الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليلة القدر وتقويم الليالي العددية العالمي الموحد (1)

محمد بن ابراهيم

2019 / 5 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كان العرب يوترون أيام الشهور(الليل والنهار) بعدها بالليالي المعتمة، فيقولون مثلا إن غزوة كذا وقعت لثلاث ليال خلت من شهر كذا. وكمثال حي على ذلك ما ورد في السير والمغازي من أن فتح مكة كان لعشرين ليلة خلت من شهر رمضان " سنة " ثمان للهجرة على ما هو مشهور عند القوم، بل لا نكاد نجد خبر غزوة إلا ونجد أنها أقتت بكذا ليلة خلت أو مضت، أو لكذا ليلة بقين من شهر كذا. وفضلا عما تنطوي عليه هذه الاصطلاحات من التباس بين ما مضى وما خلا وما بقي، وما يعتري هذه التوقيتات الزمنية للغزوات في السير والمغازي من تضارب واختلاف درجة إحباط القارئ والإخلال بتوازنه العقلي؛ فإنها مع ذلك تطرح سؤال المغزى من هكذا حساب.؟ لماذا عد هؤلاء بالليالي المعتمة دونا عن النهار مثلا ؟ ولماذا لم يوقتوا الزمن بالأيام بما هي ليل ونهار / أو نهار وليل لا كما يفهمها المفسرون بمعنى النهار فقط ؟ وهل هذا النوع من التأريخ بالليالي المعتمة هو ما اسماه القرءان بالوتر؟ وإذا كان الحال كذلك فما هو الشفع؟ والى أي حد يدل اليوم في القرءان على النهار دونا عن الليل كما يزعم المفسرون ؟ وما مدى إجرائية اعتبارهم الليلة العددية في القرءان بمعنى اليوم من منطلق أن لكل ليلة نهار كما هو الحال في تفسيرهم لآية الميقات الموسوي المبارك؟ ثم ألا يتناقض ذلك مع تنصيصهم على أن اليوم في القرءان بمعنى النهار؟ ولماذا فسروا إذن آية الأيام الحسوم بقولهم إنما أراد من سبع ليال وثمانية أيام معهود العرب في قولهم سبعة ليال بأيامها أو ثمانية أيام بلياليها. وهم يقصدون هنا طبعا بالأيام "النهارات"؟ وكيف يكون لسبعة ليال ثمانية "نهارات" إذن؟ لابد أن تكون هناك ليلة فوق الحساب المذكور ليعتدل بحسب مبدأ اليوم الغروبي أو حتى الفجري؟ ففي كلتا الحالتين لا يستقيم الحساب بغير إضافة. وعلى فرض صحة ما ذهبوا إليه فلماذا لم يقل القرءان ثمانية أيام وكفى ؟ ما محل السبع ليال من الفهم؟ وهل هي تعبير زائد من القرءان لا طائل وراءه مثلا؟ وهل قوله تعالى لزكرياء: (آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا) هو نفس معنى قوله تعالى له : )آيتك إلا تكلم الناس ثلاث أيام إلا رمزا( .

إن المشكلة الأساسية لدى المفسرين تكمن في نظري في اكتفائهم بتوارث المفاهيم دون محاولة قياس مدى إجرائيتها واتساقها مع مختلف الآيات ذات الصلة، مما يوقعهم في تناقضات تفسيرية صارخة، فعوضا عن ضرب ما استغلق من القرءان بما استحكم فيه يجعلون آيات القرءان يضرب بعضها بعضا فينتجون أفهاما لا يقبلها إلا من سفه نفسه؛ ومن ذلك زعمهم أن اليوم في القرءان بمعنى النهار فقط وقولهم إن معنى ليالي الميقات الموسوي هو 40 يوما: 30 من ذي القعدة و10 من ذي الحجة ؟ فلا هم قعدوا مفهوم اليوم و التزموه ولا هم نظروا في مفهوم الليلة العددية وفصلوا بينها وبين الليالي المعتمة. فإذا تعلق الأمر عندهم بأيام صيام الكفارات اعتبروها نهارات وكأن القرءان لا يعرف الليل والنهار واليوم ؟ أما إذا ارتبطت الأيام بالليالي فيعدونها ليالي معتمة بنهاراتها المشرقة؛ وعلى النقيض من ذلك يرون أن الليالي العددية متى وردت فهي أيام شهور كما هو الحال في تفسيرهم لآية الميقات الموسوي؛ فالمفاهيم عندهم تتلون كالحرباء لا تكاد تستقر على حال؛ لأجل ذلك قررنا بعون الله إشباع فضولنا بأنفسنا إيمانا بنا بقدرة النص القرءاني على إفهام القارئ وقيامته في إنتاج المعنى بمعزل عن النصوص الحواشي بإتباع منهج درئ التناقض ورفض الترادف ما لم تقم قرينة، مع ضرب ما استغلق بما استحكم لاستخلاص المعنى، والانفتاح أخيرا من الداخل على الخارج بسؤال بني إسرائيل أو كتب التاريخ.
إن تقويما مطالع شهوره وخواتمها بمثابة أحجية تقبل في حلها احتمالين إلى ثلاث، لهو في أعلى تقدير ميقات اعتباطي، مهزلة حقيقية تتكرر بفجاجة في كل عام، بل وفي كل شهر:"فالتقويم" الهجري القمري بالشكل المعمول به حاليا ليس له من التقويم إلا الاسم دون المسمى، إذ لا يمكن استعادته فضلا عن وضعه قبلا ولا يتوفر على نظام واضح للكبس، فيغذي بذلك نفسية الارتياب المرضي، ويذكي الجدل الدائم في العالم الإسلامي حول صحة مطالع الشهور بين:
الفقهاء المتمسكين برؤية عيانية مجردة، هي في زماننا هذا من باب تحصيل حاصل يقيني أضحت معه الروايات المؤسسة على فرض صحتها "منسوخة" بارتفاع الأمية عن حال الأمة بعد إنزال الكتاب وتطور التعليم وتقدم العلوم الفلكية والتقنيات. وبين علماء الفلك المدافعين عن الرؤية العيانية بشرط تحقق إمكانها الموضوعي مع تعميمها على كامل الأرض عملا بقاعدة نقل الرؤية، ورغم ما لهذه القاعدة من مرامي حميدة تخرجنا من القوقعة المحلية إلى الأفق العالمي الموحد، إلا أنها عمليا تحول قبلة المسلمين إلى أقصى الغرب فيصومون على رؤية أمريكا؛ ما دفع هؤلاء في آخر التخريجات إلى تقسيم العالم لنصفين، قياسا إلى المعمول به في تحديد التوقيت العالمي الموحد.
وبين هؤلاء الفريقين قوم آخرون يوثرون الرؤية بالوسائل الفلكية من مراقب فلكية وقامرات دقيقة، ولا يجد مشايخهم غضاضة من ادعاء التمسك "بحديث صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته"، بل ويزعمون دخول شهورهم بالرؤية العيانية، وهو ادعاء لا يصدقه إلا مغفل، وحين يتحرجون يردون بان لا بأس من الجمع بين الحساب الفلكي لتقويم أم القرى والرؤية العيانية. والواقع أن القوم ادخلوا الشهور في أثون الصراع السياسي مع الحساب الفلكي لتركيا على القيادة الروحية للجاليات في المهجر وللعالم الإسلامي قاطبة. وحق لهم ذلك فمكة قبلة المسلمين وبيت الله الحرام، فجوهر الخلاف إنما هو على معايير استهلال الشهور، لا على القبلة بما هي مرجعية مكانية وزمانية للمسلمين جميعا.
وأخيرا وليس آخرا ينادي جمع من المسلمين باعتماد الحساب الفلكي المحض استنادا إلى حدوث الاقتران المركزي، وهو رأي يبدوا أكثر اتساقا مع عصرنا هذا، بيد أن هذا الاقتران لا يطابق دائما بداية اليوم الغروبي فقد يحدث في أي وقت؛ ومن شأن الاعتماد الخالص عليه أن يفضي إلى عدة شهر تقل عن متوسط الأيام في كثير من الأحوال بما قد تصبح معه أيام بعض الأعوام اقل من 354 يوما، هذا كما أن مثل هذا الإجراء لا يسمح بتوحيد مطالع الشهور لاختلاف التوقيت العالمي، ومن تم تباين توقيت حدوث الاقتران السطحي حسب المناطق الزمنية، وإذا كان القرءان قد سئل عن الأهلة فربطها بما هي مواقيت بالناس والحج، داعيا إلى إتيان البيوت من أبوابها، فان أولى منطقة زمنية نجعلها مرجعية لتوحيد الأهلة عالميا هي بيت الله الحرام مكة، طالما أن الحاج ملزم بأداء مناسكه على ميقاتها وليس على ميقاته المحلي؛ فحيث أن هذه الأهلة مرتبطة بالحج بما هو نسك مرتبط بمكان معين فوجب توحيد مطالع الشهور وفق المرجعية الزمانية لهذا المكان حيث يؤدى هذا المنسك دون اعتبار لرؤية الأفاق واختلاف المطالع ذلك أن القمر ليس شمسا تشرق حتى يعتد فيها باختلاف المطالع، كما أن ربطها بالرؤية العيانية يجعلها مرتهنة بالشروط البشرية والاعتبارات الإيديولوجية فتفقد مصداقيتها الموضوعية، خاصة مع توالي شهادات شهود الوهم في بلاد الحرمين خلال العقود الأخيرة نكاية بالفلكيين وحساباتهم أو إثباتا لصحة مخرجات تقويم أم القرى.
لكل هذا، وحيث أن القرءان حدد عدة الشهور نصا في اثنا عشر شهرا دون أن يحدد عدة الشهر الواحد منها من الأيام بشكل صريح، وحيث أن المعمول به حاليا في عدة الشهور من الأيام هو شكل من أشكال الكبس الدائم (29. 30). فمعظم البلدان العربية التي تعتمد الرؤية لا تعرف هلال الشهر الأجوف ولا تكاد ترى إلا هلال إتمام العدة؛ الهلال الذي يمكنك أن تراه وأنت في وسط مدينة مغبرة، وإنما تتحايل في الواقع على الشهر الأجوف من خلال قضم أوله والحاقة بالشهر المنصرم حتى تجعل عدته 29 بدل 30، ولولا ذلك لربما كانت عدة أيام عامها 360 يوما بدلا من 354 ؟؟. وحيث أن المعمول به حاليا في تحديد أوائل الشهور وما يعتريه من أخطاء واختلافات ليؤكد أن الرؤية المجردة لا يمكن أن تكون قضية محورية وحاسمة في التحديد الصحيح لأوائل الشهور؛ ذلك أن التعقيدات الفقهية والفلكية المتضخمة حول هذه النقطة بالذات ليست إلا محاولة للتغطية على جوهر الإشكالية الحسابي البسيط، والذي لا يتعدى في سقفه الأعلى معرفة ما إذا كان الفارق بين شهر قمري وقابله 354 يوما أم 355 يوما؟؟. وأمام غياب عدة ثابتة للشهور ونظام واضح للكبس تصبح الإجابة عن هذا السؤال البسيط بمثابة بيضة الديك، فالإشكالية في حقيقتها ليست إشكالية رؤية الهلال وشروطها وأدواتها. إنها ببساطة إشكالية غياب تقويم ممعير كسائر التقاويم من حيث ثبات عدة الشهور من الأيام، أو استقرار الشهور كما هو الشأن في التقويم الجريجوري. ومن حيث وجود آلية موحدة وواضحة للكبس وتحديد مفهوم اليوم ووقت بدايته وانتهائه. فالاعتماد على الرؤية البصرية معيار غير صالح في إثبات دخول الشهور بقدر ما يعيق توحيدها في العالم ويجعلها مرتهنة بالحدود السياسية للدول، وعلى هذا فان الدور الأساسي للرؤية البصرية يكمن حقيقة في تحويل الشهور العربية إلى أحجية لا يمكن القطع فيها بشيء. فرمضان شهر واحد في القرءان له بداية واحدة وعدة ثابتة وواضحة وعلى من حضره الشهر إتمامها. فهل يستطيع أحدكم أن يقطع قولا واحدا أن فاتح هذا الشهر الكريم لهذا العام هو الأحد أم الاثنين أم الثلاثاء؟. هي ثلاث احتمالات يأبى المنطق السليم أن تكون جميعا صحيحة ولو طارت معزة على قول المغاربة وتعددت التبريرات الفلكية والفقهية الفارغة، ومهما يكن فالمؤكد ان ليلة القدر لن تقبل مثل هذا التقويم المعوج.
يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س