الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبناء الآلهة و المعراج للسماء

رماز هاني كوسه

2019 / 5 / 21
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


فكرة أبوة الآلهة للبشر فكرة قديمة موجودة لدى مجتمعات الشرق الأوسط القديم و النصوص التي وصلتنا من أيام مملكة أوغاريت و المملكة البابلية القديمة تقيدنا بالتعرف على جذورها
فإذا عدنا للنصوص الأوغاريتية التي تتحدث عن ملحمة كرت الملك الأوغاريتي الذي كان عقيما و شاخ و لم يرزق بوريث نقرأ خطابا من الإله إيل الى الملك كرت يقول فيه
"و في حلمه رأى الإله إيل ينزل
و في حلمه رأى أبو البشر يقترب
سائلا كرت : لماذا تبكي يا كرت ؟
و لماذا تدمع عينا النعمان غلام إيل ؟"
و نقرأ أيضا رثاء ابنة كرت لأبيها عند اقتراب موته
"أبي كنزي هل تموت الالهة
و ذرية لطفان (إيل) لا تعيش إلى الأبد ؟"
النصان السابقان يحملان إشارات لأن الملك كرت هو ابن للإله إيل و لذلك تستغرب ابنته موته .
في الملحمة نفسها يرزق الملك كرت بأبناء بعد أن كان عاقرا و أحد هؤلاء الأبناء اسمه (يصب) الذي تتحدث عنه الأسطورة
"سوف تلد لك الفتى يصب
الذي سوف يرضع حليب عشيرة
و يمتص من ثدي عناة
مرضعتي الآلهة "
من النصوص السابقة نستطيع أن نفهم أن أبوة إيل للملك كرت ليست أبوة تامة بل أبوة أقرب للتبني و الرعاية و ما يدعم هذا التفسير هو عملية الإرضاع التي تقوم بها عشيرة زوجة إيل و عناة زوجة بعل للوريث يصب . فهنا يتشكل الرابط القدسي بين الملك و بين مجمع الآلهة . الرضاعة من زوجة الإله و اعتباره ابنا للإله . مفهوم البنوة بالرضاعة نراه يتكرر لاحقا في الثقافة الدينية الإسلامية باعتبار الرضاعة مقياس للبنوة و ينطبق عليها أحكام البنوة و الأخوة من حيث الزواج و تحريمه وفق نص قرآني واضح النساء: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} ....... فكرة بنوة إيل للملك كرت نراها تتكرر لاحقا في العقيدة المسيحية و ذلك بابوة الاله ليسوع المسيح .
أما في النصوص البابلية فنقرأ أسطورة الملك إيتانا أحد ملوك كيش الذي كان أيضا عقيما و لا ولد له و قد كبر في العمر. فيتوسل للإله أن يرزقه بطفل يرثه بشكل مشابه للملك كرت الأوغاريتي فنقرأ
"في كل يوم كان إيتانا يتضرع للإله الأعلى شمش قائلا
لقد قدمت لك ذبائح من أفضل غنمي فاستمتعت بها
.
.
.
فيا إلهي دع الكلمة المنتظرة تخرج من فمك و هبني نبتة الاخصاب
انزع عني عاري و أمنن علي بنسل ".
فيستجيب الإله شمش و يخبر إيتيانا بالوسيلة للحصول على نبتة الإخصاب و هي إنقاذ نسر جريح ملقى في بئر ليشفى و يقوده لمكان نبتة الإخصاب . ينقذ الملك إيتانا النسر الجريح و بعد أن يشفى يقوم النسر بحمل الملك و الطيران به إلى السماء السابعة ليأتي بنبتة الإخصاب و يشفى من عقمه فنقرا
"ففتح إيتانا فمه و قال للنسر
يا صديقي لقد أرتني الآلهة حلما اخر
رأيت أننا كنا نمضي عبر بوابة آنو و إنليل و آيا
هناك ركعنا معا أنا و أنت
ثم رأيت أننا نمضي معا أنا و أنت
عبر بوابة سن و شمش و أدد و عشتار
هناك ركعنا معا أنا و أنت
.فقال النسر لإيتانا
إن معنى حلمك واضح دعني أحملك صعودا إلى سماء آنو "
أسطورة إيتانا هذه تحمل إشارات أخرى لنوع من العلاقة الوثيقة بين الملك و بين الآلهة فخصوبة الملك و إنجابه لوريث جاء بفضل نبتة الخصوبة التي حصل عليها من عشتار ربة الخصب التي كان لها الفضل المباشر في إنجابه لوريث لسلالته مثلما كان لعشيرة الكنعانية الفضل في ارضاع( يصب ) ابن كرت الملك الأوغاريتي و تكريس الرابط الإلهي بين البشر و الملوك .
أسطورة إيتانا تحمل قصة صعود إلى السموات السبع و ذلك واضح عند قول الملك إيتانا بأنه عبر بوابات الآلهة ( آنو _ إنليل _آيا _سن _شمش _أدد_ عشتار ) و من الواضح أنها بوابات سماوية تشير للسماوات السبع بدليل أن النص يكمل و يقول (دعني أحملك صعودا إلى سماء آنو) . سبعة آلهة لهم سبعة أبواب . بوابة خاصة بسماء كل إله . تذكرنا القصة هذه بالرواية الإسلامية عن المعراج السماوي للرسول إلى السماء السابعة . و التي يسبقها في الإبراهيميات رواية صعود أخنوخ للسموات السبع و التي ترد في سفر أخنوخ و هو أحد الأسفار غير القانونية . و نراها تتكرر بشكل مقتضب في إشارة لصعود بولس الرسول للسماء الثالثة كما يرد في رسالته الى كورنثوس .
ما تطرحه الأسطورتان السابقتان و اللتين دونتا بالألف الثاني قبل الميلاد نراه يتشابه مع الموروث الديني الإبراهيمي سواء من حيث بنوة الآلهة للبشر في تكريس لرباط القداسة الإلهية . أو من حيث فكرة الصعود أو المعراج الى السماء السابعة في الإبراهيميات .
فكرة أخرى نراها مشتركة بين الاسطورتين السابقتين و الابراهيميات و هي موضوع العقم . فالملكين ايتانا وكرت كانا عاقرين و انجبا ببركة من الآلهة . و هو ما نراه يتكرر في قصة النبي إبراهيم الذي كان شيخا كبيرا و بلا ولد حتى بشره الإله بأنه سينجب أبناء .... تتكرر في قصة إسحاق بن إبراهيم الذي أنجب بعد ان كبر بالسن بفضل الآلهة .... و يتكررأيضا في قصة يوحنا المعمدان وأبويه زكريا و اليصابات الذين كانا عجوزين و لم بنجبا إلى أن جاءت البشارة من ملاك الرب بأنه سينجب من زوجته اليصابات . تبدو فكرة العقم و الانجاب ببركة الآلهة التي تتكرر هنا هي من نتاج ثقافة المجتمعات الزراعية . فالعقم يمثل جفاف الجفاف و القحط الذي يصيب الأرض فلا تعطي إنتاج زراعي . أما الخصوبة و الإنجاب ببركة الآلهة فتمثل عودة الأمطار و بدء دورة الحياة الزراعية من جديد بفضل تدخل مباشر من الآلهة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل دعا نتنياهو إلى إعادة استيطان غزة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. روسيا تكثف الضغط على الجبهات الأوكرانية | #غرفة_الأخبار




.. إيران تهدد.. سنمحو إسرائيل إذا هاجمت أراضينا | #غرفة_الأخبار


.. 200 يوم من الحرب.. حربٌ استغلَّها الاحتلالِ للتصعيدِ بالضفةِ




.. الرئيس أردوغان يشارك في تشييع زعيم طائفة إسماعيل آغا بإسطنبو