الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


امريكا واستراتيجية -حافة الهاوية-

سامي عبدالقادر ريكاني

2019 / 5 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


منذ انهيار الاتحاد السوفيتي بداية التسعينيات من القرن الماضي وامريكا تحاول الانفراد بقيادة النظام العالمي الجديد عبر بسط سيطرتها على الاقتصاد العالمي من خلال التحكم بمصادرها وطرق نقلها واسواق صرفها عبر العالم، لكون امريكا تؤمن ايمانا راسخا بان من يتحكم بمصادر الطاقة وطرق نقلها واسواق صرفها سوف يتحكم بالاقتصاد العالمي وبدوره سوف يستطيع التحكم بالقرارات الدولية ومصائر شعوبها.
وهي في مسعى لبلوغ ذلك انتهجت سلوكا جديدا في تعاملها مع القوة واستعمالاتها يختلف كليا عن سلوكها السابق ابان الحرب الباردة، التي كانت قائمة على استراتيجية سباق التسلح والتصعيد في الانفاق العسكري ونشر القواعد العسكرية عبر العالم من اجل ضبط مصالحها استراتيجية "توازن الرعب" في مواجهة الاتحاد السوفيتي التي كانت تشاركها في تلك القيادة، والذي كانت الاخيرة تتبنى الاشتراكية كعقيدة اقتصادية حاولت بسطها على المستوى العالمي في مواجهة النظام الاقتصادي الراسمالي التي تدعمها امريكا،الا ان الساحة تركت للاخير في نهاية المطاف.
والعالم اليوم يعيش في حالة الصراع اشبه بحالة الفوضى الخلاق، بعد تبني كل الدول للنظام الراسمالي كعقيدة اقتصادية واصبح التنافس التجاري بين الدول وبين الشركات وفيما بينهما تتطلب للحفاظ على انتعاش اقتصادها المشاركة في حركة هذه الاسواق، والعمل وفق قواعد هذا النظام، ولمن اراد منهم التحكم في توجيه دفة الحركة الاقتصادية فعليه الوصول الى حالة من التمكين يؤهلها من احتكار هذه الاسواق خاصة في مجال الطاقة ومشتقاتها من (نفط وغاز) اضافة الى اسواق انتاج وبيع الاسلحة والتكنلوجيا. وبدون تلك السيطرة لايمكن لاي جهة التحكم بالاقتصاد العالمي.
ورات امريكا وتبعها بعد ذلك منافسوها، بانه بدون استعمال القوة لايمكن التحكم او حتى المشاركة في ادارة القرارات الاقتصادية العالمية، كما ان امريكا رات ايضا بان التعامل مع القوة وفق النمط الكلاسيكي لا يمكن ان تحقق اهدافها، خاصة بعد تبني العالم اجمع للنظام الراسمالي واخذهم بعقيدة التنافس الحر في التعامل مع الاسواق العالمية، التي تراعيها قواعد وقوانين التجارة الدولية المدعمة عالميا، وان أي استعمال للقوة المباشرة من أي جهة او جهات سوف تقضي على السلم العالمي وبدورها سوف تؤثر على الاسواق العالمية وسوف يكون الخاسر فيها الكل وليس جهة معينة فقط، وذلك لكون الاسواق العالمية تعتمد على الاستقرار السياسي حتى يتسنى لها الانتعاش والتنمية ولكونها ايضا وفق هذا النظام اصبحت اسواقها مرتبطة ببعضها البعض تتاثر وتؤثر بالتغيرات التي تحصل في العلاقات البينية فيما بينهم .
ولكن لطبيعة التنافس الشديد على الاسواق في النظام الراسمالي اتخذت الاطراف القوية وجهة اخرى للصراع حتى تستطيع الابقاء على انتعاش اسواقها وتمكنها من السيطرة عليها ، وهذه الوجهة هي اللجوء الى افتعال الحروب المحدودة زمانا ومكانا وافتعال الازمات والفوضى الموجه، وذلك لما لهذه الوسيلة من فعالية في خلق الفوضى الخلاق التي تعتمد عليها هذه الدول ومعها الشركات المتعددة الجنسيات لما تتيحها لهم ذلك من ظروف ملائمة تسهل لهم السيطرة على الاسواق العالمية واحتكارها الذي يعتبر ذلك هدفا رئيسيا لاي دولة او شركة منافسة تريد الزيادة في ارباحها وانتعاش اسواقها، فالعالم اصبح ساحة لتنافس الشركات المتعددة الجنسيات التي تحكم العالم عبر انظمة دول عظمى داعمة لها كامريكا والصين وروسيا واليابان والمانيا وبريطانيا وفرنسا، التي تاتي في الدرجة الاولى، ومن ثم تليهم بقية الدول الاخرى التي يكون دورها في المشاركة بمستوى اقل وهكذا ينزل الدور ليصل الى دول اقل مشاركة حتى يصل الى جماعات الذيل مما يسمى بالحركات والجماعات العرقية والدينية والطائفية التي تنفذ المهمة على ارض الواقع وكالة عنهم عن طريق زعامات مرتزقة تدفع بارواح شعوبها باسم الشعارات العقيمة، قربانا لاصحاب الشركات وخدمة الراسمالية العالمية .
ووفق هذا الوضع انتهجت امريكا استراتيجية جديدة في تعاملها مع القوة من اجل التحكم بالاسواق العالمية وفي القرارات الدولية وفي دفع وارغام الدول للامتثال لتوجهاتها في القيادة ، وتراوحت استراتيجياتها واعتمادا على تنوع وسائل واستعمالات القوة وعبر المراحل التالية:
المرحلة الاولى: وكان ذلك بعد انهيار الاتحاد السوفيتي حيث انتهجت امريكا استعمال سياسة القوة الناعمة (الوسائل السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والاعلامية والاستخباراتية والحصار والعقوبات والاغراءات المادية والتحالفات ومنظمة الامم المتحدة والمشاركة الدولية) في التعامل مع القضايا الدولية وقيادتها للنظام العالمي الجديد، وجاء ذلك بوضوح في مرحلة بوش الاب وقيادته للحرب من اجل اخراج العراق من الكويت حيث كان بمشاركة دولية حث عليها القيادة الامريكية واستمر هذا النهج في فترة كلنتون الذي حرص اضافة الى ذلك الى دفع الدول وحثها للتحول الى تبني مباديء الديمقراطية التي فشلت قبل ان تنتهي ولايته مما دفعت بقيادته لتتحول الى استعمال القوة الصلبة وضرب اراء ومطالب قوى دولية معارضة لتوجهاتها عرض الحائط وابعادهم عن المشاركة في حل القضايا الدولية كما حصل مع ازمات البلقان والحرب الاهلية في يوغسلافيا السابقة.
المرحلة الثانية: تحولت امريكا الى انتهاج سياسة القوة الصلبة(استخدام القوة العسكرية عبر الضربات الجوية والتدخلات العسكرية المباشرة والضربات الاستباقية) في تعاملها مع الازمات الدولية لتحقيق مصالحها بعد 11 سبتمبر 2001، وطبق هذا السلوك في الحرب الافغانية التي قادها امريكا في عهد بوش الابن وقفزت بعدها على الاجماع الدولي وفضلت الانفراد الكلي بالقرارات الدولية وفي استعمالها للقوة ضد الدول المارقة عن الارادة الامريكية والذي جاءت هذه السياسات واضحة في غزوها للعراق التي لم تشاركها في حربها سوى بريطانيا، والتي ايضا فشلت في تحقيق اهدافها ومن ثم ادت الى نتائج كارثية حلت بالعراق والمنطقة عموما وبالمصالح الامريكية خصوصا.
المرحلة الثالثة: وبدات مع اواخر ولاية بوش الابن وبدء ولاية اوباما حيث لجات الادارة الامريكية بقيادة الاخير بالاعتماد على القوة الذكية ( وهي الخلط بين القوة الناعمة والقوة الصلبة المحدودة مكانا وزمانا) وهذه الخطوة ايضا كانت فاشلة في تحقيق اهدافها ايضا خاصة في العراق وافغانستان ومكنت نفوذ ايران وبعدها داعش من العراق واجبرت امريكا للانسحاب منها، كما فشلت في القضاء على حركة طالبان وابعادها عن الحكومة الافغانية.
المرحلة الرابعة: وهي المرحلة الانية التي تمر بها السياسة الامريكية بقيادة ترامب والذي تعتمد على سياسة التصعيد في المواجهة وصولا بها الى حالة "حافة الحرب".
و"حافة الحرب او حافة الهاوية" استراتيجية امريكية جديدة توصلت اليها بعد ان رات بان استراتيجياتها السابقة لم تحقق ماتتمناها قياداتها من المجتمع الدولي، حيث كانت نتائج استراتيجية القوة الناعمة صبت لصالح اعدائها واصدقائها اكثر مما استفادت منها امريكا، بل ان هذه السياسة شجعت اكثر الدول لتواجه المشروع الامريكي على المستوى العالمي وخاصة في الشرق الاوسط واسيا الوسطى واكثر من استفادت منها هي روسيا التي اعادت مكانتها في المنطقة بسبب هذه السياسة، وكذلك الصين التي تفوقت اقتصاديا وعسكريا وتوغلت نفوذها في مناطق متعددة من العالم، وكما كان لايران ايضا دور في فشل امريكا في العراق بعد ان ارسلت جماعات ارهابية لمواجهتها في هذا البلد حتى اجبرتها للانسحاب منها في 2011 وحتى دول الخليج قد اتطاعوا التمرد على الديمقراطيات التي كانت تدعمها الغرب في دول الربيع العربي وتسببوا باسقاطها اخيرا، وكذلك تركيا الحليفة في الناتوا ايضا تمردت على حلفائها الغرب وجعلت من دولتها معبرا للارهابيين لتصب في المنطقة ومنها الى اوروبا، وبتحالفها الاخير مع روسيا ووقوفها مع ايران ضد الحصار المفروض عليها من الغرب وامريكا في 2010 والى 2015 واليوم ايضا.
اما عن استراتيجيتها بالاعتماد على القوة الصلبة فايضا كانت خسائرها فادحة على ارواح واقتصاد امريكا وكان ذلك واضحا في العراق وافغانستان فالتدخلات العسكرية في مناطق النفوذ الامريكي في الشرق الاوسط اعتبرت هدية لاعدائها لاستنزافها بشريا وماديا.
اما استراتيجية القوة الذكية التي تبناها اوباما فلم تكن اقل فشلا من سابقاتها وذلك لان الخلط بين القوة الناعمة والصلبة لم تكن في مستوى الردع بحيث تجبر الاطراف للالتزام بالمطالب الامريكية وذلك لان استعمال ادارة اوباما للقوة الناعمة كانت اكثر نعومة واستعمالها للقوة الصلبة باقتصارها على الضربات الجوية المحددة ودون السيطرة على الارض ايضا كانت خير مجدية وذات نتائج عقيمة استفاد منها اعدائها اكثر مما استفادت هي وحلفائها منها وكان ذلك واضحا في الضربات التي وجهت لاماكن متفرقة في سوريا والعراق ضد داعش فلم يستفد منها سوى روسيا وايران وحلفائهم في المنطقة.
لذلك فان الادارة الجديدة درست نقاط الضعف والقوة في الاستراتيجيات السابقة وقيمتها وتحاول الان تقويمها عبر استراتيجية التصعيد سواء في مجال استعمال القوة الناعمة او الصلبة بحيث ستستمر في التصعيد الى ان تحقق اهدافها فاذا لم تستطع عبر القوة الناعمة فستلجا الى القوة الصلبة والصلبة ستكون بالضربات الجوية مع اضافة الاعتماد في الارض على حلفائها ومن ثم التصعيد الى ان تستسلم الجهة المقابلة اما بالجلوس على طاولة المفاوضات ليس للتفاوض بل للاستسلام للرؤية الامريكية، واما عليها مواجهة الحرب حتى النهاية، وهذه السياسة نجحت مع الدول العربية وقدمت ماتريدها امريكا من مطالب مالية ولوجستية اضافة الى ابداء استعداهم للانخراط في صفقة القرن، كذلك نجحت مع تركيا ايضا عبر العقوبات التي اجبرتها للافراج عن القس الامريكي واخيرا اليوم وتغير موقفها التي هي بصدد العودة الى حضن الناتو وامريكا والتي تسببت بتصعيد الازمة بينها وبين روسيا وايران في ادلب وعفرين وبقية المناطق السورية وذلك بعد فشل اتفاقات سوشي واستانا بينهم والتي كانت بضغط امريكي وتهديدها لتركيا حيث ابلغتها بانها في حال استمرت في سياساتها فانها ستواجه تحركا امريكيا ضدها في المنطقة.
ومن الواضح ان ايران كانت الوحيدة التي لم تمتثل للارادة الامريكية لحد الان وانها استمرت في مشروعها معولة على اتباعها في المنطقة، وعلى زخم المعارضة التي تلمستها من المجتمع الدولي ضد السلوك الامريكي في تعاملها مع الاحداث والازمات الدولية، كما تلقفت اشارات مشجعة ومتعاطفة من بعض الدول الاوروبية الرافضة للموقف الامريكي من الاتفاق النووي الايراني. الا ان الاصرار الامريكي وتبنيها لسياسة "حافة الحرب" اجبرت الاطراف جميعا لتعيد حساباتها مع امريكا وايران، ويبدو ان مواقف الدول الاوروبية وحتى الموقف الروسي والصيني ايضا بدات تتململ وانها توحي بانها تتراجع عن مساندتها للموقف الايراني.
وباعتقادنا ان امريكا مصرة هذه المرة في الوصول الى اهدافها مع ايران وانها ستبدا بالتصعيد ضدها مع ابقاء باب المفاوضات مفتوحا على مصراعيها في وجهها، وانها لن تتوقف حتى لو خاضت حربا ضدها مالم ترضخ لمطالبها، مع قناعتنا بان امريكا لاترغب في خوض أي حرب في المنطقة الان، الا انها ستستمر مالم تراجع ايران موقفها الرافض للتفاوض مع امريكا، وباعتقادي ان ايران ليست بسذاجة صدام حسين حتى تستمر في عنادها وتعنتها، وانها في نهاية المطاف سوف تجلس الى طاولة المفاوضات مع امريكا، ويبدوا ان اول بادرة ايرانية وصلت الى امريكا من اليمن مع اعلان الحوثيين بدء انسحابهم من ميناء العديدة الاستراتيجي، وانها بادرة لمسها ترامب وادارته مما دفعه ليطلب من الايرانيين التواصل معه عبر ارقام تلفونية اوصلتها اليهم استخباراتيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة