الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الالحاد دين؟

طوني سماحة

2019 / 5 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"أنا هو الرب الهك، لا يكن لك آلهة غيري". هكذا توجه موسى الى بني اسرائيل وهو يعطيهم نص الوصايا العشرة.

بقيت كل المجتمعات وحتى القرن السابع عشر ميلاديا تتبنى نوعا من انواع الديانات او الروحانيات حتى القرن السابع عشر ميلاديا. تميز القرن السابع عشر بحصول النهضة العلمية في اوروبا التي سمحت للانسان بطرح السؤال ومحاولة البحث للاجابة عنه، بما في ذلك الايمان بوجود خالق ما. مع تطور العلوم، حصر بعض الناس ايمانهم بما هو محسوس ومرئي، أي المادة، مستثنين بذلك كل ما يمكن للانسان ان يراه. اجترح العلم المعجزات فحقق أحلام القدماء ورؤاهم بما في ذلك استحداث البساط الطائر واخراج الجني من القمقم. ولأن العلم يرتكز على المادة، قام البعض بتأليهه ليجعلوا منه الاله الجديد في توراتهم الجديدة. آمنوا ان العلم هو اكسير الحياة وهو الذي سوف يقود الانسان الى المدينة الفاضلة. العلم هو الذي سوف يحل مشكلة الفقر ويجمع الناس معا برباط الاخوة والعدالة والمساواة والحرية، محققا بذلك ما عجزت عنه الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر. آمنوا ان العلم يجيب على كل اسئلتنا بما في ذلك الخلود والاخلاق. وفي النهاية آمنوا ان العلم هو الذي يصنع من الانسان انسانا، وان المجتعات تحت لواء العلم سوف تسير الى عصر من التآخي بين الامم والازدهار والحرية.

تطور الالحاد في القرنين العشرين والواحد والعشرين الى ما يعرف بالالحاد الجديد (New Atheism)، قاد مجموعة من المثقفين هذا التيار مثل رتشارد داكينغ ومايك هاريس والراحل كرستوفر هتشنز. تميز خطاب هؤلاء بالكراهية لكل ما هو ديني، أكان جيدا ام رديئا. نعتوا المتدينين بالغباء. بشروا ببروز طبقة جديدة من البشر، احتضنوا كل من سار على خطاهم، واستبعدوا من دائراتهم كل من لم يجاريهم في فكرهم. اسسوا لعنصرية جديدة قامت على انقاض العنصريات القديمة الدينية والاثنية والعقائدية والثقافية، عنصرية لا تستطيع ان تتقبل كل من اختلف عنهم. ومن دون ان يدروا، اسسوا لدين جديد اسموه الالحاد.

لا شك ان سهام الكثير من الملحدين سوف تطلق علي نتيجة وصفي الالحاد بالدين. لكن مهلا، دعونا اولا نرجع للمعجم لنستقصي تحديد معنى الكلمة. يحدد معجم Dictionary.com بنسخته عبر الانترنت الدين بالتالي (في اسفل المقال يمكن قراءة تحديد الدين باللغة الانكليزية كما وردت على موقع المعجم):
1. مجموعة من المعتقدات التي تسلط الضؤ على مسببات الكون، طبيعته، وغايته، خاصة الماورائية والخارقة للطبيعة منها (الخلق بواسطة الاله)
2. مجموعة من العقائد والايمانيات والطقوس التي يتفق عليها مجموعة من الناس
3. مجموعة من البشر يتفقون على ممارسات عقائدية معينة
4. نمط حياة الراهب او الراهبة
5. ممارسة معتقدات وطقوس دينية وعقائدية
6. فكر ما يؤمن به الانسان بحماس فائق . كل ما يتعلق بالضمير والممارسات الاخلاقية
ان كان الدين يرتكزعلى الايمان، فلا شك ان الالحاد يرتكز على الايمان ايضا. وإلا كيف لي ان ارفض وجود شيء بناء على عدم رؤيتي له فقط؟ كيف لي ان اثبت لاي انسان ما ان هذا الكون هو كل ما في الوجود ان كنت اعجز عن التحرر من ربط هذا الكون الى ما هو ابعد من الزمان والمكان والمادة لاستقصي بنفسي ان كان هناك ثمة شيئا آخر؟ الالحاد هو فعل ايمان شأنه شأن الدين. المؤمن ينظر الى الكون فيرى فيه تصميما ذكيا ويستنتج بناء عليه وجود خالق ما صمم الوجود. استنتاج المؤمن بوجود خالق ليس سوى فعل ايمان اذ لا يستطيع ان يخضع الله والزمان والمكان والخلق لتجربة مخبرية يعيدها مرة تلو الاخرى ليستنتج منها ان الله موجود. كذلك هو الالحاد فعل ايمان بكل ما للكلمة من معنى إذ يعجز الملحد عن التحرر من رباط الجسد ليستطلع عالم الروح ويثبت من خلال تجربة علمية يكررها مرة تلو الاخرى ليستنتج منها ان الله غير موجود.

الالحاد هو الصورة السلبية للايمان. ان كان الايمان هو بحسب المفهوم رقم 1 في المعجم "مجموعة من المعتقدات التي تسلط الضؤ على مسببات الكون، طبيعته، وغايته، خاصة الماورائية والخارقة للطبيعة منها (الخلق بواسطة الاله)"، فالالحاد هو بالتالي مجموعة من المعتقدات التي تسلط الضوء على مسببات الكون من خلال حذف فكرة الخالق وتعويضها بمعتقد آخر يمكن حصره بالحظ. إن كان المؤمن لا يستطيع اثبات الخلق مخبريا، فالملحد عاجز ايضا تماما عن اثباته مخبريا. لا بل حتى الاكتشافات العلمية الفلكية الحديثة لا تمد يد العون للملحد. خذ على سبيل المثال نظرية ال Big Bang. المؤمنون بهذه النظرية يقولون ان للكون بداية. قبل هذه البداية لم يكن هناك شيء على الاطلاق. لا مكان لا زمان ولا مادة. وفي طرفة عين، منذ ما يقارب الاربعة مليار عاما، حصل انفجار في جزيئة يطلق عليها العلماء كلمة Singularity ، ومن هذه الجزيئة التي لا نستطيع رؤيتها بالعين المجردة، تفجر الكون متمددا حتى وصل الى ما هو عليه الآن. من اين اتت هذه الجزيئة وكيف حصل الانفجار وما هي الظروف التي ادت اليه؟ كلها اسئلة يقف امامها العلم عاجزا وصامتا. لكن ان كان هذا الانفجار يدل على شيء، فهو ان للكون بداية. ان كان للكون بداية فلا بد ان ثمة كائنا ما خارج الزمان والمكان والمادة (لعدم وجود المكان والزمان والمادة) هو الذي احدث هذا الانفجار. لا شك ان السؤال المنطقي التالي هو "اذا من اوجد هذا الكائن"؟ الجواب هو ان هذا الكائن هو خارج الزمان والمكان والمادة وبالتالي لا يخضع لقوانين المادة بقدر ما صانع السيارة هو خارج هيكل السيارة وحديدها والبلاستيك المكون لها ولا يخضع لقوانين جمعها ايضا. لقد اجاب القديس توما الاكويني في القرن الثاني عشر ميلاديا على هذا السؤال بحجة المسبب الذي لا سبب له ( The uncaused cause). الله بحسب الايمان المسيحي روح لا بداية له ولا نهاية. هو خارج المكان والزمان والمادة. هو يؤثر في الزمان والمكان والمادة ولا يتأثر بها. هل استطيع اثبات هذا الفكر علميا؟ لا، لكنه منطقي يلقي الضوء على اسئلة الانسان مثل لغز الوجود و لماذا هناك هل يا ترى شيء بدل من لا شيء؟ فيما الالحاد لا يستطيع اثبات العكس ولا يقدم اي اجابة على بدايات الكون، باستثناء الحظ او ازلية المادة. لكن العلم كشف لنا ان المادة ليست ازلية اذ لها بداية ونهاية، كما ان الحظ لا يستطيع ان ينتج سوى الفوضى. من ناحية اخرى، ان كنا نؤمن ان الكون ازلي الوجود، فنحن امام معضفلة فلسفية خطيرة، اذ لا شيء يأتي من لا شيء، ولماذا هل يا ترى كان هناك شيء بدل لا شيء على الاطلاق؟ المبدأ الفلسفي واضح ولا يمكن نقضه فكريا، فلسفيا او علميا: "Nothing comes out from nothing".

أنا، بصفتي مؤمنا، لا أدعي انني استطيع اثبات وجود الله مخبريا. ان كان الله موجودا فهو حتما لن يكون مادة علمية استطيع اخضاعها للتجربة العلمية. لكنني استطيع اثبات وجود الله فكريا وفسلفيا ومنطقيا. لكن هل يا ترى أيستطيع الالحاد اقناعي ان الله غير موجود لأنه ببساطة مطلقة غير مرئي؟ ان كان كل ما ليس مرئيا غير موجود، فالجاذبية بالاحرى غير موجودة، اذ لم يرها احد قط!

هل الالحاد دين؟ هو بحسب المعجم دين كونه يتطرق بالايمان الى " مجموعة من المعتقدات التي تسلط الضؤ على مسببات الكون، طبيعته، وغايته، خاصة الماورائية والخارقة للطبيعة منها". الحل الوحيد لعدم اعتبار الالحاد دينا هو اثبات فكره مخبريا، وهذا الامر لم يحصل اقله حتى الآن.

• a set of beliefs concerning the cause, nature, and purpose of the universe, especially whenconsidered as the creation of superhuman agency´-or-agencies, usually involving devotional andritual observances, and often containing a moral code governing the conduct of human affairs.
• a specific fundamental set of beliefs and practices generally agreed upon by number of personsor sects:the Christian religion- the Buddhist religion.
• the body of persons adhering to particular set of beliefs and practices:a world council of religions.
• the life´-or-state of a monk, nun, etc.:to enter religion.
• the practice of religious beliefs- ritual observance of faith.
• something one believes in and follows devotedly- a point´-or-matter of ethics´-or-conscience:to make a religion of fighting prejudice.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - البينة على المدعي
بلبل ( 2019 / 5 / 11 - 22:52 )
مشكلة المؤمن انه يقول بوجود الاه هو صانع هذا الكون فلماذا لا تكون هناك مجموعة الهة هي التي صنعت هذا الكون وتسيره الالحاد ليس دينا والملحد ليس ملزما باثبات عدم وجود الاه لان فكرة الاه لا توجد اصلا عنده والبينة على المدعي فالذي يقول بوجود الاه هو من يجب ان يثبت ذلك


2 - بلبل
طوني سماحة ( 2019 / 5 / 12 - 00:54 )
أهلا استاذ بلبل،
نعم سيدي البينة على المدعي وانا ذكرت اني لا املك دليلا مخبريا لكني املك ادلة فلسفية وفكرية منها ان لا شيء ياتي من لا شيء وانه لماذا هل يا ترى هناك شيء بدلا من لا شيئ، على سبيل المثال. . اظن هذا دليل فلسفي مقبول ووافعي. أما ان كان لديك اثبات ان ثمة شيئا يأتي من لا شيء او كيف انه هناك شيء بدلا من لا شيء. تفضل اخبرنا به

اما بخصوص تعدد ا لآلهة، هناك من يؤمن بتعدد الآلهة وانا احترم رأيه، لكني شخصيا، بناء على دراستي للمسيحية، اقتنعت بفكرة الإله الواحد، خالق السماوات والارض، كما انه فوق المادة والزمان والمكان وهذا ما يعرف بالانكليزية بمصطلح
omniscient, omnipotent, omniprpesent
شكرا لمداخلتك


3 - الأخ العزيز طوني سماحة
nasha ( 2019 / 5 / 12 - 06:24 )
احيلك إلى موقع الأستاذ مالوم أبو رغيف والذي تكرم وسمح لي أن اتحاور معه في نفس الموضوع .ومن موقعك هذا وبعد اذنك أود أن أوجه له تحية حب وتقدير لمنحي فرصة التعبير عن رأيي وتحية حب وتقدير أخرى لدماثة أخلاقه والتزامه باحترام ضيوفه.
الموقع
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?ecom=1&aid=635636#793111

في الحقيقة هذا الموضوع هو موضوع المواضيع وهو السبب المنطقي الرايسي للاختلاف بين بني البشر الذي لا حل له إلا بحلول منطقية رياضية تجريدية وبتجارب علمية حديثة غير متاحة لعامة الناس .
وكما أشرت حضرتك أن هذه الحلول يستحيل تكرارها للتأكد من صحتها ولكن كل الدلائل المنطقية والتجارب الفلكية والتجارب دون الذرية تؤكد صحتها وتؤكد استحالة بناء مجتمع إنساني متوازن دون حرية التفكير ونبذ الدوغمائية من كل الأنواع سواء الدينية أو الالحادية ولأن الجميع بمن فيهم الملحدين مؤمن بعقيدة ما، فيتحتم على الجميع إلى تبني أساس مشترك للجميع وهو في هذه الحالة (قانون حقوق الإنسان العالمي ) وترك حرية التفكير دون قيود.
محبتي وتقديري
شكرا


4 - nasha
طوني سماحة ( 2019 / 5 / 12 - 13:43 )
عزيزي ناشا
قرأت العديد من المداخلات التي تمت بينك وبين الاستاذ مالوم واقدر لغة الاحترام والرقي بينكما. الحل ا لوحيد للتعايش بين البشر هو ان يحترم كل منا رأي الآخر بعيدا عن لغة الشتائم والتحقير. فكرة الايمان بالله فكرة معقدة تتطلب الكثير من التامل والدراسة قبل ان نقبلها او نرفضها بالمطلق. وبما انه على الاقل حتى الآن لا نستطيع التثبت منها مخبريا، يبقى الايمان بالله ايمانا أكان هذا الايمان قبولا او رفضا
مع كامل احترامي وتقديري


5 - الحل ا لوحيد للتعايش
nasha ( 2019 / 5 / 13 - 03:15 )
اقتباس

(الحل ا لوحيد للتعايش بين البشر هو ان يحترم كل منا رأي الآخر)

نعم هذا هو الحل الوحيد ولكن من تجربتي في التعليق على كُتاب من اطياف فكرية متعددة تبين لي استحالة اقناع هؤلاء الكُتاب على قبول التعدد الفكري دون قيود.
تلاحظ ان الملحد لا يتقبل التعايش مع غيره وتلاحظ المتدين يفعل نفس الشيئ والليبرالي الراسمالي و والماركسي الاشتراكي كلهم نفس الفعل
وهذا في رائيي هو نتيجة لصعوبة التجرد من الذات اي من الفكر الذي يحمله كل شخص بذاته subjectively
مشكلة الانسان انه لا يميز بين ذاته وبين العالم الموضوعي خارج ذاته the objective reality

الانسان طبيعيا يتصور انه غريب وغير مرغوب فيه في اي مجموعة اخرى عدا مجموعته.
عملية ازالة هذا الاغتراب مستحيلة ولن تحدث ولا يوجد حل الا ببرمجة عقول جميع الناس على مبدأ قبول الاخر وهذا غير ممكن في المستقبل القريب.
تحياتي


6 - nasha
طوني سماحة ( 2019 / 5 / 13 - 03:44 )
-عملية ازالة هذا الاغتراب مستحيلة ولن تحدث ولا يوجد حل الا ببرمجة عقول جميع الناس على مبدأ قبول الاخر وهذا غير ممكن في المستقبل القريب.
واضيف ايضا انه ربما لن يحصل حتى في المستقبل االبعيد

اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح