الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ساق البامبو

مروان عبد الرزاق
كاتب

(Marwan)

2019 / 5 / 26
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


فازت الرواية بالجائزة العالمية للرواية العربية في عام (٢٠١٣). وقد وصفتها لجنة التحكيم بانها "محكمة البناء وتتميز بالقوة والعمق وتطرح سؤال الهوية في مجتمعات الخليج العربي". وهي حقا كذلك. فالهوية في مجتمعات الخليج ذات إشكالية كبيرة، وخاصة حين تتعدد الهويات فيها من كل بلدان العالم، وخاصة مع الدول الآسيوية التي تستقطب الخادمات الذين يخدمون في البيوت، مما يتم استخدامهم جنسياً، ويتم القذف بهم إلى اوطانهم بعد الولادة او الإجهاض.
والقوة في الرواية هي اختيارها لعنصر شاب "رشيد"، الذي يتزوج خادمته الفلبينية، ويرزق طفلا من أب كويتي مسلم، وأم مسيحية، وتمت تسميته ب "عيسى، أو هوزيه"، باللغة العربية والفلبينية. وترفض العائلة الكويتية الثرية هذا الزواج والطفل الوليد، بحجة "الصيت" لأن هذا الزواج يشكل عارا على العائلة. مما يضطر الزوج ترحيل الام مع ابنها إلى الفلبين، مع مراعاة الاعتراف بها، وتقديم مصروف للعائلة. وهذه نقطة الى الامام باعتراف الاب بذلك، وليس القطيعة. انه الاعتراف بهوية الطفل الكويتية.
والعمق في الرواية في تركيب الرواية، وحبكتها، والصور الجميلة التي قدمها بتصويره للمشهد الروائي بكافة تفاصيله والبنية النفسية لأبطال الرواية، وخاصة هوزيه وما يتعرض له من ضغط نفسي باحثا عن الحل لهويته عند لقائه بابيه. بحيث عندما ندخل المعبد البوذي، او الكنيسة أو الجامع، نشعر بأننا نعبد بوذا أو عيسى أو محمد. وكذلك تصويره بصور شاعرية للأماكن والشخصيات كأننا نعيش معهم في الفلبين أم في الكويت. انها الصور الشاعرية المشحونة بالحب والحزن، والقضايا السياسية والدينية.
وتدور احداث الرواية في الفلبين، أو الكويت. حيث يعيش هوزيه حياة الفقر متمنياً العودة إلى الكويت "الجنة الموعودة" كما تنقلها له امه، مع والده وصفاته الحنونة. إلا ان القدر لا يستجيب للرغبات. فالأب تطوع للدفاع عن الكويت ضد الغزو العراقي، ويموت في المعتقل، ويتدبر امره صديقه "غسان" الذي يجهز له أوراقه الثبوتية باعتباره كويتيا، ويسافر إلى الكويت، حيث تغلب سحنته الفلبينية على موظف الجوازات، ثم يتم التعرف إلى كويتيته، ويجلس منتظرا موافقة الجدة "غنيمة" على استقباله واعتباره ابنا لهم.
ولم يرى الجنة الموعودة، حيث رفضته الجدة وعماته وازواجهم، عيسى بعد اسلامه، وبمساعده اخته، جهزوا له غرفة على السطح مع الخدم خوفا من انكشاف امره وتقع الفضيحة. ويرى الحياة في الكويت بسيطة، والانقسام الطبقي والاجتماعي واضح للغاية، ولانعدام وجود العائلة والأصدقاء لم يشعر بالرغبة في الحياة، حتى ينكشف امره ويتم ترحيله إلى الفلبين، بعد محاصرته وطرده من العمل كعامل في متجر، بحجة انه ليس ابنا لهم، ولا يحق له شيئا من الورثة، ويعود وبيده حفنة من تراب الكويت اخذها من قبر ابيه، ويعود كساق البامبو دون أن تنبت له جذور في الكويت.
إن الصراع النفسي والجسدي الذي عاشه هوزيه فظيع جدا، انه يبحث عن هويته الكويتية، والتي تم رفضها لأسباب اجتماعية تتعلق بالعار للعائلة الثرية الكويتية. وكان يحلم بساق البامبو، وهو نوع من الخيزران كما يعرفه هو "لو كنت مثل شجرة البامبو لا انتماء لها، نقتطع جزءا من ساقها ونغرسه بلا جذور في أي أرض، ولا يلبث الساق طويلا حتى تنبت له جذور جديدة تنمو من جديد في أرض جديدة بلا ماضي، وبلا ذاكرة، ولا يلتفت الى اختلاف الناس حول تسميتها: كاوايان في الفلبين، وخيزران في الكويت، أو بامبو في أماكن أخرى".
يبدو أن البامبو لا ينمو في الكويت، أو دول الخليج العربي، بسبب جشع العائلات المسيطرة، والتي تنهب المال العام، وتكدسه في البنوك الأجنبية. رغم مساهمة الراوي "سعود السنعوسي"، بتقديم مخرج منطقي للاعتراف بهوية الأطفال الجدد، حتى لا يظلوا متشظين يبحثون عن هويتهم الضائعة.
وتنضم الرواية في بحثها عن الهوية والضياع والتشرد النفسي الذي يتعرض اليه هوزيه إلى دائرة الدفاع عن حقوق الانسان. لكن الخلل في النص الروائي واضح من تعاطي الروائي تجاه حالة "البدون"، والذين تعود تسميتهم الى "البدو الرحل من بادية الكويت، والذين سكنوا شبه الجزيرة العربية منذ آلاف السنين"، ويعدون بمئات الآلاف، والذين متواجدين في الجيش والشرطة، والمحرومين من الجنسية الكويتية، ومنبوذين من الناحية الاجتماعية، ويتم التعامل معهم كأغراب في الكويت، حتى لايتشاركوا مع الكويتيين في حصة النفط.
والرواية تضم الشخصية الثانية في الكويت وهو "غسان" من البدون، وهو الصديق القريب لراشد، وهو مثقف ومدافع عن الوطن، ويرغب في الزواج من العمة "هند"، والتي ترعى دائرة حقوق الانسان، والتي ترفضه وتصرح في حملتها الانتخابية بأنه "لا عيش مع البدون في الكويت"، مناهضة بذلك كل دعوات منظمة حقوق الانسان الداعية إلى تجنيس البدون والحفاظ على حقوق المواطنة، وكأنها تنضم إلى السلطة الحاكمة بدعوة البدون إلى الهجرة خارج الكويت والعيش هناك، مثل "جزر القمر" وغيرها.
وهذا الإيحاء من الروائي الذي يقول لا حل لمشكلة البدون، لأن العائلة الكويتية متمسكة بمبادئها ضدهم حتى بمن فيهم المدافعين عن حقوق الانسان. أو انه يترك المسألة معلقة بدون أي حل. وخاصة ان تركه لغسان دون امرأة، يعني أن عليه أن يرحل. وهذا بالتأكيد موقف سياسي من الروائي ضد البدون وحريتهم، وحقهم في جنسيتهم وعلى ارضهم.
اذن لا ساق للبامبو في الكويت والخليج العربي، ولا حقوق للإنسان أيضا. بهذه الجملة يمكن ختم الكلام، مع أنها رواية ممتعة وتستحق كل التقدير.
-------------------
ساق البامبو- سعود السنعوسي- الدار العربية للعلوم ناشرون- ٣٩٨ صفحة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام


.. حكومة طالبان تعدم أطنانا من المخدرات والكحول في إطار حملة أم




.. الرئيس التنفيذي لـ -تيك توك-: لن نذهب إلى أي مكان وسنواصل ال