الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لم أكن وحيداً في عيد العمال عن الرفاق والثورة والحب

عصام شعبان حسن

2019 / 5 / 19
الثورات والانتفاضات الجماهيرية



في عيد العمال أتذكر محاولات التعبير عن أنفسنا، رفع رايتنا، شعارات حول الأجور والأسعار، والطبقة العاملة، التحضير للمظاهرة وربما الثورة، رايات حمر أمام مجلس الوزراء المصري في 2010، أرسل بالأمس رفيقي رامز صبحي صورة لمظاهرة عيد العمال عام 2013، نلحظ أننا وضعنا عصا المكانس لنرفع بها الرايات، نتذكر تعليقنا أننا كنا "نريد كنس الرأسمالية برايتنا" بينما إمكانيتنا محدودة، نطبع شعارات المنجل والمطرقة بالاستنسل، نشتري أقمشة حمراء حريرية أو بولستر من سوق الأزهر، ليرسمها أحد فناني الحزب، رفاق بينهم وحدة الطريق والهدف، اتفقنا على التضامن والدفاع والمساندة، بوصفها وقود الحراك، وقوته، اكتشفنا مدى ضعفنا حين تقسمنا، في عام 2015 حين كنت أجري مقابلات حول "أثر الحراك الشبابى على ثورتي مصر وتونس" سألت أحد الرفاق من حزب العمال التونسي، لماذا يترك الشباب أحزابهم اليسارية؟.. كان رده واضحا: "لم نتركها هي التي تركتنا".. تذكرت ساعتها كيف ترك الشباب أحزابهم اليسارية حين التحق بعضها بموجات تأييد السلطة، واتخذ الباقون موقع المتفرج أو المعلق الرياضي.

كانت آخر مظاهرة للعمال في القاهرة في 2014 بتصريح أمني بعد صدور قانون التظاهر 107 لسنة 2013، شعرت بالألم والحزن، كيف نحرر أنفسنا والطبقة العامة، ونحن نستأذن السلطة التي تقهرنا في أن نتظاهر ضدها، من يومها لم نتظاهر في عيد العمال لأسباب عديدة، منها أنه لا تظاهرات مسموحة في مصر للعمال أو غيرهم، ولا للقوى السياسية، بالإضافة إلى ضعف قوى اليسار التي كانت تكافح قبل الثورة وتتحدى السلطة في سنوات (2005 - 2010) وتتظاهر في العيد العالمي للعمال.

مؤلم هذا الانكسار الذي عرفته الأجيال الحالمة بالثورة في أكثر من بلد عربي، يدعو المشهد إلى الحسرة، ويتضمن ما هو شخصي وعام، تشعر فى الميادين بالألفة والتضامن، الأمر ذاته يتعلق بميل الإنسان إلى الاجتماع البشري، وما تتركه العلاقات الإنسانية من محطات لا تنسى، حتى لو كانت قصيرة.

نبكي ونضحك معاً

نتذكر طفولتنا والأيادي التي عاونتنا على المسير، وحين نكبر وتتسع شبكة علاقتنا، نذكر رفاقنا وأصدقاءنا، الذين شاركونا أحداث تداخل فيها العام والخاص، الآمال والأحلام المشتركة، لحظات الفرح والحزن وما بينهما من بكاء، نحن العرب ويمكن أن نقول عموما البشر، نبكي ونضحك معا، ليس بالضرورة بالتشابك مع أغنية "يبكي ويضحك لا حزناً ولا فرحا، كعاشق خط سطراً في الهوى ومحا"، لكن الأغنية تحتل مكانتها هنا، وتظل منفتحة في التعبير والتفسير، للعام والخاص، من خلال كلمات بشارة الخوري، وما تحمله من وقع، خاصة في فيلم "باب الشمس" حين وظفها يسري نصر الله ليحكي عن المناضل الفلسطينى يونس وحبيبته نهيلة التي تصرخ "أمري بيدي" في وجه الاحتلال والسلطوية معا، وحكايات الغربة والترحال والتهجير والحب والمقاومة، حكايتنا وتغريبتنا اليوم في الأوطان والشتات وحكايات الثورة المهزومة، وحركات المقاومة المشتعلة، والآمال متشابكة.

أحلام ما زالت قائمة لكنها تحت التهديد، صعبة التحقق إن لم تتوفر ظروف مواتية لتصبح وقائع، اليوم وبعد هزيمة ثورة مصر وسورية وليبيا واليمن، وإخفاق محاولات الإصلاح، يعرف المتابع، حجم آمالنا، ويعرف أكثر الحالمين وقع الانكسار والأزمة.

انقسم وتفتت رفاق الحلم في مصر ما بين الوحدة والغربة والمنافي والسجون، كنت مع رفاقي نحلم قبل الثورة، وبعدها وما زال بعضنا متمسك بحلمهم، ويشارك أجيال من الشباب العربي الحلم ذاته.

فرصة للتظاهر

في العام الماضي 2018 انتهزت فرصة وجودي في تونس لأكون ضمن تظاهرة الاتحاد العام للشغل، رافعين شعارات "التشغيل استحقاق يا عصابة السراق" وغيرها من شعارات الثورة والعمال.

في المغرب هذا العام (2019) تكرر المشهد، كنت أود المشاركة في مظاهرة عمالية في الرباط، لكن عدم وضوح موقف القوى النقابية واليسارية وإعلانه متأخرا، وكذلك المسافة بين الرباط ومراكش محل المؤتمر المشارك فيها، منعني من الالتحاق برفاقي في الرباط.

خرجت مع أصدقاء بعد انتهاء أيام العمل لساحة الفناء بمراكش، لتتاح فرصة المشاركة بالتظاهرة التي امتدت في شوارع وسط المدينة، ولكي لا أكون وحيدا، كما يكرر السجين اليساري المصري أيمن عبد المعطي، شاركت مظاهرة أول مايو لأصدقائي على الفيسبوك، خاصة المصريين منهم لنكسر الوحدة، بالمظاهرة تدفقت الذكريات، الأحداث، الانتصارات والهزائم، رفاقنا من رحل واغترب وسجن، اثنان غير مصريين قررا بعد مشاركة قصيرة الرجوع، تضامنت معهم ثالثة لكي لا تحدث مشكلة عائلية إثر بلاغ ربما يقدم للأجهزة الأمنية فيعطل المرور إلى الوطن ويستبدل بتحقيق وعقاب، قد ترى السلطة في تظاهرها مع العمال في المغرب تجاوزا غير مسموح، بقيت رفيقة معي بالمظاهرة، لكي لا أكون وحيدا، قبل المظاهرة طال نقاشنا مقاربات سياسية واجتماعية، حكيت ساعتها عن إحساس النشوة في مظاهرات الجامعة، العمل العام، الحب والعلاقات الاجتماعية، تضامنا وتساندنا، الثورة والحب مقاربات وتقاطع، يحمل كلاهما الانتصار والهزيمة والتضامن والتعاطف، كلاهما تشاركي إنساني وغير اعتيادي، مساحات من التشابك والاختلاف، بينما الآمال واحدة، تجارب سياسية، حول اليسار الاجتماعي، حراك الدوار الرابع، خيبات وانتصارات هنا وهناك، ومساحات ومشاعر متشابكة لا تخلو من الفرح والحزن كلما تموجنا في الحكي والحركة.

شعرت بالامتنان لإسراء كيف لم تخف، وكيف لم تتركني وحيدا في المظاهرة، حكينا عن حالنا، جيلنا، تعثرنا، وأحبائنا ورفاقنا، عن الثورة والمحبة ونشوة الانتصار، وثقل وقع الهزائم، والفراق أيضا عن أحلامنا القصيرة.

تقابلت مع جلال من تيار المناضلة، بخطوات سريعة وكأننا أصدقاء، اشتريت الجريدة، وتحدثنا كما أتيح لنا، قدمت التحية لنضال رفاقي الذين أعرفهم من خلال الجريدة والأخبار، وحكايات رفيقي سلامة كيلة الذي قدر نضالهم وقدروه، فرح جلال بحضوري وكأنه يعرفني من زمن، قدم لي العزاء، بادرته بالتحية والوعد بلقاء قريب.

في الطريق تذكرت وهبة المناضل الطلابي السوداني، تمنيت وما زلت، ألا تهزم ثورتهم، وألا يشعر بالوحدة مثلي، وألا يتفرق رفاقه بسمتهم الجميل، ومحبتهم الوافرة، الفنان "الهادي" الذي رسم صورة لعلي ابني، من دون أن يراه، فشعرت بالامتنان كشعوري بالفخر ورسومه فى الميدان، وكذلك رفيقنا الذي يستكمل طريقه في الغناء حاملا إرث العائلة والخال مصطفى سيد أحمد، ورفيقي عاطف إسماعيل المناضل الذي هجره نظام البشير ليستقر في القاهرة، تذكرته وأخوه الشاعر الذي كتب سيرة وطن، حين كتب الشعر والنثر معا، شعرت بالفخر وأنا أقرأ سيرة عائلة رفيقي عاطف.

الحرمان "وحش"

كانت مظاهرة مراكش محطة لمشاركة الآخرين، مواقفهم المقاومة، آمالهم ومحبتهم وربما حتى حزنهم وبكائهم الذي يشعرني أني ما زلت قادرا على التفاعل والحب والتشارك، مظاهرة مراكش، المصادفة التي جعلتني سعيدا، مغادرا لمشاعر سلبية كرسها الحكي والحوار في غرف عن قضايا عمومية لا تشتبك مع الواقع بقدر اشتباكات شخصية هدفها انتصار ذاتي وكأننا فى معارك جادة، بينما المعارك في الشارع موجودة، مفارقات قد تعلي من فكرة التظاهر والتعبير والمصارحة، خاصة أننا محرومون منها في مصر، تعرفون أثر ذلك ربما في "أكليشهات" مصرية تقول مثلا: "الحرمان وحش".

لم أكن وحيدا فعلا وأنا في المظاهرة، التي تجسد وجودا اجتماعيا وإنسانيا، فضلا عن دلالتها السياسية، التي تمثل لي التعبير والميل إلى التحقق والاشتباك مع الواقع.

التعبير والفعل الحر، يتضمنان النشوة ذاتها التي تعرفها مع الحب الأول، والمظاهرة الأولى، والثورة فى أول تمظهرها، في الانتفاضة الجسد والروح، والصحوة في مغادرة اللا مبالاة، والتجاهل والانزواء، في التشابك وأن تكون في المشهد، الامتنان لهذه الحياة واللحظة التي تجعلني ألا أكون وحيدا.

عصام شعبان
5 مايو 2019








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري