الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التوصيف الوظيفي والعاصمة الإدارية الجديدة لمصر

حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)

2019 / 5 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


في خضم الاستقطابات السياسية الشديدة خاصة في المراحل الانتقالية للأمم قد تتوه أبسط البديهيات، لأن الوطن يُبرز مكونه الأكثر تطرفا في التأييد أو المعارضة، ويضيع صوت الأطراف الموضوعية أو كتلته الجامعة التي من المفترض أن تحمل أي مجتمع للأمام نحو المستقبل.
في هذا المقال سوف أطرح للنقاش موضوعا مهما وملحا للغاية في الوقت الراهن، وهو التوصيف الوظيفي لمؤسسات الدولة المصرية المعدة للانتقال للعاصمة الإدارية الجديدة المفترضة، هناك قضايا حساسة يجب أن تطرح على طاولة النقاش بعيدا عن الاستقطاب السياسي الراهن، الذي أخذ هذا المنحنى الذي قد يطلق عليه البعض طريق اللا عودة في يوم 11 أكتوبر 2018، بالتحديد في الندوة التثقيفية للقوات المسلحة حينما قال الرئيس أن ثورة يناير "علاج خاطئ لتشخيص خاطيء، وهو اليوم الذي يبدو أشار فيه البعض على السيسي بأن يقطع شعرة معاوية مع أنصار الثورة المصرية والحالمين بالتغيير، وأعتقد أن دعاة هذه القطيعة هم أصحاب فكرة المزايدة المستمرة والتطرف في التأييد ومشروع تمديد فترة الرئاسة في استفتاء أبريل 2019.
في ظل هذه الأجواء الاستقطابية يُطرح مشروع نقل مؤسسات الدولة المركزية ممثلة في هياكل وبنية الوزارات والهيئات والمصالح العامة إلى العاصمة الإدارية الجديدة، وهو الأمر الذي يحتاج لتوصيف وظيفي جديدة للقاهرة التاريخية، والأهم أنه يحتاج لتوصيف وظيفي لمؤسسات الحكومة ودورها في المفترض في البيروقراطية المصرية بالعاصمة الجديدة.
ببساطة القاهرة القديمة يمكن أن يتمركز توصيفها الوظيفي حول تحولها لمتحف مفتوح يتمحور حول التراث وسبل إعادة توظيفه، وتتحول معظم مبانيها التاريخية التي ستخلو بنقل الوزارات والهيئات إلى متاحف ومراكز تراثية وثقافية وإنسانية متنوعة، مع التخلى عن فكرة التعامل مع القاهرة القديمة كمحفظة عقارية فارغة تدر عائدا على الخزينة العامة.
لكن المعضلة الأبرز هى التوصيف الوظيفي لوزارات الحكومة ومؤسساتها في العاصمة الإدارية الجديدة، أشك كل الشك في أن معظم القيادات الموجودة حاليا على رأس المؤسسات الحكومية –وفي ظل الاستقطاب الشديد- قد قدم بعضهم تصورا لدور المؤسسة التي يعمل بها، بل في واقع الأمر بعضهم في ظل الحفاظ على وجوده على الكرسي يُفرغ المؤسسة التي هو على رأسها من دورها الوظيفي المنوط بها تاريخيا، ودون حتى أن يقدم البديل.
أبرز القضايا التي يجب مواجهتها صراحة هو الازدواج الحالي في مؤسسات الدولة، وكيف سيتم التعامل معه في العاصمة الجديدة؟ هناك تداخل بين البنية السياسية والوزارية للدولة المفترض أن لها توصيفها الوظيفي المستقل الحاكم والضابط، والذي يكفل لها النقد الذاتي والتطور الفعال لأداء المهمة المنوطة بها والمنصوص عليها في توصيفها الوظيفي، وبين البنية العسكرية والشرطية للدولة التي من المفترض أن لها دورها المهني الضابط والمستقل أيضا، وهذا يَبرز للأسف في الوزارات الخدمية شديدة الارتباط بالتفاصيل اليومية الضرورية في حياة الناس، وأبرز الأمثلة على ذلك تجدها في وزارة التموين والزراعة وما يتعلق بالثروة الحيوانية والمنتجات الغذائية التي كانت تقدمها شركات القطاع العام، فقد تراجع دور تلك الوزارت وتوصيفها الوظيفي لصالح وجود منافذ وتفعيل للأبنية البديلة من مؤسسة الجيش والداخلية.
الوقت لم يفت تماما لكي تَطلب الإدارة السياسية الرؤي الخاصة بالتوصيف الوظيفي المفترض لمؤسسات الدولة في تصور العاصمة الجديدة، عن طريق مساهمات نظرية من خبراء الإدارة المدنية الحديثة والباحثين في علومها تتحاور في المقابل مع تصورات وتوصيفات وظيفية تقدمها الهيئات والوزارات الحكومية وقياداتها الحالية، لتخرج البلاد بأفضل تصور وظيفي مقترح لكل حقيبة وزارية وهيئة حكومية، يصلح للانتقال بمصر للمستقبل وضبط مفهومها المؤسسي بعيدا عن الاستقطاب السياسي الدائر.
يجب الفصل في التوظيف السياسي لمفهوم المؤسسة في الدولة المصرية الحديثة، بين بنيتها الوظيفية المجردة والضابطة والحاكمة الجامعة لكل المصريين والخادمة لهم، وبين أي استقطاب سياسي راهن أو مستقبلي أو قديم، يجب أن يرتفع مفهوم الأمن القومي على مفهوم الأمن السياسي، ضبط التوصيف الوظيفي لمؤسسات الدولة لتعمل تحت أي ظرف هو من أبجديات الأمن القومي المتعارف عليه في كل العلوم السياسية، لكن هلهلة التوصيف الوظيف لمؤسسات الدولة المدنية لصالح استقطاب سياسي ما، هو أخطر الآليات التي تهدد الأمن القومي لبلد ما وتضعه تحت ضغط التهديد باستمرار.
آن الأوان لتخرج مصر من الاستقطاب السياسي الراهن وتضبط مؤسساتها المدنية، قبل الانتقال للعاصمة الجديدة في منتصف العام القادم كما تقول التصريحات، ربما على دعاة زيادة الاستقطاب في الإدارة السياسية الحالية لمصر التراجع قليلا للوراء، ومنح مصر الفرصة لتعبر للمستقبل بعيدا المزايدات والمزايدات المضادة التي تكاد أن تودي بالبلاد، يجب ضبط التوصيف الوظيفي الفارز للكوادر الإدارية في المؤسسات المصرية ليعود ليبحث عن الكفاءات وأصحاب الرؤي والطموح الوطني الجامع والهم العام، لا أصحاب الهم الشخصي والتطلعات الذاتية الانتهازية الاستقطابية دون أي ملكات أو قدرات سوي زيادة الاستقطب والمزايدة والتناقضات.
إما ذلك أو ستشهد مصر اهتزازة شديدة وأزمة في الكوادر الفاعلة داخليا وخارجيا مع نقل حقائبها الوزارية وهيئاتها الحكومية للعاصمة الجديدة، خاصة وأن البنية الداخلية لمصر أصبحت مرتبطة واقعيا بعدد من الاتفاقيات والبروتوكلات الدولية المتداخلة مع معظم الملفات الحكومية، وعدد الكوادر الفعلية القادرة على إدارة هذه الملفات وتمريرها دوليا يكاد يعد على اصابع اليد الواحدة، في ظل أن هذه البروتوكولات والاتفاقيات الدولية تتطلب امتلاك حزمة من المهارات: الحاسوبية واللغوية والبروتوكولية والثقافية والسياسية والعلمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد