهاية هذا المنظر وهو المنظر الاول تساق زاهدة المجنونة الى مقصلة الموت ، اذ في حوارها مع العبد تقول: (ان طاف بك في الظلام غمام أخضر فأذكر زاهدة المجنونة) .
وفي نهاية المنظر بدون أن يذكر المؤلف بأن العذراء تساق الى حتفها يفهم المتلقي من خلال الحوارات الدائرة بين العبد والجلاد ،واستخدامهما لثلاث كلمات ، بأن العذراء في طريقها للقاء مصيرها ،وهذه الكلمات هي :الوجل ،والظلام،والرجفة، بالاضافة الى الجملة الأخيرة التي تأتي على لسان الجلاد وهو يقول : (فلنترك هذا المكان).
اما الآهة الثانية فهي توحي الى انها قد انبعثت من شهريار وشهرزاد على حد سواء،من شهرزاد لاشتياقها اللقاء بالعبد،وهي تراه وترى بريق عينيه من شرفة منزلها،وشهريار لأنه مصاب بخبل ويطيل النظر في السماء كعباد النجوم.
(من شهرزاد)
العبد: (يجفل) من هذا؟
الصوت: (من النافذة) انسان يراك ويرى بريق عينيك
العبد: أو يعرفني؟
الصوت:ويعرف انك جئت قبل ميعادك شوقا الى ضوء الشمس.
(من شهريار)
الجلاد: الملك مصاب بخبل.
العبد: من حبها؟
الجلاد:بل بخبل حقيقي.
العبد: ارى شبحا جامدآ كأنه عمود بناء
الجلاد: ذلك هو ..
العبد: (يتأمل ببصره) وما باله يطيل النظر في السماء كعباد النجوم؟
وفي الآهة الثالثة يتبين ان الآهتين السالفتين قد انبعثتا من العذراء وليس من شهرزاد و شهريار، وذلك من خلال قول العبد
العذراء: لماذا ترددين هذا الصوت النكر؟
بالأيحاء الى ذكر زاهدة المجنونة أي سفك روحها على يد شهريار.
ولجوء المؤلف الى استخدام اسلوب التمويه على المتلقي ليس جديدآ، اذ سبق وأن استخدمه في مسرحية(يا طالع الشجرة) وقوعآ تحت تأثيرات النظرية النسبية التي يوظفها برانديللو في مسرحياته وقصصه.
وتنبعث الآهة الرابعة من العذراء ،وان كان المؤلف يبعثها من (الصوت) وهي آهة تشير الى نهاية زاهدة المجنونة (العذراء).
والآهة الخامسة من شهريار،وتأتي بفعل القلق الذي يعيشه ،وعدم فهمه للانقلاب الحاصل في حياته وتحوله من مجرم حقيقي الى انسان عبثي.
شهرزاد:ما أبعدك عن قمر الذي يرى الحياة رحبة والطبيعة جميلة.
شهريار: (يلفظ آهة) أني أضيق ذرعا بهذا المكان!
شهرزاد:بي؟
شهريار:بهذا الجثمان..الجثمان خلق المكان .
شهرزاد:ما اشق حياتك الان ..الا تهون عليك قليلا؟
شهريار:فات الآوان..
تتردد( كلمة الطفل)خمس مرات على لسان شهرزاد ومرتين على لسان شهريار ومرة واحدة على لسان العذراء ( الصوت) . وتاتي في المرة الاولى على لسان شهرزاد ردا على شعور شهريار بلوغه اوج العقل والمعرفة، وعلى هذا الاساس فهو كل شي وهي لاشيء وذلك اثر تغيره من قتل اللهو الى قتل المعرفة . فترد عليه بهذه الجملة ( كنت احسبك قد جاوزت طور الطفولة).
مذكرة اياه بهذه الطفولة ازهاق ارواح العذارى بيوم عيدهن ، في اشارة الى راس زاهدة المقطوع وماحل بساكن د ن الدهن .وفي المرة الثانية تاتي استجابة للتخفيف عن قلق شهريار وارتيابه بحبها لها ، وصولا الى عدم تصديقه في كونه زوجها، لذلك تتعامل معه بشكل عذب ورقيق ، وتخاطبه قائلة نم .. نم.. أيها الطفل الذي اتعبه اللعب .
وفي المرة الثالثة والرابعة ردا على شهريار في نعت الوزير بالطفل ، او مازال طفلا ، بأنه هو الطفل اي شهريار .
هكذا ... شهرزاد :الطفل انت ياشهريار .
والخامسة ردا على شهريار في عدم فهمه للغة العواطف ، شهرزاد:على الرغم من كل هذا فان بينك وبين الطفولة خطوة.
والسادسة وردا على العبد لعدم معرفته كيف يقتل عبدا ، في قولها:نعم لكن الرجل طفل .
وتاتي في المرة الاولى على لسان شهريار جملة ( قمر مازال طفلا) ردا على قول شهرزاد قمر رجل .
وفي المرة الثانية ردا على الوزير في انه ينظر الى الملكة كما ينظر المجوس الى ضوء النار ، بهذه الجملة : هدئ من روعك ايها الطفل . كما وتاتي جملة ( مازال الرجل طفلا ) اي شهريار ، تأتي على لسان العذراء مخاطبة العبد لتصرفه عن انظار شهريار لانه اذا رآه او رآى أي شخص اسود لايتوانى في قتله.
وعنصر الغموض بوجهه التلميحي ، اذا كان قد برز في اغلب المناظر بشكل او بآخر فانه قد تميز في المنظر الخامس ، وذلك من خلال انجذاب شهرزاد الى العبد ووضع خطة لقتله . وبالمقابل ارتياب العبد بهذا الانجذاب وايماءه الى هذه الخطة .وهي من جهة تخاطبه بكلمة حبيبي ولاتريد ان يبقى عليه الملك اذا رآه معها كما ولاتريد عودته حتى لاتشبع منه . وهو من جهة اخرى يخاطبها .بانها سوف تغدر به ويخافها .والوجه التلميحي لهذا الغموض هو امتداد للمنظر الاول تحديدا في الجملة التي يطلقها العبد ( حياتي في خطر؟). وبقصد اختتام الحدث في المنظر السابع ، بالتلميح الى قتل العبد . وطبقا لتصوراته وهذا التناقض لايحدث بين شهرزاد والعبد فقط ، وانما بين شهرزاد وشهريار ، وشهرزاد والوزير ايضا . الاول عبر مخاطبة شهرزاد لشهريار بانه اصبح لايشعر، ورجل هالك . وبينه وبين الطفولة خطوة ، وقائمة طويلة في هذه العبارات والجمل التي توحي بانها تنفر منه . وبالمقابل مايبرهن عكس ذلك اي انها تحبه ، وهذا ماينطبق على شهريار ايضا تجاه شهرزاد . كقوله لها :ما انت الاعقل عظيم ، من جهه . ومن جهة اخرى ايتها الخادعة . وهكذا بالنسبة للوزير ايضا،
الوزير ..لم لاتأ ذنين لي ان اجن ...؟
شهرزاد ..(ضاحكة ) لماذا ...؟
الوزير (في ارتباك ) لاني ...
شهرزاد ( مبتسمة في اغراء ) افهم ماتريد ..
الوزير ( في اضطراب ) كلا .. لست اريد .. هذا ..

شهرزاد.. ( في صوت يجري كالهمس) بلى .
الوزير :لست اريد الا ان اعرف من انت ؟
شهرزاد : انت ايضا ؟
الوزير:نعم
شهرزاد .. كنت احسبك خيرا من ذلك ،
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بالحاح . ترى هل ان شهرزاد اغوت الرجال الثلاثة.من خلال جمال جسدها و عقلها؟
ولعل هذا السوال يقودنا الى سوال اخر هو انها لماذا اختارت هذا الطريق ؟
صحيح ان شهرزاد كانت جميلة . ولكن النص يولي برجحان كفة عقلها . وقائمة بجمل وعبارات تؤكد على ذلك . وان دل هذا على شيء فانما يدل على أنها كانت اذكى من ثلاثتهم . ويبدو لي ان الحكيم يولي لذكاء المراة في معظم مسرحياته مثل هذه الاهمية وتفوقها على الرجل .
وهي اي شهرزاد اذ أستطاعت من خلال ذكائها ، وهو أجابة للسؤال الى الثاني ،ان تنتقم من الرجال الثلاثة كرد فعل لتعاملهم الهمجي مع ابناء جنسها ، تحديدا شهريار والعبد ، عبر الخبل الذي أصاب الأول وهام على وجهه متشردا في البراري ، والثاني الى مصير مجهول ، والوزير مات منتحرا .
ان المنظرين الخامس وبداية السابع حيث تكاد ان تصل فيهما أزمة الحدث الى القمة، هما امتداد للمنظر الاول ، اذ تتضح الصلة الوشيحة بين الشفرات التي جاءت في المنظر الاول وبين شفرات المنظرين الخامس والسابع ، ابتداء من الجملة التي تأتي على لسان العبد في المنظر الاول ( واها لمن حكم عليه السير في الظلام ) ومقارنتها بالجملة الثعلبية التي تأتي على لسان شهرزاد في المنظر الخامس ، ( بل ..انا حبي لك لايحيا ألا في الظلام ) . ومرورا بجملة .. ( حياتي في خطر ) التي يطلقها العبد في المنظر الاول ، ومقارنتها بالجملة التي يطلقها في المنظر الخامس (اني أحس قرب اجلي وانك قاتلتي ) ،وانتهاء بالجملة التي تأتي على لسانه في المنظر السابع :( وتقتلني كما تقتل ثعبان وجد في حنايا جسر) ، واختفائه خلف الستار حيث ينظر اليها ويجفل ، ( في المنظر السابع ) أيضا ، حيث تذكره باللون الاسودالذي رآه في المنظر الاول، وهو يقول :( بل هو اسود وحيك أخطأ اللون ) .
