الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعليم المنزلي: موضة عابرة أم بديل للتمدرس؟

حميد بعلوان

2019 / 5 / 17
التربية والتعليم والبحث العلمي


من منا لم يكن يكره المدرسة حينما كان طفلا؟.. من منا لا يتمنى لو كان بالإمكان أن يضل مع والديه وإخوانه في البيت أطول وقت ممكن عوض الذهاب إلى المدرسة عند معلم قاس يوبخ بشدة من يجدون صعوبة في الفهم ويثقل كاهلهم بالواجبات المنزلية؟

أنا ممن كانوا دائما يكرهون المدرسة لأني لم أكن أفهم الدروس التي يعرضها المعلمين بالعربية، لأن في طفولتي لم أكن أفهم غير لغتي الأم الأمازيغية.

بعد أن وصلت لسن المراهقة اكتشفت أن في أمريكا و بعض الدول الأوروبية أطفال لا يذهبون أبدا للمدرسة ومع ذلك يحصلون على شواهد عليا ويمارسون وظائف مرموقة بفضل التعليم المنزلي (L instruction à domicile)، في هذا المقال سنتعرف على التعليم المنزلي، ماهيته ومزاياه والدوافع التي أدت بمجموعة من الأسر ل لاختياره كبديل للمدرسة؟

التعليم المنزلي هو خيار آخر يتبعه الآباء الدين لا يريدون إرسال أبنائهم للمدرسة ، ويفضل هؤلاء الآباء أن يقوموا بتعليم أطفالهم وتربيتهم بأنفسهم ثم بعد ذلك يجري هؤلاء الأطفال اختبارات لتقييم مستواهم ونجاحهم في تلك الاختبارات هو ما يخول لهم الحصول على شواهد دراسية حتى وإن لم يذهبوا لأي مدرسة طوال السنوات. ويرجع السبب في اختيار هذا النهج إلى رغبة الآباء في تطوير مستوى أبنائهم بشكل أفضل خاصة أن في معظم الدول لا تزال جودة التعليم فيها ضعيفة.

في السنوات الأخيرة بدأ عدة مغاربة يناقشون بجدية التعليم المنزلي في مواقع التواصل الاجتماعي.. وانطلق هذا النقاش بفضل انتشار وسائل الاتصال الحديثة والهواتف الذكية التي بدأ التلاميذ يصورون بها العنف والضرب الذي يتعرضون له داخل القسم من طرف بعض المدرسين.

في الغالب يكون حب الآباء لأبنائهم والخوف من أن يتعرضوا للضرب تحت دريعة التهذيب هو ما يجعلهم يفكرون في اتباع خيار التعليم المنزلي، رغم كون هذا الخيار يكلف الوقت والجهد ويتطلب تنظيم كبير للوقت.

أما البعض الآخر فيرى أن المدرسة لا غناء عنها لأنها المكان الذي نتعلم فيه الانضباط والخضوع لسلطة المعلم، ومن لا يذهب للمدرسة سيصبح انطوائيا لأن المدرسة هي المكان الذي يختلط فيه الطفل بأطفال آخرين ليتدرب على العيش مع الجماعة ويندمج بسهولة مع المجتمع حين يكبر.

هذا الطرح ليس في محله، لأن التربية لا يجب أن يكون هدفها تنشئة أجيال من القطيع لأن الرقي والتقدم يحتاج لأناس أحرار وليس لمواطنين تم ترويضهم داخل المدارس على الخضوع كالخراف لمن له سلطة، أما بخصوص التدريب على الاندماج مع المجتمع فحتى الطفل الذي يكتفي بالتعلم مع والديه يمكنه مخالطة الناس واللعب مع الأصدقاء وغير من الأنشطة التي تنمي مهاراته الاجتماعية.

من أوائل من روج للتعليم المنزلي في العصر الحديث الكاتب الأمريكي جون هولت الذي ألف العديد من الكتب والمطبوعات حول التعليم منها مجلة تدعى " تنشئة بدون مدرسة"، والتي كانت تعرض مجموعة من التجارب والآراء التي يكتبها أشخاص يؤمنون أن المدرسة ليست هي الخيار الوحيد والأمثل بل يمكن للآباء أن يجعلوا ابنهم متفوقا في حياته ويمتلك مهارات عالية بإتباع ما يسمى "التعليم الفطري" والذي ينبني على ترك الطفل يكتشف بنفسه الأشياء ويكتفي المربي بمراقبته وتغدية فضوله لاكتشاف محيطه .. وهذا الأسلوب يجعل الطفل يتعلم بسرعة لأنه سيحب التعلم أكثر من الطفل الذي يتعرض للضغط وسوء المعاملة داخل القسم.

في بعض الدول (كألمانيا مثلا) لا يمكن الاكتفاء بالتعليم المنزلي للأطفال لأن القانون يلزم الآباء بتسجيل أبنائهم في مؤسسة تربوية معترف بها ، ومن لم يفعل ذلك يتعرض لعقوبات قد تصل لانتزاع الطفل من الاسرة بقوة القانون.

أما دول أخرى مثل فرنسا فتعتبر التعليم المنزلي خيار يمكن اعتماده، مادام يساهم في تنشئة مواطنين صالحين، لذلك وضعوا قوانين تنظم هذا الأمر ، وقاموا بتوظيف مفتشين تربويين يزورون الآباء مرتين في السنة للتأكد أن الطفل يتحسن مستواه كما يجب، وهؤلاء الأطر يقدمون المساعدة الآباء بتقديم النصائح التي اكتسبوها بفضل عملهم في مجال التربية.

المغرب من الدول التي يمكن لأي أسرة أن تكتفي فيه بتعليم وتربية الطفل في البيت فقط إذا اقتنع الآباء أن ذلك سيكون أفضل له من المدرسة، حيث لا يوجد أي نص قانوني في المغرب يعاقب من لا يرسل ابنه للمدرسة.. بل لا يمكن لهذا القانون أن يخرج للوجود في المغرب مادام هناك قرى مغربية ليست فيها مدرسة وأطفالها يعملون في الحقول ولا يعرفون شيئا عن القراءة والكتابة.

إذن كل ما على من يرى أنه مؤهل لممارسة التعليم المنزلي لأبنائه هو تنمية مهاراته في التعامل مع الأطفال بمشاهدة فيديوهات على اليوتوب لآباء اختاروا هذا النهج ونجحوا فيه، ثم أنظروا قنوات يوتيوب يعلمون فيها من يريدون أن يحدوا حدوهم.. وهنا أقترح عليكم أيضا مشاهدة الوثائقي "Être et Devenir" للفرنسية كارلا بلار، هو وثائقي جميل جدا يمكن مشاهدته مجانا على اليوتوب.

أخيرا أود أن أوضح للقارئ أن الهدف من هذا المقال ليس التقليل من شأن المدرسة والدور المهم الذي تلعبه في المجتمع ، بل أريد فقط أريد أن أبين أن في مجتمعات و دول أخرى لا يعتمد الناس على المدرسة ومع ذلك أبنائهم يصبحون مواطنين ناجحين ، فلماذا في مجتمعنا يلوم الجميع المدرسة والإكتضاض داخل الفصول .... إلخ.

ماذا لو حررنا أكبر عدد من الأطفال من هذا السجن المسمى "مدرسة".. وفتحنا أعينهم على ما هو أشمل " الحياة" ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على الحرب في غزة تتحول لأزم


.. هجمات الحوثيين في البحر الأحمر تعود إلى الواجهة من جديد بعد




.. التصعيد متواصل بين حزب الله وإسرائيل.. وتل أبيب تتحدث عن منط


.. الجيش الروسي يحاول تعزيز سيطرته على شرق أوكرانيا قبيل وصول ا




.. مع القضم الإستراتيجي والتقدم البطيء كيف تتوسع إسرائيل جغرافي