الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وقفة مع كتاب -بيوت العنكبوت..قراءة نقدية في تطبيع الوعي- ل جمال فراج.

كمال هماش

2019 / 5 / 19
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


خيمة التضامن في مخيم الدهيشة أشبه ما تكون بخلية ثقافية ومعرفية تدور فيها المناقشات وتعصف فيها الافكار المتنوعة والمتفاوتة جوهرا وشكلا، فرغم موضوع الاعتصام التضامني الطاغي على حديث الخيمة بخطاب وفد تضامني او بكلمات جميلة من بينية لعريف لحفل أو مشاركة فنية لطفل او فنان كبير ك احمد ابو سلعوم، رغم ذلك تنتشر الدوائر والحلقات الضامة لوحدة تنوع غريبة ،من متناقضات سياسية وايدولوجية وتفاوت في الاجيال.
في الخيمة تتعرف الى اخر الاصدارات الثقافية والفكرية والفنية ..بعد ان تستمع لاخر مستجدات اضراب الاسرى موضوع الاعتصام أو ما طرأ في قضية تسليم جثمان شهيد ..او المرحلة التي وصلت اليها عملية ترميم او بناء بيت لأسرة محتاجة..عقول نيرة براقة وسواعد لا تكل وحناجر تهتف للوطن ..هكذا هي خيمة التضامن التي جمعتنا خلال فترة اضراب الاسرى خالد فراج وحسام الرزة ورفاقهم..عن الطعام ..اخر الشتاء واول الربيع من مطلع العام 2019 م الموافق 71 للنكبة .
وعلى اهمية قضايا التطبيع مع العدو وتمحور الكثير من النقاشات حولها ، علمنا من الكاتب الصحفي حمدي فراج أن كتابا في موضوع التطبيع قد صدر مؤخرا من تأليف شقيقة المرحوم جمال والد الاسير المضرب عن الطعام خالد فراج.. وأنه يحمل عنوان :بيوت العنكبوت "قراءة نقدية في تطبيع الوعي".
العنوان الملفت للنظر وما يشير اليه كرس فضولا كبيرا لمعرفة مضمون الكتاب، وان كنت أطيل في التقديم فلأنني أعرف الكاتب الذي لم يقدم نفسه يوما ككاتب ..هو مجرد مناضل صلب لا يكل عن العمل بيده في مواقع العمل وطرح موقفه في كافة القضايا بهدوء العقل وحدة لسان الذي قد رافقه مرض سكري الدم منذ الطفولة فكل التحية والسلام لروح المرحوم الكاتب جمال فراج.

جمع الكاتب في انتاجه الذي انجزه في المعتقل و الصادر بعد وفاته "بيوت العنكبوت " بين مقولة المكتوب يقرأ من عنوانه عبر دلالاته عن هشاشة البناء القائم على بيئة لا تحتمله ودونما التزام بمحددات الطبيعة التي يقوم عليها البناء الراسخ، الطبيعة التي تلفظ ما لا ينسجم معها من بناء وتتركه في مهب الرياح لتقتلعه من أساساته الضعيفة ، و يجمع الكتاب بين التفكير الفلسفي والتأصيل اللغوي والاصطلاحي لمفردة التطبيع الشاسعة برؤية صلبة مسبقة ومرافقة لكل صفحات الكتاب في الرفض المبدئي للتطبيع القائم على معادلة تفتقد للندية والتكافؤ والقناعة الذاتية بمنتج العلاقة الطبيعية بين اطرافها.
ومع علمنا المسبق بأن الكاتب ليس بالرجل الاكاديمي وان اطلع على مناهج البحث العلمي فان ذلك من قبيل الثقافة العامة ، الا ان الكتاب يستند الى اهم اركان البحث من حيث حرصه على التوثيق وان لم يراع ما تتضمنه مناهج العمل الاكاديمي الكلاسيكي، خاصة وانه لم يطرح كتابه كبحث علمي أو دراسة اكاديمية ،الا ان عملية التوثيق ذاتها وحيثما وردت قصدت التأكيد وتجنيد الوعي لصالح موقف الكاتب الرافض للتطبيع بلغة وأدلة يسودها الاقناع والاسناد.
ومن خلال مطالعة "بيوت العنكبوت" نلمس الجديد في قراءة موضوع التطبيع والمتمثل في الكثافة الكمية والنوعية للمعلومة المتعلقة بموضوع الكتاب والتي لم تتوفر في كتابات سابقة بما يجعل من هذا الكتاب احد المراجع المهمة لدراسة مسألة التطبيع في بعديها النظري المجرد والسياسي العام وخاصة ذلك الجزء المتعلق بنشاط التطبيع مع العدو الاسرائيلي من اشخاص ومؤسسات فلسطينية على اختلاف تصنيفاتها، ولعل الجلد المذهل الذي تمتع به الكاتب طوال سنوات عمله على الكتاب ساهم في اخراجه بما يمكن المثقف والقارئ البسيط من استيعاب مضمونه والاستمتاع بصياغته.بغض النظر عن درجة وعيه في الموقف من التطبيع.

يتجاوز الغرض من الكتاب الدعوة التقليدية لمقاومة التطبيع لينفذ الى الطبقات الاخطر من تأثير سياسات وسلوكيات التطبيع على الوعي الذي يدير سلوكنا تجاه العدو ويهدد جوهر اهدافنا الوطنية وادوات تحقيقها مستشهدا بنماذج نظرية وعملية تمس الاقتصاد والاجتماع السياسيين وتوجز من تاريخ الصراع العربي الفلسطيني مع الصهيوني ما يكفي لرفدالقارئ بذخيرة داعمة لتعزيز القناعة في مقاومة اثر التطبيع.
انطلق الكاتب في الفصل الاول من كتابه المشتمل على اربع فصول من عرض التعريف العام للتطبيع لغة واصطلاحا واستخداما على ارض الواقع مبينا شروطه واشكاله ومتعرضا لاهمية التطبيع كضرورة تستلزمها العولمة بمنطقها الامبريالي ليخلص الى بلورة موقف من التطبيع استنادا الى توفر شروطه من عدمها والاشكال المناسبة له في ظل اشتراطاته والظرف الذاتي والموضوعي لأطرافه.
لينتقل في الفصل الثاني الى النموذج الرئيس والمتمثل في قراءة التطبيع في الصراع العربي الاسرائيلي ،مقارنة بالمفهوم العام للتطبيع ومستعرضا كلا من الرؤية الصهيونية والرؤية العربية للتطبيع بشكل منفرد في ظل السمات الرئيسة التي يراها الكاتب للصراع العربي الصهيوني من منطلقات قومية تقدمية
ويذهب الكاتب في الفصل الثالث مباشرة الى شرعنة الكيان الصهيوني والخطوات المتدرجة في انجازه لشرعية وجوده، مبتدئا بوجود الكيان كضرورة للمركز الراسمالي العالمي وترتيباته الاستعمارية للشعوب، وتحقيق هذا الكيان اعترافا بوجوده في النظام الرسمي العربي ومنظمة التحرير عبر الاعترافات المتبادلة الرسمية لبعضها مع اسرائيل والاعترافات الضمنية وتشريع وجود الكيان الصهيوني عبر الالتزاام ببرنامج حل الدولتين الذي يعني في مضمونه تشريعا لوجود الكيان في فلسطين..
ويرى الكاتب ان الاحزاب الثورية واليسارية والاسلمية العربية متماهية مع النظام العربي الرسمي بمبررات تطلقها لتقنع نفسها وقواعدها بما تذهب اليه من مواقف.
وفي سياق الكشف عن اسباب بحث الكيان الصهيوني عن علاقات طبيعية مع المحيط العربي والاسلامي في الفصل الرابع من الكتاب ،حدد الكاتب تسعة نقاط حرجة تكفل الواحدة منها وصول معادلة وجود الكيان الى نقطة الانقلاب التفاضلية، والتي تترجم سياسيا بانتكاسة مشروع وجود الكيان بجوهره وشكله، ولن اتطرق لهذه النقاط لحاجتها لمتسع لا توفره المقالة وتاركا ذلك لفضول من يتفضل بقراءة الكتاب.
والأمر الذي لا بد من الاشارة اليه هو النماذج التي يستعرضها الكاتب في سياقات تاريخية ويعالجها وفقا للمحددات النظرية لمقولة التطبيع على مستويات مختلفة ،فنستكسف خلال القراءة خارطة واضحة من التحالفات العلنية والضمنية على أسس من تبادل المصالح للأنظمة والقوى السياسية والاجتماعية التي انخرطت في التطبيع مع الكيان الصهيوني مقابل ضمان استمراريتها
،كما يأخذنا الكاتب الى تجوال مريح في الاحداث التاريخية المتصلة بالصراع العربي الاسرائيلي والنزعات الاقليمية في تحليل مادي مستند الى فهم جدلية العمليات السياسية ومرابطها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
ورغم ضخامة العمل المكون من ما يريد عن خمسمائة صفحة من القطع المتوسط،الا ان أن اسبابا متعددة تدفعك لمتابعة القراءة لما نجد من احاطة شبه كلية بموضوع التطبيع وناذجه المرتبطة بالاحداث السياسية التاريخية،تشبع نهم وفضول القارئ وفي أحيان كثيرة تلامس التوقعات من كتاب بهذا المضمون والحجم .
وفي المراجعات التقليدية لأي كتاب فان اقتباس العبارات المحورية التي تؤشر لاتجاهات مضمونه على اهميتها ،فانها كثيرا ما تشكل استعاضة عن القراءة بحد ذاتها ،الا انني رأيت الخروج عن هذا المنحى والاكتفاء باستعراض المفصل الاهم من وجهة نظري وهو تحديد الشروط المرجعية لاقامة التطبيع العقلاني والمطلوب كضرورة في وبين المجتمعات البشرية كما يحددها الكاتب ويستند اليها كمعيار لتقييم ما يسمى تطبيعا فيما ان كان تركيعا من طرف لأخر او تطبيعا عادلا..
ويستعرض الكاتب شروط التطبيع على النحو التالي ..
1-التطبيع يتم بين طرفين او كيانين مستقلين على خريطة الصراع وتحكمه الندية.
2-ضرورة اعادة الامور الى طبيعتها ما قبل بروز الصراع.
3-ازالة الشروط الاجبارية وتوازن القوى .
4-ان يعكس التطبيع مصالح المجتمع برمته وليس فئة بعينها.
5-ان يحقق العدل والعدالة .
6-اعتراف بالمسؤولية التاريخة .
7- التاسيس لهيكل جديد للعلاقات الاجتماعية والسياسية بين الاطراف.
واعتقد هنا ان المثالية الثورية حكمت تصورات الكاتب للتطبيع بين الكيانات سواءا كان تطبيعا سياسيا او اقتصاديا او ثقافيا واجتماعيا ، من حيث ان العلاقات بين الدول أساسا هي علاقات القوة ولا تقوم على النوايا الحسنة ..الامر الذي يقودنا تحليليا انه لا مكان لتطبيع العلاقة بين استعمار استيطاني وشعب تحت الاحتلال لاختلال كافة المعايير المعروضة ..وان نهاية الصراع هي بزوال احد الطرفين .
واذا ما عرجنا لمطالعة البنية التحريرية والسردية للكتاب ، فقد نجح الكاتب في الامساك بالقارئ وبلغة قابلة للفهم ن المسستويات الثقافية المختلفة،حيث تتسلسل الافكار في تراصف فسيفسائي تجمع في نهايتها الفكرة الكبرى للكتاب والتي تدعونا جميعا الى مواجهة ثقافة التطبيع مع الكيان الصهيوني بعد تبيين مخاطرها على الوعي الوطني والوطن بمجمله .
وحقيقة كم تمنيت ان تطول مقدمة الكتاب التي كتبها د.عادل سمارة وهو المبحر في مناهضة التطبيع وعيا وممارسة، الا انني اكتفي هنا بمقترح د.سمارة بضم بعض محتويات هذا الكتاب الى المناهج التعليمية لارتكازه الى مراجع مهمة وتجارب عينية خاضها ولا زال يخوضها شعبنا والشعوب العربية مع سياسات التطبيع.
واخيرا فانني أنصح السياسي والمثقف ورجل الاقتصاد وطلبة العلوم الانسانية بشكل خاص بالاطلاع على هذا العمل الكبير بمضمونه ومعالجاته لأداة مركزية من أدوات العدو في اجتياح الوعي العربي والفلسطيني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزير الخارجية التركي: يجب على العالم أن يتحرك لمنح الفلسطيني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي عيتا الشعب وكفر كلا جنوبي لبنان




.. بلومبيرغ: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائف


.. التفجير الذي استهدف قاعدة -كالسو- التابعة للحشد تسبب في تدمي




.. رجل يضرم النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترمب في نيويورك