الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيفرة العنف

رولا حسينات
(Rula Hessinat)

2019 / 5 / 7
المجتمع المدني


شيفرة العنف


أشد ما أقلقني هو الحالة النفسية التي دخلت بها عليّ في مكتبي في شارع السعادة في عمارة كئيبة لن يعثر عليها ببساطة إلا من قصد بالفعل الدكتورة رقية عبد الرحمن المختصة بعلم النفس، والمعالجة المشهورة؛ والتي عافتها الشاشات المضيئة بألوان وردية في برنامج: كيف تقتلين زوجك؟ على الرغم من كونه نوعاً آخر من القتل؛ قتلاً ليس بمعنى القتل ذلك الذي ينتهي ببركة من اللون الأحمر، والصراخ، والعويل، وإخفاء لأداة الجريمة، وسين وجيم وغيرها من طقوس كئيبة... لكنه القتل الرحيم الذي لا يترك أثراً للجاني.
إنّه القتل الذي يمكنّ الجاني من المثول أمام العدالة بقوة، دون أن يستطيع أحد أن يوجه إليه أي دليل، إنّه نوع من القتل الذي لا يمكن التصدي له أو التخلص منه ببساطة... فآثاره رغم أنها لا تبدو جليّة للعيان، بقدر ما تكون آثاراً داخلية، وهي التي يكون لها القدرة على القتل نفسه؟
والقتل لن يأتي هكذا عبثاً دون مبرر، والقتل يمكن ان يكون مادياً ويمكن ان يكون معنوياً وهو أشد ...والقتل هو نتيجة الطريق المسدود لحالة العنف التي تتصدر المشهد، العنف الاجتماع الذي مد أذرعه: للمدرسة والشارع والجامعة والبيت وفي كل مكان...لكل منها نسب معينة تزيد وتنقص بالاعتماد على الرجة التي وصل إليها الإنسان...فهو منذ البداية غنسان فقد شيئاً أو تأثر بشيء...
تعرف هيئة الأمم المتحدة للسكان العنف القائم على النوع الاجتماعي على النحو أنه : ”أي عمل من أعمال العنف البدني أو النفسي أو الاجتماعي بما في ذلك العنف الجنسي، والذي يتم ممارسته أو التهديد بممارسته (مثل العنف، أو التهديد، أو القسر، أو الاستغلال، أو الخداع، أو التلاعب بالمفاهيم الثقافية، أو استخدام الأسلحة، أو استغلال الظروف) .
ولكن هل يمكن اعتبار العنف سلوكاً فقط؟
وهل يمكن إضفاء صفة المكتسب والوراثي لمفهوم العنف؟
تعتبر دراسة الجينات الوراثية وفك الشيفرة الوراثية من الدراسات الحديثة التي تهتم بالسلوك البشري، حيث تفترض أن الجين المسؤول عن السلوك السلبي يتم انقسامه بصفات جديدة.
يجمع البروتوكول التجريبي للدراسة الجديدة بين العديد من التحليلات التي تقيم الأساس الجيني للعدوانية ولكن من وجهات نظر مختلفة.
وقد انسحبت الدراسة إلى كون الأمراض الوراثية في حقيقة الأمر ليست وراثية بالمجمل، إذ يمكن اعتبار أغلبها تغيراً في صيغة الجين.
مكنت الدراسات العالمية على المسارات الوظيفية المرتبطة بالسلوك العدواني الباحثين من معرفة المزيد عن تفاصيل الآليات الجزيئية التي تكمن خلف العدوانية.
وقد نشرت دراسة حديثة بقيادة الباحثين في مستشفى الاطفال في بوسطن وجامعة تولين، تبين أن الحرمان العاطفي في وقت مبكر يؤثر على الكروموسومات, بحيث يقلل من طول عمر "تبز الكرومسومات" وهو ما يعرف بـ "التيلوميرات", المسؤول عن حماية الكروموسومات, وبذلك يعجل من سرعة هرم خلايا الجسم.
ولعل هذا هو سبب هرم المجتمعات العربية واستسلامها للأمراض.
تعتبر المواد الكيميائية العصبية في بعض مناطق الدماغ هي المسؤولة عن تفعيل الأنماط السلوكية والميول (اليوت 2000) وكذلك الدراسات السلوك المعادي للمجتمع وبين المواد الكيميائية العصبية في الدماغ, وتشمل هذه المواد: ادرينالين، بافراز، السيروتونين، والدوبامين, وقد وجد أن لها تأثيراً على "الشخصية" - خاصة أثرها المباشر على القوى العقلية - مثل القلق والاكتئاب والانفصام.
وبالتأكيد للبيئة دور كبير في زيادة التفاعلات الكيميائية داخل الجسم، ويمكن القول أن المدرسة الأسرية هي أول ركائز تنمية العنف، فالأسلوب التربوي قائم على أساس الكبت والتأرجح بين الحرام والعيب والمجتمع بثالوث قاتل، وهذا بدوره يأسر الطفل بحلقة لا يمكنه الفرار من إحدى زواياها ، ناهيك عن عدم الاستقرار الأسري وزعزعة الإيمان بالقوى الانسانية، حيث يتعلم الطفل بالوعيد والتهديد والتعلم والتوجيه، أن يقيد من سلوكه، وبالتدريج يتمثل في نفسه القوى الرادعة التي كانت تقيده من الخارج وهي أوامر والديه ونواهيهم، وتتكون لديه المثل التي هي بمثابة الضمير لديه، وعندما تنضج الشخصية؛ فأن عجز الفرد عن كبح جماح قوى التعدي في نفسه يصاحبه دائما الشعور بالقلق، والقلق في هذه الحالة إشارة لوجود اضطراب في داخل الشخصية، فالدافع للتصدي والتجاوز على الآخرين وممارسة العنف ضد المحيطين يعمل وكأنه خطر يهدد أمن وسلامته الشخصية، ذلك لان الخبرة المكتسبة بالتجربة الذاتية أعطت للشخص العنيف المعرفة المسبقة بان هذا النوع من التهديد لسلامة النفس ونوازعها يأتي من الداخل (إي من داخل الكيان النفسي للفرد).
الفرد الذي نشأ على النزعة بين نعم ولا إنسان ضعيف والمجتمع بحد ذاته لا يرحم وبخاصة مجتمع المدرسة فهو كمنظومة تربوية لم تبتعد عن أسلوب التهكم والسخرية واللجوء للضرب والعنف لحل العنف أو العقاب لمجرد العقاب. افتقار المجتمع من لبنته الأساسية حتى اكتمال صورته مجتمع أحادي لا يؤمن بالطرف الآخر أو حتى وجود الطرف الآخر؛ والذي ينسحب على انعدام المشاركة أو التعبير عن الشخصية أو تنمية مفهوم الاعتذار بعيداً عن الانتقام. وحتى بعد الوصول إلى مرحلة متقدمة من تطور الفرد دون تحقيق أي من الحاجات كما هي في هرم ماسلو يصل الفرد إلى حلقة مفرغة تعزز الجين على تنشيط الصيغة الجديدة المتصفة بالعنف ، حيث لا يمكن لشخص سوي في الواقع أن يحتمل : البطالة وارتفاع سن الزواج وانخفاض المستوى المعيشي ناهيك عن انعدام المشاركة والحوار في آن واحد.
إن العنف الذي يصدر من الشخصية ما هو إلا عنف موجه نحو الآخرين بعد أن فشل الفرد ذاته في كبحه أو تبديده، فتعددت أشكاله من عنف مدرسي لعنف جامعي لعنف مجتمعي وبالأغلب جميع أشكال هذا العنف أساسه بحث من تلك الشخصية المهزوزة لدور من أدوار البطولة وأن تحظى بشيء من الاهتمام ولو بفرض نفسها سلباً. والذي يقود لفرض السيطرة من القوي على الضعيف ويمكن القول أن فشل الكثيرين في بناء أسرة هو سيطرة تلك النزعة من طرف أو من كليهما على المنظومة القيمية في التعامل الإنساني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بسبب خلاف ضريبي.. مساعدات الأمم المتحدة عالقة في جنوب السودا


.. نعمت شفيق.. رئيسة جامعة كولومبيا التي أبلغت الشرطة لاعتقال د




.. في قضية ترحيل النازحين السوريين... لبنان ليس طرفًا في اتفاقي


.. اعتقال مناهضين لحرب إسرائيل على غزة بجامعة جنوب كاليفورنيا




.. بينهم نتنياهو.. مذكرات اعتقال دولية بحق قادة إسرائيل بسبب حر