الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفتنة الكبرى.. د. جعيط مستنطقا و مصححا.

محمد عبعوب

2019 / 5 / 18
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


في كتابه "الفتنة.. جدلية الدين والسياسة في الاسلام المبكر" الصادرة نسخته العربة الاولى عن دار الطليعة اللبنانية عام 1991 م، يستنطق المفكر التونسي الدكتور هشام جعيط حوادث حقبة من تاريخ الاسلام السياسي المبكر ظلت صامتة، وإن جرت محاولات لاستنطاقها في اوقات متفرقة من تاريخ الاسلام، فهي محاولات جرت لتوظيف تلك الفتنة سياسيا لخدمة توجهات محددة، ولم تُستنطق وتُحلل بعقل تحليلي محايد يستهدف كشف أبعادها الحقيقية ويضعها في سياقها الحقيقي.
الدكتور جعيط يستدعي في هذا الكتاب حوادث تلك الفترة المبكرة من تاريخ الاسلام السياسي (من بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وحتى سيطرة الامويين على مقاليد الحكم) لا ليقدم لنا سردا لتلك الحوادث التي بيض المؤرخون حولها مئات الالاف من الصفحات، ولكن ليبحث في ما وراء هذه الحوادث، وقد استطاع بفكره الثاقب ان يسلط الضوء على تفاصيل لتلك الحوادث ليقدم لنا خلفياتها وبواعث حدوثها الحقيقية، ويدحض عديد الروايات والاستنتاجات التي وضعها مؤرخون لهذه الحقبة لتوظيفها سياسيا لصالح طرف من أطراف هذه الفتنة.
ما شدني وأنا أقرأ هذا الكتاب لأول مرة، هو تزامن قراءتي له مع فتنة لا تختلف كثيرا عن تلك الفتنة، يعيش المسلمون اليوم وقائعها المريرة من الفلبين شرقا وحتى المغرب الاقصى غربا. و أنا أقرا الكتاب اكتشفت أن شخوص تلك الفتنة لا زالوا أحياء، ولا زالوا في عماهم ، لم يغادروا سقيفة بني ساعدة بعد، لا زالوا يحتشدون في أكثر من بصرة وأكثر من كوفة و حروراء ، اكتشفت ان الاشتر حيا ومحمد ابن ابي بكر والحضرمي لا زالوا أحياء أيضا، وان الاشعث وجارية المحرّق لا يزالان يسفكان الدماء، وان ابوموسى لا زال يحاول البحث عن طريق لتسييس الاسلام، و أن الخُرّيت لا زال يتلون بانتهازية مفرطة ليجد له مكان في هذه الفوضى العارمة، و القرّاء والخوارج لا تخلوا منهم ساحة اسلامية، بل انقسموا الى فرق متناحرة تغرقنا ببحور من الدماء .. شخوص تلك الفتنة وجماعاتها الذين غابت عني اسماءهم لكثرتهم، لا زالوا احياء كأسلوب في التفكير وكعقيدة و كممارسة على الارض، لم ينتهوا بعد، بل هم دائما متجددين في الوعي العام للمسلمين عبر العصور..
هذه الشخوص والجماعات التي تسردها وقائع تلك الفتنة الرهيبة والدامية، اراها بكل وضوح وبتفاصيل دقيقة في نموذجها الليبي اليوم الموبوء بفوضى أشباه الساسة وأدعياء الوصاية على الدين وبالوبوئين بأوهام القوة. ما يُميز فتنة اليوم عن فتنة فجر الاسلام ، هو وجود قوي وفاعل ومؤثر لقوى أجنبية في تأجيج فتنتنا اليوم، وهو لم يتوفر لتلك الفتنة المبكرة ، وهذا من فضل الله على الاسلام ، إذ لو توفرت امبراطوريات في تلك الفترة بقوة وتماسك امبراطوريات الشر الموجودة اليوم، لكان الاسلام قد انتهى سياسيا، وبقي على الاقل في حدود مكة والمدينة .
كتاب الفتنة هذا خليق بكم صديقاتي أصدقائي الاطلاع عليه ليعينكم على فهم ما نعيشه اليوم من فتنة مهلكة، نسأل الله العلي القدير ان يخرجنا منها بسلام ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: حماس تمارس إبادة جماعية ورفضت جميع المقترحات المتعل


.. الدكتور مصطفى البرغوثي: ما حدث في غزة كشف عورة النظام العالم




.. الزعيم كيم يشرف على مناورة تحاكي -هجوماً نووياً مضاداً-


.. إيطاليا تعتزم توظيف عمال مهاجرين من كوت ديفوار وإثيوبيا ولبن




.. مشاهد جديدة وثقتها كاميرات المراقبة للحظة وقوع زلزال تايوان