الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكايات الدكتور سْفَر 7‏

زياد بوزيان

2019 / 5 / 20
الادب والفن


كانوا كأنهم هم الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن و المعنيون أكثر من غيرهم بوحدة ‏نقد قديم و حديث و معاصر‎ ‎‏. لِأنهم أشرس معارضي أفكار الشيطان الأكبر شَبَهْ الدكتور ‏سْفر! و قد اجتمعوا بعد الإفطار في ساحة قرب مسجد البلدة في غمرة أجواء السهر ، في ‏ضي القمر و المناسك ، منتظرين سانحة لأداء بعض ركعات التراويح فاسحين المجال لنشوة ‏الحكي و فجأة يظهر كأنه الدكتور سْفر غير بعيد و قد امتطى حافلة النقل بين القرى.‏
ــ " لا شك أن الدكتور سْفر قد اشتاق إلى أقاربه فأراد زيارتهم في هذه السهرة الرمضانية "‏
ــ " أعتقد أنه ذاهب لتلبية دعوة من أحد أصدقائه" قال آخر، فهو ليس من هذه المنطقة ، إنه ‏يسكن في الحي المخصص للأساتذة لكن أعتقد أنه يسكن وحيدا .‏
ــ ألا يجدر بنا أن ننتظر هنا حتى يعود لنعرف إن كنا نداوم غدا أم لا؟
ــ "ربما يعود ربما لا ، اذهبوا أنتم لقضاء التراويح بينما سأبقى أنا هنا أترصد أي جديد" قال ‏خامسهم ثم فتح دفترا صغيرا و بدأ يخط فيه الكلِم تلو الآخر ثم أخذ يشطب و يعيد حتى ‏استوت الكتابة نظما في فقرات عدة كأنهن المقال أو " لا رْتِيكل " الجاهز للنشر.‏
‏ ــ ما هذا الدفتر و ما تلك الأسطر فيه؟ ما كنت تخطه يا السي زي... دعني أرى ( يحاول ‏معرفة الكتابة)‏
ــ لا شأن لك به. أنظر هناك أنظر ها قد عاد الدكتور سْفر .‏
ــ أخ عاد الماكرو .. ليته لم يفعل لنستمتع بالنوم غدا ‏
ــ أأصبحت تكتب أو تشعر من ورانا ولا إيه لا!.. موش معقول! يجب أن تقرأ علينا ما كتبت ‏حتى نتبين أمرك قبل فوات الآوان!‏
ــ احترم نفسك من فضلك أحسبتني حكواتي مثل الدكتور سْفر كل مرة يعطي لعاقرة الحكي ‏النسواني فيه ، مرة عن الصحراء الغربية ، مرة عن السودان ، مرة عن إسراطين ، مرة عن ‏الشيطان في كل مرة و إلا يخوض فيحلق على العالم بأجمع كأنه شهرزاد زمانها ‏
ــ لا أوافقك ، أنت مخطئ التقدير. لا تنسى نصائحه لنا عن نقدنا و أدبنا وهي جد واقعية ، ‏أكثر ما كان يحكيه يقع في خانة التصويب أو نقد النقد. الدكتور سْفَر ليس دكتورا عاديا ، من ‏لقي منه رعاية أو إشادة فهو حسبُه ، و هل يكون عاديا الأستاذ الذي يقول لطلبته من شاء ‏منكم فليشكرني و ليطري في شكره و من يشاء أن لا يفعل فلا يفعل ، بل من يشاء فليسلّم ‏علي و من يشاء فلا يسلّم لأن ذلك لا ينقص من علامته و لا يزيد فيها شيء عندي؟! و هل ‏يكون عاديا الأستاذ الذي يحث طلبته ( المهتمين ) على الاختيار الحاسم بين مصنفات ‏المشارقة و مصنفات المغاربة كي لا يتسببوا في إحباط و تراجع مستواهم اللغوي ، و هل يكون ‏عاديا الأستاذ الذي يكرر ملحاً على طلبته : أن الناقد الجزائري أجبرته الظروف على ترك نقد ‏المقدسات و السلطويات للناقد العربي في المشرق ليضطلع بدوره (الذي سيشهد له به التاريخ) ‏في نقد لغة و أدب ذلك الناقد الذي يقول "أنا ناقد جزائري"! و لغة و أدب ذلك المبدع الذي ‏يقول "أنا مبدع جزائري"! إننا بلا شك سنكون أكبر الخاسرين إن هو حُوّل أو رحل. ‏

في الغد يحاول الدكتور سْفر التمهيد لموضوع الدرس لكنه ينسى نفسه فيسترسل في حكاية ‏جديدة مصيبا خطوط التماس إشكالية العلمية و الذوقية في النقد و الابداع باحترافية كدأبه
ــ لو رمتم تنمية قدراتكم اللغوية فلا بأس من الشعر الحر أيضا لتنمية مهاراتكم البلاغية فلتقرأوا ‏الجواهري ولا تهمكم شخصيته و عليكم بمعن بسيسو و أمل دنقل و مدرسة التجديد السياب ‏‏(انشودة المطر) و البياتي ( الكتابة على الطين ) و من بعدهم عدنان الصايغ مثلاً عليكم ‏بديوانه " انتظريني تحت نصب الحرية " وهو متوفر.‏
هنا يشعر أحد أفراد مجموعة الخلف و كأن الدكتور سْفر يستفزهم ﺒ--- "بسيسو" هذا و يُهينهم فأراد ‏أن يستعمل حق الفيتو و يرد له الصاع صاعين سائلا : ــــ أستاذ ما رأيك في الطالبات ‏المنقبات وهل كنت ستسمح لهن بإجراء الامتحان؟
ــ الحمد لله أن هذا النوع غير موجود عندنا كنا سنقع في ورطة حقيقية معهن في الامتحانات ‏لأنهن يرفضن الكشف عن وجوهن.‏
ــ شفتهم فين ، يعني حضرتك رأيتهن فين؟ و ما مناسبة سؤالك؟
ــ في قطاع غزة ، على اليوتيوب
ــ افتكر أنهن موجودات كمان عندنا في بعض الأقسام العلمية لكن لا أخفيكم أن من حقها ‏إخفاء وجهها مالم تضر بغيرها ، و أنا شخصيا أثق بدون شك من كون الوجه الذي يخفيههن ‏وراء غطاء أسود هو لصاحبته المكتوب اسمها على بطاقة هويتها. لكن في الامتحان القانون ‏بقدر ماهو واضح : لا يُمتحن من لا تعرف هويته ، بقدر ما هو أعمى كذلك ، لا يُلتمس ‏بالإيمان و بالاعتقاد بل بالملموس وحده.‏

الحكاية الرابعة عشر« غموض النقد الأكاديمي في الجزائر و التباسه ‏‎«‎‏ ‏

لقد قلت لكم مرارا و تكرارا أن هناك جدلية نقدية حار في أمرها النقاد قديما و حديثا هي تلك ‏التي تجمع بين اللغة و الفكر أو المعنى أو الدلالة أو دعنا نقول تجمع بين مستوى التعبير ‏بتدخل ملكة اللغة و مستوى الفكر الذي تقدمه تلك اللغة ، أي نوع العلاقة بينهما ، وهي ‏العلاقة التي سميت بالنظم في تراثنا النقدي ثم بالأسلوب بعد ذلك وتتقاطع مع الشعرية كذلك ‏و تتداخل ، و قد أسهب في دراسته ابن سلام الجمحي في "طبقات فحول الشعراء" و ابن ‏قتيبة الدينوري في "‏‎ ‎الشعر و الشعراء" لكن الذي تعمق في دراسته هو عبد القاهر الجرجاني في ‏كتابه "النظم " ثم في" الصناعتين" وقد وجدت لطلاسمه فكا في المشرق العربي بينما لم تجده ‏له في المغرب العربي إلا عند قلة قليلة ، فالناقد الجزائري عبد الملك مرتاض سبق له وأن ‏تناوله بصفته مهتم بالتراث النقدي العربي و الغربي معا ، قائلا في كتابه "في نظرية النقد" ‏على ما أعتقد ص 31 : « إشكالية أو أهواء النقد الثلاث : إحداها أو ثلاثتها هي التي ظلت ‏تلاحق النقد و يلاحقها ، فإذا هو يزعم أنه قادر على تقمص نزعة الفن ، وعلى تقمص نزعة ‏العلم ، و على تقمص نزعة الاحترافية فقط فيغدو حينئذ مجرد ثرثرة » ولعل قول مرتاض ‏هذا يحوي تناقضا وغموضا مادام النقد يشتمل على أهواء فمعنى ذلك أن الخاصية الإشكالية ‏هاته ليست لصيقة بالنقد إنما بالناقد (و يشاركه الأكاديمي المتخصص في النقد و الأدب) و ‏ناقد المغرب العربي دون مشرقه بالتحديد ؛ حين ينزع إلى اهمال الجانب الفني أي اهمال اللغة ‏فنيا نحويا و تذوقيا أيضا ظانا أن العلمية أو حفظ النظرية النقدية و المنهج الفلاني كفيلان بأن ‏يجعلا منه ناقدا أدبيا و أكاديميا ذا مستوى! و في الحقيقة هذا النمط واقع في وهم كبير؛ فهم ‏يهينون أنفسهم و يزجّون بمنجزاتهم الفكرية النقدية إبداعا و ترجمة في الانعزالية و التقوقع تحت ‏دعوى ( النقد العلمي أو النقد الأكاديمي ) والجين عصبية الركاكة أعزكم الله ، أتذكر في هذا ‏السياق زميل لي أكاديمي قديم في جامعة الجزائر ، من مواليد نهاية الأربعينيات رأيته يقول ‏لطلبته في الماجستير ( هو معروف ، صورته تشبه "اللاز" في عنجهية و تكبر و ايديولوجيا و ‏محاباة حتى تكونوا على بينة) يقول لهم و يحدثهم عن المستويات اللغوية في العمل الأدبي ثم ‏يشير ببنانه إلى الباب شارحا : أيعقل أن يكون هذا شخص التافه له مستوى فكري و لساني؟ ‏هذه الإشارة بالبنان تنم عن كبرياء و خصاصة ناجمة عن عدم تذوق الابداع و جمالية اللغة ‏و عدم القدرة على الإحاطة بتشكيلاتها و تعرجاتها الفنية . فأنا أقول لكم نعم يُعقل ذلك ؛ ‏يمكن أن يُعبّر المبتذل عن فكر ذو مستوى عال جدا ، خذوا الشاعر الحطيئة و ما شابهه أبو ‏العتاهية و شعراء عبد قيس و عبد الحميد الديب في التراث العربي يمكن أن يعلّموا هذا المغرور ‏ــ البعيد كل البعد عن حقيقة ما يلقيه على طلبته! برغم أنه أكاديمي قدير غير أنه يعوزه شيء ‏جوهري يفتقده هو وكثيرون أمثاله ، التذوقية في النقد و جماليات التعبير كائتلاف اللفظ/المبنى ‏و صنعته بالمعنى كما في نظرية النظم فلا يستغنى عن الذوقية بعلم ــ يعَلِمُوه قائلين له ماقل ‏ودل وهو إنما يجني على المرء أدبه ، و إذا انحط أدبه قبل فوات الأوان لم يفده علمه ، لينزلُوه ‏عن وهم تسبيق المنهج العلمي في الابداع والنقد عن الفن و التذوق بالتالي ينزلوه عن تكبره ‏عن طلبته و غرمائه الأساتذة المتذوقين للأدب أفضل منه لو هم عادوا إلى الحياة الثانية. أما ‏قول مرتاض بوجود ما يسمى احتراف النقد ، خاص بالناقد غير الأكاديمي ، أي احتراف يلج ‏صاحبه النقد لا من ناحية الفن ولا من ناحية العلمية فمغالطة عندما يتعلق بسياق المغرب ‏العربي ، بكل بساطة لأن الضالعين من هذه الفئة ( صحفيين ، معلمين .. ) في دروب النحو ‏و الفصاحة المتحكمون في فنون البلاغة بسلاسة و طلاوة محدودة جدا أعدادهم فكيف بهم ‏يحللون كل نظم!؟ بل كيف يعطون له أهمية أصلاً و يعطون أي عمل أدبي حقه فنيا و علميا ‏و بأي أسلوب إذن يوصلونه لفهم الناس؟ ليت شعري! أو ليس أن فاقد الشيء لا يعطيه؟ ولما ‏كان أنصار منهج الآليات العلمية في النقد و الأدب من الأكاديميين متعصبين اتجاه المبدعين ‏و الذوقيين لافتقادهم وهج جمالية اللغة في معجمهم ، ستجدهم متكبرين على أي ممارسة ‏احترافية في وسائل النشر الشعبية كاليوميات و الملاحق الأدبية. حتى صار معنى الاحتراف ‏في النقد و الابداع مع مرتاض وغيره من النقاد الجزائريين يعني افتقاد العلمية و‎ ‎هذه أكبر ‏مغالطة فالأولى هو الذوق و القاعدة المتينة في النحو و البلاغة ثم فلتأتي بعد ذلك القواعد و ‏الآليات العلمية و شعرية السرد نقدا و ابداعا ( عندما يعمد الروائي إلى تعويض جماليات اللغة ‏بجماليات مشكلة من تضافر عناصر الرواية كالشخصية و الفضاء و المنولوج و السرد الذاتي ‏المتناوب بين الشخصية و الراوي عن الجنس مثلا و الذي تعتوره التقريرية ) و ليحولوا نظرهم ‏اتجاه ملاحق الأدب و الثقافة في مصر ليتأكدوا مما نقول.‏

و مازال الأساتذة الأكاديميون الجزائريون لا يؤمنون في الأدب و النقد بضرورة الموائمة بين ‏الجانب المعرفي الحفظي للنظرية العلمية بالحاسة الإبداعية الشعرية و الذوقية على أن تكون ‏نسبة هذه الأخيرة طاغية و إلا فالأحسن و الأولى لهم أن يتحولوا إلى علمي الاجتماع و ‏الفلسفة ، إذ لا بد من التذوقية و هي التي نعني بها ضرورة محاباة الناقد و الأكاديمي طرائق ‏التعبير (الأسلوب) بغض النظر عن مستواه حسن أو عادي دون اهمال النهج العلمي كلية و ‏أن يفرقوا بين شعرية اللغة و شعرية السرد في المقام الأول ، ثم يفرقوا في شعرية اللغة بين ‏الضحالة المعبرة عن حفظ اشعار السلف ثم إعادة نسخها و تقليد آساليب بعينها و بين ‏الابتكار المعتمد على قوة المخيلة و انسيابية الصور الشعرية و تدافعها على نحو فني على ‏حضن المعنى في المقام الثاني. نحسب ذلك جوهر ما في تخصص اللغة العربية و آدابها ، و ‏إنما يرجع الفضل في وصول الرواية العربية لنوبل لتغليب الذوق الفني تخييلا وتشكيلا بدءا ‏من أدب الإحياء إلى مدرسة التجديد في المشرق العربي إلى الرواية الواقعية ، و حتى ‏ترجماتهم مثلا تُخضع النظرية النقدية الغربية للتحوير إن لزم الأمر كي تعبر عن الثقافة و ‏الخصائص الابداعية العربية شعرا ونثرا ونقدا ، فهي تؤثر أسلوب النظم المؤتلف مع نكهة ‏جدية الطرح مضمونا و خطابا بالاتكاء أيضا على المقاربة العلمية ، بينما نحن في المغرب ‏العربي لا هو المختص في اللسانيات و لا المختص في السرديات فعل ، يتصرف كأنه بقسم ‏الفلسفة أو التاريخ ، لا يتحرج من أن لا يقيم وزنا للجانب الإبداعي و الذوقي في اللغة بتاتا ‏لأن ليس له القدرة على صياغة الكلِم الفني و صوره الشعرية الخليقة بشخص يقول أنا و أنا ‏في إلى الأدب و النقد ، بل لا يتحرج عندما يبدع بغيرها من اللغات و يكتفي بترجمةٍ إذا ترجم ‏، بكتيبات ظلت تترجم منذ عقود ككتيبات "مبادئ في اللسانيات" و "كتاب فلسفة اللغة و المبدأ ‏الحواري" و " الأدب المقارن" .. التي ظلت تترجم منذ خمسين سنة خلت ، ولا يؤلف إن ألف ‏بأسلوبه الخاص ما تعلمه أو ما يحوزه من معارف و أفكار إضافية في التخصص المختار ؛ ‏لسانيات أو أدب مقارن أو نقد ثقافي أو سيميائية ليطرحها على زملائه و طلبته ، ليرتقي بها ‏أو ينافس المغربيين مثلا و يلقى مثلهم سمعة عربية ، أبدا .

أما الصنف المقابل له فإن وجد ‏فهو يعد على أصابع اليد ، جلهم من خارج الجامعات و مراكز البحث الكبرى ( العاصمة ، ‏وهران ، قسنطينة) أي أكثرهم من الجامعات الداخلية كالودي و الجلفة و بسكرة و ورقلة و ‏تلمسان. بل كما قلت لكم سابقا فاللغة هي الأساس ، لا يوجد فن أدبي وفن نقدي بدونها و ‏دون التحكم في قواعدها لا هناك لا أسلوب و لا شعرية حقة ، إذن فكيف سيترجم أفكاره من ‏تعلم في المدارس الغربية بلغة أجنبية في السوربون و غيرها من الجزائريين إلى العربية من ‏غير السقوط في الركاكة الأسلوبية ( و تنوع الأسلوب لا ينتج عن التنوع الأجناسي و التعد ‏اللغوي الغير خاضع هو الآخر لقواعد نحو و بلاغة و ذوقية و جمالية ، كما حاولت بعض ‏البحوث و الطروحات المنجزة عندنا أخيرا إيهامنا به ، إلا إذا كان عاديا أو بسيطا أو ركيكا ، ‏فهي عوض استعمال مصطلح الانزياح أو" التشكيل الأسلوبي" اتجهت إلى استخدام مصطلح ‏‏"التنويع الأسلوبي"!! و على نطاق واسع بدأ يبعث على الخوف ؛ فهي تعتمد على النظرية العلمية ‏أو المنهج العلمي بمعزل عن جمالية اللغة و تذوق بلاغتها اختصارا و تكثيفا و ترجيحا بنسب ‏مخيفة حتى فهمت مفهوم الأسلوبية الذي طرحته المدرسة الغربية عن طريق بيار جيرو : ‏طريقة للتعبير عن الفكر بوساطة اللغة ! ، فهْما عِلميا جافا مما أفضى بها إلى حلقة انتاج ‏الأساليب الركيكة بداهةً ؛ خلطا غير واعيا بين التداولية [ استعمال براغماتي اجتماعي للغة] ‏و الأسلوبية [ تشكيل فني للغة] و الخطاب [ التلفظ ضمن سياق أو ميدان معين] أو حتى ‏واعيا في بعض الأحيان ) و عدم الدقة في التعبير المفضية إلى الغموض و الضبابية فضلاً ‏عن اختلاق الهجنة و إشكالية المصطلح المتراوحة بين استيراد ثقافة الغرب مع تلك النظريات ‏أو تجاوز الاستعمال و التداول الحالي للغة بالبحث عن ما يناسب اللفظ دون الاكتراث بالمعنى ‏، أو العكس ، و بالعودة إلى المعجم اللغوي القديم المهجور التداول و لعله يحضرني مصطلح ‏مبتدع يثير الغثيان و هو مصطلح " جماليات التقعيد" و مصطلح آخر هو التقعير في النحو ‏على وزن التئبير! و آخر هو استراتيجية النحو أو الحذف على خطى استراتيجية الخطاب ‏لظافر الشهري .. و لعل كثرة ظهور هذه المصطلحات المتقاربة المفهوم في البحث النقدي ‏المعاصر في المغرب و الجزائر راجع إضافة إلى اعتوار الملكة اللغوية و الجمالية المستنِدة ‏لمجتمع بل و تحنّطها إثر محاولة تجاوز ذلك بتهجين لغة النقد ‏metacritic‏ حتى يوائم الراكب ‏المركوب إلى نهج غير مدروس و جبان ، ينم عن عصبية الهروب إلى الأمام و التعنت في ‏عدم الاعتراف بمعيارية النقد الأدبي و نقاده في مشرق الوطن العربي و فضلهما على حركة ‏النقد العربية ، كما تحضرني ترجمة كلمة ‏palimpsestes‏ بلفظ غير متداول و مهجور و هو ‏أطراس بل و غير صحيح نحويا أيضا.‏

في الحقيقة أطراس ‏palimpsestes‏ هاته المكونة من خمسة حروف ليست بالكلمة المعربة ولا ‏حتى بالفارسية وإنما هي جمع غير صحيح أو غير مستعمل لمفردة الطِّرس المنقرضة ‏الاستعمال : الصحيفة من الرق أو الجلد الذي يُمحى ثم يكتب عليها من جديد ، أي إعادة ‏الكِتابة علَى المكتوب الممحُو ، وقد استعمل جيرار جينيت كلمة ‏palimpsestes‏ استعمالا ‏استعاريا [ يقصد بها " النص المتفرعHypértexte ‎‏ " أو كما ورد في عنوان الكتاب أعلاه ‏توضيحا لذلك "باليمبسست الأدب في الدرجة الثانية". و الكتاب وإن كان يتحدث في الفصل ‏الأول عن خمسة أنواع من المتعاليات النصية فهو يُعنى أساسا بهذا المصطلح المستعار من ‏حقل المعلوميات ؛ فقد جاء في القاموس الموسوعي‎ "HACHETTE Grand Dictionnaire ‎Encyclopédique" ‎‏ عند مادة‎ "hypertexte" ‎ما يلي : مجموع نصوص تظهر دفعة واحدة ‏على الشاشة و لكنها صادرة عن فضاءات مختلفة للذاكرة ]‏
‏ ولم يحافظ المترجم الجزائري و المغربي على معناها أي احتفظ باللفظ دون المعنى مخترقا ‏قاعدة الائتلاف التي تمنح نظما راقٍ يعيد للعربية في هذا البلد دماء وجهها أو قل يُضفي ‏أسلوبا على كتاباتهم و ترجماتهم ، فالجمع الأصح ﻠ--- طِرس طُروس و ليس أطراس وفي ‏الحقيقة أطراس هذه هي ترجمة ملتبسة و غير مدروسة بدقة كعادة المغاربة لكتاب ‏Palimpsestes/la littérature au second degré‏ للناقد الفرنسي جيرار جينيت ‏Gerard ‎Genette‏ صاحب نظرية " المتعاليات النصيةtextuelles ‎‏ ‏Les Transcendantes‏ " و هي ‏خمس متعاليات منها "‏‎ ‎التناص ‏Intertextualité‏ " فلماذا أردتم أن تعيدوا الحياة لمفردة ميتة و ‏يوجد بدلها الكثير؟ كتوارد النصوص ، تعدد النصوص ، تداعي النصوص .. مثلا ، لعلّ ‏الإجابة تكمن في إرادة منافسة العرب المشارقة في ترجمة النقد الأوروبي دون زاد علمي و ‏لغوي وافر فسقطوا في غرابة ترجماتهم من ثمة رداءة نقودهم و آساليبهم حتى، لأنها اتسمت ‏بالعلمية دون الحاسة الفنية و الذوقية.

انتهى الأستاذ من الكلام و بدأ ينظر إلى الساعة لكنه سرعان ما أردف قائلا : آه تذكرت ‏نسيت شيء مهم هو كتابة جماليات الجسد في أعمال الجزائريين الروائية وقيمتها الفنية ، ‏سترون كيف ينطبق تعريف بيار جيرو للأسلوب على أعمالهم ؛ إذ تطغى على تلك الاعمال ‏فن تصوير الجسد لكن مع بساطة اللغة و كأنها صور جاءت لتعوض جماليات اختيار اللغة و ‏ايحاءاتها معجميا نحويا و بلاغيا ، بالتالي يعتري ابداع و وصف/قراءة خطاب جماليات ‏الجسد / الجنس هذا الابتذال في أحايين كثيرة ، كما في روايات " أصابع لوليتا " و " الخبز ‏الحافي " و " غرفة العذراء المدنسة " وهو ابتذال يشبه في وصفه وصف رجل الشارع ، فهو ‏جنس بورنوغرافي في هذه الحالة شئنا أم أبينا عكس كتابة الجسد لدى يوسف إدريس و يوسف ‏الشاروني و صنع الله إبراهيم و عاشور رضوي حيث يُضفي التشكيل اللغوي المرافق فن و ‏أسلوب و هو أسلوب الايروتيك الذي له قيمته الفنية أدبيا. ‏
‏ وصدق المفكر المصري الراحل زكي نجيب محمود حين قال مصر هي أنت ، فإذا كان ‏هناك أي نقد توجهه لمصر فوجه أولا لنفسك. و نحن اليوم نقول نفس الشيء للجزائري و ‏نضيف له عبارة "وكفاك غرورا" ‏
و عندما ينتهي الدرس يخرج الجميع حتى الزميل الخامس و يبقى من مجموعة الخلف أربعتهم ‏فيفتش أحدهم في محفظة الخامس و يقرأ ما خطه في كراسته ليلة الأمس

الحكاية الخامسة عشر« مجد عند شجرة البلوط »‏

اليوم الطَّريق لِلعودة ، العودة إلى الرّبيع ، و إلى السّاحة البِكر، إلى أفق الأرض الطاهرةُ ‏الرحبة هناك ، و إلى المرجِ الأخضر، إلى النّبع ، إلى الجدول ، إلى الأشجار، إلى الخرير، ‏إلى الحفيف .. و إلى عالم الملائكة ، ﺃ---جل. ﺃ---نا اليومَ عائد ، عائدٌ و معي صديقي اﻷ---بدي " ‏الصبيُ ﺃ---نا" الذي كنت ، و الذي صِرت ، و الذي قصدته كلَّما و حملته أينما ، لكن يذكِّرني ‏على ما ﺃ---ذكر ﺃ---نه هو من ﺃ---رادني لمسلك الحياة هذا .. و نأخذ المسلك العظيم دوما جنب إلى ‏جنب نحفلُ بالرَّبيع ، ثم خذ قصة العودة نفسها تجدها بعض شيء من حلم طفل قاب قوسين ‏ﺃ---و ﺃ---دنى يكاد يطير بروحه و عمره إلى حيث موكب أنس و شجرة ، حين تتلقّفهُ أغصانها ‏المتمايلة و عصافيرها المرفرفة بالرب و إليهما ، إلى حيث شُعاع الشمس اللطيف ، يُقابلك ﺃ---بدا ‏بابتسامتهِ العريضة ، يفرش طريقك ﺃ---نوارا وﺃ---نوار تتلئلأ كمُهجة الروح اشراقاً.. و يزدك جديد ‏ﺃ---مل في الإبحار.‏
‏ و تركب نفسي ، أقصد نفسه ، موج اﻷ---مل ، الذي كلُه ﺃ---مل ، منسم عبر عبير الخيزران و ‏شذى الترب من لحا البلوط ... آه ، ﺃ---ركب معه ذاك الخفيف اللامتناهي و الرقيق الرقيق ‏ﻷ---ِخترق به كل الحدود ، وﺃ---بين للعالم في وضوح من دون تخفي ، نعم . إنه خيال ذلك الحلم ‏الأسطوري بل إنه قصة الروح الماجدة ، الروح المحبة للخير و الانسانية.‏

‏... و القابعة تحت رحمة القدر لازالت تنتظر و دوما مقدم الرّبيع! ها ذا أنا أغور أتلوى و ‏أتسكع في وحدة مظنية بشوارع النُّبل الغافية .. كلا ورب الكعبة لن أتخلى عن وحدتي هاته ‏متى حييت ، لأنها ملاذي الأخير إلى الصبي الجارف يسكن رعشتي، و إلى انعتاق من سُبل ‏القُيود. بلاَ مثلكِ أنا.. لكن لن يرحمكِ و أياي القدر، أتضوّرُ جوعاﹰ--- إلى نور الرَّب ، إلى آيتهِ ‏سأعود وإلى الربيع أنا، أجل و الصّبي سنبيتُ نمجِّد الرّبيع ، أو نسعى إلى الظلام فيتوقف بنا ‏الزمن عند عتبة الفجر الكاذب ؛ أينما حللت و جدته كذا ربيعاﹰ--- كاذباﹰ--- بأنوار حمراء تسطعُ منها ‏على الجميع عيونٌ حمراء تبكي من شدة الفرح ، وهي تغرق في حنان كاذب.. إنني أنا ‏الانسان. و اﻵ---ن لست ﺃ---ركع لله بل للجنون المُباح و المُفترض اللاَّجنون المُباح!‏

‏ ما ﺃ---كفرك أيُّها الشيطان تقف إلى البحر و لا تقف إلى النار، .. أنا الماجدُ عند شجرة ‏البلوط و لتخسأ كلُ مُتربصةِﹺ--- أو تغار على من يُميطون اللِّثام أو ينتعلُون النِّعال البرَّاقة. أبغي ‏ذِكرى الحنان و عطشان أنا عند الساقية ، أتعذب في عذوبة و حُرقة إلى الجنة الخضراء التي ‏هي في ذاتي، لكن أين أنتِ مني أيّتُها الذات؟ سأعود ، سأعود لأبحثَ عنكِ داخل الغاب ‏معرجاﹰ--- على المغرِّد العندليب لألتمسَ منه سنفونية الخُلود و أعبث أنا باللّحاء و بالفطر الرَّخو ‏المُعطَّر بِكلتا يداي وأُقشره وأستقي جميع أسراره ، وـأهيمُ وسْطَ الأخضر اليانع ، و ملياﹰ--- لا ‏أنصرف حتى أفتري على الصيّادين لِأُضللهم وﺃ---نجُو مع من نجا إلى واحة الحُب .. في قلبِ ‏الغاب ؛ مُحيي الهمهمات الرؤوف البلبل ينوي الإنشاد ... بل سأطيرُ أنا و أحلق جنباﹰ--- إلى ‏جنب و زُريق القمم في غمرة ذكريات اليوم و الأمس و أرحلُ إلى الصَّمت الرَّهيبِ في العُلى ‏لِاٴ---لجَ ذلك اللَّحن الجلجامشي كالوعد في أفق الجنة ، أُريده يسكبُ الأعذب الأسمى و الأرقى ‏في قلبي ؛ ﺃ---علو و ألتفت و أنتشر مع التَّرانيم ، و ﺃ---نصتُ لِآية السَّروة و السنديانة و أُشمُ عبير ‏الصنوبر الزَّاهي ، و ﺃ---قترب ﺃ---قترب من رؤية الرَّبوة السعيدة ذات الوُرود النَّدية‎ ‎طلعُ هواها الفواح ‏، شافي الربوع و صار مُجلجلاﹰ--- في قلبي هواها أكاليل الياسمين و الزهر و الاٴ---ُقحوان ، .. ‏شُدي أزري نجمة الألى و المحار و إن لم أتِه بعد ، لكن أنا أبحث عن ذائعِ الصِّيت بين الوادِ ‏و شمِ النسيمِ و الحقلِ المديد و النَّادرِ و المُحتطب ، تعودتُ أن أراهُ فيها يَبغي الوِحدة ، لها ‏يأنس ليستنير، هو المُعبأ بِحِنكة الوُجود فمتى رﺃ---يته أيُّها النّعيم؟

‏ لا لا لم أركْ قط! .. منذ أَمدٍ لم أركْ. إنّهُ فقط حُلم طيفُكَ يُراودني كل مساء عندما أهمُ ‏بالرُّجوع ، أنا اﻵ---ن بعيد عنك أيّتُها الرّبيع ، أجل هاذي هي الحقيقة ، فما أقساها و أوجعها ‏حقيقة و الحين بعيد أنا عنكِ أيّتُها الذات بعيد .. بعيد.‏

‏ يا مُوهب الرَّبيع و الحنين سائر في موكبك ، أبغي الحقلَ و شطآن الحرير أنا و لا عزاء ‏لي؛ أرنُو إلى الفجرِ الذَّهبي أنا و بشائر الخُضرة و النّعيم الضافي في ذَيّاك المرج الخصيب ‏،.. أريدُ مرفأ الرُّوح لِأختلي بالرُّوح و أخلُد إلى ذاك الغدير و ذاك اليمِ العميق و قطائف ‏المنبت حول الزّرب و الجدران المتهدم القديم.‏
أجل. هذا ما نشدت و ظللت أنشده .. و‎ ‎اﻵ---ن فقد سلوناك مدن الموت فلتغيبي وترحلي عنا حضارة ‏الموت.‏

ــ « لا أدري أأقول لك بخٍ بخٍ أم بـــــــــــعْ عْ عْ ؟ أسلوبه هذا مختلف بل هو مؤتلف النظم لغة و ‏معنى كأنك أخذت تطبق ما تعلمته عن دكتور سْفر قبلنا، صراحة أسلوبه رقيق عليه أن ‏يخشِنه و مشاعره جياشة ، عليه أن يلجمها » قال زميل المجموعة معلقا على قراءته ، ثم ‏أضاف " ما حسبناه إلاّ الساقط الكبير في ترانيم محراب المنفلوطي ، عندما تفاد تراتيل محراب ‏سيدنا الحبر الأعظم و تخاريف محراب شهرزاد مع شهريار" ‏
وإذا به ذلك الطالب يدخل عليهم و هو يكاد ينفجر غضباً : ــ عن أي محراب تتحدثون ثم من ‏سمح لكم تقليب دفاتري! هاته و يحك من وقح . ‏
ــ نحن نهنئك أنت كاتب واعد لكنك لم تستخلص عصارة نصائح الأستاذ سْفر كما ينبغي ‏ههههه
ــ و ماذا قدمت أنت من كتابات أو أبحاث غير الاستهتار و الأسئلة البايخة!‏
ــ حسبُك ، حاسب حاسب من فضلك. قدمت فكرتين جليلتين لا بعدها و لا قبلهما . لا بد و أن ‏يصل معناهما إليكم بسلاسة و طلاوة عندما تسترقون السمع إلي و إلا فما أنا بناقد الجزائر ‏المستقبلي قط. ‏
ــ هات قل ما عندك
ــ أما الفكرة الأولى فهي شغف غوغاء الجزائر المختلطِين بشبابها الذين يعوزهم الوعي و ‏التجربة ، وهم الذين ولدوا بعد حربها الأهلية أو كانوا صغارا خلالها ، شغفهم إلى تكرار سيناريو ‏مصر، لكن هيهات الجزائر دولة ذات جهاز مخابراتي قوي ، يبدو أنه لم يعثر بين صفوفهم ‏على بقايا الفيس أو إرهابيين سابقين لكنه يقرأ مظاهراتهم و يحللها بروية و صمت ينم عن ‏منتهى الفطنة . هؤلاء الشباب ذوو اللحى القصيرة على طراز موضة العصر رامي يوسف و ‏إسلام صبحي مخطئون وحالمون، فالإسلام ليس للحكم و السياسة بل للعبادة في المساجد ‏المكفولة و المحمية عن طريق مؤسسات الدولة ، لأنه يُلغي الآخر المختلف بل يكفره فيعدم ‏الديمقراطية و يذكي العنف. أما الفكرة الثانية فهي سؤال ظل يحيّرني و يذكي جذوة الفكرة و ‏عبقها لدي ، و هو الذي يتعلق بيوم الميعاد ، فماذا سيكون حال المؤمنين بالرسائل السماوية ‏و هم المسلمين و المسيحيين و اليهود و البوذيين لو جحدهم الله و أنكر أنبيائهم مقابل اعترافه ‏بالمؤمنين به وحده دون وسطات ؟ لاشك أن المسلمين سيبكون و ينتحبون حتى تفيض مُقلهم ‏أودية أما المسيحيين و اليهود فسيشتمون أنبيائهم على الهواء مباشرة. أما ضحاياهم من تاريخ ‏الإنسانية الطويل اضطهادا و تنكيلا فغبِطين مكبرين بحكمته أظنك منهم يا زيــ.....‏
‏ يتبع ‏










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-


.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ




.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