الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قد سئمنا ؟

الصادق أحمد عبيدة

2019 / 4 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


1- ما أن بزغ فجر الخلاص في تونس يوم 14 يناير 2011 معلنا هروب الطاغية زين العابدين بن علي بعد حكم دام 23 عاما، حتى خرج أحمد الحفناوي هائما على وجه في المدينة تتبعه كاميرات العالم وهو يمسح بيده على راسه الأشيب والدموع تملأ عينيه مرددا في صون مخنوق من العبرة (قد هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية)، فاجهش بالبكاء وأبكى معه الشعب التونسي، وكل الشعوب العربية التواقة الى الحرية والانعتاق من سنوات القهر والظلم في كل من ليبيا ومصر واليمن والسودان وغيرها.
في حالتنا السودانية تكمن المأساة في أن الحراك الحالي قد تم التجهيز له بدقة قبل بزوغ الفجر، وقد نجح على صعيد تحفيز وتحريض قطاعات الشعب المختلفة للخروج للشارع وتوحيد كلمتهم حول هدف واحد وكذلك نجح المهنيون وقوى التجمع والتغيير في المحافظة على روح الاعتصام وادارتها بصورة جيدة ولا زلنا على اتم الاستعداد لمواصلة الاعتصامات والعصيانات ودعمها بكل ما اوتينا حتى ينال شعبنا كامل حريته.. ولكن لم يكن هناك تخطيط دقيق لتكوين حكومة عاجلة تملأ الفراغ وتسعى لتتويج هذا النصر بصورة تسمح للمواطنين بالرجوع الى أحيائهم والاحتفال ببداية عهد جديد من الحرية لتبدأ مسيرة إعادة البناء التعمير.
عدم التفكير في هذه المرحلة مهد للصراعات الداخلية وسط الثوار، وأتاح الفرصة لأذيال النظام البائد، وهم لا يزالون وسط المعتصمين وعبر الوسائط المختلفة، أن يجاهروا بأقوالهم المشككة في جدية ممثلي الشعب، وإضعاف الروح المعنوية حتى وصل بهم الأمر الى المطالبة بتسيير مظاهرة مليونية لنصرة الشريعة والقانون بشعار داعشي مفضوح وكأننا لم نستيقظ بعد من هذا الكابوس الذي دام ثلاثين عاما باسم الشريعة المفترى عليها.
أمامنا تجارب سودانية سابقة قد سئمنا من اجترارها بفخر مبالغ فيه، أدت الى تكوين حكومات انتقالية لسد الفراغ الدستوري بعد الإطاحة بنظام سابق.. لكننا نجترها دونما أخذ العبر اللازمة واستيعاب الدروس لتفادي قصورها والاهتداء بنقاط القوة فيها. لذلك دعونا نتذكر بإيجاز خطوات انتقال السلطة الى ممثلي الشعب بصورة سلمية مباشرة بعد الإطاحة بالنظام البائد في كل من تونس وليبيا كمثالين قريبين زمانيا وجغرافيا لعلنا نستهدي بهما مع مراعاة خصوصية كل حالة.

2- ففي الحالة التونسية، وبعد هروب زين العابدين بن علي في 14 يناير 2011 أعلن الوزير الأول محمد الغنوشي توليه رئاسة الجمهورية بصورة مؤقته وذلك بسبب تعثر أداء الرئيس لمهامه، هذا إستنادا على نص الفصل 56 من الدستور الذي ينص على أن لرئيس الدولة أن يفوض الوزير الأول بتولي الرئاسة في حالة عدم تمكنه من القيام بمهامه. ولكن بعد الإطلاع على الوثائق اتضح أنه لم يكن هناك تفويض واضح يمكن الارتكاز عليه بتفويض الوزير الأول ، وإن الرئيس لم يستقل، وأن مغادرته حصلت في ظروف معروفة، وبما أنه لا يستطيع القيام بما تلتزمه مهامه ما يعني الوصول لحالة العجز النهائي، فعليه قرر المجلس الدستوري اللجوء للفصل 57 من الدستور واعلان شغور منصب الرئيس وأعلن في 15 يناير عن تولي رئيس مجلس النواب محمد فؤاد المبزع منصب رئيس الجمهورية بشكل مؤقت الى حين إجراء انتخابات رئاسية مبكرة خلال فترة 45 الى 60 يوم حسب نص الدستور. وقد تم في 17 يناير تشكيل حكومة جديدة برئاسة الوزير الأول محمد الغنوشي، شارك فيها عدد كبير من زعماء المعارضة، وأعلن الغنوشي ان الحكومة تعمل بعيدا عن الأحزاب السياسية كما أعلن ان الحكومة تحتاج الى ستة أشهر على الأقل قبل اجراء الانتخابات العامة.

3- بالانتقال الى المشهد الليبي، فمعلوم أن الليبيين خرجوا في 15 و 17 فبراير2011 يطالبون باسقاط نظام العقيد معمر القذافي على خلفية الشرارة التي اشعلها اعتقال السلطات للمحامي فتحي تربل. وقد نجحت الثورة في إزالة حكم الدكتاتور الذي دام 42 عاما، وجاء البيان الذي يطالب الرئيس بالتنحي موقعا من قبل 213 شخصية تمثل الفصائل والقوى السياسية والتنظيمات والهيئات الحقوقية وتنادي بانتقال الحكم بشكل سلمي وديموقراطي.
ردا عليهم جابه النظام المظاهرات بعنف مفرط، حتى ان سيف الإسلام القذافي ظهر في 20 فبراير عبر التلفزيون محذرا من انزلاق ليبيا في مستنقع الحرب الأهلية، ووعد باجراء إصلاحات.
أعقب هذا الحراك استقالات المسؤلين وابرزهم وزير العدل مصطفى عبد الجليل ووزير الدولة لشئون الهجرة ، ومندوب ليبيا في الأمم المتحدة ،وفي جامعة الدول العربية والسفراء بكل من بريطانيا والصين والهند واندونيسيا وبنقلاديش وبولندا.
في 26 فبراير فرض مجلس الامن عقوبات على النظام تشمل حظر بيع السلاح وتجميد أصول عدد من اركان النظام ومنعهم من السفر ... وفي اليوم نفسه أعلن الثوار تشكيل المجلس الوطني الانتقالي وتولى وزير العدل المستقيل عبد الجليل رئاسته.
في 10 مارس تعترف فرنسا بالمجلس الوطني الانتقالي ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الليبي، تليها فيما بعد كل من قطر وبريطانيا والولايات المتحدة بالاعتراف بشرعية المجلس.
في 6 يونيو صرحت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون بأن أيام القذافي أصبحت محدودة وانه ينبغي الاعداد لمرحلة ما بعد القذافي

4- صحيح ان الحالة السودانية تختلف في ان الدستور الذي يمكن تفعيله هنا وهو دستور 2005، ما هو إلا وثيقة انتقالية فصّلت على أساس أن المؤتمر الوطني أو بالأحرى الاتجاه الإسلامي هو الحاكم الأوحد والحصري للبلاد وهو الذي يعطي حق المشاركة في الحكم ومنعها عمن أراد واضعين انفسهم، والعياذ بالله، مكانه عز وجل وهو الذي يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء. فطفقوا يعزون من يشاؤوا ويزلّون أخرين، بيدهم مقاليد السلطة ومفاتيح خزائن البلاد، فتحكم أفراد النظام البائد في جميع مفاصل الدولة وأسسوا ما يسمى اليوم بالدولة العميقة. كل هذا يشكل صعوبة الحالة السودانية في الانتقال بالسلطة من عهد الدكتاتورية الى حكم الشعب بالشعب. ولكن مع ذلك يمكن الاستفادة من هامش الحرية المتاحة اليوم للإسراع بتفعيل ماهو متاح الا وهو مواد الدستور على علاته لملئ الفراغ الرئاسي بتداعياته التي أسهب الكتاب في تفصيلها طيلة الأسابيع الماضية، ودوننا المادة 59 من الدستور الانتقالي للعلم 2005 وما يليها من فقرات تتعلق بتبديل رئيس الجمهورية.
هذا هو المتاح الذي يمكن تفعيله مستهدين بتجارب انتقال السلطة في الماضي، وكذلك تجارب الآخرين بدلا عن اللف في حلقة مفرقة، والسير في طريق يؤدي إما الى الفوضى أو الى تمكين اذيال النظام البائد واستمرار الإنقاذ الى ما لا نهاية. فالملايين الثائرة بلا قيادة سهل نهبها وإختراقها بكتيبة واحدة منظمة من كتائبهم التي دربوها تدريبا دقيقا، فلنسارع الى تشتيت شملهم وتبديد ريحهم فارواحهم كثيرة كما تعلمون. ولا ننسى ان شهر رمضان على الأبواب وربما تكون خطتهم هي المراهنة على هجير رمضان لفض الاعتصام وتشتيت جهود الشعب مرة أخرى.
لعمري أن هذه الروح السائدة الآن، ووتيرة التفاوض مع مجلس عسكري عيّن نفسه بديلا لحكومة هبّ الشعب لاقتلاعها، تعيد للأذهان ذات الروح التي مكنّت الإنقاذ من الاستمرار طيلة هذه السنوات العجاف من المماحقات السياسية والمفاوضات فارغة المضمون والترضيات والمحاصصات التي افقدت الشعب السوداني الثقة في كل السياسيين.
إذا لم يتم التوافق في الأيام القادمة فانا أتساءل لماذا تستأذن قوى الحرية والتغيير أصلا من المجلس العسكري لتكوين الحكومة المدنية؟ هل استأذنت القوات المسلحة منكم عندما أعلنت عن تكوين مجلسها العسكري الانتقالي؟
لماذا لا يتم الإعلان فورا، ومن أمام ساحة الاعتصام، عن تشكيل حكومة التكنوقراط المرتقبة أو حكومة مؤقتة من ممثلين لكل الأحزاب الرئيسية وينادى على المجتمع الدولي للاعتراف بها كممثل شرعي للشعب السوداني؟
لماذا لا تطالب الحكومة المدنية الاتحاد الأفريقي للتمسك أكثر بمسألة تعليق عضوية السودان طالما على رأسه سلطة عسكرية؟
أيها المجتمعون والمنفضون والمتفاوضون والمتحاصصون، إذا كان الشعب التونسي قد قال كلمته ( قد هرمنا ) ومضى عبر صفحات التاريخ، فإن شبابنا السوداني اختط بدماء الشهداء صفحة جديدة للتاريخ عبر الأحياء والمدن والبوادي وصولا الى ساحة القيادة العامة آملا في الحرية والانعتاق وقد آن الأوان ان يجني ثمار غرسه، فلا تحيلوا شعاره (تسقط بس) الى (قد سئمنا) أو (قد ندمنا).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجناح العسكري لحركة حماس يواصل التصعيد ضد الأردن


.. وزير الدفاع الروسي يتوعد بضرب إمدادات الأسلحة الغربية في أوك




.. انتشال جثث 35 شهيدا من المقبرة الجماعية بمستشفى ناصر في خان


.. أثناء زيارته لـ-غازي عنتاب-.. استقبال رئيس ألمانيا بأعلام فل




.. تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254