الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة نقدية لقصة قصيرة جدًا ( استفاقةٌ ) للقاصة السورية رغداء العلي ، بقلم: رائد الحسْن

رائد الحسْن

2019 / 5 / 22
الادب والفن


استفاقةٌ
أنارَتْ سَوادَ ليْلِهِ ، بَشَّرَ بِها نُظَرَاءَهُ المَسْحُوقينَ ، افتَرَّ ثغْرُ الحَقِّ .
معَ إطْلالَةِ الفَجْرِ؛ حَلّقَتْ أفْكارُهُ عالياً حامِلةً مَعَها رأسَهُ.
__________________________________________
العنوان: استفاقة
وهو اسم ، مصدر اِسْتَفاقَ
اِسْتَفاقَ مِن الغفلة: أي انتبه
اِسْتَفاقَ مِن الجنون: عاد إليه عقله
اِسْتَفاقَ مِن السكر: صحا
اِسْتَفاقَ مِن النوم: استيقظَ
عن أيّ استفاقةٍ تتحدّثُ الكاتبةُ؟ هذا ما سنعرفهُ ونسبرُ غورهُ من خلالِ قراءةِ المتنِ كاملًا.
الاستفاقةُ هنا، هي استفاقةُ رجلٍ من شعبٍ مقهورٍ، مسحوقٍ، متألمٍ و مضطهَدٍ، عاشَ - ذلك الشعب - ويلات الظلمِ والاستبدادِ وبيدهِ أغلال الظالمين، الذين أغلقوا عليه منافذَ و نوافذ نور الشمسِ وشيَّدوا جدرانًا عاليةً مِن العزلةِ ووضعوا ستائرَ قاتمة؛ فأحالتْ نهارَهم ليلًا، بل أمسى ليلهم امتدادًا لنهارهم؛ فغطّاه بسواده ، لا شمس تطلعُ ولا فجر يبزغُ ولا نورٌ ينبثق. إنّها استفاقةُ ثائرٍ من رقادِ ظلمِ الظالمين أعداءِ الإنسانيّة.
المتن:
أقضَّ الطغيانُ مضجعَ - بطل قصتنا - وقطعَ الظّلمُ شرايينَ جسده المسجونِ بقيودِ الطغاةِ؛ لينتفضَ قبل أقرانهِ؛ فتسرّبَ نورُ الحقّ مِن بين مساماتِ الظلامِ، ليستحيلَ إلى نورٍ يتوهّجُ وينيرُ فكرهُ بحلمٍ سيتحققُ وأملٍ سيقبلُ وشمس ستشرقُ ليبدّدَ الظلمَ والظلامَ؛ لتنيرَ سوادَ ليلهِ، سواد ليلِ شعبٍ بأكملهِ يرزحُ تحت عبوديةٍ شاختْ في سني عمرها.
علمَ جيدًا، أنّ الطريقَ طويلٌ وشاقّ وشائكٌ وخطير، لكنّ الصُّبْحَ انبلجَ بين أضلعهِ وفي ثنايا خلايا دماغه ورأسهِ، فليسَ له القدرةُ والمقاومةُ على منعِ دخولِ نورِ الحياة من ثغرةِ نافذةِ الخلاصِ؛ لترسمَ أولَ خطوةٍ على طريقِ التغييرِ للوصول للحياة الكريمةِ ، وأدركَ أنّ عطرَ زهرته سيفوحِ وإنْ قُطعتْ ودُهِستْ تحتَ الأقدامِ، وتيقّن بأن لا بذور ستُنثَر وتنبت بلا موتٍ لسنبلةٍ قرَّرتِ العيشَ والامتداد مِن خلال فنائها لتحيا كلّ السنابل الأخرى الكثيرة لتكوّن وتؤلّف أجملَ بيدرٍ يستمتعُ بنور الشمسِ السّاطعة في أرضٍ معطاء واسعة وسط أجواءٍ وفضاءات مِن الحرية والعدالة.
بعد أن أنارتْ استفاقتُه سوادَ ليله، بشّر أقرانَه، نظراءَه في القهرِ، فالنورُ ينتشرُ ويضيء مديات بعيدة مِن المكان ليستقرّ في القلوب والرؤوس؛ لينفتح على آفاقٍ أوسع وأشمل؛ ولتنطق الأفواهُ المغلقةُ والألسنةُ الصامتةُ وتقول كلمةَ الحقّ بصوتٍ عالٍ موحّد.
بُشراه لم تطُل بزمنها، فكانت حياتهُ على موعدٍ مع الرحيلِ القسريّ ، فالفجرُ الذي أراده أن يطلع ، طلعَ مع أدواتِ فناءِ جسدهِ ، هُم ظنّوا أنّ بتصفيته - جسديًا - سيُصمِتوا صوتَ الحقِّ ونوره إلى أجلٍ غير مُسمى، ونسوا أو تناسوا بأنّ ثغرَ الحقّ انفتحَ والبذرة التي سقطت، ستُثمِر بثمارٍ كثيرة.
حلَّقت أفكارُه مع روحِه عاليًا وهي مُطمئنةٌ راضية بما تراه مِن هناك ، حيثُ الأمل والتغيير والثورة.
فبدون تضحية، لا خلاص وبدون موتٍ لا حياة، الفجر بزغ وإن افُلتْ روحُ - بطلنا - لكن الذي يواسي ويعزّي فقدانه هو أنّ أفكارًا جديدة ولدتْ وستكبر وتتعمّق وتنمو.
إنّهُ ترك نواةً للتغييرِ وهذه النواةُ ما كانت لتلد دون التضحية بحياتهِ.
أنها قمّةُ الإيثارِ والتضحيةِ، وهذا هو ديدنُ الشعوبِ الحيّةِ، تهبُ قرابينها على مذبحِ النضالِ لتمنحَ الحياةَ الكريمة لمواطنيها.
استخدمتِ الكاتبةُ لغةً بلاغيةً جميلةً برمزٍ شفّافٍ :
الإنارةُ رمزٌ للتّفتحِ الفكريّ، والسّوادُ لسباتِ الماضي
أمّا الفجر فيرمز دائماً للخلاص، ولكن عند البطل كان خلاصاً أبدياً من الحياة. عندما ألحقَ الطغاةُ أو الأعداءُ رأسَ هذا المسحوق بأفكاره التنويريّة..
كعادةِ المستبدّ الذي يخشى من النورِ الذي يزلزلُ عرشه وكأنّنا نتذكّر قول الكواكبي : ( المستبدّ عدو الحقّ، عدوّ الحرية، وقاتلها. و الحقّ أبو البشر و الحريةُ أمهم، والعوامُ صبيةٌ أيتامٌ نيامٌ لا يعلمون شيئاً و العلماء هم إخوتهم الراشدون، إن أيقظوهمْ هبّوا و إن دعوهم لبّوا… ).
النصّ جميلٌ ومكثّفٌ ويحمل المعاني الكبيرة والعبر العميقة، انتهى بقفلةٍ مدهشةٍ ومناسبة.
اختارت الكاتبة فيه، كلماتٍ معبّرة لها دلالاتها الغنية بمعانيها واستخدمتها في أماكنها الملائمة.
أمنياتي للكاتبة رغداء العلي بدوام الإبداع والتألّق والنجاح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان هاني شاكر في لقاء سابق لا يعجبني الكلام الهابط في الم


.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي




.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع


.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي




.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل