الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسلسل الفندق ، وفنادق واقعية ..

محمد ليلو كريم

2019 / 5 / 26
الادب والفن


..
وأنا أتصفح الكُتب المقدسة يقع نظري على قصص وكلمات تُبين وبنوع من التفصيل مشاهد ووقائع جرت في أزمنة غابرة ، ورغم أن النصوص المقدسة تدعو للطُهر والعفاف إلا انها تتطرق لممارسات ستُعتبر لاحقًا من المحرمات ( بحسب رأي الفقهاء ) ولو تسائلنا عن المغزى وراء ذِكر تلك الموبقات وسردها في متن النص المقدس لما بذلنا كثير جُهد للحصول على الجواب ، فالنص المُقدس في جانبه التقويمي والأرشادي لن يتوجه للناس بالنصح والتوبيخ دون وجود مادة موضوعية كواقعة تاريخية ، وإلا من أين يأتي بمثال ( وتلك الأمثال نضربها للناس ) كمادة قصصية يستخدما للتحذير فيُصور للمتلقي ما حدث واقعًا حينها ويُرشد الحواس المتفاعلة مع الصور القصصية لتجنبها ، ومن المنطقي أن ينقل المنبري أو المحاضر أو الواعظ تلكم القصص المخزونة نصيًا لوسط اجتماعي عاد لتقليد نفس تلك الممارسات التي حذر منها النص المقدس وشنع بها ، فهل نُقاطع الواعظ بحجة أنه يستخدم الفاظ جارحة ويسرد قصص فاضحة فندعوه لحصر وعظه بالحديث عن الملائكة واليوتوبيا الطاهرة ؟؟ ..
لماذا لا نُفكِر بوعي ثقافي وسعة من التفهم وتعقل فسيح ؟؟ .. هل من واجبات الفن أن يتحول الى مشهد مُحتشم يتناغم مع الرأي الفقهي الأكثر تزمتًا ؟؟
يعني ، نحن كمشاهدين ... أو لنتحدث بلسان اللهجة :
يعني أحنة ألّي نباوع عالتلفزيون نريد مسلسلات وبرامج كلش محتشمة وكون ما بيها حرام ، زين ؛ خل نسأل انفسنا : احنة من نحرّم ونحلل حافظين الفتاوى الفقهية ألّي تحرم وتحلل ، وندري كم فتوى صدرت بخصوص ما يطلع بالتلفزيون ؟؟ .. زين ، هوَّ أحنة اصلًا ليش مشغولين وخابصين الدنية ودايخين ومنفعلين ، مو أكو قنوات دينية ؟؟ ..
من المهمات التي يضطلع بها الفن معالجة جوانب من الواقع مهما كانت محرجة ، أو نصف عارية ، أو عارية تمامًا ، فالمسلسل الذي تدور احداثه في فندق يُقدم خدمة مساج أو خدمة مساج VIP هو يتحدث عن واقع ، أي أنه ينقل لنا مشاهد من الواقع بأسلوب فني بهدف المعالجة أو على الأقل لنتعرف على وقائع نعرفها ( بس نغلس ) ونحن ( نغلس ) ونريد الفن ( يغلس ) لسبب أذكره لكم مع أننا نعرفه :
نحن كرجال نُبيح الجنس المأجور وأرتياد بيوت الدعارة والنوادي الليلية ( الملاهي ) والخمر ، وحتى زواج المُتعة فقط لنا كرجال ، ونحاول بكل قوة وبكل أساليب الردع أن لا تلتفت نساءنا لهذه الجوانب اللذيذة من الحياة ، نعم هي جوانب لذيذة ، حلال علينا ، حرام على المرأة أن كانت زوجة أو أخت أو أم أو بنت ، فممارستها فخر لنا ، وعار علينا أن مارستها نسائنا ، وهذا يعني ، بالمحصلة ، أن هناك مجتمعًا نصف فاسق ، على أقل تقدير ..
في أحد اسفار التوراة ، يسرد لنا النص قصة نبي أسمه هوشع ، والسفر يحمل اسم النبي ، فهو سفر هوشع ، وهذا السفر يُمثل ذروة التمثيل المسرحي لواقع جار ، فقد أمر الله النبي هوشع أن يتزوج بامرأة أسمها جومر بنت دبلايم التي عُرِفت بالزنى ، أما لماذا أمر الله نبيه بذلك فلأنه أراد تشبيه حال المجتمع ومسرحة واقعه (( قول الرب الذي صار الى هوشع بن بئيري في ايام عزيا و يوثام و احاز و حزقيا ملوك يهوذا و في ايام يربعام بن يواش ملك اسرائيل .. اول ما كلم الرب هوشع قال الرب لهوشع اذهب خذ لنفسك امراة زنى و اولاد زنى لان الارض قد زنت زنى تاركة الرب .. فذهب و اخذ جومر بنت دبلايم فحبلت و ولدت له ابنا )) ولو قرأنا السفر لوجدنا تصوير مُعتبر لحال ذلك المجتمع وما اقترفه وكيف أن النص أراد تشبيه حال المجتمع عبر مثال تطبيقي ، ونعرج الى الإنجيل فنقرأ هذه القصة (( أمَّا يَسوعُ فخرَجَ إلى جبَلِ الزَّيتونِ . وعِندَ الفَجرِ رَجَعَ إلى الهَيكَلِ ، فأقبَلَ إلَيهِ الشَّعبُ كُلُّهُ . فجَلَسَ وأخَذَ يُعَلِّمُهُم . وجاءَهُ مُعَلِّمو الشَّريعةِ والفَرِّيسيُّونَ با‏مرأةٍ أمسَكَها بَعضُ الناسِ وهيَ تَزني ، فَاوقفوها في وَسْطِ الحاضرينَ ، وقالوا لَه يا مُعَلِّمُ ، أمسَكوا هذِهِ المَرأةَ في الزِّنى . وموسى أوصى في شَريعتِهِ بِرَجْمِ أمثالِها ، فماذا تَقولُ أنتَ , وكانوا في ذلِكَ يُحاوِلونَ إحراجَهُ ليَتَّهِموهُ . فا‏نحَنى يَسوعُ يكتُبُ بإصبَعِهِ في الأرضِ . فلمَّا ألحُّوا علَيهِ في السُّؤالِ ، رفَعَ رأسَهُ وقالَ لهُم مَنْ كانَ مِنكُم بِلا خَطيئَةٍ ، فَليَرْمِها بأوّلِ حجَرٍ )) اعتقد أن هذه القصة الواردة في الأصحاح الثامن من انجيل متى بالغة البيان في تبيان ما ذكرته حيث يُبيح الرجال لأنفسهم فعل ما حرموه على النساء ، فالنص لم يُذكر أي شئ عن الرجل الزاني وإلا كيف اعتبرت المرأة زانية دون وجود رجل مارس معها فعل الزنى ، كما وأن المسيح ( يسوع ) طالبهم أولاً بأن يُثبتوا طهرهم التام من أي فاحشة قبل رجم المرأة الزانية ، وهذا النص بحد ذاته دراما جاهزة تُفعّل في واقع أي مجتمع يستحق هذا التوبيخ ، وكذلك الفن ؛ فهو يُجهّز المجتمع بمادة فنية تعمل كالعلاج في حال الداء ، ونأتي الى القرآن لنقرأ فيه قصة الشغف العاطفي الذي أصاب زوجة العزيز وقد راودت يوسف ليُشبع شغفها ولم يتوجه القرآن نحوها بذمٍ أو وعيد ولعن ، ولم يخبرنا أن مصيرها جهنم وبئس المصير بل أبدى تعاطفًا واضحًا وزادت النصوص الدينية اللاحقة فنقلت أن الله أرجع لها شبابها وتزوجت يوسف ، فأشبعت شغفها بأثر رجعي ، وكان الله بالمؤمنين رحيما ..
حتى في الجنة ، وبحسب النصوص المقدسة وجِدت شجرة محرمة ، وكذلك وجِدَ ابليس ، فما بالك ونحن في الدُنيا والتي سُميت دُنيا لدنائتها !! .
هذه الأزدواجية في التعامل مع بعض الرغبات تدل على حالة من الفصام يُعانيها المجتمع ، فإذا ما أحدثَ الفن ردة فعل وهو يتطرق لهذا الفصام فقد حقق ذات العمل الفني تأثير اجتماعي وهذا يُحسب للعمل ، ففضح هذا الفصام نجاح مؤكد ، وكلما كانت ردة الفعل متشجنة ورافضة كان هذا دليل نجاح أضافي ، ولا داعي أن أقول أن بعض النقاشات الدينية ( وهي نقاشات حول خلاف ديني ) تضم كم من الفحش اللفظي و ( الفشار ) بما يُثير الخجل ، وهو تراشق على الملأ وبالعلن ، بينما يُنتقَد مُسلسل عالج ما نسبته دون الخمسين بالمئة من واقع الظاهرة التي تطرق لها ، أو أقل ، ورغم ذلك نخاف على نسائنا من تبعات مشاهدة المسلسل وفندق المسلسل ومساجات المسلسل بينما أشهد وأنا ابن هذا المجتمع على كم هائل وبشكل يومي من التراشق بالألفاظ النابية والتي يستخدمها اطفال المدارس واصحاب البسطات في السوق واصحاب سيارات النقل العام وشباب الشوارع وشرائح أخرى ، وبكثرة .. وعلى العموم ، لماذا يستفزنا فندق التلفاز ولا تستفزنا الفنادق الواقعية ؟؟ .. عجيبة هالحالة !! .
محمد ليلو كريم
٢٥ آيار ٢٠١٩








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز.. ما الرواية الإيرانية؟


.. عاجل.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدنى عن عمر يناهز 81 عاما




.. وداعا العمدة.. رحيل الفنان القدير صلاح السعدنى


.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدني عن عمر يناهز 81 عامًا




.. المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الفنان الكبير صلاح السعدني