الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدلالات الانثروبولجية لتقديس النجمة في اقليم الدريعات بالحضنة الشمالية ( الجزائر )

عزيزو عبد الرحمان

2019 / 5 / 19
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


النجمة الخماسية (☆) هي رمز هندسي مشهور جداً في كل أنحاء العالم. هندسياً ترسم عادة بأضلاع متساوية الطول زاوية كل رأس من رؤوسها مساوية 36°. تستخدم هذه النجمة بكثرة في السحر والأساطير كما انها رمز مشهور في أعلام الدول والرتب العسكرية في الجيش.
ربما تستمد غرابتها مقارنة بالأشكال الاخرى بكونها مكونة من خمسة خطوط متصلة غير متقطعة لا متناهية يتم رسمها دون رفع القلم مما جعل البعض يعتبرها تعبر عن سر الوجود وتحتوي الكثير من الاسرار حاصة وان بالنسبة الذهبية المعروفة بالعدد (فاي) الرقم المقدس او الرقم الذهبي (1 ,618) موجود بها اذ انه حاصل قسمة طول احد الاجزاء على خمسة
ويعتبر القرم الذهبي من أكثر الأرقام إثارة للجدل على مر التاريخ فقد أطلق عليه المختصون اسم ( الرقم الروحي ) أو ( النسبة المقدسة ) (Golden Ratio)وقد طهرت هذه النسبة فعليا الى الوجود _ بعد أن قام العالم الشهير ( ليوناردو) بعمل المتوالية الشهيرة:1 _ 1 _ 2 _ 3 _ 5 _ 8 _ 13 _ 21 و فكرة هذه هي أن كل رقم يساوي مجموع الرقمين السابقين و الغريب في أمر هذه المتوالية وهو أنه في حالة قسمة أي رقمين متوالين فأن نواتج القسمة تكون دائما ( 1,618 )
بعد ذلك كشف علماء البيولوجية خاصية غريبة تتعلق في مجتمعات النحل هي أن عدد الاناث في أي خلية يفوق عدد الذكور بنسبة ثابتة وهذه النسبة هي 1,618 وهي النسبة الغامضة نفسها التي ظهرت في متوالية ( دافنشي ) الشهيرة. كما عثر علماء الاحياء أيضا على خاصية أخرى غريبة في جسم الحيوان الحلزون فنسبة قطر كل التفاف لولبي الى اللولب الذي يليه هو 1,618 أيضا وجسم الانسان كله على هذه النسبة فـلو قست المسافة من قمة رأسك الى الأرض و المسافة من سرة بطنك الى الأرض وقمت بالقسمة ستحصل على الرقم الغامض نفسه 1,618 فجسم الانسان بتناسقه الكامل هو مثال حي لنسبة 1,618 وعلى الأرجح ان هذا الرقم معروف منذ العصور القديمة للتاريخ فقد أستعمله مهندسون وفنانون كثيرون منذ العصور القديمة. فمثلا هرم "خوفو (Khufu)"، المبني في سنة 2800 ق.م. تقريبا، يظهر أن مهندسه استعمل الرقم الذهبي وكذلك شأن مبنى "البارثينون" (Parthenon) بأثينا، الذي تم بناؤه في القرن الخامس ق.م وأيضا يوجد إشارة إلى هذه النسبة في بناء أهرامات الجيزة في مصروهناك من يعتبر أن النجمة تشير الى خمسة نقاط كجسم الإنسان الرجلين والذراعين والرأس فأرجلها تمثل النار والتراب واذرعها الماء والهواء وفي ذروتها الرأس الجوهر اللامادي الذي يمثل الروح النجمة المنتظمة ككل بنسبتها الذهبية (فاي) بين أحد خطوطها و المسافة الفاصلة بين راسين رمزاً للإعتدال الكوني ونسبة فاضلة في مزج المكونات السماوية المثالية وربما ارتبط تقديس الرقم خمسة بفكرة النجمة ومكوناتها
يشار ايضا الى ان تقديس النجمة _كرمز او بسبب النسبة الذهبية -نجمة له ادلة اثرية كثيرة ففي بلاد الرافدين عرفت السيدة انانا (Inanna) او عشتار بشعار النجمة وعرفت نجمة عشتار (Star of Ishtar)أو نـجمة الزهرة ( في اقليم الحضنة الشمالية يسمونها نجمة الصباح لأنها اخر نجم يحافظ على تلؤلوه حتى طلوع النهار ويعتبرونه فال خير وبركة ) وهي في الفلك كوكب الزهراء شقيقة الارض و يقول المؤرخون أن كوكـب الزهرة تاريخيـا مـثل الاله عشتار عند البابلين, كما اسـتخدم الفينيقيون النجمة ايضـاٌ لتمثـيل الاله عشتروت ( نظير عشتار عند البابليين ) مع ملاحظة ايضاً ان كلمة (star) في الانكليزية تعني (نجمة) وربما متأثرة باسم الآلهة عشتار (اشتار بلفظها البابلي والاشوري
وتعد قصة عشتار التي رمزها النجمة هي قصة وفاء وحب وتجدد للحياة مثل نجمة الصباح التي تطل بعد ليل طويل و تعلن بطلوع النهار وتباشير النصر بعد الطلام الذي اعتبر في كل الحضارات رمزا للشر والظلم تنتصر عليه نجمة الصباح مثلما انتصرت عشتار عن الشر عندما قررت ان ترافق حبيبها تموز (Tammuz) الذي مات وسافرت معه الى العالم السفلي وهزمت الظلام وارجعته الى الارض في قصة اسطورية للوفاء والتمسك بالحياة
اخذ شكل النجمة فيما بعد اسم الزهرة (venus) رمز للحسن والجمال والبيضاء والانوثة في اقليم الدريعات بالحضنة الشمالية يضرب المثل بالنجمة والشمس للفتاة الجميلة ذات المكانة العالية وتسود عبر الجزائر اغنية غزل شهيرة غناها رابح درياسة (مغني متشبع بالطابع الشعبي الجزائري البدوي الاصيل) تتغنى بالنجمة استعارة عن الحبيبة الجميلة او المعشوقة تقول كلمات الاغنية ( نجمة قطبية اطلت عني بعد الليل ____ سمرة خمرية جرحتني بعيون غزالة ____شهلت عينيا من ذيك الخزرة المذبالة ) ونجمة بعد الليل هي الزهراء
واعتبرت ساعة الزهراء عند المنجمين هي الساعة المناسبة للقيام بأعمال الحب والتهييج وجلب النساء لان الزهراء في اعتقادهم هي ملك القلوب وسلطان الحب ولا حب اقوى من حب عشتار لزوجها تموز – السالف الذكر _ كما وترتبط الزهرة بمبادئ التآلف، والمرونة، والجمال، والنقاء، والتكافل، والتعاطف، والمساواة، والحافز للوحدة مع الآخرين. إنها تشمل الرغبة في المتعة والراحة والسهولة. تحكم الزهرة العلاقات الرومانسية، والزواج، ومشاركات الأعمال، والجنس، والفنون، والأزياء، والحياة الإجتماعية
فلكيا يعود سطوع هذا الكوكب ورؤيته من الكرة الأرضية ، لانعكاس كمية كبيرة من ضوء الشمس بسبب كثافة الغلاف الجوي فيه و قربه إلى الشمس. (يبعد الزهرة عن الشمس نحو 108 مليون كيلومتر) وقد كان الزهرة هاماً لسكان أستراليا الأصليين حيث كان يجتمع حشد منهم بعد غروب الشمس بانتظار ظهور الزهرة، للتعبير عن اتصالهم بمن ماتوا من أحبتهم لطاما اعتبروه رمز اتصال الأرواح المحبة والتقائها لم تكن الشعوب القديمة تفسر الامور كما نفسرها الان لكن عقلهم كان يعمل وكانوا يخترعون ما يسد حاجياتهم ويكفيها ويزيد
في الكثير من الحضارات كان وقت المغيب ( الاوقات كما يسمون في اقليم الحضنة الشمالية ) ووقت الشروق ( الصبحية كما يسمون في اقليم الحضنة الشمالية ) هو وقت إنفتاح مملكة الاموات وانغلاقها واتصال الارواح ولذلك ربما يمنه سكان الاقليم ابناءهم من اللعب وقت المغيب خوفا من خروج الارواح الشريرة من العالم السفلي بينما يستبشرون بالصبحية ويقولن انها وقت مجيء الرزق ( قسام الارزاق ) ووقت زيارة الاموات الاجداد للبيوت لذلك يفضل كنس البيت قبل شروق الشمس حتى تجد ارواح الاجداد – ربما _ البيت نطيفا واذا تأخر الكنس الى شروق الشمس فالأفضل الا اكون لان الغبار المتصاعد يؤذي الارواح الزائرة ، ربما كان الامر ايضا خلق دافعية للكد والنشاط والنهوض باكرا ومباشرة اشغال البيت يقولون في الاقليم حكاية لا يعرف راويها أن فتاة تزوجت حديثا وحين زارت امها اخبرتها بانها تعاني من كثرة افراد البيت ( حيث تتحمل العروس الجديدة مسؤولية البيت والتنظيف والاكل على كل افراد العائلة ) كانت نصيحة امها ( الا غلبوك بالكثرة اغلبيهم بالبكرة ) اي ان تفوقوا عليك بكثرة عددهم فتفوقي عنهم بالنهوض باكرا ومباشرة اشغال البيت قبل شروق الشمس ، النهوض باكرا ومواجهة نجمة الصباح فيه بركة كبيرة ومن لا يستيقظ باكرا فهو خارج قانون القبيلة اسوء الرجال يقولون في الاقليم ( اللي ينوض كي يتفرق السوق ) اي الذي يستيقظ بعد شروق الشمس ، ربما فرض صعوبة العيش ووجوب العمل على السكان ان يخترعوا ما يدفعهم للعمل والنهوض باكرا خصوصا انهم مرتبطون كثيرا بالأرض
اما النجمة السداسية نجمة داوود التي تعبر عن علم إسرائيل فبعض المؤرخين يقولون انها إسلامية في الأساس ولا علاقة لها بالعلم الإسرائيلي الصهيوني من قريب أو من بعيد قد ظهرت على أربعة أطباق من الخزف المستخرج من منطقة رأس راية 10كم جنوب طور سيناء، ضف الى ذلك ظهور النجمة السداسية في حضارات مختلفة قبل الإسلام ولكن دلالاتها في الحضارة الإسلامية ارتبطت بمعاني روحية سامية ودلالات خاصة تؤكد العلاقة الوثقى بين السماء والأرض، وتعبر عن اندماج شكلين يمثلان السماء والأرض عن طريق تداخل مثلثين المتجه رأسه لأعلى وقاعدته لأسفل يمثل الأرض، والمتجه رأسه لأسفل وقاعدته لأعلى يمثل السماء".
يرتبط تقديس النجمة عند سكان الحضنة الشمالية بتقديس عناصر الطبيعة عند البربر ، ان الانسان الاول في تعامله مع المقدسات تعامل مع الشمس والقمر والنجوم قال تعالى على لسان ابراهيم الخليل :" فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) ) سورة الانعام ابراهيم الخليل يقول المؤرخون انه عاش في بابل وعايش النمرود (Nimrod) وقد كانت فكرة تقديس عناصر الطبيعة وقتها موجودة ، ويبدو ان ابراهيم هو اول من نقل الدين من مفهوم الملموس الى مفهوم التجريد بالدعوة الى عبادة اله لا يرى ولا يسمع ولا نشعر به
مما سبق يمكن القول ان تقديس النجوم لدى سكان شمال افريقيا يرتبط بزمن سابق و معاصر للزمن البابلي أي ان تقديس النجمة لدى سكان شمال افريقيا له دلالات عدة اهمها ان انسان شمال افريقيا تعامل مع الطبيعة وقدس عناصرها وهي اول فكرة لنشأة الدين فيكون بذلك هذا الانسان من قدماء صانعي الحضارة البشرية هذه الفكرة وتسير جنبا الى جنب مع الاكتشافات الاثرية الاخيرة في المغرب وسطيف التي خلقت طفرة ابستمولوجية هائلة في علم التاريخ والاثار والانثروبولوجيا
المراجع :


Collins, Paul (1994), "The Sumerian Goddess Inanna (3400-2200 BC)", Papers of from the Institute of Archaeology, 5, UCL
Forrest, S. (2012). The Inner Sky: How to Make Wise Choices for a More Fulfilling Life. Seven Paws Press, Borrego Springs, CA
Jean-Luc Périllié, La découverte des incommensurables et le vertige de l infini [archive] : tran--script--ion d’une conférence, Grenoble, 2001, p. 18
Piotr Sadowski (1996). The knight on his quest: symbolic patterns of transition in Sir Gawain and the Green Knight. University of Delaware Press. p. 124
Summerson John, Heavenly Mansions: And Other Essays on Architecture (New York: W.W. Norton, 1963) p. 37
William T. Stearn, « The Origin of the Male and Female Symbols of Biology », Taxon, IAPT (en), vol. 11, no 4,‎ mai 1962, p. 109-113








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليار شخص ينتخبون.. معجزة تنظيمية في الهند | المسائية


.. عبد اللهيان: إيران سترد على الفور وبأقصى مستوى إذا تصرفت إسر




.. وزير الخارجية المصري: نرفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم | #ع


.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام




.. وكالة الأنباء الفلسطينية: مقتل 6 فلسطينيين في مخيم نور شمس ب