الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


برنامج جمعية العهد

سعد سوسه

2019 / 4 / 29
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


منذ اليوم الأول الذي تأسست فيه جمعية العهد وهو يوم الثامن والعشرون من تشرين الأول عام 1913، وضع عزيز علي المصري برنامجاً خاصاً للجمعية ، أملاه على الضباط العراقيين منهم طه الهاشمي ومن ثم كتبه نوري السعيد .
تضمن منهاج جمعية العهد ما يلي:
1-أن جمعية العهد جمعية سرية انشئت في اسطنبول وغايتها السعي للاستقلال الداخلي للبلاد العربية على أن تبقى متحدة مع حكومة اسطنبول ، كما هو الحال في النمسا والمجر.
2- ترى جمعية العهد ضرورة بقاء الخلافة الإسلامية وديعة مقدسة بأيدي عثمانية .
3- تهتم هذه الجمعية بأمر سلامة الاستانة من مطامع الدول الأجنبية أهتماماً كبيراً لاعتقادها أن الاستانة هي رأس الشرق فلا يمكن العيش إذا اقتطعتها الدول الأجنبية والدول الاستعمارية منه.
4- لما كان العثمانيين يؤلفون من 600 سنة الواجهة الأمامية للشرق أمام الغرب فعلى العرب أن يعملوا للحصول على ما يؤهلهم لأن يكونوا القوة الاحتياطية الصالحة لهذه الواجهة.
5- على رجال جمعية العهد أن يبذلوا قصارى جهدهم في كافة المعمورة ويبث الدعوة للتمسك بالأخلاق الفاضلة لأن الأمم لا تحتفظ بكيانها السياسي القومي ما لم تكن مجهزة بالأخلاق الصالحة القومية .
كان برنامج جمعية العهد يهدف إلى تحرير العرب ومنحهم الاستقلال الذاتي والاعتراف باللغة العربية لغة رسمية للبلاد العربية، والاحتفاظ بالإسلام من خلال الاعتراف بالخلافة الإسلامية، كما أسلفنا سابقاً مع التأكيد على الصفات العربية الحميدة التي يجب أن يتمتع بها كل منتسب إلى الجمعية . كان من ضمن منهاج جمعية العهد. أن يكون العلم العربي ذو الألوان الأربعة وهو العلم الثورة العربية التي أعلنها الشريف الحسين في الحجاز عام 1916 بعد استقلال الحجاز، فكانت بأربعة ألوان (الأسود والخضر والأبيض مع مثلث أحمر يتصل بأطراف الألوان الثلاثة. شعارها، كما اتخذت اشارات أخرى للتعارف بين أعضاءها فضلاً عن استعمال الأسماء المستعارة أسلوباً للعمل لكي لا ينكشف من قبل السلطات العثمانية، وكان أبرز القومين المتحمسين محمد رؤوف الغلامي، وثابت عبد النور ومكي الشربيني وأحمد الجليلي وعبد الأحد المائع وحقي آل حنين، وعبد المجيد شوقي البكرى .
تجدر الإشارة إلى أن جمعية العهد قامت بأعمال جليلة على المستويين التنظيمي والفكري فقد كانت تحث الجنود العرب على الهروب من الجيش العثماني والالتحاق بالثورة العربية الكبرى في الحجاز الثورة العربية الكبرى في الحجاز 1916: رفع الشريف حسين علم الثورة في مكة في التاسع من شعبان 1334هـ (10 حزيران 1916) فكان ذلك اليوم يوماً مشهوداً في تاريخ العرب الحديث.
لقد صاغ عبد عزيز المصري أهداف الجمعية في مذكراته على النحو التالي: "إن أهداف جمعية العهد السعي للحصول على استقلال الداخلي للبلاد العربية وكانت تسعى أيضاً استمالة زعماء العثمانيين المعارضين للاتحاديين الذين ينادون بإقامة أمبراطورية على أساس فيدرالي عثماني – عربي لصف جمعية العهد، وكانت هناك فكرة في إنشاء عاصمة عربية جديدة في حلب كونها في الموقع المتوسط بين العرب والعثمانيين"، كانت جمعية العهد تهدف إلى حشد جميع الضباط السوريين والعراقيين في بلادهم حتى يكونوا تحت تصرف الجمعية قوة عسكرية على استعداد كامل للثورة عندما يحين الوقت المناسب .
وقد لخص المصري في قوله ما نصه: "لقد اخترت النظام النمساوي لأنه يشابه إلى حد كبير الخلافة الإسلامية من حيث أنها نظاماً مركزياً من الناحية النظرية ولا مركزياً من الناحية العملية، كما أن الامبراطورية أقرب الدول شبها بالامبراطورية العثمانية من حيث تعدد اللغات والقوميات والأجناس" .
تجدر الإشارة إلى أن المعاصرين لجمعية العهد على أن البرنامج الآنف الذكر، حيث ذكر الباحث توفيق علي برو من خلال كتابه العرب والترك في العهد الدستوري أنه قابل عزيز علي المصري في القاهرة وأنه نفى اقامة نظام كالذي موجود في النمسا – المجر وقد فسر وجود البند وذلك من خلال التعديل الذي أجراه الشرقيين فيما بعد. حيث أكد عزيز علي المصري أن برنامج جمعية العهد هو يشبه برنامج الجمعيات اللامركزية التي ألفها العرب.
وأن المادة الثانية عبارة عن شرط أن يسيروا على نظام العائلة الانكليزية أي حكم الأمة والبرلمان ، وأن جمعيته كانت تهدف إلى إدخال جميع العناصر التي كانت خاضعة للدولة العثمانية ولكن يبدو أن أعضاء الجمعية اقتصروها على العرب والعثمانيين . وأكد أنه قبل رحيله إلى مصر سلم منهاج الجمعية إلى ياسين الهاشمي وأن نصوص المواد قد تكون قد حرفت بعد ذلك .
وذكر محمد عزة دروزة في مقابلة أخرى ( للمصري ) أن ألاعضاء الأصليين في جمعية العهد كانوا من العرب والعثمانيين . كانت جمعية العهد تختار أعضاءها بدقة بالغة، من حيث النضج السياسي وشعوره القومي وإيمانه بعروبيته والعمل من أجلها، وإذا ما وقع الاختيار على شخص معين تتخذ كافة التدابير الأمنية للمحافظة على سرية الإجراءات المتخذة للاجتماع بذلك الشخص .
من الملاحظ أن المادة الأولى من برنامج جمعية العهد كانت تتعلق بسمة الحزب والمادتين الثانية والثالثة هي برنامج الحزب ومناهجه الذي يسير عليه وقد وضع فيه تحقيق الاستقلال العراق وإنماء موارده الاقتصادية وتحسين أمور الإدارة والصحة والجيش والزراعة فضلاً عن إصلاح الأنظمة والقوانين بروح الثقافة المصرية .
وأكد على انماء العلاقات الحسنة مع الدول المجاورة ، وقد حقق نوري السعيد في ربط العلاقات الحسنة مع تركيا وإيران، كذلك حاول ربط العراق بالدول العربية على شكل حلف عربي فألف وفداً عراقياً بزيارة مصر واليمن والسعودية وربطها بعلاقات ثنائية وقد نجح في هذا المضمار على أساس أنها خطوة نحو الاتحاد العربي .
بعد النجاح الذي حققه مؤسسو جمعية العهد واستقطاب العرب من حولهم عقدوا العزم على توسيع نظام الجمعية في جميع أنحاء الوطن العربي وذلك من خلال تأسيس فروع لها في الولايات العربية المهملة، تعمل على إيقاظ الشعور القومي العربي وتشجع العرب على المطالبة في حقوقهم بالحرية والاستقلال .
ونتيجة السرية الشديدة التي كانت عليها الجمعية وخشيتها من الحكومة فإنها جعلت بيوت أعضاءها أماكن لاجتماعاتهم فضلاً عن ذلك كانت تغير تلك الأماكن بين الحين والآخر، حيث كانت بيوت عزيز علي المصري، ونوري السعيد وسليم الجزائري الأماكن المناسبة للاجتماعات وحرصاً على سريتها .
استطاعت جمعية العهد أن تفتح لها فروعاً في حلب ودمشق وبغداد والموصل فقد أصبحت الأخيرة في عام 1913 على أثر تنسيق الجيوش العثمانية بعد حرب البلقان وتشكيل الفيالق للفيلق الثاني .
كان فرع الموصل أنشط الفروع وقد حدثنا الغلامي عن كيفية تأسيس فرع الموصل فقال: "إنه كما قدم إلى الموصل عبد الله الدليمي من الاستانة أواخر عام 1913 وكان من أعضاء جمعية العهد هناك وكان معه ختم الجمعية مما يدل توقيضه لتأليف فرع في الموصل فدعى إلى داره جماعة من خيرة إخوانه من الذين عرفوا بالروح الوطنية منهم: داود الجلبي الجليل، مولود مخلص وشريف الفاروقي العمري وياسين الهاشمي فعقد معهم اجتماعاً تبادلوا خلاله الأفكار والآراء وتطرقوا إلى وجوب تشكيل فرع لجمعية العهد في الموصل" وتجدر الإشارة هنا أنهم اكتفوا كعادتهم في ذكر مساوئ العثمانيين وهضم حقوق العرب واستنهاض الهمم إلى العمل لصالح البلاد وبث الروح القومية العربية بين ضباط الجيش وبين بعض أصدقاءهم من ومن الضباط السورين الموجودين في الموصل يومها .
كان عزيز علي المصري قد وقع اختياره على العراق لتكون القاعدة لنشاط الشباب العراقين في توجه الرأي العام العربي فكان قاعدة لضرب الاتحاديين وقد لعب فرع البصرة للجمعية دوراً مهماً وفعالاً في شحذ الهمم .
أما البلدان العربية الأخرى كالحجاز وطرابلس الغرب وفلسطين واليمن، فكانت الجمعية فيها أعضاء يعملون على بث الروح الوطنية والقومية وفق المنهج المقرر .
ويمكن القول أن العنصر العراقي كان من أكثر العناصر العربية قوة تأثيراً لكونه كان أكثر عدداً في الجيش العثماني فكانت له قوته في مجالس جمعية العهد وفروعها. حيث ذكر عزيز علي المصري بأنهم الأكثر ذكاء وتقدماً بين الأقوام العربية .
أنيطت مهمة فتح فرع جمعية العهد/فرع سوريا إلى طه الهاشمي وذلك لذكائه ونشاطه المتواصل مع نوري السعيد .
وهنا يمكن القول أن ممارسة العمل السياسي من قبل نوري السعيد ومجموعة من الضباط العراقيين جاء متزامناً مع النهضة العراقية التي حصلت بعد الانقلاب في عام 1908 وسيطرة الاتحاديين على الدولة العثمانية وانكارهم للحقوق والحريات الأخرى واتباعهم لأسلوب البطش والارهاب وتحقيق السياسة الإرهابية والعنصرية بحق الشعوب المنظوية تحت سيطرتهم ولا سيما الشعوب والقوميات العربية ونتيجة وكرد فعل ضد هذه السياسة انبرى رجالات العرب ومن بينهم نوري السعيد للوقوف بوجه تلك السياسة في تشكيل وتكوين منظمات وجمعيات سرية وعلنية لإثبات وجودهم القومي. والعمل على ديمومة وصيرورة النضال من أجل تحقيق أهدافهم القومية والعربية .
لم تطالب الجمعية بإقامة دولة عربية تتمتع باستقلال تام وتكون بعيدة عن الدولة العثمانية، لأنها كانت متأثرة بالوحدة الدينية بين العرب والعثمانيين، كما كانت تخشى أطماع الدول الغربية وسيطرتها على مقدرات الشعوب بدل الدولة العثمانية.
أما أهدافها فكانت متقاربة مع ما جاءت به الجمعية القحطانية وتهدف إلى الاستقلال الداخلي للعرب على أن يرتبطو باتحاد كونفدرالي (gonfederation) مع الدولة العثمانية على غرار المملكة النمساوية والمجرية .
تغيرت مجرى الأحداث في بداية عام 1914 حيث وصلت أنباء إلى السلطات العثمانية تشير إلى وجود تكتلات عسكرية حول عزيز علي المصري ومجموعة من الضباط العرب والعراقيين من بينهم نوري السعيد ويتوافدون على منزل عزيز علي المصري لعقد الاجتماعات فيه .
مما أثار مخاوف الاتحاديين الذين أحاطوا منزل المصري وشددوا الرقابة عليه والتي أطلق الاتحاديون عليه لقب (بيت الفكرة العربية في الجيش) .
أدركت السلطات الاتحادية خطورة بقاء عزيز المصري في اسطنبول ورأت أنه من الضروري ابعاده واتخذت قرار بتنحية رئيس أركان حرب لفرقة عسكرية في أنقرة .
اثار هذا القرار مؤسسي وأعضاء جمعية العهد. حيث كان يتوقع أن تمنحه السلطات العثمانية منصباً مرموقاً في الجيش وذلك لجهوده التي بذلها في حرب طرابلس الغرب . أسوة بزملائه في تلك الحرب. حيث حصلوا على مناصب عالية، أمثال أنور باشا الذي أصبح وزير للتريبة في كانون الثاني 1913 . تجدر الإشارة عند نقل المصري إلى أنقرة سوف يمنعه عن مزاولة نشاطه القومي ويكثف اتصاله بأعضاء الجمعية . على أثر ذلك قدم المصري استقالته إلى وزارة الحربية في 20 كانون الثاني من العام 1913. أثارت استقالة عزيز المصري قلقاً شديداً لدى السلطات العثمانية وذلك لأنهم أدركوا أن استقالته سوف تحرره من قيود الوظيفة. وبالتالي سوف تعطيه حرية الحركة وتوسع في النشاط في العمل القومي إلى المطالبين بالإصلاح اللامركزي .
علمت السلطات العثمانية بالتحركات التي تقوم بها جمعية العهد والضباط فحاولوا القضاء عليها من خلال ابعادهم عن العاصمة اسطنبول. واتخذوا مجموعة من القرارات، فبعد أربعة أيام من تقديم المصري استقالته أي يوم 24 كانون الثاني 1913، عقدت حكومة الاتحاديين اجتماعاً خاصاً يقضي الوزارة الحربية، واتخذت أهم القرارات منها:
ابعاد الضباط العرب البالغ عددهم (430) ضابطاً من اسطنبول إلى الأناضول وإلى الأقاليم البعيدة في الأمبراطورية العثمانية وتوليه القيادة إلى الضباط الأتراك . فضلاً عن ذلك قامت بإيلاء الأحزاب العربية وتأليف شعبة سياسية في وزارة الداخلية تشرف وتراقب الشؤون العربية وتدير كافة الخطط اللازمة لمقاومة دعاة الانفصال ومراقبة تحركاتهم .
ويتضح من ذلك عن هذه القرارات التي اتخذتها السلطات الاتحادية بحق الضباط العرب خاصة وقضية ابعادهم عن اسطنبول ما هو إلا دليل على الخطر الذي شعرت به السلطات العثمانية من خطورة الضباط العرب ومطالبتهم بالإصلاح .
وبعد مرور أكثر من اسبوعين، اعتقلت الحكومة العثمانية عزيز المصري في 9 شباط 1914 ، وإحالته إلى المحكمة العسكرية بتهمة باطلة. مفادها أنه أساء التصرف بالمبلغ الذي تسلمه من أنور باشا وقدره ثلاثين ألف ليرة عثمانية . واعتقلت الشرطة السرية عزيز المصري عندما كان خارجاً من بيته .
أثار اعتقال عزيز المصري ومن ثم نفيه مخاوف الشباب العراقيين في الاستانة وفي أواخر نيسان 1914 قرر نوري السعيد أن يهرب مع عبد الله الدملوجي.
وحاول الضابط العراقي يوسف العزاوي أن يثنيه عن عزمه وذلك خشية من بطش الاتحاديين بأفراد جمعية العهد .
أصبح العرب على يقين بالمؤامرة التي كانت تحيط بالعرب وبالأخص بجمعية العهد وعزيز علي المصري ، فقاموا بعدة مظاهرات تطالب بإطلاق سراحه .
وقد أعلن عدد من أعضاء الجمعية باختطاف عزيز علي المصري من السجن، فقد أعلن ثابت عبد النور بأنه مستعد لهذه المهمة رغم خطورة الموقف ثابت عبد النور: (1890-1957) ينتمي إلى أسرة مسيحية الثلاثاء 26/5 في الموصل، درس في بيروت، التحق بكلية الحقوق في اسطنبول، أصبح ضابطاً في الجيش العثماني خلال الحرب العالمية الأولى، اعتنق الدين الإسلامي، شارك في الثورة العربية الكبرى عام 1916، أصبح نائباً في المجلس النيابي عن الموصل عام 1920، شغل عدة مناصب منها الخارجية، الاقتصاد، هاجر إلى مصر بعد خلافه مع نوري السعيد وقضى سنواته الأخيرة هناك .
فعقدوا مندوبوا التجمعات العربية اجتماعاً كبيراً في اسطنبول في دار سلمان فيضي ممثل ولاية البصرة في مجلس المبعوثان والذي حضره نوري السعيد وثابت عبد النور وعبد الله الدملوجي وشقيقه عزيز علي المصري وأحد أقاربه وطرح ثابت فكرة الهروب، إلا أن فكرته لم تلقى الترحيب من قبل الأعضاء المتجمعين، وذلك لخطورة الموقف أولاً وثانياً أنهم أرادوا أن يخرج المصري مرفوع الرأس .
لذا كان قرارهم هو إبلاغ السفارة البريطانية وإنقاذ المصري على اعتبار أن مصر هي محمية بريطانية .
بذل نوري السعيد جهوداً واضحة من أجل إطلاق سراح عزيز علي المصري وظل على اتصال به طوال مدة اعتقاله . كانت هناك سلسلة اجراءات قام بها ضباط العرب أعضاء جمعية العهد، منها إبلاغ السفارات الأجنبية في العاصمة اسطنبول عن اعتقال عزيز علي المصري لكي تقوم بالضغط على حكومة الاتحاديين من أجل إطلاق سراح عزيز المصري .
فضلاً عن ذلك فقد قدم الضباط والقومين العرب في اسطنبول التماساً إلى المفتش الالماني في الجيش العثماني ( ليمان فون ساندرس Leman foon sandres ) طلبوا منه التدخل من أجل إطلاق سراح المصري وقد كلف نوري السعيد باخبار السفارات الأجنبية عن اعتقال المصري .
ويبدو أن لجوء الضباط العرب والقومين والوطنين إلى الدول الأوربية الكبرى تعد من أولى خطوات البحث عن حلفاء خارجين في ظل تفاقم العلاقات العربية – التركية .
من الواضح عن طبيعة المرحلة التي كانت تمر بها الحركة العربية والظروف المحلية السائدة آنذاك وعدم وجود القوة الكافية وصعوبة تنظيم صفوفهم، جعلتهم يكثفون لمحاولة تحقيق هذا الهدف ولا سيما أن الأحداث الحرب العالمية الأولى.
تجدر الإشارة هنا إلى أن تطور الأحداث الدولية يشير إلى أن السلطات البريطانية في مصر قد تكون وراء هذا الهيجان وذلك نكاية منها بالدولة العثمانية، وقد ولد رداً عربياً أزاء ذلك وايدت صحيفة تاميز هذا الموقف كما أن تدخل السفير البريطاني في الاستانة لإنقاذ ضياء عزيز علي المصري . فضلاً عن ذلك تدخل المعتمد البريطاني اللورد كتشنر Kitchener من السفير البريطاني الموجود في اسطنبول مع الصدر الأعظم ووزير الداخلية في الحادي والعشرين من شباط عام 1914 .
تجدر الإشارة هنا إلى أن السبب الحقيقي وراء اعتقال عزيز علي المصري هو نشاطه السياسي لكونه قائد مجموعة من الضباط الناقمين على الحكومة العثمانية. وأن البعض منهم يخطط لتنظيم حركة يهدف من خلالها تحرير كامل المنطقة الممتدة من الموصل إلى الخليج العربي وهذا ما أكدته المذكرة التي بعثها السفير البريطاني في الاسطبول في الحادي والعشرين من شباط من العام نفسه .
شهدت معظم البلدان العربية موجة من الاستياء وعمدت المظاهرات شوارع مصر كونها مسقط رأس عزيز علي المصري وأرسلت رسائل الاحتجاج إلى السلطان العثماني يذكرونه بمواقف عزيز علي المصري كما أرسلت الجمعية رسالة إلى زعماء الحركة العربية في دمشق يطالب منهم أن يشيعو بين الناس قدر الإمكان، أن الهدف الحكومة الاتحادية.
ويذكر أن أنور باشا حاول تدخل لدى السلطان العثماني وذلك من أجل انقاذ المصري وكان الهدف من وراء تدخله هو امتصاص نقمة الشعب العربي من جهة وإرضاء الحكومة البريطانية من جهة أخرى وعلى الرغم من التغيرات العربية التي طالبت بالإفراج عن عزيز علي المصري شاركت أيضاً الحكومة الألمانية ورغم علاقتهما الوثيقة بالسلطة العثمانية، فقد نشرت الصحف الألمانية مقالات خاصة تدافع عن عزيز علي المصري وتطالب بالإفراج عنه .
بعد أن اصيبت آمال الضباط العرب والعراقيين بخيبة أمل ومنهم نوري السعيد بإطلاق سراح المصري طالبوا الحكومة العثمانية بأن تعجل في محاكمته، وأن تساق إلى المجلس العسكري الذي يتولى بدوره أمر المحكمة من نخبة أركان الحرب وكبار الأمراء العسكرين الخبيرين بالشؤون العسكرية إلا أن الحكومة العثمانية ألفت مجلس عسكرياً بزعامة أنور باشا من أجل محاكمة عزيز علي المصري سراً لذا بدأت في الخامس والعشرين من آذار عام 1914 أمام المجلس العسكري محاكمة المصري وحكم عليه بالإعدام .
أحدثت محاكمة عزيز علي المصري والتي كانت محاكمة صورية موجة الاستياء التي عمدت البلدان العربية والدول الاجنبية . ونتيجة للضغط الذي واجهه الصدر الأعظم قرر أن تكون هناك محاكمة علنية يعرف بها الجميع، وهذه المحاكمة تدين عزيز علي المصري وبالفعل بدأت المحاكمة في الأول من نيسان عام 1914، وكانت التهم الموجه ضد المصري هي كالتالي هي ثمانية تهم منها:
اختلاسه ثلاثين ألف ليرة ذهبية من أموال الجيش ومخالفته للأوامر العسكرية بعدم مغادرته ليبيا.
كما قلنا أحدثت محاكمة المصري موجة استياء وردود فعل شديدة وواسعة في اتحاد الولايات العربية وأمام الضغط الشعبي وكذلك الدولي أصدر السلطان عفو عنه شرط أن يغادر الاستانة فوراً وأن لا يعود إليها ولا يتدخل في شؤون الدولة العثمانية. أطلق سراح عزيز علي المصري وسافر بطريق البحر إلى مصر وهناك استقبل استقبالاً حاسماً. إذ هزت محاكمته ومن ثم اعفاءه الولايات العربية وأدرك الوطنين والقومين وجوب نيل حريتهم والتخلص من طغيان السلطة الاتحادية .
على الرغم من صرامة وسطوة القوانين العثمانية في ممارسة انتساب الضباط إلى الجمعيات والنوادي نجد أن الضباط العراقيين لم يكونوا يعيروا اهتمام بالعقوبات في حالة انكشافهم أو افتضاح أمرهم، عد هذا الموقف هو الخطوة الأولى في البناء السياسي القومي بالنسبة للضباط العراقيين وإن تشتت المواقف والاتجاهات فإن جمعية العهد والقائمين عليها ومن بينهم نوري السعيد كانت هي بحق البؤرة المركزية التي تجمع فيها وحولها الضباط العراقين والعرب فكانت الميدان السياسي الأول لبروز القدرات السياسية العراقية العسكرية فنشط أعضاء اللجنة العسكرية العراقية في إنشاء فروع لهذه الجمعية في الموصل وبغداد والبصرة ودمشق وحلب، واعلنوا استمرارهم النضال من أجل تحرير شعوبهم من سطوة الاتحاديين ونيل استقلالهم ووحدة أمنهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير من الحرس الثوري الإيراني في حال هاجمت اسرائيل مراكزها


.. الاعتراف بفلسطين كدولة... ما المزايا، وهل سيرى النور؟




.. إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟


.. إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟




.. طهران تواصل حملتها الدعائية والتحريضية ضد عمّان..هل بات الأر