الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اخلاقيات المهنة

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2019 / 5 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


يعرف بعض علماء التربية الأخلاق بأنها : هيئة للنفس راسخة، عنها تصدر الأفعال بسهولة ويسر، من غير حاجةٍ إلى فكر وروِية. وتعرف الأخلاق لغةً : جمع خُلُق، وهو السجية والطبع, ويعرفها المعجم الوسيط : الخُلُقُ: حال للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال من خير أو شر من غير حاجة إلى فكر وروية.وتعرف المهنة بأنها الجهد البدني أو الفكري الذي يبذله الإنسان بتوظيف مهاراته التي إكتسبها من خلال تعليمه وتدريبه , لإنجاز عمل ما أو تقديم خدمة معينة أو تصنيع منتج ما أو تسويقه لتلبية حاجات الناس المختلفة , وذلك مقابل مردود مالي أو معنوي.
كان الناس في السابق يتوارثون المهن عن أبائهم وأجدادهم جيلا بعد آخر في معظم الأحيان , وبتطور العلوم والمعارف أصبحت المهن اليوم أكثر إستنادا وإعتمادا على مستجدات العلوم ومعطيات التكنولوجيا , وبخاصة تكنولوجيا المعلومات التي أفرزت مهنا جديدة لم تكن معروفة من قبل , أو لم يكن لها هذا التأثير الواسع في المجتمع . تعرف هذه المهن بمهن المعرفة أو عمال المعرفة وهي التسمية التي اطلقها عليهم بيتر درك عالم الإدارة الأمريكي عام 1959. يقصد بعمال المعرفة , العمال الذين يعتمدون على المعرفة كرأس مال لهم وتوظيفها لمصلحة الإقتصاد الوطني وزيادة الإنتاج والإنتاجية في نمط إقتصادي جديد بات يعرف بإقتصاد المعرفة الذي يعتمد على المعرفة أكثر من إعتماده على رأس المال ومصادر الطاقة.
يزداد حاليا عدد عمال المعرفة ، ونصيبهم من قوة العمل بإطراد في معظم دول العالم المتقدمة ، وترتفع نسبة وقت العمل المخصص للنشاطات المعتمدة على كثافة المعرفة,حيث أصبحت المعرفة في الوقت الحاضر أحد أهم عناصر الإنتاج في الاقتصاد المعاصر. لذا يصبح توليد المعرفة ونشرها واستعمالها أمرا ضروريا للتنمية, إذ يشير السيد جيمس ويلفنسون أحد رؤساء البنك الدولي السابقين في أحد تعليقاته أن أحد أسباب فقر الناس هو عدم قدرتهم على منافسة الآخرين لافتقارهم إلى المعرفة. تحاول الدول المتقدمة حجب المعرفة وعدم إنتقالها إلى الدول الأخرى , إلاّ الجزء البسيط منها الذي يخدم مصالحها ويحقق أغراضها عبر قوانين ما يعرف بالحماية الفكرية. وقد إستطاعت دول كثيرة نامية مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية وماليزيا وغيرها ,الإفلات من هذا الحصار المعرفي , ببناء قواعد معرفة خاصة بها وتوظيفها لخدمة إقتصادها الوطني بفضل إصرارها على إنتلاك ناصية العلم والتكنولوجيا المتقدمة , ليصبح البعض منها الآن دولا رائدة في مجالات المعرفة المختلفة. ويتوهم كثيرا من يعتقد أن هذه الدولة أو تلك يمكن أن تقدم له هذه المعرفة أو تلك مجانا , ما لم يقترن بتبادل منافع مشتركة كشراء أو بيع أية سلعة تجارية أخرى.
ولأن المهن في عصرنا الراهن باتت أكثر تعقيدا وإعتمادا على التقنيات المتطورة ,لذا لا يمكن توارثها عبر الأجيال, بل أصبح لزاما تعلمها في مدارس ومعاهد ومراكز تدريب وتأهيل وكليات مهنية وجامعات في بيئات تحاكي بيئة العمل إلى حد كبير وتوظيف تقنيات التعليم وطرائق التدريس الحديثة, وعلى وفق مناهج دراسية تجمع بين النظرية والتطبيق , وبالتعاون والتنسيق مع حقل العمل لضمان تخريج مهنيين تتوافق مؤهلاتهم وتخصصاتهم مع متطلبات سوق العمل , وقادرين على الإندماج السريع بمنظومات العمل دون عناء يذكر.
يتطلب إعداد المهنيين في العادة إلمامهم بأساسيات العمل , وإكسابهم مهاراته وتدريبهم على توظيفها لأداء العمل وتطوير المنتج أو تحسين الخدمة وحل المعضلات التي تواجها منظومة العمل , وتنمية القدرة على العمل بصورة فردية أو ضمن فريق عمل , والتواصل مع الرؤساء والمرؤسين لضمان إنسيابية العمل. إلاّ أن هناك ثمة مسألة لا يوليها البعض الإهتمام المطلوب , إذ لا يكفي أن تكون طبيبا حاذقا أو مهندسا ماهرا مثلا , ما لم تتحلى بأخلاق مهنة الطب أو الهندسة أو ما يعرف بإخلاق أو أخلاقيات المهنة . ولا شك أن هناك لكل مهنة أخلاقياتها , إلاّ أن هناك ثمة سمات مشتركة لجميع المهن ينبغي الإلمام بها.
يقصد بأخلاقيات المهنة : "مجموعة من القواعد والآداب السلوكية والأخلاقية التي يجب أن تصاحب الإنسان المحترف في مهنته تجاه عمله، وتجاه المجتمع ككل، وتجاه نفسه وذاته". كما يقصد بسلوكيات وآداب المهنة قيام الأنسان بأداء إلتزامات معينة تجاه أكثر من طرف, وبأفضل صورة ممكنة طبقا لقدراته وإمكاناته وخبراته بكل تفان وجد وإخلاص. قد يواجه المهني إغراءات وضغوط شتى لحرفه عن أداء وظيفته بصورة مهنية صحيحة , منها على سبيل المثال لا الحصر : الرشوة والمحسوبية وتقديم الهدايا والتزوير وعدم الإكتراث برداءة المنتج وعدم مطابقة المواصفات ومصادرة حقوق الآخرين وغيرها .
ولغرض إعداد المهنيين والحرفيين إعدادا صحيحا ومتكاملا علميا وإخلاقيا , قامت الكثير من جامعات العالم وبعض الجامعات العربية بتدريس طلبتها مبادئ أخلاق المهنة كجزء من متطلبات دراستهم , كما إعتمدت الكثير من الجمعيات والنقابات المهنية لوائح وقوانين تنظم عمل كل مهنة يمكن الإحتكام إليها لفض النزاعات التي قد تنشب بين أرباب العمل والمهنيين أو بين المهنيين أنفسهم لتحديد مسؤولية جميع الأطراف تجاه أنفسهم أو تجاه مجتمعاتهم, وإتخاذ إجراءات رادعة بحق كل من تسول له نفسه الإساءة إلى أخلاقيات المهنة, وتعزيز بيئة العمل لخدمة المجتمع والصالح العام .
ومما يؤسف له حقا ملاحظة إنحدار إخلاقيات المهنة لدى أعداد متزايدة من المهنيين والحرفيين في العراق في الوقت الحاضر, بسبب الفوضى العارمة التي يعيشها العراق وغياب سلطة القانون فيه وإنعدام الواعز الأخلاقي لديهم, وسطوة عصابات المافيا والجريمة المنظمة التي باتت تتحكم بشرائح المجتمع المختلفة, وتفشي الفساد في مفاصل الدولة ومؤسساتها المختلفة بدءا من القاعدة وصعودا إلى قمة الهرم. ولا عجب أن يكثر الحديث الآن عن إنتشار ظاهرة الأغذية التالفة والأدوية الفاسدة , دون مراعاة لما تسببه من اضرار فادحة بحق أناس بأمس الحاجة إليها , وخطف نساء واطفال وقتلهم بعد إنتزاع بعض أعضائهم وبيعها لآخرين بالتعاون مع أطباء وممرضين ومستشفيات خلافا لقسم شرف المهنة , وتزوير وثائق ومستندات لبيع ممتلكات عراقيين مغتربين أو غيرهم دون علمهم ,وبيع الأسئلة الإمتحانية أو تسريبها للطلبة وتزايد ظاهرة الغش في الإمتحانات , وتزوير شهادات ومنحها لوزراء وأعضاء مجلس النواب وبعض كبار شاغلي الوظائف القيادية بعلم إدارات الجامعات الرسمية والأهلية أو بدونه والله أعلم , ربما لتحقيق منافع غير مشروعة لجميع الأطراف , وجميعها منافية لأخلاقيات المهنة الأكاديمية ومناقضة لشرف الأمانة الوظيفية التي يجب أن يتحلى بها كل موظف مكلف بوظيفة عامة , وبخاصة شاغلي الوظائف القيادية, وتفشي الفساد في أجهزة القضاء الذي يفترض أن يكون ميزانا للعدل والحق بإعطاء كل ذي حق حقه .
تتضمن أخلاقيات المهنة عناصر عديدة , نوجز هنا أبرزها :
1.الصدق والأمانة والإخلاص والتفاني بأداء العمل.
2.إحترام العمل والعاملين وعدم جواز تحقيرهم أو إستصغارأيا منهم أو إهانة كرامتهم لأي سبب كان.
3.توفير بيئة عمل آمنة وشروط السلامة المهنية لجميع العاملين وضمان تأمين صحي مناسب لهم.
4.الحفاظ على سرية العمل وعدم إفشاء هذه الأسرار لمن لا علاقة له بالعمل.
5.الحفاظ على ممتلكات العمل وصيانتها كونها مصدر رزقهم جميعا وعدم السماح بالعبث بأي منها.
6.إتقان أساليب العمل وتطويرها والسعي لتحسين وضمان جودة منتجاته وترويج تسويقها على أوسع نطاق ممكن.
7.تحديد أجور العمل بما يتناسب وعطاء كل عامل بحسب قدراته ومؤهلاته .
8.ترقية العاملين على وفق سلم المعايير المهنية بصورة عادلة وشفافة.
9.صرف مكافآت مجزية لجميع العاملين بعد نهاية الخدمة أو الإستغناء عن خدماتهم .
10.توفير فرص التدريب والتأهيل والتعليم المستمر لجميع العاملين بهدف تطوير قدراتهم وبما يعود بالمنفعة على بيئة العمل.
11.إحترام ألوقت والحفاظ على ساعات الدوام كاملة.
12.قيام المعاهد والكليات والجامعات بإعطاء مقرر دراسي يتضمن إخلاقيات المهنة بكل تخصص دراسي كجزء من متطلبات الدراسة.
13.إصدار تشريع قانوني ملزم خاص بأخلاقيات المهنة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح