الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأصولي ومفهوم الرهاب والتطهّر

فارس إيغو

2019 / 5 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يمكن تشبيه سلوك الأصولي بالمريض بالرهاب، وبالأخص الشكل المتعلق بالخوف من الإتساخ الذي يدفع الشخص المصاب الى تكرار غسل اليدين بصورة هستريائية حتى ظهور علامات الاحمرار والحكة.
أما الأصولي، فخوفه المرضي من الاتساخ أو بالأحرى التلوث، يتوجه الى موضوع العقيدة ومفهومه للإيمان، وهو ما يدفعه لوضع شروط تعجيزية تخص موضوعة الإيمان وممارسة الشعائر، تدفعه في النهاية للقيام بعمليات تطهيرية جذرية لكل المخالفين لتصوره الضيق والمضيّق للعقيدة، سواء من المشاركين له في نفس العقيدة أو المخالفين له من الاديان الاخرى، او حتى الملحدين.
التطهير الديني الأصولي، يقابل عملية التنظيف بالماء والصابون (وحتى بالديتول) لإزالة ما يمكن أن يعلق من اللطخ والبقع عند المصاب برهاب النظافة او الإتساخ (لا فرق)، وعقوبة المخالفين (أو الأرجاس والأوساخ)، هي وسيلة لمرضاة الله والتقرب منه، ووسيلة لدرء الغضب الإلهي، وتنظيف جسد "الأمة" والجماعة المؤمنة من الكفر والزندقة والعبادات الغير القويمة.
إن إعراض العُباد المتدينين عن جادة الايمان القويم، والمقصود هنا الإيمان بحسب التفسير الأصولي أو السلفي، تكون مجلبة لكل الكوارث التي تحل بالبشر، هكذا فسر الشيخ يوسف القرضاوي هزيمة الخامس من حزيران عام 1967 ، بأنها الهزيمة التي حدثت نتيجة لإبتعاد المصريين عن الإيمان الصحيح وتحولهم من الأحكام الشرعية الى الأحكام الوضعية التي هي من صنع الإنسان، وإنتهاجهم في السياسة النزعة القومية العربية بدلاً من "الأممية" الإسلامية والحكومة الإسلامية والسياسة الشرعية، وكما فسر أسلافه من العلماء والفقهاء في العصور الوسطى غزو التتار للمملكة العربية الإسلامية وتدمير عاصمتها بغداد عام 1258، أنها حدثت بسبب الخوض فيما كرهه الله، أي الفلسفة والمنطق اللعينتين (أعوذ بالله)!!!!
وبعد هذه الهزيمة الكبرى وفي الوقت الذي كان فيه بعض المثقفون العرب المشاكسون قد بدأوا في غربلة التراث السياسي والقيمي على إعتبار أن الهزيمة هي هزيمة حضارية كبرى، رأى البعض من الماركسيين أن يلح على اعتبار الهزيمة هزيمة بورجوازيات عربية، وأما الأنظمة العربية "التقدمية" فهي إعتبرت الهزيمة هزيمة جيوش فقط فالأنظمة لم تسقط؛ وأما الأصوليون فقد إعتبروها هزيمة أنظمة "غير مؤمنة"، وكان المفكر السوري ياسين الحافظ صاحب الهزيمة والأيديولوجية المهزومة يلحّ على اعتبار الهزيمة كشف حساب في آخر الأمر لحضارة مهزومة في كل تفاصيلها، بدءا من وضعية المرأة في الشارع اليومي وانتهاء بمكانة العلم والبحث العلمي في الجامعات.
وإذا كان الأصولي التطهري والتطهيري يحمل كل هذا العنف تجاه الآخر المختلف، فلأنه أحس بهذا الرعب الوجودي، وبالتالي، هو يريد إلباس كل مظاهر العالم باليقين الذي يسكنه ويهدئ روعه الوجودي والكوسمولوجي، وأي شك يلامسه الأصولي يذكره بهذا الرعب والعنف في عراء المعنوي والوجودي، في خلجاته الأولى، بلا حكايات ولا سيّر ولا أساطير تُروى هنا وهناك؛ ومن هنا، يريد الأصولي أن يحوّل يقينه الى إجماع يمتد من جماعته الأولى، ولا يقف عند البشرية جمعاء، محاولاً إثبات أن إعتقاده هو الحقيقة، لا حقيقة من الحقائق الكثيرة في هذا العالم الذي لن يفرغ يوماً من الحكايات والسيّر والأقصوصات الروائية التي تسلينا وتهدئ روعنا الوجودي وتروي عطشنا للمعنى وبحثنا الدائب عن أسئلة الوجود الكبرى: من أين أتينا والى أين نحن ماضون.
وفي المحصلة، فإن الأصولي من دون هذا الفعل القسري والعنيف الموجه نحو إعتقادات الغير المعتبرة هرطوقية، لن يستطيع أن يتغلب على خوفه الميتافيزيقي. لكن عندما يصبح الإعتقاد هو الحقيقة، يصبح عنفاً وإرهاباً، لذلك علينا لكي نتخلص من الاصطفائية الأصولية أن نبني إعتقادنا من حيث يشكل معنىً لوجودنا المأساوي بشكل يصلنا ولو جزئياً بالآخر المختلف، لا أن يشكل حائطاً بيننا وبين هذا الآخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد