الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-نظرة طائر محلق- على الانتفاضات العربية الراهنة : -من غير عنوان-

محمد عبد الشفيع عيسى

2019 / 4 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


ابتدع كمال الملاخ منذ نحو ستين عاماً عنوانا للصفحة التي كان يحررها على الغلاف الأخير لجريدة "الأهرام"، هو (من غير عنوان) . لست أدرى لماذا اختار هذا عنواناً، أَ هُوَ نوعٌ من محاولة (تجنب الحرج) فى حال اختيار عنوان آخر، أم هو انعكاس ليقينٍ بأن عدم وضع عنوان ما، كافٍ للدلالة على ما قد تحتويه عناوين كثيرة. وأميل إلى التفسير الأخير، فإنّي على سبيل المثال قد حرْت جواباً عن سؤال الحال الراهن فى الوطن العربي، و وجدتنى عاجزاً عن اختيار عنوان له، فأردت أن يكون "من غير عنوان" ..!

والحق أنى كنت تفكّرت فى عنوانات عديدة، فقد جعلت أميل إلى العنوان التالى (دراما عربية ..) قياساً على عنوان الكتاب العمدة القديم نسبياً الذى كان ألّفه الاقتصادى السويدى حائز جائزة نوبل فى علم الاقتصاد ( جونار ميردال): الدراما الآسيوية Asian Drama وكنت أظن أنه من الممكن أن أضع من بعده عنواناً فرعياً مشتقاً من أسماء بعض شرائط السينما الأجنبية – والعربية أيضا: (الوطن العربى فوق سطح صفيح ساخن) ..! فهاهى الأحداث تترى متزامنة فى أقطار عربية عدة، وكأنها على اتفاق، ولكنها تجري بدون اتفاق : السودان ، الجزائر ، ليبيا وكذلك سوريا ، وقد نضيف العراق ، وربما لبنان ..! واليوم نلقي عليها ما هو أقرب إلى "نظرة طائر محلق" ليس غير.

بدأ مسلسل الأحداث "الساخنة" الراهنة فى السودان ثم الجزائر وتم تداول (العدوى) بينهما. و سَرَت عدوى التمرد مؤخراً من الجزائر (إذ نجحت الانتفاضة الشعبية فى فرض استقالة رأس النظام) إلى السودان حيث وصلت الانتفاضة الشعبية إلى ذروتها بفرض عزل رأس النظام أيضا يوم الخميس 11 أبريل 2019. ولمّا تواصلت انتفاضة السودان رفضاً لتولّي "العسكر" زمام السلطة السياسة العليا، إذا بانتفاضة الجزائر تتوجس خشية يوم الجمعة 12 إبريل من موقف الجيش إزاء تطبيق مواد الدستور (المادة 102 أو هي مع المادتين رقميْ 7 ، 8) . وإذا بالبلديْن العربيّين يتبادلان العدوى، وكأنهما فى سباق " تمردي" لم تتبين معالمه لأول وهلة.
ولكنى كنت فكرت فى عنوان أكثر (تفلّتا) من سابقه : (شاطرٌ ومشطورٌ وبينهما طازج) وذلك قصداً إلى المقابلة مع القوْلة التى صارت نوعاً من المثل على الحذلقة اللغوية بمناسبة محاولة ترجمة الكلمة الأجنبية الشائعة (ساندوتيش)..! و لذلك وجدت من الأنسب أن أضيف إلى العنوان (المتفلّت) عنواناً رصيناً تشتمّ منه رائحة الأكاديميا لأقول: (العسكريتاريا مقابل الاسلام السياسي، وبينهما الليبرالي ..) أو أستبدله على هذا النحو. وقصدت من العنوان "الرصين" أن السلطة السياسية فى البلدان العربية طوال مرحلة ما بعد الاستقلال، أو فيما بعد الاستعمار، كما يقولون : Post – Colonialism أخذت تتقاذفها، بالتبادل إلى حد كبير، وبشكل عام جدا وعريض، فئتان أساسيتان، في أغلب الدول العربية، وخاصة النافذة منها(باستثناء بلدان الخليج ولها وضع خاص بمعنى ما): العسكريون أو رجال الجيش أو القوات المسلحة من جانب، وقوى "الإسلام السياسى" على تنوعها من جانب آخر . وأنه فى حالات (الاستراحة ..!) بين الدورتين "العسكريتارية" و "الإسلاموية" يأتى "اللييراليون" الداعون إلى توسيع هوامش الحريات على اختلافها؛ وحين يختلفون يأتى أحد الطرفين السابقين لإعادة الميزان إلى استقامته الأولى، حيث الكفتان المتأرجحتان لكل من: الحكم العسكرى أو "شبه العسكري" أو القائم على عصب عسكري وإن لم يكن عسكرياً بالمعنى المحدد، من جانب أول، و حكم الإسلامويين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، من جانب ثان.
ولكنّي وجدت أن العنوان السابق : (العسكريتاريا مقابل الإسلام السياسى وبينهما الليبرالى) ربما ليس وافياً بالغرض. فأحياناً يكون "الليبرالى" مختلطاً بالمسحة العسكرية، أو هو عسكري و قد أخذ ثوباً ليبرالياً (متخفياً)، بينما هو يتبنّى ما يقال له (أجندة) – جدول أعمال – أبرز بنوده تبنىّ منهج الاقتصاد المفتوح (أو المنفتح من – "الانفتاح") فى جهة أولى ، والتعامل الحر "المفتوح"، لم لا نقول "التبعى" تجاه الغرب عموماً والولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً، في جهة أخرى .

ولما كنت أرى أن نموذج "الليبرالية المتخفية" أو العسكريتاريّة المختلطة بالليبرالية الانفتاحية التابعة، يجد كماله، إلى حدّ بعيد، فى نموذج الرئيس المصرى الأسبق أنور السادات (1971-1981) فلذلك فكرت أن أعدّل العنوان كما يلى : (العسكريتاريا مقابل الإسلام السياسى وبينهما أنور ..!) .. وكدت أميل إلى تعديل الاسم الأخير إلى اسم أكثر شيوعاً أو شهرة ليجرى العنوان فى شقه الأخير (.."وبينهما السادات..!"). ثم أنّي لما رجعت بالبصر إلى تجربتنا العربية ( بما فيها المصرية)، خلال المرحلة من ثورة 23 يوليو 1952 حتى وفاة الرئيس جمال عبد الناصر (28 سبتمبر 1970) وجدت أن مصر خصوصاً، وعديد البلدان العربية المتحررة آنئذ عموماً، قد تبنّت نهجاً اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً قائماً على التوجه ( شبه الاشتراكى ..)- إنْ صحّ التعبير، أو (اليسارى ..) تجاوزاً، في بعض الأحيان – ناحية التنمية والتصنيع والعدالة الاجتماعية والسعى إلى مقاومة اسرائيل والاستقلال عن الغرب وأمريكا، و الصداقة مع القوة الدولية الأخرى (الاتحاد السوفيتى فى ذلك الوقت). ولذلك ارتأيت أنه قد يكون من الأوفق أن أضيف كلمة واحدة إلى العنوان المعدل ليصير هكذا : (العسكريتاريا مقابل الإسلام السياسى وبينهما أنور السادات غالباً ..) أي ليس دائما.. وحينما تعمقت فى الأمر أكثر من ذلك، وأنا بين اليقظة والمنام، فى لحظة من لحظات "الاستيحاء الذهنى من قوة الوعى والوعي الباطن معا، ارتأيت أنْ أطوّر الفكرة السابقة باتجاه استعارة بلاغية من التراث الشعبى للألعاب المسلّية، فوجدتني أقول، أو ألفيْتُني أقول : وجدتها ..! و إذا بكلمتين تلمعان فى خاطري:(عسكر وحرامية).

وهذه لعبة شعبية تراثية قائمة على التعقب والتعاقب بين العسكري والحرامي. ووجدت منطوق اللعبة معقولاً من الناحية المنطقية: ففي بعض الحالات نجد أن العسكرى العربي قد يمتشق الحسام بذريعة تعقب الحرامي، سواء حرامىّ المال من بعض المنتفعين والمتنفّذين، أو "حرامى" السلطة من نفر من رجال الإسلام السياسي، إن صح ذلك. والحرامي "السياسي" من جهته قد يلجأ إلى توسيع دائرة نفوذه (الشعبي) ولو متدثّرا بشعار (يسقط- يسقط- حكم العسكر)..!

وقد يتبادل "العسكر" و "الحرامية" دولاب السلطة السياسية، بينما ينظر "الليبرالى" شذرا من ثقب الباب الواسع، وينظر (الاشتراكى) أو (اليسارى) من نتوء صغير في النافذة ..!. فأين الشعب ..؟ يبرز الشعب إلى واجهة الأحداث حين يطفح الكيل و يبلغ السيل الزّبى، كما يقال، و قد ينتفض" – أو "يثور" – أو "يهبّ" - فتكون من ذلك "انتفاضة" أو "ثورة" أو "هبّة شعبية" – حسب ميول المتحدث أو المفكر. ويكتشف "الشعب" أن لعبة السلطة المثلثة بين "العسكريتاري" و "الإسلاموي" و "الليبرالوي" بصفة أساسية، إنما هي لعبة غير ذات موضوع اجتماعياً ومستقبلياً، فإذا بذلك الشعب أو الجمهور ينطبق عليه ما جال بخاطرى ، على النحو التالى - وإن يكنْ بالتعبير تزيّد وتفلّت وشىء من "السوقية" المستكرهة نخبوياً:( .. إذّ يهتف الجمهور من مقاعد المتفرجين زاعقاً: "سيما أَوَنْطَه .. هاتوا فلوسنا") . هذه صيحة الاحتجاج "الجمهورى" من بلوغ اللعبة "نقطة "التوقف"، وإن شئت فقلْ : الإفلاس، حين تقتصر لعبة السلطة على توزيع المغانم على أطرافها، وتحويل "المغارم" إلى الجمهور فى المقاعد الخلفية للمسرح. وحينها يصرخ الجمهور داعياً إلى استعادة (الفلوس) التي دفعها سلفا، من أصحاب "دار الخيّالة"، نظراً لرداءة (الفيلم) ..!

ولكن التمثيل اللغوى والبيانى للّعبة لا يتوقف عند هذا الحد، إذ تتحول "دار السينما" إلى "مسرح العرائس"؛ وهنا تكون الأنظمة السياسية فى الوطن العربي محاطة بــ (اثنين + واحد). وأما الإثنان فهما: الدولتان-الأمتان التركية والإيرانية. و أما الواحد المترصد على القرب من كوّة غير بعيدة فهو - أو هي – إسرائيل.

أما خلفية المسرح البانورامية فإنها تعجّ بأصابع تحرك العرائس- أو أغلبها - على أرضية المسرح، و هي أصابع "اللاعبين الكبار" يتصدرهم الغرب بالقيادة الأمريكية، وفى مواجهتهم واقفاً يتلمظ كل من "الروسي" و "الصيني" وغيرهما . وبذلك تكون هناك ثلاثة طبقات أو صفوف من "اللاعبين – الفاعلين" على مسرح الأحداث الدراماتيكىّ العربي العتيد: لاعبون فاعلون كبار وخاصة من الجانب الغربى – الأمريكي ، ثم لاعبون متوسطون تتفاوت أدوارهم وأقدارهم، اثنان منهما بمثابة إخوة فى التاريخ والحضارة وهما الترك والفرس، و واحد غاصب دخيل، وهو معروف .

ثم صف ثالث من اللاعبين الفاعلين (الصغار)، أو الأقلّ شأنا إن شئت، وهم اللاعبون الفاعلون العرب الخُلّص : من عسكريتاريا وإسلامويّة، بصفة أساسية، وليبرالوية بصفة فرعية غير بعيدة.. و يسار يتحيّن الفرصة إنْ لاحت، فى حياء وخَفَر.
فكيف نكسر "الحلقة المفرغة" أو "الدائرة الشريرة – الخبيثة"..؟ هذا سؤال الوقت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بدأ العد العكسي لعملية رفح؟ | #التاسعة


.. إيران وإسرائيل .. روسيا تدخل على خط التهدئة | #غرفة_الأخبار




.. فيتو أميركي .. وتنديد وخيبة أمل فلسطينية | #غرفة_الأخبار


.. بعد غلقه بسبب الحرب الإسرائيلية.. مخبز العجور إلى العمل في غ




.. تعرف على أصفهان الإيرانية وأهم مواقعها النووية والعسكرية