أٌقول ان المنظرين الخامس وبداية السابع وبينهما المنظر السا دس هي المناظر الثلاثة الاخيرة التي تتحكم بخيوط المسرحية وينبني عليها حبكتها ، فأذا كان المنظران الخامس وبداية السا بع يقومان بهذه الوظيفة عن طريق الشفرات الموظفة ، أرتباطا بالمنظر الاول فأن المنظر السادس يقوم بها بشكل مباشر ،من خلال الحوارات الجارية بين الجلاد وابوميسور ، والجلاد يسمع شهريار وقمر على ان (العبد هوالآن عشيق شهرزاد المدلل) .

ولكن هذا لا يعني خلو بقية المناظر من المباشرة ، بقدر مايؤكد تزاوج الاثنين ، الشفرة بشقه الرامز مع المباشر بأنصهارهما في بوتقة فنية غير قابلة للتجزئة ، مكتسبا تلميحات لما يجري لاحقا ، ومثل هذا التزاوج يقع في مكانين من المنظر الاول معبرا الاول ، المتمثل بالآدمي الذي مكث اربعين يوما في دن مملوء بدهن السمسم لايطعمه الساحر بغير التين والجوز حتى وذهب لحمه ومابقي منه الاالعروق وشؤؤن راسه معبرا عن المباشرة والثاني المتمثل بزاهدة المجنونة التي طاف بها العبد في الظلام غمام أخضر،
معبرا عن الرمز ، حيث بتزاوجهما هذا يفضيان الى نفس المعنى وهو القتل وينسحب هذا التزاوج الى بداية المنظر الثاني ايضا، تحديدا في الحوارات الدائرة بين الوزير وشهرزاد ، اذ بالرغم من ان الوزير يبدو مسحورا لشهرزاد، بدليل انه في النهاية ينتحر من اجلها لانها خانته مع العبد . وهي الاخرى منجذبة اليه، الا ان حواراتهما غير مفهومة وتتصف باللمز والغمز. وتأخذ هاتان الصفتان صفحة ونصف الصفحة من بداية هذا المنظر، ويأتيان الى نهايتهما بأغرائه ، حيث تتضح معالم هذه الحوارات ،الا أن هذا الوضوح لا يستمر الا قليلآ ،حتى يحل محله الغموض ثانية وذلك من خلال اعتقاد شهرزاد بان الوزير يكره ان يراه الملك اثناء عودته عندها، حرصآ منه ، لتجنب ارتياب شهريار لهذا الانجذاب ، كما ان شهرزاد في الوقت الذي تحب فيه شهريار ترى ان مافعلته من تغير في حياته لم يأت حبا له ، وانما لتبقى على روحها ، وهذا ماينطبق في خيانتها له مع العبد .

3-مصير الصرصار:
كتب توفيق الحكيم هذه المسرحية عام 1966 أي بعد مسرحية (يا طالع الشجرة) ب أربع سنوات، وبعد مسرحية (شهرزاد) أثنين وثلاثين سنة. وكتب قبلها بسنة مسرحية (شمس النهار) ،وفي نفس العام من كتابة المسرحية التي نحن بصددها ،كتب مسرحية أخرى بعنوان: (الورطة).
تدور حوادثها في بلاط حمام بشقة عادية،وفي صدر هذا البلاط يقوم جدار هائل ،ليس سوى الجدار الخارجي لحوض البانيو ،والوقت ليلا أما في نظر الصراصير فهو نهار.
وتتكون من تسع شخصيات هي :الملك ،الملكة ،الوزير، العالم ، الكاهن ،سامية ،عادل ،الطبيب ،والطباخة.وثلاثة فصول،الفصل ألاول بعنوان: (الصرصار ملكا) والثاني بعنوان:(كفاح الصرصار) والثالث: (مصير الصرصار)حيث العنوان الرئيس للمسرحية .
يبدأ الفصل ألاول في سعي الملك ايقاظ الملكة من نومها،شروعآ للعمل،ألا ان الملكة تأبى أن تستيقظ بذريعة التعب،مع انها ليست نائمة ،وتبدأ الخلافات بينهما حول زينة الملكة ودخولها التواليت ،ظنا منها ان لافرق بينها وبين الملك في شيء،بينما يرى الملك ان الفرق بينهما في طول الشوارب،ويدعوها لكي تصدق أن شواربه أطول من شواربها ان تسأل الوزير والكاهن والعالم ،لاتصال هؤلاء السادة بالبلاط، وعندما تسخر الملكة من كلمة (البلاط) يحاول أن يمنعها من السخرية ،لشعوره بأنها تسعى دائما الى التقليل من قيمته وسلطانه، ويطلب منها أن تكون قدوة حسنة للرعية ،هذه الرعية التي لم ترها الملكة حول الملك طول عمرها،سوى الكاهن والعالم والوزير ،ويبرر الملك،عدم أجتماع جنسه به ،أختلاف طبيعته مع طبيعة النمل الذي يجتمع بالألوف في كل وقت للفارغ والملأن ،وتطلب منه الملكة الا يذكرها بالنمل ،لأنه لا يعرف كيف يحل هذه المشكلة ،وتهديده الدائم لجنسها،وبشكل خاص لها كونها ملكة، وفي مقامها وجمالها وأناقتها ،اذ ترتعد خوفا من أن تنزلق قدمها وتنقلب على ظهرها وهي تسير في كل خطوة ..ذلك اذا ما انقلبت على ظهرها ،فأنها سرعان ما تصبح فريسة لجيوش النمل،ويرى الملك ان الحل الافضل للملكة،تجنبآ لهذه المشكلة،أن تحترس من الانقلاب على ظهرها،كون هذه المشكلة قديمة ولا يستطيع أن يحلها في يوم وليلة،وهنا توعز اليه الملكة بالسكوت وعدم التفاخر بطول شواربه،طارحة عليه هذا السؤال :من الذي جعلك ملكآ؟! والغريب أن يرد عليها بأنه هو الذي جعل نفسه كذلك ،وذلك من خلال أتضاح ان شواربه هي أطول من شوارب كل الصراصير التي قارنت شواربها بشواربه ،وبدون أن يقبلوا التحدي ،أصبح تلقائيآ صاحب جلالة،ولم يقولوا له ماهي اختصاصاته وواجباتهم نحوه ،فقط قالوا مادام اللقب يسره والمنصب يعجبه فليفعل ما يحلو له ..وتركوه وذهب كل منهم الى حال سبيله .
ومثلما موهبته في طول شواربه رشحته لأن يصبح ملكا ،كذلك فأن موهبة الوزير في اهتمامه البالغ بعرض المشكلات المربكة والمجيء بالأخبار المزعجة،رشحته للوزارة ،والكاهن لكلامه الذي لا يفهم الملك معناه ،والعالم لمعلوماته الغريبة عن اشياء لا وجود لها الا في رأسه .وما جعل الملك ان يقربهم منه ،عدم أيجاد غيرهم ،يريد الاقتراب منه،وحاجتهم الى واحد يفضون أليه بسخافاتهم ،وهو في حاجة الى مقربين ينادونه بصاحب الجلالة.
واذا كانت الصفحات العشر الاولى من الفصل الاول ،مكرسة لهشاشة العرش الذي يتبوأ عليه الملك وحاشيته ،وضعفه والسخرية منه ،وبالمقابل أظهار قوة شخصية الملكة،فأن ما تبقى من الصفحات من هذا الفصل والبالغ (32) صفحة ،مكرسة لمحاربة النمل وكيفية القضاء عليه ،وذلك اثر قتل أبن الوزير من قبل مجموعة كبيرة من النمل التي هجمت عليه ،أثناء وقوعه على ظهره ولم يستطع ان ينقلب على وجهه وينهض على أقدامه .اذ يصف الوزير هذه الحادثة بالكارثة القومية ،بينما يجعلها الملك مسألة شخصية حتى لا يشغل نفسه بالحل الحاسم ،وتنبهه زوجته الى ضرورة ايجاد حل لهذه المشكلة ولأن مشكلة النمل ليست جديدة وفق تصورات الملك ،وهذا ما يتفق معه الوزير،أذن لماذا يكلف اليوم هو بحلها ؟ فترد عليه الملكة،لأنه لم يوجد قبله من اعجب بطول شواربه وطالب بأن يكون ملكآ.
وكما أن الملك هو الذي عين نفسه ملكآ،لانه لم يكن له منافس يتحداه على طول شواربه ،كذلك فأن الملك لم يعين الوزير،وانما هو عين نفسه ،لأنه لم يكن له منافس أيضآ ،لذلك فأن الاراء التي يعرضها الوزير على الملك يسخفها مسبقآ ،كما في رأيه هذا الذي يقترح فيه القضاء على النمل بنفس سلاحه وهو مهاجمته لجيوشه الجرارة ،وان عشرين صرصارآ ستقوم بهذه المهمة على أكمل وأتم وجه،ويعترض الملك على هذا المقترح ،لأنه لم يسبق للصرصار ان اجتمع بهذا العدد في طابور واحد،بينما النمل يعرف نظام الطوابير،والصراصير لا تعرف النظام،وعندما يأتي الوزير بأقتراح تعليم وتدريب الصراصير على نظام الطوابير ،ويقتنع الملك بهذا المقترح ،ويسأل الوزير فبعد كم من الاجيال يتم تعليم وتدريب جنس الصراصير على السير في الطوابير ،يتملص الوزير من الاجابة بتبرير أن هذه المعلومات لا تدخل ضمن أختصاصه ويقترح ان يتكلم العالم في هذه التفصيلات لأنها أقرب الى المجال الذي يعمل فيه ،والعالم هو الاخر في البداية يتملص من تقديم حلول لهذه المشكلة باعتبارها مشكلة قديمة وسياسية وليست علمية،ألا انه بعد ذلك يرضخ للامر الواقع،ويقترح بتحشيد عشرة صراصير لمهاجمة النمل ،وعندما يسأله الوزير من يحشدهم يرد عليه العالم :انت ومولانا الملك ..هذه شغلتكم.
ويأتي أقتراح العالم هذا أنطلاقآ من أنه رأى مرة، ومنذ زمن طويل جدآ ..في مطلع شبابه ..بضعة صراصير اجتمعت ليلآ في مطبخ حول قطعة من الطماطم .
وتبرز هنا مشكلة أخرى هي كيفية العثور على قطعة الطماطم؟ تاركآ العالم حلها مرة للمصادفة ومرة أخرى لعدم قدرته على التنبؤ به وهو يحل بذلك مشكلة بمشكلة.وأذا كانت الوسيلة الوحيدة لجمع الصراصير هي الطعام كما يعتقد الملك ،فأن العالم يرى ان اجتماعها لن يقدم ولا يؤخر،لأنها ستأكل وتملأ بطونها ،ثم ينصرف كل منها في طريق.. ويتفق معه الملك على انصرافها هذا،لأنه يتذكر بعد تنصيبه ملكآ أن أجتمع عدة صراصير بالمصادفة على قطعة سكر عثروا عليها،وانتهز هذه الفرصة لالقاء خطبة العرش.فلم يكد يلفظ كلمتين ،وكانوا قد أكلوا وشبعوا،حتى راح كل واحد منهم يلعب بشواربه ثم انصرفوا، تاركين أياه في الهواء.
ويهتدي العالم الى سبب وجود ارتباط وثيق بين أجتماع عدة صراصير في مكان ما ووقوع كوارث من نوع خاص ،الى تحرك جبال ليس بها قمم ولا رؤوس فتدوس الصراصير و تسحقها وفي أحيان أخرى الى انهمار رشاش مطر خانق تبيدهم جميعآ،بعكس النمل الذي يستطيع ان يفعل ما يشاء لضآلة حجمه .
وبينما الملك والملكة والوزير والعالم والكاهن ،منهمكون في هذا الجدل ،يمر موكب النمل وهويحمل أبن الوزير(الصرصار).وتستغل الملكة هذا المشهد الحزين ،وتحث الأربعة الذكور الاشداء ،أي الملك وحاشيته،لأن يهجموا على الموكب ويسحقوه ،وينقذوا من بين أيديه أبن الوزير ،ألا أن الاربعة كل تحت ذريعة،يتملص من القيام بهذه المهمة ،بمن فيهم الوزير والد الضحية،بذريعة انه لا يريد ان يضع البقية في مأزق من أجل أبنه ،واعتقادآ من الملك بان النمل يعرف طرق الحرب لأن عنده وزير حربية متخصص في شؤون وتنظيم الجيش ،بعكس الصراصير التي لاتملك شيئا من هذا القبيل،كما وعندهم ايضا وزير تموين بارع ،والصراصير ليسوا بحاجة لا الى تموين ولا الى وزير تموين لانه لاتوجد عندهم ازمة طعام،ولاحاجة لديهم الى تخطيط وتخزين ذلك أن اقتصادهم كما يقول العالم يسير بالبركة كما ان عند الصراصير ميزة ليست عند النمل هي تحديد النسل وكذلك فهم مخلوقات راقية ويهمهم فوق ذلك المعرفة .بينما النمل بالنسبة للصراصير مخلوق دنيء لأنه لا يعرف الصراصير انه يعرف فقط كيف يأكلهم وليس عنده ادنى فكرة عن حقيقتهم وطبيعتهم ولايدرك انهم مخلوقات مفكرة
وعندما انتهى جدلهم من حيث بدأ أي الى الصفر عاد العالم من جديد الى اكتشافه السابق الذي لم يجد منهم اذنا صاغية وهو وجود بحيرة خلف الحائط المصقول الذي يقفون تحته وهي بحيرة كبيرة لكن الغريب احيانا تخلو من الماء واحيانا تمتليء بالماء ، وهي تمتليء به في وهج الضوء وتخلو منه في الظلام ، والعلاقة بين الضوء والماء هي ان الضوء يساوي الماء ، والظلام يساوي الجفاف ، لذلك فاءن البحيرة جافة ومنظرها جميل جدا وجدرانها ملساء،ويدعوهم الى مشاهدتها ،الا ان الملك فقط يلبي دعوته . حيث تزل قدمه ويسقط في البحيرة التي هي في الحقيقة (بانيو).
تدور احداث الفصل الثاني في حجرة نوم سامية وعادل (الزوجين)ولهذه الحجرة باب صغير يفتح على حمام به حوض كبير (بانيو) وهي مظلمة قليلا الا من فوق ضوء الصباح الذي اخذ يطلع وينتشر ...ويدور الخلاف بينهما حول دخول احدهما قبل الاخر الى الحمام الزوج بحجة حلق لحيته ,والزوجة بحجة الزينة والتواليت وتستطيع الزوجة ان تدخل الحمام قبل زوجها من خلال نحيه عن طريقها ودفعه لما يكاد يقع لولا امساكه بالسرير وتطلب منه ان يسكت ولا يدق على باب الحمام .ويفتح الراديو ويظن انها قالت ان يفتح الحنفية ،معترفا بغلطته ،بعد ان تقول له :اانا مجنونة ان اقول ذلك ؟ويتسائل عن سبب ضعفه امامها ولكنه سرعان ما يتراجع عن اعترافه هذا ،ويرجع السبب الى تدليلها ،لانها امراءة ضعيفة :جنس ضعيف وبعد ان يفتح الراديو على الأخبار ، تطلب منه ان يفتحها على الاغاني والموسيقى،وعندئذ تسمع اغنية (وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا ) التي تطرب عليها ،وتدندنها في الحمام،الامر الذي يدفع الزوج ان يصف نفسه بالدنيا التي تؤخذ غلابا، اي انها تأخذ كل ما هو له،ولا ياخذ هو شيئا مما هي لها ، بالاستيلاء على مرتبه ، وعدم استطاعته لمس مليما من مرتبها ،وكل المدفوعات والنفقات والفواتير والاقساط من جيبه .....و....الخ وترجوه ان يكف عن اضطهادها لثرثرته ،لانها تريد ان تاخذ حمامها في هدوء ،سيما انها قالت له وللمرة الالف ،ان يشغل نفسه بشيء ،كأن يقرأ جريدة،او يخيط ازرار قميصه .وتوعز له بدلا من كلامه الفارغ ان يجهز لهما الفطور ،وان يذهب الى المطبخ ويضع اللبن على النار ،ويدير مفتاح البوتاجاز .وعند هذا الحد يصبح الزوج شخصا غير طبيعي ،باتصاله هاتفيا بصديقه (انت في المعمل؟) وهو يخبره بانه ليس على ما يرام ،ويهذي بجمل وعبارات لامعنى لها ولكنها ترتبط مباشرة بزوجته ،عبر وجود زوجته في الحمام،اذ تاتي هذه الجملة اربع مرات على لسانه.
وبعد ان يناولها المنشفة والبرنس وزجاجة الكولونيا وعلبة البودرا ،وتطلب منه ان يخرج من الحمام ، تغلق الباب عليها وتخطو وهي تدندن نحو الحوض الكبير (البانيو)وما تكاد تنظر داخله حتى تطلق صيحة مشيرة الى داخل الحوض ،لينظر عادل ويقول :هذا صرصار ،وتقترح الزوجة تنظيف الحوض حالا،ولكن قبل ذلك لابد من قتله من قبل الزوج بمبيد الحشرات الذي يعتقد انه سيخرج من تلقاء نفسه ،لان قتله داخل الحوض سيوسخ الحوض ،ولكن الزوجة تعتقد بان الصرصار لايبدو عليه انه سيتمكن من الخروج،بينما الزوج يرى انه (يحاول )سامية :لكنه يتزحلق .عادل :جدران الحوض ملساء . سامية:كلما تسلق عليها انزلق وسقط.عادل:لكنه يحاول دائما.
ولأن الزوج ينوي ان يترك الصرصار داخل الحمام ليحل مشكلته بنفسه والزوجة لاتستطيع ان تاخذ حمامها بوجود الصرصار داخل الحوض ،وهي في عجلة من امرها للدوام في دائرتها ،تضطر الى الخروج من الحمام لاحضار مبيد الحشرات ، لتبيد الصرصار وما ان تهم بالخروج،حتى يبادر الزوج للدخول الى الحمام ويسرع ويغلق الباب،مشيرا الى الصرصار:تسلق ..تسلق..خطوة اخرى ..تشجع ..تشجع...
ويظل الزوج هكذاولفترة طويلة في الحمام،منهمكا في مراقبة الصرصار في الحوض ،وزوجته في الحجرة تضغط عليه لفتح باب الحمام ، وذهابهما الى الشغل سوية ،لانها لاتستطيع ان تذهب بدونه والذي تاخرا عنه ،ولكن بدون جدوى .وفي هذه الاثناء يحضر طبيب الشركة ،لاجراء الفحص الطبي على الزوج ويتبين له انه في صحة جيدة،وياخذ الطبيب معه الى الحمام ليعرض عليه ما بداخله، ويتعرف بنفسه على سلوك الصرصار ،من حيث محاولته الخروج من الحوض،ويمنحه الطبيب ثلاثة ايام اجازة ظنا منه بانه قد تعرض الى الارهاق في عمله، وهو لذلك بحاجة الى راحة تامة واسترخاء كامل.
ويدور الفصل الثالث في نفس المكان،بعد مرور اقل من دقيقة على انتهاء الفصل الثاني ،حيث يعود الطبيب ثانية الى منزل عادل ،بعد ان كان قد غادره ،بما يشبه عدم الرضا،نتيجة قول الزوج له :((ضع نفسك في مركز الصرصار )..عاد طالبا من سامية (الزوجة)ان تسمح له بالحديث معها على انفراد،طارحا عليها بعض الاسئلة التي تتوضح من خلالها ان شخصيته اضعف من شخصيتها ،وانها متسلطة عليه ،وتضطهده،وهذا ما يقوله ويعتقد به ، ليتوصل الطبيب الى ما مفاده،ان الزوج في وعيه الباطن قد مثل نفسه بالصرصار،وهذا هو سر اهتمامه به وعطفه عليه ،لذلك فان علاجه لايكلف اكثر من اقناعه لانه لايوجد اي تشابه بينه وبين الصرصار ،ولكن المفارقة ان الطبيب قبل نهاية المسرحية بقليل لايرى في تصرفات عادل ما يدعو الى الدهشة والاستغراب منها ،لابل ويتمنى ان يكون مثل الصرصار ،بالاحرى هذا ما يشرفه ان يصبح مثل عادل صرصارا ،وتنتهي المسرحية بالجملة التي يطلقها عادل ،الدالة على انه كصرصار سيزيل من الوجود،فاذا كان النمل قد قضى على الصرصار ،فان زوجته ستقضي عليه .
تتحدث المسرحية في الفصل الاول على لسان الصراصير المتكونة من خمس شخصيات هي:الملك،الملكة، الوزير، العالم، الكاهن، يقابله في الفصل الثاني ، نفس العدد من الشخصيات، هي :عادل ، سامية، الدكتور،الخادمة،ورأفت الذي لايظهر على خشبة المسرح.
ومثلما تتقابل صنف المجموعة الاولى التي تمثل الحشرات مع صنف المجموعة الثانية التي تمثل البشر من حيث العدد، كذلك فهما يتقابلان مع بعضهما البعض من حيث معالم وابعاد شخصياتهما ،فالملك يقابله عادل،والملكة تقابلها سامية، والعالم الطبيب،والوزير الخادمة،والكاهن رأفت، الا ان هذا التقابل يتضح بين شخصيتي الملك وعادل من جهة ،والملكة وسامية من جهة اخرى اكثر عن بقية الشخصيات،كالعالم والطبيب والوزير والخادمة ،. متمثلا هذا التقابل بضعف شخصية الملك وعادل،وقوة شخصية الملكة وسامية .ويوازي هذا التقابل تقاطع في تفكير المجموعتين من حيث واقعية تفكير الملكة ازاء حل مشكلة الصرصار ،حيال عدم واقعية سامية في اضطهاد زوجها ،وواقعية تفكير عادل نحو صراع الصرصار من اجل الخروج من الحوض،وعدم واقعية الملك في حل مشكلة الصرصا ر ،كما تجري احداث الفصلين في نفس المكان وهي حجرة النوم ،وفي نفس الزمان وهو الصباح،ونفس الغرض ،وهو العمل، واستيقاظ الملك وعادل من نومهما قبل الملكة وسامية ،وحدوث نفس المشكلة بين المجموعتين، وهي اسبقية الذهاب الى الحمام.
ويمكن ملاحظة هذه التقابلات والتقاطعات من بداية الفصلين والملك يوقظ من نومها الملكة للعمل في الفصل الاول مقابل استيقاظ سامية لعادل للذهاب الى العمل ،وضعف شخصيتي الملك وعادل مقابل قوة شخصية زيجاتهما من خلال وضع الملكة مستواها بنفس مستوى الملك،والسخرية من ارائه ،والرد عليها بعدم انتقاص من سلطانه ،وابعاد سامية لعادل من دخول الحمام لتدخل قبله . وقوله لها:لا لن تدخلي لن اضعف اليوم، ولن اتهاون في حقوقي ....لن استسلم بعد اليوم ...وبالاضافة الى اقراره لنفسه بضعفه امامها .
وتصب واقعية افكار الملكة في اصرارها على حل مشكلة الصرصار ،مقابل تهاون وانهزامية زوجها وحاشيته في ايجاد الحلول الناجعة لهذه الازمة، عبر اتهام زوجها بجعل مشكلة الصرصار مسألة شخصية حتى لايشغل نفسه بالحل الحاسم،وتنبيهه الى حفظ لسانه وان يتكلم معها بأدب ، وعدم تسخيف اراء حاشيته قبل مناقشتها ، وتطلب منه وهي في الحمام ان يسكت والا يزعجها ، ويجهز لها الفطور ، ويضع اللبن على النار، ويناولها البرنس والصابون والليفة وزجاجة كولونيا وعلبة بودرا.......وعادل بتمرده على زوجته ، وقوعا تحت تأثير صراع الصرصار من اجل انقاذ نفسه.
واذا كانت مسألة الاصرار على (كفاح لاامل فيه) في مفهوم توفيق الحكيم ،جوهر التراجيديا، متمثلا هذا الكفاح في صراع الصرصار مع الحوض ،وبانسحابه على شخصية عادل ، بالتمرد على زوجته ، ليتحول في النهاية الى حشرة ممسوخة (صرصار)،فانه قد عبر عن هذا المفهوم من خلال الكوميديا ،وبذلك جاءت ثيمة النص عن طريق التراجيديا ، وجاء بناء معماريته عن طريق الكوميديا ، مولدا هذا التزاوج الكوميديا السوداء.
وهذا العنصر يظهر في الفصل الاول عبر مجيء الملك الى دست الحكم عن طريق تحديه لطول شواربه بشوارب جميع الصراصير ،ولان لم يكن لديها وقت لقياس الشوارب فقد سلمت العرش له فورا ، اما الوزير قد اصبح كذلك، لاهتمامه البالغ بعرض المشكلات المربكة، والمجيء بالاخبار المزعجة . والعالم بمعلوماته الغريبة عن اشياء لاوجود لها الا في رأ سه ، والوزير هو الذي عين نفسه ووافق المللك ، لانه لم يكن له منافس .
كما وتظهرالكوميديا السوداء في نفس هذا الفصل . لحل مشكلة الصراصير ، والقضاء على النمل، بمهاجمة الاولى على الثانية بعشرين صرصارا،ثم ينخفض هذا العدد الى عشرة، وعدم اجتماع الصراصير في طابور لعدم معرفتها النظام و أن تدريبها لايدخل في اختصاص الوزير ، ولا دخل للعالم في مشكلتها ،كونها قديمة وسياسية .
ولان المشكلة الحقيقية هي في كيفية تحشيد بضعة صراصير ،وان العالم راى مرة تجمعها حول قطعة من الطماطة ، فمن هنا جاءت فكرة ايجاد قطعة منها لشنها الهجوم على النمل ولكن يواجه هذا الحل مشكلة اخرى ،وهي صعوبة العثور على قطعة للطماطم ثم حتى وان تم العثور عليها فان اجتماعها حول الطعام بدون جدوى ، لانها ستاكل وتملىء بطونها ، ثم ينصرف كل منها في طريق .
ولكن اغرب هذه العناصر هو في وجود ارتباط وثيق بين اجتماع عدة صراصير في مكان ما ، ووقوع كوارث من نوع خاص ،كحركة الجبال ، وهطول المطر الخانق المبيد . ولعل خوف الصراصير من هذه الكوارث جعلها من قديم الازل تتجنب مثل هذه التجمعات ، ومن هنا نشأ سير كل واحد منها بمفردها في اتجاه مختلف .
وتزداد غرابتها .،كلما توغلنا اكثر في قراءة النص ،وتبلغ درجة اعتبار الصرصار نفسه اكثر رقيا من النمل ، لان عنده ميزة تحديد النسل الذي يفتقر اليه النمل .
واذا ما أعدنا قراءة الحوارات التي شيدت بناء معمارية النص ،لاثارة عنصر الكوميديا السوداء، لوجدنا انها جاءت بقصدية الترميز الى موقف الدول العربية المخزي من قضية فلسطين ،وهي قصدية تنبؤية لاحداث نكسة حزيران عام 1967 أذ يرمز اعتلاء الملك عرش الحكم لطول شواربه .لانه لم يكن لبقية الصراصير وقت لقياس شواربها ،وسلمت العرش له يرمز الى ان رؤساء الدول العربية يتبْوون السلطة عن طريق القوة ،اي الانقلابات العسكرية دون ان يأخذو برأي الشعب، وموافقة الملك على تعيين الوزير لعدم وجود من ينافسه ،اشارة الى ان الوزير هو من جماعة الملك وحزبه في انقلابه هذا،كما ان القضاء على النمل بعشرة او عشرين صرصارا ، هو استهانة بايجاد الحلول الناجعة للمشكلة،وبالتالي بمصير الشعب ، ويدخل ضمن هذا الاطار ، عدم اختصاص الوزير في تدريب الصراصير ، وعلاقة العالم بحل مشكلتها. ويرمز صعوبة ايجاد قطعة من الطماطم الى الحالة الاقتصادية المزرية التي يعيشها الشعب العربي في ظل الحكومات الدكتاتورية، وحتى وان وفرته هذه الحكومات ، فان الشعب لايمنح ثقته بها كاملة ، لمعرفته ان هذا لن يدوم طويلا ، اما وقوع كوارث باجتماع بضعة صراصير، كحركة الجبال ، وهطول الامطار، ترمز الى هزيمة الشعب العربي امام قوة وجبروت عدوه، واعتبار الصرصار نفسه اكثر رقيا من النمل ، لانه يقوم بتحديد النسل ، فالمسالة معكوسة تماما ، فعدوه هو الذي يسير على هذا النهج ، والشعب العربي ولاد بالفطرة ، لذلك فان الرقي يتمثل في عدوه ، والتخلف فيه . واذا كان من تغير ما قد طرأ على شخصيتي عادل والملك، فقد اقترن هذا التغير لتقاطع دوافعهما، مقترنا الاول بدافع الظلم ، والثاني بدافع حب الاستطلاع ، لذلك فقد اتسم دافع عادل بالتمرد على زوجته بعدم الخروج من الحمام ، ومراقبة الصرصار وهو يحتضر ، ودافع الملك بالكفاح الذي لاامل فيه.، اي بارتباط دافع عادل بدافع الصرصار ، وقوعا تحت تاثيره ، وبشكل اوضح ، انتقال الاثنين من حالة الضعف الى القوة ، ومن حالة الدفاع عن النفس الى حالة الهجوم على الاخر ، ولكن لم يحدث هذا التغير بأوانه وجاء في وقت متاخر، ولم تعد كل االحلول تجدي نفعا . وبلغ الياس ذروته ، اي بعد خسارة الشعب العربي حربه مع العدو ، لذلك فلم يعد امام عادل سوى حل واحد وهو انتحال شخصية الصرصار بالاحرى ان يصبح صرصارا ،بينما الصرصار المللك ازيل من الوجود....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني


.. بعد فيديو البصق.. شمس الكويتية ممنوعة من الغناء في العراق




.. صباح العربية | بصوته الرائع.. الفنان الفلسطيني معن رباع يبدع


.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر




.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته