الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيدي الرئيس : لماذا لاتخضع الثقافة في مصر لنظرية الأواني المستطرقة ؟

محمد القصبي

2019 / 5 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي..
أتابع ، بل أشارك، مثل الملايين من أبناء وطني بقدر ما يتوافر لي من طاقة في ملحمة البناء الهائلة التي تقودونها.
ولاأبالغ إن قلت أن هذا الذي يجري على امتداد الجغرافية المصرية يثير ارتباك المتربصين بك وبنا ، حيث تتساقط سهام شائعاتهم المغرضة أمام مؤشرات النجاح المذهلة التي يشهدها الوطن في مجالات شتى..
نعم سيدي الرئيس ..كل شيء يتغير إلى الأفضل بتوفيق من الله وبفضل قيادتكم الحكيمة ،لكن ثمة مجالاً مُستثنى من منظومة البناء تلك .. الثقافة التي تتردى يوماً بعد يوم!!
لماذا سيدي الرئيس ؟
في عهد الحزب اللاوطني كنت أستشهد بنظرية علمية لأصف بها الانهيارالشامل في كافة المجالات..من تعليم وصحة واقتصاد وطرق ومرافق...وكنت أردد في حواراتي إنها نظرية الأواني المستطرقة ..مستوى الماء في كل الأحواض واحد طالما أنها متصلة ببعضها البعض ..فالانهيار سيدي الرئيس طال كل شيء عبر نصف قرن .
لكن مايحيرني أن تلك النظرية تفتقد قدراً من مصداقيتها في عصر مابعد 30 يونيو ..وكما أشرت أعلاه ..ثمة ملحمة بناء في كافة المجالات..لكن الثقافة تغيب عن ميادين الحروب المقدسة التي تخوضونها ونخوضها معكم من أجل بناء مصر الجديدة..رغم – ليس فقط أهميتها- بل حتميتها ،وكأن الشأن الثقافي يخص دولة أخرى ، ولاعلاقة له بالجغرافية المصرية التي لايوجد شبر منها الآن لايجري تخصيبه بانفاس روح 30 يونيو..
ولدي تفسير آمل ألا يكون صحيحا ..أنك -فخامة الرئيس- لاتستيقظ من نومك مؤرقا باختلالاتنا الثقافية مثلما تؤرقك قضايا التعليم والصحة والاقتصاد والتطرف ، والإسكان والعشوائيات والبنية التحتية ..
واسمح لي فخامتكم أن أسأل:
لماذا نجحنا خلال خمس سنوات من القفز بمعدلات النمو الاقتصادي من 2% إلى 5,6% ، وربما نتجاوز ال6% خلال العام المقبل؟
لماذا تشيد منظمة الصحة العالمية بجهود مصر في مجال الرعاية الصحية ، وتطالب دول العالم بتطبيق مبادرة 100مليون صحة ، كما جاء على لسان ممثلها في القاهرة د. .جون جبور الذي أكد أن تلك المبادرة غير مسبوقة عالميا ،وتطبق بمنهجية كاملة ؟
لماذا نجح د. طارق شوقي في اجتياز الخطوة الأولى الأشق في رحلة تطبيق النظام التعليمي الجديد ليكون جديراً ، وكل من يخلفه ، بلقب وزير " المعرفة " وليس وزير " التلقين"؟
لماذا يمضي جنود وضباط قواتنا المسلحة والشرطة قدماً وباقتدار في تطهير أجواء الجغرافية المصرية من زفير التطرف المسمم ؟
لماذا نجحنا في إنشاء أكثر من 5آلاف كيلومتر من الطرق وفقاً للمعايير الدولية " سوف تصل خلال العام المقبل إلى 7 آلاف" في فترة وجيزة لاتتجاوز ست سنوات ، لتقفز مصر من المركز ال118 إلى المركز ال75 في تصنيف جودة الطرق على المستوى العالمي طبقا لما نقلته وكالة أنباء الصين الجديدة" شينجوا" ؟

لماذا نجحت وزارة الإسكان في إنجاز 609 آلاف وحدة سكنية خلال العام الماضي ؟
الإجابة من منظور مواطن بسيط..
لأن فخامتكم تتابعون وبشكل مباشر كل مايجري في هذه الميادين ساعة بساعة ..وتحرصون على استقبال المسئولين عنها ، تحاورون، وتوجهون ، وتحاسبون عن أي وجه قصور..
فلم سيدي الرئيس لاتفعلون الأمر ذاته مع الثقافة ؟
لاأتذكر أنكم التقيتم -سيدي- بوزير أو وزيرة الثقافة ، إلا ربما على هامش مؤتمر أو تجمع ما ..
لكن أتذكر أنكم في مارس عام 2016 التقيتم برموزنا الثقافية ..وأشيع حينها أن ثمة لقاءات مماثلة ستنظم مستقبلاً..
انطلاقا من أن المثقف - ليس فقط ضمير أمته ..بل وأيضاً رأس حكمتها ..
فلماذا لم تتكرر تلك اللقاءات ..؟
ينتابني إحساس – آمل ألا يكون له سند من الواقع ..أن فخامتكم ازحتم ملف الثقافة إلى حواف اهتمامكم ..!
سيدي الرئيس.. إن كان أبناؤنا المقاتلون يخوضون بنجاح معركة الشرف ضد الإرهاب في سيناء ، وكافة أنحاء مصر ..
فهذا النجاح مهدد بانتكاسات مستقبلية ، لأن هناك في سراديب العتمة من لايزالون يغذون عقول الأطفال والشباب بزفير تطرفهم المسمم ..
وإن كانت معدلات النمو الاقتصادي يمكن أن تصل إلى 6% خلال عام ..
فالانفجار السكاني يلقي في " حِجْر" الدولة بمسئولية مليوني وستمائة ألف مولود جديد كل عام ، كثير منهم منهم طفح أرحام الجهل .
، مما يهدد بالتهام أي معدلات نمو مهما ارتفعت.
فإن كان بناء الدولة المصرية ينبغي ان يتكيء على العلم والتفكير العقلاني المستلهم من الأديان والتراكم المعرفي الانساني ، فانتشار الدجل والشعوذة –سيدي- يهدد كل جهد لبناء مصر المستنيرة..حيث تشير إحدى الدراسات أن 63% من المصريين يهدرون على مباخر الدجالين مايقرب من 20مليار جنيه سنوياً ، والكارثة أن نخبويين ، بدلا من أن يخوضوا حربا مقدسة لمواجهة هذا النهج الخرافي الذي يهيمن على حياتنا ..نجدهم يكرسونه عبر سلوكياتهم !! ، وأظنك -سيدي الرئيس – بلغك أمر نائب البرلمان ورئيس الناد الشهير الذي كلما تلقى فريقه هزيمة ، عزا الأمر إلى أعمال تصنعها الفرق المنافسة ، عند المشايخ !!!
ونادي القرن حين تلقى عدة هزائم قام مسئولوه بذبح بقرة ل" فك " النحس"!
وإن كان بناء مصر الجديدة القوية المزدهرة في حاجة إلى تجييش طاقة كل أبنائها فثمة تقارير ودراسات تثير بداخلنا مشاعر الإحباط ،حيث تشير إحدى هذه الدراسات والتي اجرتها باحثة في الجامعة الأمريكية إلى أن معدل عمل الموظف المصري لايزيد عن نصف ساعة يومياً ،ومع ذلك يحصل 95% من موظفينا على امتياز في تقاريرهم السرية نهاية كل عام! .
سيدي الرئيس ..إن كل هذه الظواهر الكارثية تعزى إلى تردي الثقافة في مصر.
لدينا مايقرب من 600 قصر ثقافة ونادي أدب ..لدينا المجلس الأعلى للثقافة ولجانه ال28 وقاعاته الفخمة ،لدينا الهيئة العامة للكتاب ..أكبر دار نشر للكتاب العربي عبر العلم..
ومئات المؤتمرات والندوات تنظم كل عام ..
ومع ذلك - سيدي الرئيس - الرسالة لاتصل إلى المواطن البسيط في المدن والقرى والنجوع ..
ولاأبالغ إن قلت حين ينظم مؤتمر أدباء مصر في كل "خريف " بمرسي مطروح أو شرم الشيخ ،أوالاسكندرية أو أي محافظة ، فالمارة في الشارع المجاور لقاعة المؤتمر لايعرفون من هؤلاء وماذا يفعلون ..الجدوى لهذه المؤتمرات سيدي الرئيس تتشرنق في المنظمين والمشاركين ، نزهة تكسر ملل العام ، ووجبات غذاء فخمة ، ولقاء بأصدقاء من محافظات أخرى لم يلتقوا بهم من قبل ..مليارا جنيه ميزانية وزارة الثقافة يُفترَض أن
تنفق في صناعة رسالة تنويرية تستهدف أولاً ودائماً رجل الشارع العادي جداً.. في المدن والقرى والنجوع ، في حلايب وشلاتين والشيخ زويد والسلوم والعوينات ، لأن هذا المواطن البسيط قد يكون الحزام الناسف حول خصر الوطن إن تبنى فكر الإرهاب ،إن أنجب عشرة أبناء ، إن أوكل كل أمور حياته للدجالين .
وقد يكون الدماغ الذي يفكر واليد التي تبني مصر القوية المزدهرة إن نجحنا في استهدافه برسالة الثقافة المستنيرة..الثقافة التي تحفز على العقلانية والنظام والانتاج ،ويقظة الضمير ،وتكريس الجمال في البيت والشارع والعمل.
جدران القاعات الفخمة لهيئات وزارة الثقافة سيدي الرئيس كاتمة للصوت ..لاأحد خارجها يشعر بما يجري ..فإن كان ثمة أصوات تتسرب من نوافذ تلك الجدران إلى الشارع فهي أصوات المتصارعين على المناصب والجوائز والمكافآت ، والمحبط جداً سيدي ..أن بعضاً من رموزنا الثقافية " الرفيعة " ليست بمنأى عن هذه الصراعات ،بل تقاتل بشراسة لتلتهم ما لها ومالغيرها!!
لقد بادرتم فخامة الرئيس عام 2017 بإصدار قرار جمهوري لتأسيس المجلس القومي لمكافحة الإرهاب ..
نحن – سيدي - في حاجة إلى مجلس مماثل لتبني مشروع قومي لإعادة هيكلة الدماغ المصري على أسس تنويرية، مما ينعكس إيجاباً على كافة مجالات حياتنا.
وهذا المجلس موجود بالفعل ..المجلس الأعلى للثقافة ..لكنه في حاجة إلى تفعيل.
إن هذا المجلس -كما يبدو في الواقع - يعد إحدى الهيئات التابعة لوزارة الثقافة ..حتى تعيين أمينه العام يتم بقرار من وزير الثقافة ..
وكمواطن معني بأمر الثقافة أرى هذا إعوجاجاً ..المجلس الأعلى يفترض أن يقود ، ليس فقط وزارة الثقافة ..بل كل الوزارات والمؤسسات المعنية بتشكيل دماغ المصريين ..مثل وزارة التربية والتعليم ، التعليم العالي ، الأوقاف ،
الإعلام ، الشباب والرياضة ، الأزهر الشريف ..
وليته- المجلس الأعلى للثقافة- يقع تحت رئاستكم مباشرة سيدي الرئيس ، على أن
تمنح له كافة السلطات ليرسم السياسات ويضع الخطط للوزارات المعنية ويشرف ويتابع التنفيذ ..وترفع تقاريره نصف السنوية إلى فخامتكم ..
سيدي الرئيس ..حتى تستقيم نظرية الأواني المستطرقة ..وتسيل بلازما البناء في كل شرايين الوطن بغير استثناء ..
آمل كأحد مواطني مصر البسطاء أن تنزلوا إلى ساحة الثقافة، وتجاوروا كل مثقف منتمٍ وشريف في خندق حرب التنوير المقدسة مثلما تجاورون كل شرفاء الوطن في كافة خنادق حروبنا المقدسة ضد الإرهاب ، ضد الفقر ،ضد المرض..
فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي :خندق الثقافة في انتظاركم ..لإصلاح ماتعانيه نظرية الأواني المستطرقة في مصر.. من خلل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟


.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير




.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على


.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر




.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص