الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أسئلة البحث التاريخي بتازة والأحواز مآثر مهددة وخزانة مرينية مغلقة

عبد الإله بسكمار

2019 / 4 / 30
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تعد تازة وأحوازها من بين المناطق المغربية الأكثر تنوعا على مستوى الخريطة التضاريسية، فهي منطقة حوضية أساسا تحتضن عدة عناصر طبيعية تنتمي للمجال إياه، ما بين سهول وتلال وهضاب وجبال، وتشكل حلقة وصل بين شرق المغرب وغربه بل عبر كل شمال إفريقيا، ثم بين مجالي الأطلس والريف ونتيجة لهذا التنوع التضاريسي والمناخي أيضا تعايشت واندمجت في المنطقة مجموعات بشرية متنوعة من حيث الانتماء الإثني والمجالي والثقافي من عناصر بربرية وأخرى عربية وثالثة منحدرة من الصحراءأو متصلة بالعنصرين المتوسطي والإفريقي إضافة إلى الرافد اليهودي ومع كل هذا التنوع يمكن التنصيص على مجمل الأدوار التاريخية مدا وجزرا تأثيرا وتأثرا، عبر ما سمي تاريخيا بممر تازة Col de TAZA ونتيجة لتعاقب الدول والأسر الحاكمة، فقد تركت المراحل التاريخية بصماتها على كل المنطقة، بادية ومدينة وبدءا من الأسواروالأبراج التاريخية ذات الطابع الدفاعي العسكري التي تعود إلى الموحدين ( وبعض منها يعود إلى فترات متقدمة كما ورد ذلك عند صاحب الاستبصار في عجائب الأمصار) مرورا بالعمارة التاريخية الدينية العلمية والمدنية ثم انتهاء بالموروث الثقافي والرمزي وطبعا مع وجود تراث طبيعي متنوع وزاخر من مغارات وغابات وبحيرات وجبال ووديان مما يعزز هذا التنوع ويغنيه ويشكل عاملا مساعدا على تنمية المجال والإنسان .
بسبب التحديات التي أصبحت تواجهها الرساميل الرمزية لأغلب شعوب العالم الحاضرعلى وجه العموم تبعا لعولمة جارفة تحمل في طياتها نزعة هيمنية واضحة تارة وضمنية تارة أخرى، قد تجهز على مفاصل كبيرة من ثقافات الشعوب وأنساقها القيمية لصالح جهة ثقافية أحادية معينة، فضلا عن القيم الاستهلاكية المدمرة، فإن الاهتمام بخصوصيات الشعوب والمجتمعات وموروثها الثقافي والرمزي أصبح يكتسي بعدا حضاريا هاما وذلك دفاعا عن تعددية ثقافية فعلية وعن الحقوق الثقافية والقيمية لمختلف التجمعات البشرية، وبسبب تلك التحولات وغيرها أصبح تثمين الرأسمال الرمزي والموروث الثقافي انشغالا محوريا في عمل المجموعات المنظمة والجمعيات المستقلة عن الحكومات والإطارات المؤسساتية المعنية، لا يقل أهمية عن القضايا الحيوية كالماء والبيئة والفقروالحقوق والحريات الأساسية.
ضمن هذا السياق وفي أفق رد الاعتبارلهذا الرأسمال الرمزي وتثمينه وتحيينه خدمة للإنسان وتوظيفه ضمن رؤية مندمجة في التنمية المحلية والجهوية والوطنية ، وتحت شعار" الرأسمال الرمزي المحلي: أي تثمين وأية رؤية نمائية مندمجة "، نظم مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث يوما علميا تواصليا بتاريخ 26 أبريل 2019 تمثلت أهدافه في تقديم تصورات المركز واستراتيجية عمله على المديين المتوسط والبعيد ورؤيته لمسألة التراث المادي والرمزي على المستويين الإقليمي والجهوي، واعتبارا للانشغال الأساس وهو البحث والتنقيب وتحقيق التراكم والأرشفة وتعميق أوراش التاريخ والتراث وكذا المرافعة دفاعا عن المعالم الحضارية المميزة للمنطقة ومن أجل رد الاعتبار لها في كل نهوض تنموي منشود، فالمركزالمعني كإطار أكاديمي ومدني للبحوث والدراسات يضع على عاتقه أيضا الانتصاب كقوة اقتراحية إزاء الجهات المعنية محليا وجهويا ووطنيا والمسؤولة بكيفية مباشرة أو غير مباشرة عن الشأن الثقافي والموروث الرمزي، وتبعا للوظائف المنوطة بالمجتمع المدني كقوة اقتراحية ثبتتها بنود دستور 2011 والمراسيم والقوانين المنظمة لوضع المجتمع المدني في المغرب والأفق الواعد من خلال العمل التشاركي بينه وبين الجهات المعنية رسمية وغير رسمية .
كانت ورقة رئيس المركزشاملة تتماشى أيضا ومشاغل البحث التاريخي والتراثي في المنطقة وعلى المستوى الوطني، إذ نلحظ في الآونة الأخيرة تزايدا ملحوظا في الاهتمام بالدراسات المنوغرافية التي تخص تراث وتاريخ المناطق المغربية المختلفة أي في نفس الأفق الذي دعا إليه الشيخ محمد المختار السوسي والعلامة المؤرخ قيدوم الديبلوماسية المغربية عبد الهادي التازي، وقد حصل بالفعل نوع من التراكم النسبي في الانتاجات التاريخية والتراثية المحلية خلال السنوات الأخيرة وبدءا من الألفية الثالثة، حيث ظهرت إلى الوجود أزيد من عشر أطاريح جامعية متخصصة وبضع مؤلفات علاوة على عدد كبير من المقالات والكتابات الصحفية وغيرها والموجهة لعموم القراء والمثقفين، تتراوح بين مقاربة أشكال التعبير الشعبي ودراسة فترات تاريخية لإحدى قبائل المنطقة أو أحد أعلامها أو علاقاتها بالمخزن، بحيث أصبحت الاهتمامات موجهة نحومجالات غير مطروقة لحد الآن، متجاوزة عددا من التيمات التي أصبحت مستهلكة في البحث التاريخي والتراثي، ويشكل المركز في هذا المجال إطارا نوعيا لتوحيد الرؤى وتبادل الخبرات والتجارب في البحوث والدراسات بين الباحثين الجامعيين وغيرهم، والأخذ أيضا بيد الباحثين الشباب في الجامعات المغربية، أو مراكز ومواقع ومختبرات البحث الأخرى عبر ربوع الوطن، وذلك ضمن مسار وظيفي يخدم تنمية الإنسان وتطوير المجتمع، والتنمية التي لا تخدم الإنسان ونسقه القيمي محكوم عليها بالإفلاس والفشل إن لم تضع المسألة الثقافية في صلب اهتمامها.
هناك العديد من تجارب مراكز البحوث والدراسات ( نقصد بالطبع المراكز المستقلة في توجهاتها وطرق اشتغالها وأهدافها ) عبر بعض المدن والمناطق المغربية، مع التنصيص دائما على الخصوصية المتميزة لأنشطة وانشغالات مثل هذه المراكز " المحترمة " طبعا، فإضافة إلى العروض والندوات العلمية حول تيمات ومجالات تخص تلك المناطق فقد وقع تثمين العديد من المآثر التاريخية والعمرانية كالقصبات والقلاع وعدد من المساجد والزوايا والمدارس وأضرحة الأعلام المغاربة وما صاحب الجهود الحثيثة من جرد وتصنيف وتوظيف وتسويق عقلاني .
وهنا يُطرح انشغال أساسي بالنسبة للمعالم المهددة بتازة كمدرسة المسجد الأعظم وما تبقى من فنادق ودور عتيقة والمدرسة المرينية التي كان من اللازم ( وهي ملك عمومي تابع للجماعة ولوزارة الثقافة معا ) تثمينها كموروث تاريخي مريني عرف تألقه مع تألق مدينة تازة خلال بدايات وأواسط دولة بني مرينوقد أسسها الأمير أبو الحسن حسب وثيقتها الشعرية المنقوشة ببوابتها، ونذكر هنا أيضا معلمة البستيون أو حصن تازة السعدي الموجود حاليا في وضعية صعبة نتيجة بناء خزان غير مشروع وغير قانوني وسط منطقة أثرية محرمة البناء، الشيء الذي وصل معه ملفه إلى القضاء وأثار احتجاج المجتمع المدني ذي المصداقية، مما يفرض تفعيل قوانين حماية التراث وفقا لظهائر 1915 و1922 والمراسيم والقوانين المتممة لها وطبقا لاتفاقيات 1972 ولاسيما أوفاق اليونسكو الخاصة بالتراث البشري لسنة 1975، ويثمن المركز ضرورة التخلي عن السياسة القطاعية الضيقة واعتماد المفهوم المندمج والشامل للتنمية وبينها تنمية الرأسمال البشري والرمزي معا، عن طريق المنهجية التشاركية التي تهم جميع الجهات المعنية فضلا عن الساكنة نفسها .
ومن صلب اهتمامات مركز ابن بري التازي المرافعة من أجل تهيئة خزانة المسجد الأعظم وإحياء ما تبقى من أرشيف بلدي ومحلي وذلك تماشيا مع مختلف توصيات الجمعيات والإطارات والملتقيات ذات المصداقية، فالخزانة المعنية تؤكد بما يدع مجالا للشك أن تازة كانت خلال عصور متعددة مركزا ثقافيا ودينيا وعلميا فضلا عما اطلعت به من أدوار عسكرية حاسمة خلال فترات متعددة من تاريخ المغرب وشمال إفريقيا، الخزانة التي أنشئت برسم حفظ كتاب الشفا للقاضي عياض اليحصبي السبتي ( أحد رجالات مراكش السبعة ) سنة 757 هــ / 1356 م أي في عهد السلطان المريني أبي عنان الذي اهتم هو الآخر بتازة عسكريا وعمرانيا وعلميا، ولم يكن ارتباط كتاب الشفا وهو من أبرز مؤلفات المالكية بدعا بدولة بني مرين التي لم تكن لها في البداية أيديولوجية معينة كالتي كانت لدولة الموحدين وإنما حركت المرينيين دوافع اقتصادية معاشية ثم تبنوا المذهب المالكي وعقد الأشعري، وكان القاضي عياض المتوفى سنة 544 هـ أفقه فقهاء المالكية، ولذا حرص المرينيون على حفظ كتابه بخزانة تازة وتعد نسخته بها فريدة ظهرت بعدها نسخ أخرى بالمغرب والمشرق، كما أن تلك الخزانة كانت تضم زمن المرينيين حسب حوالة حبسية عشرة آلاف كتاب ومخطوط، لم يبق منها سوى ما يناهز 700 ما بين مبتور ومتلاش، والخطوة الوحيدة التي تمت على يد وزارة الأوقاف في مستهل الألفية الحالية تجاه هذه الخزانة تتمثل في فهرستها كما هو حال الخزانة الناصرية بتامكروت، ومما يذكر( وسنعود إليه في وقت لاحق بحول الله ) أن نسخة فريدة من كتاب المهدي بن تومرت " أعز ما يطلب " كانت توجد بخزانة الجامع الأعظم بتازة إضافة إلى كتاب " الجهاد / تنبيه الهمم العالية " للصوفي المجاهد امحمد بن عبد الرحيم بن يجبش التازي، و" إرشاد المسافر إلى الربح الوافر" له أيضا، ونسخة من كتاب الروض ( روض القرطاس ) في التاريخ لابن أبي زرع وغيرها كثير، وكتاب فريد للثائر ابن أبي محلي وسمه ب " سم ساعة في تقطيع أمعاء مفارق الجماعة " ( .....) ونظرا للاتصال العلمي الوثيق الذي كان قائما طوال القرون الماضية بين تازة وتلمسان ( وبنفس المقدار بين تازة وفاس ) فإن هذه الخزانة حوت في جملة ما احتوت عليه مخطوطات أصيلة تاريخية أو قريبة الصلة بالتاريخ لمؤلفين تازيين وتلمسانيين وفاسيين، الشيء الذي يفرض إعادة تأهيل تلك المخطوطات وتصوير المتاح منها ومن ثمة فتح الخزانة أمام الباحثين والأكاديميين والمثقفين.ومن ذلك بالذات أرجوزة ( بحر الرجز مستفعلن ) " الدرر اللوامع في أصل مقرإ الإمام نافع " للشيخ الأديب الفرضي المقرئ العروضي أبي الحسن علي بن بري التازي التسولي ( 660 هـ / 730 هـ ) والذي تسمى المركز باسمه عن نبل وعرفان فالرجل قدم خدمات جليلة في علم القراءات بل وكان من السباقين إلى تدقيق مخارج وصفات الحروف في اللغة العربية، فضلا عن نبوغه في حرفة التوثيق وتأليفه وتلخيصه لبعض المؤلفات الأدبية والعروضية وفي علم النحو ككتاب " الكافي في علم العروض والقوافي" وشرح ابن السقاط في العروض واختصار زهر الآداب للحصري وشرح الإيضاح في النحو لابن أبي الربيع الإشبيلي السبتي، كما قام ابن بري بدور هام في البلاط المريني من خلال تعليم وتأديب ولي عهد السلطان أبي سعيد عثمان وهو أبو الحسن إلى حدود سنة 723 هـ وقد ألف وكتب بعضهم حول إمام تازة ابن بري وأبرزهم المرحوم العلامة امحمد الأمراني العلوي الذي خلف كتابا هاما حول ابن بري وما قدمه للعلم والتوثيق والأدب على وجه العموم من خلال كتاب " ابن بري التازي إمام القراء المغاربة " ( الذي صدر سنة 1996 ).
وهناك ملف الأرشيف المحلي الذي ضاع كثيرمنه في ظروف ملتبسة مثلما ضاعت عدة نفائس من خزانة الجامع الأعظم ، وهو الأرشيف الذي يعود إلى عصر الحماية ولن نذكر هنا بعض من ساهموا في الإجهاز سواء على بعض محتويات الخزانة أو الأرشيف البلدي لا سامحهم الله ، ونعلم مع كل ذلك أن الرهان لن يكون سهلا في كل الأحوال، لأن هناك عوائق مختلفة لكن صدق الإرادة وتكاثف جهود كل المعنيين من قريب أو بعيد سيعبد الطريق أمام كل الغيورين قصد تثمين الدور الوظيفي الحيوي للثقافة في التنمية وللتراث في خدمة الحاضر والمستقبل .

* رئيس مركز ابن بري التازي للدراسات والأبحاث وحماية التراث / تازة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقارير عن ضربة إسرائيلية ضد إيران وغموض حول التفاصيل | الأخب


.. إيران وإسرائيل .. توتر ثم تصعيد-محسوب- • فرانس 24 / FRANCE 2




.. بعد هجوم أصفهان: هل انتهت جولة -المواجهة المباشرة- الحالية ب


.. لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا




.. نار بين #إيران و #إسرائيل..فهل تزود #واشنطن إسرائيل بالقنبلة